1. انقراض الأمم... المجتمع الغربي نموذجاً

    إن الغرب -أوروبا وأمريكا - يجد نفسه يتحول يوماً بعد يوم إلى أقلية بالنسبة لدول العالم، وإن الشيء الوحيد الذي يملكه الغرب الآن ويتفوق فيه على جميع شعوب العالم -وبه يمتلك الدنيا أو معظمها- هو التقدم والتفوق التكنولوجي المادي، إلا أن هذا التفوق في التكنولوجيا بدأ ينافس الغربيين فيه كل من اليابان وكوريا وبعض الدول، وفي الإمكان أن تتفوق عليهم، لكن الشيء الأساس في التفوق هو التفوق الإنساني.
    ولقد أدرك الغرب أن التفوق الإنساني أهم من التفوق المادي، كما أدرك الغرب أنه إذا بقي الحال على ما هو عليه الآن فإن الإحصائيات التي نشرت مؤخراً تشير إلى أنه بحلول عام ألفين يصبح عدد سكان مصر أكثر من مائة مليوناً، وعدد سكان إندونيسيا أكثر من مائتين وعشرين مليون، وبمعنى آخر: يصبح عدد سكان مصر وإندونيسيا موازٍ لعدد سكان أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا شيء مفزع جداً بالنسبة لهم، وهذا عدد سكان دولتين مسلمتين فقط؛ فما بالك بالدول الأخرى؟!
    إذاً سيتحول الغرب إلى أقلية بالتدرج، فوجدوا بدراسات إحصائية مستفيضة أن عدد الوفيات في بريطانيا وإيطاليا وألمانيا وفرنسا وأكثر دول أوروبا أكثر من عدد المواليد، وبدراسة هذه الظاهرة وجدوا أن السبب في ذلك هو تأخر سن الزواج، والذي ينشأ عن خروج المرأة للعمل.
    إن خروج المرأة للعمل يترتب عليه أنها لا تتزوج، وبالتالي فإنها ستنفق راتبها في الزينة، وفي التهتك، وفي أماكن اللهو الرخيص، كما أنها لن تتحمل أعباء الحمل والوحم والولادة ومشاكل البيت، ولو تزوجت فنسبة الطلاق في ارتفاع مذهل في الدول الأوروبية وأصبح العزوف عن الزواج ظاهرة متفشية... ولماذا يتحملون تكاليف الزواج مع وجود ما يسمونه (الحرية الجنسية)؟!
    ونتيجة لذلك لم يعد هناك لدى الأمة مواليد بقدر الوفيات، ومع الزمن تشيخ الأمة وتهرم، وتموت بعد ذلك وتفنى.
    إذاً: نهاية الغرب في أحد جوانبها مرتبطة بعدد السكان، ولهذا حرصوا على هدم المجتمع المسلم، وانظروا إلى مصر بالذات لأنها تشكل ثقلاً بشرياً كبيراً بالنسبة للعالم الإسلامي، ولمجاورتها لإسرائيل، فهم يحرصون أشد الحرص على إقناع المسلمين في مصر بأن يقللوا من عدد المواليد، ويقللوا من عدد أفراد الأسرة، بينما يشجعون الأقباط على الإنجاب ليصبحوا أكثرية، وفي الهند كذلك، وفي سيرلانكا سمعنا عن قوانين لتعقيم المسلمين إجبارياً حتى لا ينجبوا، وحتى لا يكثروا!
    كما أجريت في الاتحاد السوفييتي دراسة إحصائية، وجدوا على إثرها أن ثلث السكان من المسلمين، وأن نسبة توالدهم في ازدياد، حيث يمكن أن يصبحوا بعد مائة سنة ثلثي سكان الاتحاد السوفييتي، مما سينتج عنه في حال سقوط الحكم الشيوعي نشوء دولة إسلامية وفق هذا التوزيع السكاني.
    هذه قضية مهمة يغفل عنها دعاة تحرير المرأة عندنا في بلاد الإسلام -مع الأسف- ولا يبالون بها لأنهم منساقون وراء أعداء الله..
