وسبب ذلك أن هذا الإيمان، سواء أكان عمل الجوارح، أم عمل القلب فإنه يتفاوت تفاوتاً عظيماً، فالذي يقول: إنه حقيقة واحدة كلية ومشتركة، فهذا مصادم للنصوص والآيات والأحاديث في ذلك، فإذا عرفنا هذه الأركان الأربعة، عرفنا بعد ذلك: لماذا قال العلماء -مثلاً-: إن الراجح أن ترك الصلاة كفر؛ لأن الحقيقة المركبة -كما نسميها- إذا فُقد منها شيء أساسي، فُقدت الحقيقة كلها، فالأشياء الأساسية إذا فُقدت تُفقد الحقيقة كلها.
مثلاً: لو شبهنا الإيمان بالإنسان، فالإنسان يتكون من بدن وروح، فإن من قُطِعَ رأسه، فهذا انتفت حقيقته، أي أنه مات تماماً، لأن قطع الرأس كقطع الجزءٍ الأساسي، لكن من قُطِع منه أصبع -مثلاً- فهذا إنسان ناقص الخلقة، أي نقص شيء من خلقته، لكنه ما مات، وهكذا نقول أركان الإسلام الخمسة -مثلاً- أو أركان الإيمان الستة، هذه هي الأركان الأساسية التي ذكرها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمن ترك الصلاة فقد كفر؛ لأنه ترك ركناً أساسياً تفقد به الحقيقة، مثل الشجرة لو استأصل الجذر وهو أصل الشجرة فهذه الشجرة تكون قد انتفت تماماً، كذلك الصلاة من الإيمان كما قال تعالى: ((
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ))[البقرة:143] أي صلاتكم إلى
بيت المقدس كما فسرها الصحابة كـ
ابن عباس في
صحيح البخاري، فإذا كنا نريد أن نعرّف الإيمان الكلي، ونعرف هذا الجزء منه وهو الصلاة، فالصلاة لها أركان وواجبات، ولها نوافل وكمالات، وكذلك الإيمان له أركان وواجبات، وله نوافل وكمالات.
فمثلاً: الركوع من أركان الصلاة، فالذي لا يأتي بالركوع مع قدرته على ذلك، يكون تاركاً للصلاة، ولم يصل مطلقاً، وكذلك من ترك الصلاة -مثلاً- هذا لم يؤمن مطلقاً، ومن ترك ركناً من أركان الإيمان الباطن كمن ترك الإيمان بالكتب أو الإيمان بالملائكة، فإن هذا ترك ركناً أساسياً من أركان الإيمان، فهذا يكون خارجاً من الملة، لكن الذي يترك واجباً -مثلاً- من واجبات الصلاة، فإنها تجبر بسجود السهو، وكذلك واجبات الإيمان تجبر بالتوبة -كلها تجبر بالتوبة والاستغفار- لكن الحقيقة باقية، فحقيقة الصلاة باقية حتى مع ترك الواجب، وأما الذي ترك الواجبات والمستحبات والنوافل، فقد ترك الكمال فقط.
فتشبيه الصلاة بالإيمان تشبيه من جميع الوجوه، فالصلاة لها باطن ولها ظاهر، فباطنها: النية والخشوع والانقياد والاستسلام لله بهذه العبادة، وظاهرها: ركوع وسجود وقيام، فلو رأيت إنساناً يركع ويسجد وله حركات ظاهرة مجردة بدون نية، وبدون إخلاص، لكان هذا مجرد حركات بدنية، وليست صلاة، وهذا مثل المنافق وإن حج وصام وزكى وجاهد، فهي حركات ظاهرية بدون إيمان في القلب، وهذا لا يسمى إيماناً.
وكذلك العكس لو أتيت إلى إنسان وهو جالس، قلت له: قم إنَّ الناس يصلون، فقال: لا. أنا أصلي بقلبي، وهذا كأمثال الذين وصلوا إلى أهل الحلول والاتحاد وأمثالهم، فلا نقبل منه ذلك، فنحن نعلم أن الخشوع أو الجانب القلبي من الصلاة عظيم ومهم، لكن لا يمكن أبداً أن يكون من دون أن يؤدي الإنسان الأعمال الظاهرة من ركوع وسجود وقيام وقراءة ونحو ذلك، فكذلك الإيمان من قال: الإيمان كامل في قلبي، لكن في حياته الدنيا لا صلاة ولا زكاة ولا عبادة ولا أَمَر بمعروف ولا نهى عن منكر، بل كله خطايا وآثام ومعاصٍ.
فنقول: دعوى الإيمان عنده كذب، كما أن الذي يقول: أنا أصلي وأنا جالس، هذا كذب، وكذلك من أدى هذه الأعمال ولو كثرت بدون عمل القلب الباطن، فهو أيضاً كذب كما كذب المنافقون في دعواهم للإيمان.