المادة    
قال أبو جعفر الطّّحاويّ رَحِمَهُ اللهُ:
[ولا تثبت قدم الإسلام إلا عَلَى ظهر التسليم والاستسلام]
قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
[هذا من باب الاستعارة، إذ القدم الحسي لا تثبت إلا عَلَى ظهر شيء، أي: لا يثبت إسلام من لم يسلِّم لنصوص الوحيين، وينقاد إليها، ولا يعترض عليها ولا يعارضها برأيه ومعقوله وقياسه.
روى البُخَارِيّ عن الإمام مُحَمَّد بن شهاب الزهري-رَحِمَهُ اللهُ- أنه قَالَ: من الله الرسالة، ومن الرَّسُول البلاغ، وعلينا التسليم، وهذا كلام جامع نافع.
وما أحسن المثل المضروب للنقل مع العقل، وهو: أن العقل مع النقل كالعامي المقلد مع العالم المجتهد، بل هو دون ذلك بكثير، فإن العامي يمكنه أن يصير عالماً ولا يمكن للعالم أن يصير نبياً رسولاً، فإذا عرف العامي المقلد عالماً فدل عليه عامياً آخر، ثُمَّ اختلف المفتي والدال، فإن المستفتي يجب عليه قبول قول المفتي دون الدال، فلو قال الدال: الصواب معي دون المفتي لأني أنا الأصل في علمك بأنه مفت، فإذا قدمت قوله عَلَى قولي قدحت في الأصل الذي به عرفت أنه مفت، فلزم القدح في فرعه! فيقول له المستفتي: أنت لمَّا شهدت له بأنه مفت ودللت عليه شهدت له بوجوب تقليده دونك، فموافقتي لك في هذا العلم المعين لا يستلزم موافقتك في كل مسألة، وخطؤك فيما خالفت فيه المفتي الذي هو أعلم منك، لا يستلزم خطأك في علمك بأنه مفتٍ، هذا مع علمه أن ذلك المفتي قد يخطىء] إهـ.

الشرح:
قول الطّّحاويّ -رَحِمَهُ اللهُ -: [ولا تثبت قدم الإسلام إلا عَلَى ظهر التسليم والاستسلام] معناه: أن الإسلام هو: الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك، أي: أن يلغي الإِنسَان كل شك أو شبهة تعارض ما جَاءَ به الرَّسُول صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويتمثل قوله تعالى:] ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً)) [البقرة: 208] أي: ادخلوا في دين الله كله، وعلى ذلك قاتل النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأُمر أن يقاتل ((وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ))[الأنفال:39] ويكون الإذعان والانقياد والطاعة لله تَعَالَى.
وما قاله المُصنِّفُ عن كلام الطّّحاويّ: إنه من باب الاستعارة، وهي: التشبيه الذي حذف أحد طرفيه، بدلاً من أن نقول: مثل إسلام الإِنسَان كالإِنسَان الذي يقف عَلَى قدميه لا بد أن يقف عَلَى شيء، وهذا الشيء يجب أن يكون ثابتاً مثل التسليم والاستسلام، فنحن حذفنا أحد الطرفين، وهذه تسمى الاستعارة، فَيَقُولُ: القدم الحسي لا تثبت إلا عَلَى ظهر شيء فأخذ ذلك وقَالَ: لا يثبت إسلامك ولا إيمانك إلا عَلَى شيء، وهو: التسليم والاستسلام لله تعالى، فلا يثبت إسلام من لم يسلم لنصوص الوحيين -أي: الكتاب والسنة- وينقاد إليهما، فلا يعترض عليهما ويعارضهما برأيه ومعقوله وقياسه.
ثُمَّ استشهد عَلَى ذلك بما قاله الإمام العظيم مُحَمَّد ابن شهاب الزهري فيما رواه الإمام البُخَارِيّ عنه قال هذه الكلمة الجامعة "من الله الرسالة" وهذه من رحمته أنه منَّ بها وأرسل رسوله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ))[الأنبياء:107] فالله رحمنا وأرسل الرَّسُول صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنزل الرسالة فمن الله الرسالة "ومن الرَّسُول البلاغ" أي: الرَّسُول صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مبلغ ومبين لِمَا أنزل الله، وعلينا نَحْنُ التسليم، فهذا الكلام العظيم كلام من تأدب بأدب النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأُعطي العلم النافع الصحيح، كما أخذه عن النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكانت له مثل هذه الكلمات وهذا هو الواجب الذي يجب علينا؛ لأن الله قد منَّ علينا بالرسالة ورحمنا بها، والرَّسُول صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده، وبين لنا كل خير وكل شر إِلَى أن نلقى الله، وبقي علينا التسليم والانقياد والإذعان.
