المادة    
أجاب على هذا السؤال الشيخ: سفر الحـوالي ثم الدكتور : عدنان غلام.
السؤال : الموضوع مهم جداً، ويمس الناس أجمعين، وقَلَّ أحد إلا وهو متأثر به، لذا فإنها مسئوليةٌ عظيمة، هذا الغزو الفكري أو الخطر الفكري الذي يهدد أسرنا المسلمة يجب أن نعيه، وأن نهتم به، وأن نوجد الحلول، وأن نبعد هذا الخطر عن أنفسنا بكل ما نملك.
نود أن ننتقل الآن إلى خطر آخر يهدد الأسرة المسلمة، وكما قلت لكم سابقاً، هذه الأخطار الفكرية تتسلل إلينا وقد يكون للبعض العذر في عدم الاطلاع عليها، لأنها تغزو الفكر، وتأتي قليلاً قليلاً، ومع هذا فالعلماء والدعاة يُحَذِّرون، ولكنْ هناك خطر مادي يَمْثُلُ أمامنا، ونراه يتحرك، ونراه يزداد، ونحن غافلون!
إن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عندما خلق الذكر والأنثى، أعطى لكلٍ منهما مهمة في هذه الحياة، كلف الرجل بالقوامة، فجعله قيماً، وألزمه بالإنفاق، وهذا يشغل كثيراً من الوقت، ثمان ساعات في النوم، ومثلها أو أكثر منها في العمل، لنقوم بجزء القوامة، للإنفاق على أسرنا وعلى من نعولهم، وكلف الله المرأة بعمل آخر لا يحسنه البتة أحدٌ غيرها، وإن تواطأ عليه الإنس والجن.
إن بقاء هذا الجنس البشري مرهون في أن تحمل المرأة وأن تلد، وبعد أن تلد تحضن أولادها، وتحنو عليهم، وترضعهم سنتين، ثم تربيهم وتغذيهم غذاءً مادياً وفكرياً، حتى يشبوا عن الطوق، ويخرجوا إلى المجتمع، وقد بلغوا شيئاً من العقل.
الخطر المادي الذي نراه متمثلاً أمامنا قد اجتاح أمماً كثيرة، بل اجتاح الأمم كلها في مشارق الأرض ومغاربها، ووراءه مقولة خطيرة، لو سمعها الإنسان لأول وهلة، يقول: صحيح، نصف المجتمع عاطل، النساء في البيوت، ماذا يعملن؟
إنتاجية المجتمع هابطة، لو اشتغل هذا النصف الموجود في البيوت، لازددنا ارتقاءً، وازددنا حضارةً، وكنا أكثر في القوة المادية، وهذا يخدع الكثيرين، وقد خدعت مجتمعاتٌ كثيرةٌ بهذه المقولة، ووجهٌ آخر من هذه المقولة يَخُصُّ الفردَ نفسه، يقولون له: امرأتك عاطلة في البيت، هذه الأسرة يمكنها أن تزيد من دخلها، لماذا لا تخرج المرأة، وتعمل بضع ساعات، وهي تنفع الوطن وتنفع الأسرة بزيادة الدخل؟ فبدلاً من أن يكون للأسرة دخل خمسة آلاف ريال، يصبح لديها سبعة آلاف ريال أو ثمانية آلاف ريال.
إن مسألة عمل المرأة وخروجها من بيتها، ومزاحمتها الرجال، سواءٌ في الأعمال أم في الأسواق مسألة خطيرة، تهدد الأسرة المسلمة، ونود من شيخنا سفر -جزاه الله خيراً وثبته- أن يبين لنا تفاصيل هذه المقولة؟
وكذلك خطأها من صوابها، وما حدث في الأمم التي مشت في هذا الاتجاه؟
الجواب: هذه قضية كبيرة وخطيرة، وهي قضية عمل المرأة، ولن نستطيع أن نعطيها حقها، ولكن حسبنا أن نشير إلى ما يوفقنا الله عز وجل إليه في هذه القضية.