    في ألمانيا خصصت الحكومة خمسين ماركاً للمولود الأول، كمنحة وإعانة شهرية، وللثاني سبعين، وللثالث مائة وعشرين، من أجل أن يكثر عدد الأطفال، إلا أنهم لاحظوا أن الذي استفاد من هذا القانون هم المسلمون الأتراك -إذ يبلغ تعدادهم مليوني نسمة تقريباً يعملون في ألمانيا- فأدى ذلك إلى أن زادت معدلات المواليد لدى الأتراك، بينما بقيت على حالها عند الألمان من أصل أوروبي، ومثل هذا مشكلة جديدة للحكومة الألمانية.
    وفي فرنسا كان الحال كذلك؛ إذ أن فرنسا تستقبل المهاجرين من شمال أفريقيا وهم من المسلمين أيضاً، والمسلم أينما حل يحرص على الزواج، وإن ارتكب الحرام، لكن يبقى عنده همّ الزواج والحرص على تكوين أسرة.
    وعليه فقد استفاد المسلمون القادمون من المغرب شمال أفريقيا من تلك الإعانات، ولم يستفد منها الفرنسيون الأصليون إلا في الحدود الدنيا؛ وهكذا أصبحت هذه الظاهرة قضية مهمة تتحدث عنها الصحافة الغربية يومياً تقريباً، وقالوا: لابد أن نصدر هذا الوباء -وهو العزوف عن الزواج- إلى العالم الإسلامي أيضاً، وبالذات الدول التي أنعم الله تبارك وتعالى عليها بالثروة كدول الخليج، وهي تعتمد على العمالة الأجنبية، وتعتمد على الأيدي العاملة المستقدمة، فهذه الدول -وهي أقرب المجتمعات إلى الفطرة- لو حرصت على زيادة الكثافة السكانية من أبنائها لاستغنت عن استقدام أولئك العمال -ومنهم الكفار- ولكان لها بذلك قوة.
    لقد أدركت الأمم أن الإنسان هو المهم وليس الآلة، وأن الإنسان هو الأساس، والأمة الإسلامية وإن قل عددها، لكنها إذا تمسكت بدينها فهي التي تقيم الحضارات وتكون أعظم من أي أمة كافرة؛ لأن الأمريكي الذي يكتشف، والذي يطلق الصواريخ في الفضاء أو ما أشبه ذلك هو إنسان منحط أخلاقياً، فكم يقضي من عمره في شرب الخمر! وكم يقضي من عمره في الزنا!
    ونحن نعلم جميعاً أن المعاصي تضعف البدن، وتنهك الأمة، إلا أنه مع ما في أمريكا من المفاسد والمخدرات التي أقلقت المسئولين، فهي تخترع وتصنع، فكيف لو أن الأمة الإسلامية التي تحتفظ بعقلها وبقواها البدنية لأنها لا تزني، ولا تسرق، ولا تشرب الخمر، ولا تمارس الدعارة والفساد والمخدرات كيف لو أن هذه الأمة أخذت بالتكنولوجيا ولديها المال ثم زاد عدد سكانها؟!
    لن تغلب هذه الأمة أبداً..!
    وما يشتكى منه في الصحف كل يوم من زيادة نسبة العنوسة ومشكلة تأخر الزواج وما إلى ذلك... فإن جزءاً منه على الأقل هو مما يخطط له أعداء الله، ومما يريدونه.
    لقد جعلوا مناهج الفتيات كمناهج الأولاد سواءً بسواء، وأصبحت الفتاة إن أخذت الشهادة الجامعية كالرجل لا تجد من يريد أن يتزوجها؛ لأسباب عديدة تتكلم عنها الصحف كثيراً بشكل يومي ومستمر، وإن أخذت شهادةً ذات مستوى أقل تشعر أنها قد لا تتمكن من الحصول على العمل بتلك الشهادة.
    وكل ذلك نتج عن توحيد المناهج للبنين والبنات، وتلك هي المشكلة الخطيرة التي خطط لها أعداء الله حقيقةً، ويجب على الأمة الإسلامية أن تعيد النظر فيها.
