الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في أخلاقه
وحين نتكلم عن أخلاق الداعية لا يعني ذلك أن تهمل الصفات الأساسية التي لا بد منها للداعية كالعلم؛ فقد تضمنته هذه الآية، فإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: (( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ ))[يوسف:108] ولا بصيرة بغير علم أبداً! فالعلم هو الذي ينير للإنسان الطريق، ويجعله يعبد الله على بصيرة، ويدعو إلى الله تبارك وتعالى على بصيرة.
ولما أثنى الله تبارك وتعالى على أئمة الهدى من بني إسرائيل، الذين أُورِثْنا الكتاب من بعدهم قال: ((وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ))[السجدة:24] فوصفهم الله تعالى بصفتين عظيمتين لا بد منهما لكل داعية.
أولاهما: الصبر بكل ما تحتمله هذه الكلمة من معنى، فلا داعية بلا صبر، ولا دعوة بلا صبر، فطلب العلم يحتاج إلى صبر، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والمعاملة مع الخلق، كل ذلك لا بد فيه من الصبر، وكل حياة الداعية بل حياة كل مسلم لا بد فيها من الصبر، بل كل حيٍ لا بد أن يصبر وإلا لن يعيش! وكلما اتصف الإنسان بهذا الخلق كلما حقق ما يريد، وإن كان عرضاً من أعراض هذه الدنيا الفانية الزائلة؛ فبالصبر يحقق الإنسان ما يريد، فكيف بالداعية الذي يسعى إلى أسما غاية وأشرف مقصد؟!
ثانيهما: اليقين، هذه الخلة الكريمة لا تكون إلا في عباد الله المخلصين المتقين العالمين العاملين، الذين عرفوا ربهم -عز وجل- حق معرفته، وقدروه حق قدره، وآمنوا بكتابه، وبرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأصبح عالم الغيب الذي يقرءونه في كتاب الله وفي سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأنه عالم شهادة بين أيديهم!! هذا هو اليقين، ويتفاوت الناس في اليقين؛ وبتفاوتهم في اليقين والصبر، يكون تفاوتهم في الدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وحسن الخُلق لا بد منه لكل مسلم، وأي مسلم ينتسب إلى الإسلام وإلى نبي الإسلام صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابد أن يكون متحلياً بأخلاق الإسلام، فإذا كان المسلم -أياً كان- لا بد أن يكون كذلك، فكيف بالداعية الذي يمثل خلاصة هذه الأمة، والذي يرث ميراث النبوة، ويقوم بمقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويبلغ دعوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويحيي سنته ويرد الناس إليها؟!
هذا لا بد أن يجتمع فيه من كمال الخلق ما لا يجتمع في غيره، وما لا يكون في من هو دونه في ذلك؛ ولذلك كان أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قمة الأخلاق في هذه الأمة كما كان نبيهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنهم تأسوا به.
وكلما كان الداعية مقتدياً ومتأسياً بهم، كانت دعوته أنجح، وكان نجاحه أرجى وأقرب، وكان تعلق المدعوين واستجابتهم له أرجى وأقرب.