يكفيكم من كل أمر حامله وداعيه لتحكموا عليه!! من الذي يدعو إلى أن تخرج المرأة، وإلى أن تشارك في بناء الوطن كما يقولون؟
من الذي يدعو لذلك؟
فكل دعوة تأتيك يجب عليك أن تنظر إلى قائلها وحاملها.
لقد جاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنزل الله تبارك وتعالى عليه الشريعة الكاملة الخالدة التي تكفلت بصلاح العباد إلى قيام الساعة، فما وجدنا فيها هذه الدعوى، بل وجدنا ضدها، وهذا كتاب الله بين أيدينا، وهذه سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أيدينا، وهناك نص صريح محكم في ذلك وهو قوله تعالى: ((وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى))[الأحزاب:33] فلا يستطيع بشر أن ينسخ حكماً من أحكام الله عز وجل، المرأة أساساً حياتها في بيتها، وخير لها ألا ترى الرجال ولا يروها، وإن كانت في طريقها إلى المسجد، وصلاتها في قعر بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، مع عدم الاعتراض عليها إن رغبت أن تذهب إلى المسجد في حالات معينة، وفي شروط معينة، لكن الأصل في صلاة المرأة هو البيت، وهي الصلاة! وهي العبادة!! هذه قاعدة، ولا ننظر إلى واقعنا مهما ابتعد عنها، لكن هذا هو الأصل، أربعة عشر قرناً والأمة الإسلامية على هذه الحالة الفطرية، مهما انحرفت أو ابتعدت في تقاليد أو ما أشبه ذلك من انحراف، لكن تبقى القاعدة في ثبات، وهو أن المرأة عملها في البيت، ودروها عظيم في إنجاب الأطفال، وفي تربيتهم، وفي أعمالٍ في البيت تستطيع أن تعملها، والرجل عمله خارج البيت، وعلى ذلك سارت الحياة.
ولم تظهر هذه الدعوى إلا في العصر الحديث، بعد قدوم الاستعمار وبعد انحطاط الأمة، وأول من دعا إلى خروج المرأة ومشاركتها -وسموه تحرير المرأة- هم النصارى الأقباط في مصر ونصارى لبنان الذين أنشئوا جرائد ومجلات، وكانت صحفهم أول ما صدر من الصحف في العالم العربي، وكانت مجلات وصحف نصرانية، أنشأها أولئك الذين تلقوا تعليمهم وحياتهم في مدارس الإرساليات التبشرية، كالكلية الإنجيلية، التي سميت فيما بعد بالجامعة الأمريكية في بيروت، هذه الكليات الإنجيلية أخرجت ذلك الجيل الذي كان أول جيل يطالب بحرية المرأة، ويصرح بأنه يريد لها أن تصبح كالمرأة الغربية، تماماًَ سواء بسواء.
ولو نظرنا إلى دعاة الخير، وإلى العلماء، وإلى أهل الغيرة والصلاح، فلن تجدهم يدعون إلى هذه الدعوة، إنك لو فتشت: لن تجد من يدعو إليها إلا من هو مشكوكٌ في إخلاصه لأسرته، ولبلاده ولدينه، لابد من ذلك، بل ممن يكتبون عن دعوى تحرير المرأة، أو خروج المرأة ومشاركة المرأة، منهم من له أمٌّ لم يزرها من سنة أو أكثر، منهم من تكون له زوجة، والعلاقة بينه وبينها أسوأ ما يمكن، ولا يسمح لها ولا يعطيها شيئاً مما يقول: إنه حرية، وتقر هي أيضاً أنه حريه، وقد تكون له أختٌ، وهو مقاطع لها غير زائر ولا واصل لها، ومع ذلك يكتب ويقول: نريد أن تخرج المرأة، لماذا؟!
والله عز وجل قد بين ذلك، فقال: (( وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ))[النساء:27] وهذه الآية ذكرها الله عز وجل من ضمن الآيات التي تتحدث عن موضوع العلاقات يبن الرجال والنساء: ((وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً))[النساء:27].