    فلو كان للمرأة تعليم مستقل تماماً عن تعليم الرجال، ولم يربط مطلقاً بمسألة الوظيفة، لكانت الأمة بخير عظيم، ولتجنبت كل هذه الشرور والمفاسد.
  2. الاضطراب الاجتماعي والخلل الاقتصادي من نتائج عمل المرأة

    إن المرأة إذا انخرطت في ميادين العمل فإنها ستنافس الرجال في الوظائف، فإذا ما وفرت الدولة عشرة آلاف وظيفة مثلاً، وتخرج عشرة آلاف خريج وعشرة آلاف خريجة، فإنها ستعطي خمسة آلاف وظيفة لخمسة آلاف خريجة؛ مما ينتج عنه معاناة خمسة آلاف شاب من البطالة، فيتحولون بالتالي إلى مجرمين، ولصوص، ومدمني مخدرات، كما يظهر ذلك جلياً في الإحصائيات العالمية.
    كما أن المشكلة لن تتوقف عند هذا الحد، إذ أن الخمسة آلاف اللاتي توظفن ستحتاج الواحدة منهن إلى إجازة أثناء الحمل والولادة، كما أن المرأة تمر خلال الشهر بفترة الدورة الشهرية وتكون متوترة وعصبية؛ مما يؤدي إلى أن يكون الإنتاج قليلاً.
    ثانياً: إن تزوجت هذه الموظفة فستحتاج إلى خادمة -قد تكون كافرة- حتى تربي الأولاد وقد تحتاج إلى سائق، ثم ما بقي من الراتب -بعد أن تعطي الخادم والسائق والمربية- سوف يذهب إلى مشاغل الخياطة، وإلى دور الأزياء التي ترجع في النهاية إلى الشركات اليهودية، وأباطرة المال اليهود في العالم؛ لأنها مفتونة بالتزين، مفطورة على ذلك.
    ثم بعد سنوات إما أن تقدم على الاستقالة، أو تضيع الأسرة، أو يطلقها الزوج، وهذه تعد مصيبة أخرى ولو قال الزوج: يا زوجتي! أنت تعملين، والأطفال ضائعون، وأنا لا أريد الخادمة، وأريد أن أتزوج زوجة ثانية بالحلال؛ فإن الدنيا تقود ولا تقعد! تثور ثائرة المرأة على الزوج بالثانية ويؤيدها في ذلك رجال الصحافة والعلمانيون وأصحاب الفكر الغربي، وكأن مبدأ النصارى المنحرف أصبح هو مبدأنا -عياذاً بالله- حتى أصبحت إحداهن -عياذاً بالله- تفضل أن يذهب زوجها إلى أماكن الفساد -بانكوك، ومانيلا - على أن يتزوج عليها!
    كيف وصل بنا الحال إلى هذا الوضع المؤلم؟!
    فلو تزوج لانهار بناء العائلة، وتفككت الأسرة ولم تنجب الأمة الأطفال، كما أنها لو استقالت لعطلنا هذه الوظيفة، وعطلنا العمل الذي كانت فيه، فالمفاسد متحققة في هذه الأمر من كل ناحية.
    لكن لو أعطيت الوظيفة للخريج، وتزوج فتاة سواء أكانت خريجة أو غير ذلك، وبنى أسرة، فكان هو يعمل ويكدح خارج البيت، وهي في البيت تربي الأجيال، لاستقام الأمر، إذ هو أقدر منها على التصرف في المال بحكمة، ففي الجملة يكون الرجل أحسن تصرفاً في المال ولا سيما فيما يتعلق بالزينة وما يشتهية الإنسان مما لا يعد من حاجياته الأساسية.
  3. أيهما أهدى سبيلاً؟!

    في الاتحاد السوفييتي، تلك الدولة الشيوعية الكافرة الفاجرة، تعطى المرأة التي تنجب عشرة أطفال، سواء أكان من حلال أو من حرام -المهم أن تثبت أنها أنجبت من رحمها عشرة أطفال- تعطى وساماً تعلقه على صدرها، وتقدم لها تسهيلات في التنقل واستعمال وسائل المواصلات العامة، وتعطى شيئاً من الحصانة؛ لأنها استطاعت أن تنجب عشرة أطفال -طبعاً هذا يتعلق بغير المسلمات- سيصيرون إذا كبروا اشتراكيين عماليين.