  1. المثال المضروب للنقل مع العقل

    ثُمَّ ذكر المُصنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ المثل المضروب للنقل مع العقل وقد ذكره شَيْخ الإِسْلامِ ابْن تَيْمِيَّةَ في درء التعارض (فإن الذين يقولون: نقدم العقل عَلَى النقل حجتهم هي: أن العقل هو الذي دلنا عَلَى صحة النقل، فلولا العقل لم نعرف أن هذا رسول، ولم نعرف أن القُرْآن حق، فالعقل هو أصل النقل، وهو الذي دل عليه، والمجنون لا يكلف، ولا يحتاج إِلَى الحق، ولا يعرف صدق رَسُول من كذبه، ولا يفهم آية من غيرها.
    فأراد شَيْخ الإِسْلامِ ابْن تَيْمِيَّةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ- أن يزيل هذا اللبس الذي حصل عندهم في علاقة هذا الدليل مع المدلول عليه، فقَالَ: هذا المثل الذي هو للتقريب -وإلا فإنه ليس تشبيهاً من كل جهة- وهو أن مثل العقل مع النقل كالعامي المقلد مع العالم المجتهد، فهذا العامي المقلد كلما أمره العالم بشيء فكر فيه وفهمه، ثُمَّ نفذه هذا هو الدور الحقيقي الذي يجب أن يكون عليه هذا.
    وليس في هذا المثل مطابقة من كل وجه؛ لأن هذا العامي المقلد يمكن أن يتعلم فيصير عالماً مجتهداً، بخلاف العقل فإنه لن يصل إِلَى رتبته؛ لأن الوحي أو الغيب لا تصل إليه العقول أبداً، فالعالم العاقل مهما أعمل عقله لن يصبح نبياً ولن يعرف علوم الأَنْبِيَاء أبداً، يقول: فإذا عرف العامي المقلد عالماً، ثُمَّ جَاءَ هذا العامي المقلد ودل عامياً آخر عَلَى هذا العالم، وقال له: خذ منه العلم، وكل شيء يقوله لك الشيخ لا بد أن تعرضه عليَّ، فإما أن أوافق عليه وإما أن أخالفه.
    فيقول ذلك العامي الغريب: أنت دللتني عليه عَلَى أساس أنه عالم آخذ منه العلم، وإذا كَانَ الأمر كذلك فأنت العالم! فلماذا تدلني عَلَى الشيخ؟ لا حاجة إذن إِلَى العالم أصلاً، وهذا الذي نقوله لمن يقول: تقدم العقول عند التعارض، فنقول: ما فائدة الوحي إذن إذا كنا سنحكم بآرائنا وعقولنا؟!

    يقول المُصنِّف -رَحِمَهُ اللَّهُ-: [فإن المستفتي يجب عليه قبول قول المفتي] أي: يجب عَلَى هذا المستفتي أن يسمع قول المفتي العالم ولا يسمع كلام الذي دله عليه، فلو قال الدال: إن الصواب معي دون المفتي؛ لأني أنا الأصل في علمك بأنه مفتي، فإذا قدمت قوله عَلَى قولي قدحت في الأصل الذي به عرفت أنه مفتي، ولزم من ذلك القدح في فرعه وهو النقل، فيقول له المستفتي الغريب: أنت لما شهدت له بأنه مفتي ودللت عليه شهدت له بوجوب تقليده دونك، ولا أتبعك أنت، فأنت لا تتجاوز قدرك وطورك، فموافقتي لك في هذا العلم المعين لا تستلزم موافقتك في كل مسألة، وخطأك فيما خالفت فيه المفتي الذي هو أعلم منك لا يستلزم خطأك في علمك بأنه مفتي.