يريد سكرتيرة أو زميلة أو صديقة في المكتب، امرأة متفرنجة متبرجة، يلهو ويعبث معها، ولذلك يقول: لابد أن تخرج المرأة، وأن تعمل المرأة، ليس غرضه أن ينمي اقتصاد بلاده، ولا أن يطور وطنه، ولا يهتم بوضع المرأة، ولا يرثي لها، إذ يسميها الحبيسة في بيتها، فهذا خروج على فطرة المرأة، حتى وإن كانت هذه المرأة كافرة أو مشركة، فالمجتمعات النصرانية واليهودية والبوذية، وكل المجتمعات التي تريد أن تحافظ على أخلاقها، تستغرب وتستنكر ذلك، والآن في العالم الغربي الذي خرجت فيه المرأة إلى أقصى ما يمكن، وجدت جمعيات تسمى (جمعية العودة إلى البيت) مكونة للنساء، ويطالبن بالعودة إلى البيت، وأن تقوم الأم برسالتها الحقيقية وهي الأمومة، فليس هناك رسالة أعظم منها، المرأة عاطفية بطبيعتها، مهما عملت، ومهما أخذت من مرتب، فأعظم وأعز شيء لديها أن تحتضن ابنها، لو قلت لها، ما رأيك احتضانك لابنك هذا وتقبيله، أفضل عندك أم هذا المرتب وهذا المنصب؟!
فإنها سوف ترمي بالمرتب وبالمنصب مهما كان.
والآن أصبحنا نقرأ على صفحات الجرائد: المرأة التي تقول: لم يرغب فيّ ولم يخطبني أحد، لأنني جامعية، ولأنني موظفة، أنا مستعدة أن أترك العمل, وأن أرمي بالشهادة إذا وجدت الشاب الذي يقبلني زوجة...!!
في مجتمعنا أصبح هذا الشيء موجوداً، لماذا؟
لأننا أخرجنا المرأة عن طبيعتها وعما فطرت عليه، إن دعوى إخراج المرأة للعمل هدمٌ للأمة من نواحٍ كثيرة من ذلك: أنه يهدم الأمة بشرياً وعددياًَ، ونظراً لأن الذين يثيرون هذا الكلام، كثيرٌ منهم لا يريد أن يسمع كلام الله ولا ذِكْرَ الله، فلنضرب لهم الأدلة من واقع الدول الغربية.
في روسيا الشيوعية الملحدة التي تجاهر بإنكار وجود الله عز وجل، وتجاهر بأن الأسرة هي أثر من آثار البرجوازية القديمة، والتقاليد البالية، في روسيا المرأة التي تنجب -مثلاً- عشرة أطفال تُعْطَى وساماً معيناً تحمله، تركب الحافلات مجاناً، تدخل أي مطعم مجاناً، تخفيضات لها أينما ذهبت؛ لأنها بطله قومية، أنجبت للأمة عشرة أطفال، ونحن نقول: (يجب أن تخرج المرأة وأن تعمل).
في فرنسا: القضية تدرس دراسة عميقةً جداً وكذلك في ألمانيا في إيطاليا، وإن كان يبدو أن فرنسا تهتم أكثر، لأنها تريد أن تبقى قوة مسيطرة، لأن إنجلترا فقدت مكانتها كقوة دولية، وتريد فرنسا أن تستبقي ذلك، وهذا الموضوع من أخطر ما تدرسه فرنسا، موضوع تكثير النسل، وإيطاليا من أكبر الدول الأوروبية، ومع ذلك هناك إعانات مخصصة لكل طفل يولد، وحث مستمر على الزواج.
بيوت الزنا والدعارة، لا تنتج أطفالاً، إلا أطفالاً معروفاً وضعهم إن جاءوا، ولذلك يحثون على الزواج، ويحثون المرأة على أن تنجب الأطفال، ويأتون بالجوائز السخية، والإعانات لكل مولود يولد، لماذا!؟
لأنهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، بل يؤمنون بالمادة، فيقولون: حتى تعوض المرأة، تقول: لو كنت أعمل سأحصل على ألف ليرة، مثلاً، لكن لو أنجبت أطفالاً، سأحصل على خمسمائة أو مائتي ليرة، فتوازن راحتها النفسية مع هذه الثلاثمائة، فتقبل الزواج والإعانة وتترك العمل، أصبحوا في واقع حالهم يضجون من واقع هذه المأساة الرهيبة التي يعيشونها.
