وفي الجانب الآخر مواقف كثيرة لا تحصى.
تسرق امرأة مخزومية من بني مخزوم، من ذروة قريش، ومن الأسر العريقة ذات المجد في الجاهلية وفي الإسلام، والحد أن تقطع يدها، هذا الذي شرعه الله، يأتي الصحابة ويتفكرون من الذي يجرؤ على أن يكلم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها؟
فيقولون: حِبَّه وابنُ حِبِّه
أسامة بن زيد -رضي الله عنه- هذا الذي يمكن بقرابته، وبمحبته عند الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يخاطبه في شأنها، فيذهب ويقول له: يا رسول الله! هذه امرأة من أشراف قريش من بني مخزوم، وقد أهم القوم أمرها -يشفع فيها- فهل نقول: لا بد من الحلم، الخلق الطيب، العفو الصفح؟! المسألة هنا تختلف عن هنالك! هنا موقف لابد له من جانب آخر هو الكمال، الحكمة، وهو الموقف الذي يجب أن يتخذ.
النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكتف بأن خاطب
أسامة، بل رقى المنبر وجمع الناس، وخطب فيهم بقوة فقال: {
أيها الناس إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإن سرق فيهم الشريف تركوه، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها}.
قوة في الحق وزجر للشفاعة في حد من حدود الله، وتربية للأمة ألا تفعل مثل هذا، وحتى يسمع كل المسلمين أن هذا الأمر لا يجوز أن يقر من أي فرد يسمع به، ألا وهو الشفاعة في حد من حدود الله عز وجل، لماذا لا يكون حليماً، أو رقيقاً مع المرأة أو مع
أسامة؟ لأن المسألة وصلت إلى حد المجاملة في دين الله، وفي حق من حقوق الله، وهذا ما لا يمكن أن يكون من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا يكون من أي داعية يدعو إلى الله على بصيرة وبحكمة، ولماذا نقول: السيرة، السيرة؟ لأن السيرة كلها عبر.