    أي: نَحْنُ عندما نقول للعقل أيها العقل بما أنك قد دللتنا عَلَى صحة الوحي وعلى صحة النقل، فهذه شهادة منك بأن الوحي هو الذي يرجع إليه، وأن المتَّبع هو الوحي، ولا نهدر قيمة العقل، وخطأك أيها العقل في أمر تخالف فيه الوحي لا يستلزم خطأك في قولك إن الوحي هو الصواب، فهو قد جَاءَ بحق وجاء بباطل، فالحق قوله: إن الوحي هو الصواب، والباطل هو قوله: إن ما جَاءَ به الوحي لابد أن تعرضوه عليَّ لأخبركم ما تأخذون منه وما لا تأخذون.
    فنقول: لا يلزم منا هذا، فلا يلزم من صوابك في الدلالة أن نأخذ كلامك دون الوحي، ولا يلزم من خطئك فيما عارضك فيه الوحي أنك مخطئ في دلالتك عَلَى صدق الوحي، وهذا من أحسن الأجوبة والأمثلة التي يتضح بها قيمة عقل الإِنسَان مع ما أنزل الله من الوحي الذي تعبدنا الله تَعَالَى به دون ما سواه.
  2. حقيقة المعارض لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم

    قَالَ المُصنِّفُ -رحمه الله تعالى -:
    [والعقل يعلم أن الرَّسُول معصوم في خبره عن الله تعالى، لا يجوز عليه الخطأ، فيجب عليه التسليم له والانقياد لأمره، وقد علمنا بالاضطرار من دين الإسلام أن الرجل لو قال للرسول: هذا القُرْآن الذي تلقيه علينا، والحكمة التي جئتنا بها قد تضمن كل منهما أشياء كثيرة تناقض ما علمناه بعقولنا، ونحن إنما علمنا صدقك بعقولنا، فلو قبلنا جميع ما تقوله مع أن عقولنا تناقض ذلك، لكان قدحاً في ما علمنا به صدقك، فنحن نعتقد موجب الأقوال المناقضة لما ظهر من كلامك، وكلامك نعرض عنه لا نتلقى منه هدياً ولا علماً، لم يكن مثل هذا الرجل مؤمناً بما جَاءَ به الرسول، ولم يرض منه الرَّسُول بهذا، بل يعلم أن هذا لو ساغ لأمكن كل أحد أن لا يؤمن بشيء مما جَاءَ به الرسول، إذ العقول متفاوتة، والشبهات كثيرة، والشياطين لا تزال تلقي الوساس في النفوس، فيمكن كل أحد أن يقول مثل هذا في كل ما أخبر به الرَّسُول وما أمر به!!
    وقد قال تعالى: ((وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ)) [النور: 54]، وقَالَ: ((فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ )) [النحل: 35] وقَالَ: ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ))[إبراهيم:4]، ((قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ)) [المائدة: 15]، ((حم* وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ))[الزخرف:1، 2]،((تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ))[يوسف:1]، ((مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ))[يوسف: 111]، ((وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ))[النحل: 89]، ونظائر ذلك كثيرة في القرآن. فأمر الإيمان بالله واليوم الآخر: إما أن يكون الرَّسُول تكلم فيه بما يدل عَلَى الحق أم لا؟ والثاني باطل، وإن كَانَ قد تكلم بما يدل عَلَى الحق بألفاظ مجملة محتملة، فما بلغ البلاغ المبين، وقد شهد له خير القرون بالبلاغ، وأشهد الله عليهم في الموقف الأعظم، فمن يدعي أنه في أصول الدين لم يبلغ البلاغ المبين، فقد افترى عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] اهـ.

    الشرح :
    نسأل الله تَعَالَى أن يوفقنا جميعاً إِلَى أن نعرف قدر رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن نحبه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونطيعه كما أمر الله، وكم في هذا القول وهو تقديم العقل عَلَى النقل وأمثاله من المخالفات واللوازم الباطلة التي ألقاها الشيطان في النفوس، وألقتها الطواغيت من الجن والإنس، وألقتها الشهوات والعقول الفاسدة، من قوانين أو مناهج أو براهين أو علوم أو ما أشبه ذلك من الأباطيل؛ ليعارض بها ما جَاءَ به الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والأمثلة التي ذكرت هنا أو هذه القواعد هي مما لا يزال ينخر في كيان الأمة الإسلامية إِلَى اليوم، فقد يحسب بعض النَّاس أنه إنما خاض في ذلك علماء الكلام وانحرفوا عن الجادة، والحقيقة أن كل متبع للشيطان أو للهوى فإنه معارض لما أنزل الله عَلَى رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    وكل شيء مما هو مخالف لما جَاءَ به الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قيام الساعة فإنه يشمله هذا الحكم وتدل عَلَى بطلانه هذه القواعد.