ولكن في بلاد الإسلام، يأتي أناس فيقولون: نصف المجتمع معطل، ولابد أن تخرج المرأة من بيتها، أين مساهمة المرأة في تنمية بلادها، فهذا هدمٌ بشري أن تخرج المرأة، وأن يتعطل الإنجاب وأن يصبح المجتمع كما هو في أوروبا، الوفيات أكثر من حالات الولادة.
وهناك هدمٌ أخطر من ذلك، وهو: الهدم الأخلاقي، إن المسألة لا تقف عند حد، والضوابط اللفظية العامة ليس لها دلالات واقعية، كأن نقول: (تخرج المرأة وتعمل في حدود بيئتها وبما تسمح لها شريعتنا وتقاليدنا).
هذه ضوابط لفظية نظرية، وفي الواقع يصعب تحديدها، وأنا أقول: كيف تعمل المرأة مهندسة مثلاً ؟!
وكيف تعمل المرأة في مصنع للحلوى، فهذا العمل يتنافى مع طبيعتها ومع فطرتها، يقول آخر: لا يتنافى، فنقول له: من يضبط المسألة في العمل؟!
ليس هناك ضابط معين، لكن الضابط المعين الحاكم هو: ((وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى))[الأحزاب:33].
بعد ذلك الضرورات لها أحكام، المهن النسائية البحتة كالخياطة مثلاً، والآن الخياطون رجال وأجانب، والله أعلم بدينهم وبحالهم، والبنات متكدسات على أبواب هؤلاء الخياطين.
قبل سنوات معدودة كان كل بيت يأتي بمكينة خياطة صغيرة، ويخيط لنفسه، وقد يخيط لجيرانه، ولا نحتاج إلى هذا العدد لفساده وما فيه من مساوئ.
لكنها لا تريد أن تعمل في الحقيقة، ولكن تريد أن تخرج، وأن تتبرج وأن تذهب، فإذا عرض عليها العمل في أحد المستشفيات أو في أحد القطاعات الأخرى، إذا بها تبادر!! لماذا لم تعملي خياطة في بيتك، فتأتي المرأة إليك بقماش فتخيطينه؟
بعض الأسر تستقدم خياطة وطباخة ومربية؛ لأن البنت والأم تعملان، إذا قلنا: نصف المجتمع عاطل، فلماذا استوردنا نصفاًَ آخر من الفلبين ومن سيريلانكا؟!
لأن الأمور أصبحت لا تقاس بمقياس الدين وبمقياس العقل، وإنما تقاس بمقياس الشهوة: ((وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ))[النساء:27] لا يتبعون الدين ولا العقل: ((أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً))[النساء:27] فنصبح مثل تلك الأمم، وقد أخبر بذلك الصادق المصدوق صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حين قال: {لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضبٍ لدخلتموه، وحتى لو أتى أحدهم امرأته على قارعة الطريق، لفعلتموه} وهذا هو الواقع الذي يريد هؤلاء الناس أن يزجوا بنا إليه.
فإن كان الغرض الشكوى من حال المرأة، ومن الظلم الذي قد يقع على المرأة، فلن يرفع عنها هذا الظلم إلا الدعاة والوعاظ والمصلحون وأهل الخير والفضل، إذا كانت لا ترث فيجب أن ترث، لأن ذلك حق شرعي ملزم، إذا كانت تهضم من حقوقها الشرعية فتعطاه شرعاً وإلزاماً، إذا كانت المسألة تكمن في البطالة والعطالة، فيجب أن يهيأ لها في بيتها كل وسائل الإنتاج النافع، وهي كثيرة، وهل ضاقت عقولنا في أن تكتشف تلك الأمور؟!
والآن نحن في عصر الاكتشافات، وفي عصر الآلات الصغيرة التي تقوم مقام معامل كبيرة، هل ضاقت العقول عن اكتشاف أجهزة وأمور إنتاجية في داخل البيت؟!
