المذيع: الحقيقة عندي موضوع كنت أنوي أن أطرحه وأنتم تتحدثون، لكن سأطرحه تساؤلاً وأدعو المشاهد أن يتابعني: هذه الأزمة أو الأزمات التي تمر بالأمة كيف يمكن لنا أن نعرف موقعها من التاريخ، مثال: الإنسان ربما يصاب بمصيبة، فإذا عاش هذه المصيبة يعتقد أنها أعظم مصيبة، لكن قبلها مرت عليه مصائب، لكن لأنه نسيها فلا يستطيع أن يقيمها، فهل نستطيع نحن أن نقيم مصائب الأمة؟
فاصل.......
دكتور! قبل التوقف كنا سألنا عن موقع هذه الأزمة من أزمات الأمة التي مرت بها، هل يمكن لنا أن نقول: إن هذه الأزمة الفلانية، أزمة سقوط
بغداد مثلاً، أو التتار أو سقوط
الأندلس، هذه الأزمة هي أعظم أزمة أم لا، يمكن هذا؟
الشيخ: في الواقع نحن أعظم أمة على ظهر الأرض في الاطلاع على أبعاد التاريخ، منذ أن أهبط الله تبارك وتعالى أبوينا من الجنة إلى هذه الأرض وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، نحن لدينا صورة متكاملة ونظرة شاملة للتاريخ، لم يكن أبداً في واقع هذه الجماعة البشرية على ظهر الأرض إلا تبدل الحالات، لم تكن على وتيرة واحدة، بمعنى: أن الأمة المؤمنة تاريخها قديم جداً، لا يبدأ حتى ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم، وفي كل المراحل وكل الأمم القديمة، مما ذكر الله تبارك وتعالى في كتابه، وأيضاً في التاريخ المستقبلي الذي نحن نستشهده من خلال ما جاء وثبت من هذا في ديننا، لا بد من حالات تنافس: ((
وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ))[آل عمران:140] والقاعدة هي التي تحكم هذا.
في عمر هذه الأمة الخاصة، أمة محمد صلى الله عليه وسلم مرت فتن، أنا في تقديري وفي نظرتي ومن خلال اطلاعي وبنوع من الدقة، أن أمتنا في القرن الرابع الهجري مثلاً وما بعده، قُبيل الحملات الصليبية كانت في وضع أسوأ بكثير مما نحن فيه وأشد، ولعل الوقت الآن لا يكفي.
المذيع: فقط في ذلك القرن أم ما قبله؟
الشيخ: في ذلك القرن على سبيل المثال القرن الرابع في أوله كان
القرامطة قد أخذوا الحجر الأسود وانتهكوا حرمة الكعبة، وهذا والحمد لله لم يحصل ولن يحصل بإذن الله تبارك وتعالى في زماننا هذا، كانت هناك سيطرة للعقائد الباطلة
الباطنية الزائغة في أكثر أنحاء العالم الإسلامي، وكان هناك ضعف حتى في الجوانب العلمية والدعوية، أعقب هذا كله أن جاءت الضربة القاصمة وهي أن يأتي الصليبيون، وأول حملة صليبية كانوا يعدون بالآلاف، قيل خمسة آلاف فقط، لكنت عندما أفاقت الأمة واستيقظت.. وللعلم هذه اليقظة وهذا الجهاد انطلق من
العراق من
الموصل ثم إلى
حلب ثم إلى
دمشق ثم إلى
القاهرة ثم حررت الأرض المباركة و
بيت المقدس، وفي آخر الحملات وفي أيام
نور الدين بعض الحملات الأوروبية تعد بثلاثمائة ألف وغُلِبت، بينما الخمسة آلاف غَلَبُوا، ومن هنا نعرف الفرق، كان هناك دار للحديث أو ما نسميه الآن كلية، دار للحديث في
دمشق قبل دخول
نور الدين إليها، فعند وفاته رحمه الله كان هناك قرابة ثمانين دار حديث في
دمشق، فالنهضة العلمية والدعوية واكبت أيضاً العلم الجهادي الذي قام به هذا الرجل وقائده
صلاح الدين، ثم قبضه الله وأكمل
صلاح الدين هذه المسيرة.
الحقيقة أيضاً أن الهجمة الاستعمارية الأخيرة التي كانت قبل قرن أو أكثر، أنا أعتقد بالنظر إلى حال الأمة من الجهل هي كانت أشد من هذا، وهذه المرة أنا لدي تفاؤل ويقين، والحمد لله لا تأتي الأيام والأحداث إلا وتزيده يقيناً عندي، هو أننا نحن الآن أمة ناشئة قائمة، أمة ناهضة، ونحن يوماً بعد يوم نرقى ونرقى، وقد نرقى بهذه الفتن وبهذه الهزائم وبهذه الضربات، الحضارة الند المقابل والعدو لنا وهي الحضارة الغربية أمة هابطة.
مثال: الحضارة الغربية الآن في غرب
أوروبا الوفيات أكثر من المواليد، بينما العالم الإسلامي الحمد لله تتضاعف أعداده، العالم الإسلامي يسيطر والحمد لله على كل الممرات الحيوية المهمة في العالم أو معظمها، معظم ثروات العالم فيه.. الخبرات لديه.. التكنولوجيا الحديثة بدأت فواكبها العالم الإسلامي والحمد لله.. العقل المسلم بدأ يبدع ويخطط.. الشعور بأننا أمة واحدة بدأ يتجدد.. بدأت الفوارق تذوب.. وهكذا، هناك مؤشرات، إذا أيقنا بأن الله تبارك وتعالى من تقرب إليه شبراً تقرب إليه ذراعاً وأن أول الغيث قطر.
وإذا الهلال رأيت نور ظهوره أيقنت أن سيكون بدراً كاملاً
هذه حقائق تاريخية، ولا بد أن نتفاءل...