  3. من لوازم معارضة ماجاء به النبي صلى الله عليه وسلم

    ومن لوازم معارضة ماجاء به الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إما أنه لم يبلغ -عياذاً بالله- أو أنه بلغ غير ما أوحي إليه، أو أن بلاغه لأي أمر يتوقف تنفيذه عَلَى شيء سواه، وهذا كلام ليس مجرد بحوث عقلية؛ بل قد صار في الواقع العملي، فإنك ترى كثيراً ممن يدَّعون الإسلام يعرض عليهم تحريم الخمر وأن الله تَعَالَى أنزل حرمتها في كتابه، فيقولون نعرض الأمر عَلَى مجلس كذا وكذا، فإذا أقر المجلس أنها حرام حرمت، وإذا لم يقرها تعرض في الدورة التي بعدها أو التي بعدها أو تسقط قانونيتها.
    وأمثال هذه المصائب والبلايا التي هي السبب في انحطاط الْمُسْلِمِينَ، وذلك أن يأتي الأمر من الله أو من رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيوقف تنفيذه لآراء البشر أو لأهواء الناس، والأصل أن كل أحد دونه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه يجب أن يخضع وأن يلتزم لأمر الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال الله تعالى: ((وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)) [الحشر:7] وهذا هو الأولى والأجدى فإن المسلم لا يكون مسلماً حقاً إلا إذا التزم بالعمل به وبتنفيذه، حتى من لم يعمل فإنه يجب عليه أن يلتزم بالعمل، أما أن يقول: ندع العمل به نهائياً؛ لأنه يخالف كذا وكذا، أو يقول: يمكن أن نعمل به بعد أن نأخذ رأي فلان؛ فإن معنى ذلك -عياذاً بالله- أن ثُمَّ إله غير الله -عَزَّ وَجَلَّ- يستدرك عليه، وبهذا نجد الجرأة البالغة عَلَى الله ورسوله.
    فحياة الْمُسْلِمِينَ في كل مكان أصبحت تقوم عَلَى هذه الأمور إما ظاهرة وإما خفية، فأين المسلم الذي إذا قلت له: هذا حرام يقف عند النهي؟
    أو أن هذا فيه حديث لعله ما بلغك، قال رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كذا فيقف. أين هذا في الأمة الإسلامية؟
    وبعض النَّاس إذا قلت له: قال الله ورسوله.
    قال لك: بلاد الغرب يفعلون كذا والقوانين تقول كذا، والمجلس الفلاني يقول: كذا، والقضية لم تعرض عَلَى كذا؛ سُبْحانَ اللَّه! فيعارضون أمر الله وكلام رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذه المحقرات، فلازم ذلك أن كلام رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إما أنه غير ملزم لهم، إذاً فهم لم يدخلوا في دين الله ولا آمنوا بالرسول، لأنهم يقولون: نؤمن به بعد أن يثبت لنا شيء آخر وكأنه شرط مفقود للإيمان بالرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    أو أنهم يقولون: إن الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يبلغ، وفي هذا إفك وافتراء وبهتان عَلَى الله ورسوله، فإن قالوا: بلغ ولا يلزمنا طاعته فهي مصيبة أعظم، وإن قالوا: لم يبلغ فهي أيضاً مصيبة أخرى، ولا فكَاكَ منهما، والسبب هو: أن الانتساب إِلَى الإسلام أصبح عند كثير من النَّاس إنما هو بالاسم ولا حقيقة وراء ذلك.
    فكما قال الإمام الطّّحاويّ: [ولا تثبت قدم الإسلام، إلا عَلَى ظهر التسليم والاستسلام] فمن لم يكن كذلك فإن إيمانه غير ثابت بل مزعزع أو مفقود، حتى يكون الإِنسَان منا إذا بلغه عن رَسُول الله شيء فكأنما يخاطبه رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخاطبه ويناديه بالاسم ويقول له: يا فلان دع الربا، ويا فلان دع الزنى، ويا فلان أرجم الزاني والزانية ويا فلان حرم كذا أو أحل كذا، هكذا يجب أن يكون حالنا؛ لأن غياب شخصه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنا لا يعني انقطاع الدين، فإن سنته قائمة ودينه وبلاغه قائم إِلَى أن تقوم الساعة.