لا. ولكن إذا كنا لا نريد أن نفكر، قلنا: لا يوجد، هذا هو الشيء الذي يجب أن نعرفه، وأما إن كان الأمر هو الهدم، فيجب أن نقطع على هؤلاء الهدامين الطريق، فإن تذكروا، وإلا فيجب أن نقف لهم بالمرصاد.
ويجب أن تبين لهم الحجة بالحجة، ومعنا كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأهل الغيرة والعادات الطيبة التي ورثناها عن آبائنا، وأكثرها على ديننا وعلى شرعنا، كل ذلك معنا، وهي معركة لابد أن تخاض، والنصر -بإذن الله- للذي يريد الخير والفضيلة والتمسك بكتاب الله وسنة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
هناك أمثلة كثيرة قد تتحدث عن بؤس المرأة، يمكن أن يتحدث عنها الدكتور عدنان، وهو أجدر منا بأن يذكرنا عن النساء الشهيرات، اللائي فضلن العودة إلى البيت ورفضن العمل بعد التجربة والشهرة والمعاناة.
من آثار عمل المرأة:-
قال الدكتور : عدنان غلام.
النقطة التي نتحدث عنها، والتي نحن بصددها هي عمل المرأة، في الحقيقة أريد أن نرجع إلى الأصل، وهو قوله تعالى: ((وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى))[آل عمران:36]، هذا أصل عظيم لو تدبرناه لوجدناه بديهياً ومعلوماً ومشاهداً، فالمرأة مختلفة عن الرجل في كل شيء، مختلفة عنه -كما نقول نحن الأطباء- تشريحياً وفسيولوجياً، فهي من أصل النطفة ومن أصل التكوين مختلفة عنه: ((وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى))[آل عمران:36] سبحان الله العظيم! فالاختلاف على مستوى الخلايا التي يتكون منها الإنسان، وتتكون منها الأنسجة، وهي أصل الحياة، فخلية الرجل مختلفة تماماً عن خلية المرأة.
كلاهما يحتوى على ستة وأربعين من الصبغيات، ولكن هذه مختلفة عن هذه، فهناك ما يسمى بـ (x، y) بالنسبة للرجل، وهناك ما يسمى (x، x) بالنسبة للمرأة، فهذه الصبغيات -وهي أصل هذه الخلية- مختلفة تماماً.
لو أخذنا خلية من خلايا الدم: كريات الدم الحمراء للرجل والمرأة، ووضعناها تحت المجهر لوجدنا اختلافاً كبيراً بين هذه وهذه، فخلية المرأة فيها زيادة تعرف برأس الطبلة، يراها أي إنسان لديه خبره تحت المجهر، ولذلك يتميز الرجل عن المرأة، وهناك أيضاً قضية أخرى لو أخذت أية خلية من خلايا الجسم، من الرجل أو المرأة، ووضعتها تحت المجهر، فستجد أن خلية الرجل مختلفة عن خلية المرأة، فهي على هذا المستوى مختلفة.
ثم على مستوى النطفة، نطفة الرجل مختلفة عن نطفة المرأة، نطفة الرجل بالملايين وهي الحيوان المنوي بحجم معين وبلا عدد وفي أي وقت تخرج، أما نطفة المرأة فهي محددة، وهي البويضة، تخرج في وقت معين في الشهر، وتخرج في فتره معينة من حياتها على هذه الأرض، هناك -أيضاً- اختلاف في الهيكل والبنية، هذا واضح لكل ذي عين، الرجل بعضلاته الصلبة القوية، والمرأة برقتها ونعومتها، وفيها من الدهون الشيء الكثير، توزيع الشعر في جسم الرجل يختلف عن توزيعه في جسم المرأة، عظم الحوض الغليظ الشديد في الرجل يختلف عن عظم الحوض الواسع الرقيق في المرأة، كلها تدل على أشياء، ووظائف مختلفة.
