حكم من يتستر على المجرمين
السؤال: ما خطورة التستر على المجرمين وعلى المنحرفين الذين لهم شر عظيم على الإسلام والمسلمين؟
الجواب: النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: {لعن الله من آوى محدثاً} وهذا الحديث ذُكر بعدة روايات في الصحيحين وغيرهما من كتب السنة، والإحداث أول ما ينطبق على الإحداث في الدين أي: المبتدعين، ثم كل من أحدث أمراً يضر بالمسلمين، ويهدد أمنهم واستقرارهم فالنبي صلى الله عليه وسلم لعن من آوى هؤلاء ومن شابههم في معنى الإحداث، ومن إيواء المحدثين التستر عليهم، وتغطية آثار الجريمة، وكأن شيئاً من ذلك لم يكن، وقد ذكرنا القصة التي وقعت في زمن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي المرأة المخزومية التي سرقت، وكيف أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل ذلك سبباً في هلاك الأمم فقال : {إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدَّ}.
فالتستر على الإنسان إن كان مقابل رشوة فإن هذه جريمة أخرى؛ لأن الرشوة شأنها عظيم وهي من الكبائر وتعلمون جميعاً ما ورد فيها.
وإن كان لأجل شيء آخر من مصلحة من مصالح الدنيا فإنها جميعاً تدخل في باب الرشوة.
وإن كان لضعف الإيمان، ولضعف النفس عن احتمال التبعة التي تكون من فضح هذا المجرم أو إيصاله، كما هي عليه الأمور الشرعية وحسب الإجراءات المتبعة في مثل هذه الحالة، فإن كان ذلك نتيجة ضعف الإيمان بالكسل والتراخي، وملاحقة من يجب عليك أن تلاحقه، فلتتق الله يا أخي ولتعلم أنك إنما وجِدت، وجعلت على هذه الثغرة وتأخذ هذا الراتب من أجل أن تؤدي واجبها، فالله الله أن يؤتى الإسلام من ثغرتك وأن يؤتى الإسلام من قبلك.
وتذكر أيضاً ما ذكره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مثال، وهو أن المجتمع كالسفينة، وأن هذا المجرم إن خرق أي جزء من السفينة فإنها تغرق جميعها، وأنه إذا اعتدى على عرض، فإن هذا العرض يكون لأخيك المسلم أيضاً وقد يعتدي على عرضك أنت في يوم من الأيام، وهذا الفعل منك منافٍ للإيمان كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه} فإذا كنت تحب لإخوانك المسلمين مثلما تحب لنفسك فاحرص على أمنهم، وذلك يكون بأن تحرص على متابعة وملاحقة كل مجرم بمقتضى ما يجب عليك من العمل الذي أمر الله به، ووفق المعروف والمتبع في مثل هذه الجريمة.
وقد يقول بعض الإخوان: هل يدخل هذا العمل في قضية التجسس؟ أقول: هذا شيء آخر، يعني فنحن -مثلاً- الأفراد الآخرين الذين ليس من مهمتنا أن نتتبع بعض المجرمين، أو أن نتتبع بعض القضايا فنحن يجب علينا وجوباً عينياً أن ننكر المنكر الظاهر بقدر الاستطاعة، وكل من رأى منكراً ينكره إما باليد وإما باللسان وإما بالقلب، لكن من كان عمله وشأنه أن يتتبع الخمور أو المخدرات أو بيوت الدعارة أو غير ذلك، فهذا يجب عليه أن يتتبعها، ويجب عليه أن يتعاون هو مع من يعينه على تتبعها؛ لأن هذا شأنه، وهذا واجبه، وبلا شك أن المسئولية على الجميع، وأن الواجب مشترك على الجميع، وأنه لا بد من التعاون، وهذا ما أمر الله تعالى به وما يجب علينا جميعاً، ولكن العبء الأكبر إنما هو على المسئول الأصلي، وهو رجل الأمن أو رجل الهيئة أو ما أشبه ذلك.