المادة    
السؤال: إنني فتاة متعلمة، وتخرجت من إحدى كليات العلوم الشرعية، وأعمل معلمة دين في المرحلة المتوسطة، ولكن أفتقر إلى الخشوع في أي عمل أقوم به مع أني أصلي الفرض وأصوم، وأصلي النوافل حتى إني لا أنام إلا وقد صليت الوتر، وأتصدق وأبتعد عن جميع المحرمات، إلا أنني أحس بضعف في العقيدة، أو على الأصح لا أجد حلاوة الإيمان مع محاولتي التركيز أثناء الصلاة ولكن أخرج منها كما دخلت، كما أني لا أتحمس للدين، فما هو توجيهكم؟
الجواب: أنا أظن أن الأخت -وأسأل الله أن يجعل ظني كذلك- يغلب عليها شيء من الخوف من النفاق، أو أن تكون غير خاشعة، وإلا فأتصور أن من يعمل هذه الأعمال لا بد وأن يشعر بحلاوة الإيمان، بإذن الله، وليست الحلاوة الكاملة لأنها لا تكون إلا لمن اكتملت أعماله الإيمانية، لكن من يعمل هذه الأعمال لا بد أن يشعر بشيء من حلاوة الإيمان وإن قلَّت.
فربما أن هذه الأخت تنظر إلى نفسها بنظرة الازدراء، وهذا شيء طيب، وهو أن ينظر الإنسان في أمر الدين إلى من فوقه ويزدري نفسه، لكن في أمر الدنيا ينظر إلى من هو دونه فيحمد الله ولا يزدري نعمة الله تعالى عليه.
ومع ذلك أنا أقول: يجب أن ندخل في العبادة بإقبال ومحبة وخشوع ما أمكن، وإن لم نخشع فلنتخشع، وإن لم نبك فلنتباك، وإن لم نبصر فلنتبصر، وكما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، وإنما الصبر بالتصبر}.
فالإنسان إن لم يجبل على شيء فليجاهد نفسه أن تقوى عليه، وسوف تقوى وتلين بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، مع مرور الزمن، وأضرب لكم مثالاً يمثل به السلف حال النفس، ونحن الآن لا نركب الدواب، وهذه من نعم الله تبارك وتعالى، ولكن من قبل كانوا يركبون الدابة، والدابة أول ما تركب -كالخيل مثلاً- فإنها تحرن وترفس، ويصعب أن تذلل، لكنها تتمرن وتتمرن حتى تصبح كأسرع ما يمكن، ويركبها الطفل الصغير ولا تلقيه.
والنفس -سبحان الله تبارك وتعالى- هكذا، ومع ذلك فإنها قد تتدرب وتتذلل، ثم تحرن وتجنح، والنفس البشرية هكذا.
فما ضرب بعض السلف مثلاً بالدابة إلا لأجل ذلك، فالدابة يركبها الإنسان في طريقه في هذه الحياة.
فلا بد أن يتوقع منها هذا وهذا، ولكن الأصل أن تتذلل.
ولهذا قال بعض السلف: '' جاهدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت '' فهو أربعين سنة يجاهدها، ويذللها حتى تروضت، فبلغت هذه المقولة أحدهم فقال: '' عجباً أوقد استقامت '' أي: حتى أربعين سنة لا تكفي، فهو متعجب منه بعد الأربعين كيف استقامت!! فهذا مكسب عظيم.
فلا تيأس هذه الأخت وتقول: ما استقامت نفسي حتى الآن.
فنقول: نسأل الله تبارك وتعالى أن يريك حلاوة الإيمان واصبري ولا تتعجلي، وانتظرِي الخير من الله، وأكثري من الدعاء والتضرع أن يرزقك الإيمان واليقين والإخلاص والخشوع.