ولذلك فإن الاهتمام بهذا الأمر عظيم جداً، وحسبنا لنعلم خطر نواقض الإيمان، وما يخالفه وما يجانبه أن نأتي ببعض الأمثلة دون استقصاء أو تفصيل، ومنها:
قول الله تبارك وتعالى: ((وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ))[الزمر:65] فانظر أيها الأخ الكريم! مع من هذا الخطاب، ولمن هذا الخطاب؟
إنه لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وللرسل من قبله: ((وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ))[الزمر:65] فهذا الخطاب الإنذار التخويف؛ لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهل في البشر جميعاً خلق الله قاطبةً من دعا إلى التوحيد، وصابر عليه ورابط وحذر من الشرك وزجر كرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو الرسل من قبله؟!
لا. بإجماع كل العقلاء في هذه الدنيا. ومع ذلك فإن هذا التحذير يقال له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ومنها ما ذكر في آيات الأنعام بعد أن ذكر الأنبياء وقصصهم: ((وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) [الأنعام:88].
فالشرك يدمر الأعمال ويحبطها، ولو أن الله تبارك وتعالى يريد عبادات بلا توحيد وإن خالطها الشرك ونواقض الإيمان، لكان عباد النصارى ورهبانهم ورهبان الهندوس والبوذيين أكثر الناس إيماناً، لأنهم أكثر الناس اجتهاداً في العبادة! بل لكان الخوارج أكثر هذه الأمة إيماناً؛ لأنهم كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأصحابه الكرام -الذين عبدوا الله عز وجل كما شرع وأمر- قال: {تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم وعبادتكم إلى عبادتهم} لكن لما تلبسوا بما تلبسوا به من الانحراف والبدعة والضلال، لم ينفعهم ذلك.
فتبين أن تصحيح الاعتقاد وأصل الإيمان والدين هو الأساس الذي يجب أن تبنى عليه بقية الأعمال، وإذا صح ذلك -أي الاعتقاد- فإن العبد يكون على سبيل نجاة وإن ارتكب ما ارتكب، كما جاء في قوله عز وجل في الحديث القدسي، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {يقول عز وجل: يا ابن آدم! إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا -أي بملء الأرض خطايا- ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا غفرت لك} وهذا من فضل الله عز وجل لمن جاء محققاً التوحيد والإيمان، ولو وقع فيما لا بد أن يقع فيه بنو آدم من الأخطاء والذنوب، ولو تلبس بما لا ينبغي أن يتلبس به المؤمن.
لكن التوحيد كلما قوي، والإيمان كلما امتلأ به قلب الإنسان ويقينه وشعوره ووجدانه، فإن ذلك بلا ريب هو سبيل النجاة في الدنيا والآخرة.