ذكان العرب في الجاهلية قبل بعثة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حال من الرعب والخوف والجريمة تقشعر منه الأبدان، فما بالكم بالرجل العاقل الحليم البالغ الشجاع من سادات القوم يقبض على ابنته التي ناهزت الحلم ويدسها في التراب، وهي حية تصرخ، أي أمن يمكن أن يتحقق في مجتمع يفعل عظماؤه وقادته هذا، وأي قسوة في القلوب تتخيل بعد هذه القسوة، فلا رحمة ولا شفقة، كما أن الغزو والنهب والسلب هو حياتهم، ولهذا يقول شاعرهم:
وأحيانا على بكر أخينا            إذا لم نجد إلا أخانا
فنحارب نحن وبكر من عدانا من العرب؛ لننهب ونجمع، فإذا لم نجد من نحارب إلا بكراً حاربنا بكراً وغنمنا بكراً، فهذه هي الجاهلية وهذه حياتهم، فما كانوا يجدون للأمن طعماً.
كان الرجل يمشي بالضعينة -أي: المرأة التي تكون في حوزته- وإذا برجل يخرج له من الطريق ويقول له سلم الضعينة وإلا قتلتك، وهنا لا حكم إلا للسيف، فإن قتله أخذ ضعينته، وإن قتل ذلك المجرم فإن مجرماً آخر يترصد في الطريق في مكمن آخر، لا طمأنينة ولا سعادة ولا راحة.