    إذا جئنا إلى واقع المرأة من هذه الزاوية وأخذنا نموذجين وقارنا بينهما، فسنجد أن المرأة التي تتزوج وهي في الثامنة عشرة -وفي مجتمعنا كانت الفتاة تتزوج وهي في الخامسة عشرة على الأقل- إذا وصلت إلى الأربعين كم نتوقع أن يكون عندها من الأطفال؟
    في العادة في مجتمعنا هذا قد يصلون إلى ستة، فلنفرض أنهم خمسة فقط مع أن هذا معدل قليل جداً، ولنفترض أن الطفل الأول ولد وهي في سن الثامنة عشرة أو العشرين، فكم سيكون عمر الطفل الأول حين تبلغ هي الأربعين من عمرها؟ سيكون عمره عشرين سنة، أي: سيكون شاباً قوياً، والذي بعده سيكون قد بلغ ثماني عشرة سنة، أي أنه شاب قوي أيضاً، والذي بعده سيبلغ خمس عشرة سنة، وكذلك الحال إن كان المولود فتاةً، فالأبناء بصورة عامة سيكونون عندئذٍ في سن الزواج.
    إذاً: هذه الأمة بعد جيلين أو ثلاثة سيتضاعف عدد سكانها، وستكون أمةً شابة.. الشباب فيها متجدد.
    لكن لو أن المرأة توظفت وعملت ولم تتزوج -كما يقال أحياناً في زوايا المجلات- وفضلت العمل على الزواج -بئس الاختيار والله!- فكيف يكون حالها حين تكبر؟
    هذه المرأة حين تبلغ الأربعين من عمرها سوف تصبح عجوزاً، مجهدة، منهكة، محطمة نفسياً؛ لأنها لم تتزوج، ولن تستطيع أن تستمر في العمل لكبر السن وللعوامل النفسية والطبيعية والصحية... إلخ، ثم إنها قد لا تتزوج إلى الأبد، وإن تزوجت وهي في الأربعين فإنها ستقبل بأول طارق يطرق بابها طالباً الزواج بها.
    كما أنها خلال العشرين سنة التي أمضتها في الوظيفة لم تعط العطاء الصحيح أثناء العمل، ومع ذلك فهي هرمة.
    والأخرى تلك نجد نفسيتها أفضل، وصحتها أحسن، تعيش مطمئنة في ظل بيت وأسرة، وفي هذا البيت يوجد هؤلاء الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين العشرين سنة والعشر سنوات...
    ولو نظرنا إلى النتيجة بالحسابات المادية المجردة، فأيهما تكون قد قدمت خدمة أفضل لأمتها؟ أهذه التي أنجبت هذا العدد من الشباب، أم تلك الهرمة التي لا تملك شيئاً إلا نفسيةً محطمةً تفرزها على المجتمع نقمةً وسخطاً وكآبة ومطالبات لأمور لا يحق لها أن تطالب بها؟
    أقول: من هذا المثال يتبين لنا أن الأمة كلها لو سارت على نهج الإسلام، وتزوجت الفتيات في سن الزواج، وانصرفن إلى الوظيفة العظمى التي خلقن لها وهي الأمومة وما يتعلق بها، وكان العمل بالنسبة لهن محدوداً في الميادين الخاصة بالمرأة، ومحكوماً بالأسس والأحكام الشرعية الواضحة التفصيلية، وترك المجال للشباب، فإن حال هذه الأمة سيكون أفضل.
    وبالمقابل: لو أن الأمة انساقت وراء هؤلاء الهدامين، وفضلت نساؤها العمل على الزواج، وتركن إنجاب الأطفال، وبقيت العمالة الوافدة بمفاسدها وبما فيها من شرور، لأصبحت هذه الأمة أمةً هرمةً.. أمةً لا تملك الشباب الذين يمثلون القوة التي تحرص كل أمة عليها.