هناك -أيضاًَ- اختلافات وظيفية بين الرجل والمرأة، وهي واضحة ومبينة، وهي الحيض والحمل والرضاع، فأثناء فترة الحيض، تأتي للمرأة أشياء لا تأتي للرجل في واقع حياته، ويحدث لها تغيرات نفسية، وقد تشعر ببعض الضيق، أو ببعض تغير في نفسيتها تنخفض أحياناً درجة حرارتها، الإفرازات التي تفرزها الغدد الصماء تختلف أثناء فترة الحيض، وصدق الله العظيم: ((وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ)) [البقرة:222]، أما الحمل فهو واضح وبين، فيقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ((حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ)) [لقمان:14]، ((حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً))[الأحقاف:15]، والولادة والنفاس والرضاع كلها أمور تميزت بها المرأة عن الرجل.
إذا نظرنا إلى ذلك فجسمها مختلف تشريحياًَ، ووظائفها مختلفة، أفلا يكون دورها في هذه الحياة مختلفاً؟
قضية بديهية، لا يناقش فيها من له أدنى بصيرة وأدنى نظر في هذه القضايا، هذا الأصل الذي أحببت أن أرجعكم له.
وأستعرض سريعاً الأضرار التي تحدث من خروج المرأة من بيتها وعملها خارج البيت.
أبدأ بالزوج: فقلة الاهتمام وقلة العلاقة بين الزوجين أمر واضح، أصبح الزوج يأكل من يد أخرى مثلاً، أو قد يأخذ ساندويتشاً على الطريق، ويستعيض به عن وجبة الغداء، لا يستوي هذا الشخص مع الشخص الذي يأتي إلى البيت وتستقبله الزوجة بالابتسامة والغداء المعد، والعلاقات النفسية من الأمور المهمة جداً بينهما، وإلا لاضطربت الموازين، النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غضب من نسائه شهراً، المدينة كلها اضطربت! المجتمع الإسلامي كله اضطرب! لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غضب من نسائه، فقالوا: النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غضب من زوجاته، وقالوا: طلق زوجاته، وقيل: لا، لم يطلق.
وبدأت المدينة تخوض في هذه القضايا؛ لأن البيت الإسلامي في هذه المدينة الشريفة، وفي بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حدث له نوع من الهزة، في ذلك البيت غضب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على زوجاته، هذه الأمور وجدناها في المجتمع الأول، لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وضعها.
هناك قضية أخرى، لو خرجت المرأة فمن يطبخ في البيت؟
فتستجلب خادمة، والخادمة هذه قد تكون شابة، وقد تكون أجمل من زوجته في بعض الأحيان، وقد تزيغ عينه، وبذلك تخسر الزوجة من هنا ومن هناك.
وأما أثر عمل المرأة على الأبناء، فهو والله بيت القصيد، وهذا الذي يناقش مع المرأة العاملة، فمن ير فائدة إرضاع الأم طفلها وير أماً لا ترضع طفلها، وير مشاعر هذا الطفل وهو يلتقم الثدي، ومشاعر هذه المرأة وهي ترضع، يدرك مدى الجناية التي جناها أعداء الله عليها وعليهم، فالأمومة بفطرتها موجودةٌُ فيها، وهذا الطفل لا يمكن لأي قلب مهما كان حانيا أن يكون أحنى عليه من هذه المرأة التي تلقمه ثديها.
فهذا الانفصام النفسي بين الأم وطفلها يؤدي إلى نتيجة أخرى، إذا كانت الأم لا ترضع وليدها، إذاً فماذا يستبدل هذا الطفل؟
القارورة! الرضاعة الصناعية! التي تقول عنها منظمة الصحة العالمية: إن هذه الشركات تريد أن تقتل أطفالنا، لما فيها وفيها..
يكذبون على الناس بصور جميلة لطفل صحيح، ويقولون: الذي يستعمل هذا الحليب يصبح طفله بهذه الصورة وكذبوا والله، لأنه لو كان هذا الحليب فعلاً فيه خير لجعله الله بديلاً عن الأم.
والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كذلك، (( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ))[يس:82] ومنظمة الصحة العالمية أصدرت توصيات، وقالت: إن المرأة إذا خرجت من بيتها، وأرادت أن تنجب أقل شيء تبقى مع أولادها ثلاث سنوات.
والحمد لله رب العالمين.