المادة    
قال الطّّحاويّ رَحِمَهُ اللهُ:
[وتفسيره عَلَى ما أراد الله وعلمه].
وهذا الموضوع وإن كَانَ جَاءَ به ضمن بحث الرؤية، إلا أنه مع ذلك من الموضوعات الأساسية في مباحث العقيدة، وهو معرفة حكم ألفاظ الشارع ومعانيها ودلالتها، وكيف فهمها أهل البدعة والرد عليهم في ذلك، فموضوع التأويل وأخذ الكلام عَلَى ظاهره من أساسيات موضوعات العقيدة ومباحث الصفات التي ينبني عليها: إما حق صراح وإما باطل محض، فعليها ركبت الضلالات والبدع عند أهل البدع، وعلى أساس فهمها الصحيح فهم أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ ما جَاءَ في كتاب الله وفي سنة رسوله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من صفات الله، وكان منهجهم في ذلك واضحاً جلياً، ووضعوا في ذلك قواعد عامة يهتدي بها طالب العلم لمعرفة ما يثبت لله تَعَالَى وما لا يثبت، وكيف يستدل عَلَى إثبات ذلك ولماذا لا يؤول؟ ولا يصرف اللفظ عن ظاهره؟
فيقول أبو جعفر الطّّحاويّ:
[وتفسيره عَلَى ما أراده الله تَعَالَى وعلمه، وكل ما جَاءَ في ذلك من الحديث الصحيح عن رَسُول الله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو كما قال، ومعناه عَلَى ما أراد، لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا، ولا متوهمين بأهوائنا، فإنه ما سلم في دينه إلا من سلم لله عز وحل ولرَسُول صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورد ما اشتبه عليه إِلَى عالمه].
هذا العبارات تعطينا قاعدة عظيمة جداً من قواعد الأسماء والصفات وإثباتها: وهو أننا نثبت ما جَاءَ في كتاب الله وفي سنة رَسُول الله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ذلك ونقول: تفسيره عَلَى ما أراده الله وعلمه، يعني: مع الإيمان بها وبمعناها الظاهر لنا
، فإننا نقول: إن الكيفية وحقائق هذه المعاني يعلمها الله، أما المعاني فنحن ندركها ونعلمها من كلام العرب. وكان السلف الصالح أعلم النَّاس بلغة العرب وقد فهموا الآيات والأحاديث في صفات الله من كلام الله ومن كلام رَسُول الله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستفسروا عما كَانَ قد أشكل عليهم، وهم أعلم النَّاس في هذا الباب.
أما حقائق الكيفيات التي لا يدركها الإِنسَان بعقله، ولا يمكن أن ينالها بنظره وفكره، فهذه نؤمن بها عَلَى ما أراد الله ولا ندخل في ذلك متأولين، كما أشار المُصنِّفُ - رَحِمَهُ اللهُ- وبين في القاعدة العظيمة والأصل العظيم "أنه ما سلم في دينه إلا من سلم لله ولرسوله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" فهذه القاعدة تشمل الأحكام، فلا نعترض عَلَى أحكام الله - عَزَّ وَجَلَّ- إذا أردنا أن يسلم لنا ديننا نسلم لله - عَزَّ وَجَلَّ- كل حكم يحكم به في الأحكام الشرعية، وحتى في الأحكام الكونية القدرية نسلم لله، ولا نعترض عَلَى أي قدر من أقدار الله في أنفسنا أو في الكون، ((لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ))[الأنبياء:23] فإذا كَانَ هذا هو الواجب علينا في هذه الأحكام فكيف بما يخبرنا به - سبحانه- عن نفسه؟ بل هو أولى؛ لأنه من الغيب المحض الذي لا تناله العقول وتتقاصر دونه الأفهام، فنسلم به لله ولرسوله، وكل ما أتانا من الوحي نؤمن به ولا نعارضه أبداً.

قَالَ المُصنِّفُ -رَحِمَهُ اللهُ-:
[وقوله: وتفسيره عَلَى ما أراده الله وعلمه إِلَى أن قَالَ: لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا ولا متوهمين بأهوائنا. أي: كما فعلت المعتزلة بنصوص الكتاب والسنة في الرؤية، وذلك تحريف لكلام الله وكلام رسوله عن مواضعه.
فالتأويل الصحيح هو الذي يوافق ما جاءت به السنة والفاسد المخالف له، فكل تأويل لم يدل عليه دليل من السياق، ولا معه قرينة تقتضيه، فإن هذا لا يقصده المبين الهادي بكلامه، إذ لو قصده لحفَّ بالكلام قرائن تدل عَلَى المعنى المخالف لظاهره، حتى لا يوقع السامع في اللبس والخطأ، فإن الله أنزل كلامه بياناً وهدى، فإذا أراد به خلاف ظاهره، ولم يحف به قرائن تدل عَلَى المعنى الذي يتبادر غيره إِلَى فهم كل أحد، لم يكن بياناً ولا هدى. فالتأويل إخبار بمراد المتكلم، لا إنشاء] إهـ.

الشرح:
الجهمية والمعتزلة الذين ينكرون صفات الله، أنكروا رؤية الله في الدنيا والآخرة، وكذلك من تبعهم من الخوارج ينكرون رؤية الله في الدنيا والآخرة، وكذلك الإمامية فإنهم أخذوا بعقيدة المعتزلة منذ القرن الرابع تقريباً فما بعد فكل هذه الفرق نفت وأنكرت الرؤية، ولم تعمل بما جَاءَ في كتاب الله وفي حديث رَسُول الله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يتعلق بإثبات رؤية الله وحرفوا معناها، ولهذا ذهب المُصنِّفُ تبعاً للطحاوي إِلَى أن التأويل باطل، وقوله هنا: [وذلك تحريف لكلام الله وكلام رسوله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن مواضعه] هذا هو التعريف الصحيح للتأويل الذي يدعيه ويزعمه المتأخرون، فهو في الحقيقة تحريف، ولكنهم سموه تأويلاً.
  1. من معاني التأويل

  2. احتياج صرف النصوص عن ظاهرها إلى أمور أربعة