المادة    
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها المشاهدون الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أمة كسيرة بئيسة تشتكي من عدوان غاشم ظل يطاردها قروناً طويلة، وشعوب محبة لأمتها تبحث عن دورها الغائب، في أزمة لا يعرف المطلع موقعها من هذه الأزمات المتتابعة.
هل اختلفت أشكال العدوان باختلاف أساليب المعتدي؟
ما دور العلماء في التصدي لهذا العدوان؟
هل يمكن لنا في ظل هذه الهجمة أن نتجاوز خليط الفرق والنحل والتوجهات الفكرية في الأمة، من أجل التصدي لعدو مشترك؟
ما دور المسلم العادي حيال هذا العدوان، وكيف يؤثر؟
يا رب أول شيء قاله خـلدي            أني دعوتك بالآصال والسحر
فوالذي قد هدى قلبي لـطاعته            لحب دينك في قلبي وفي بصري
كيف يمكن للعلماء أن يوجهوا الأمة في مثل هذه الأزمات إلى أن يعودوا إلى الله جل وعلا؟
قضايا عديدة نطرحها من خلال (ساعة حوار) على ضيفنا فضيلة الشيخ الدكتور/ سفر بن عبد الرحمن الحوالي، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم فضيلة الشيخ.
الشيخ: حياكم الله وأحسن الله إليكم.
المذيع: أولاً أشكر لك قبول دعوتنا، وأسأل الله تعالى أن يسددك، وأن يعينك، وأن يجري الحق على ألسنتنا جميعاً.
فضيلة الدكتور! البداية التي أراها مهمة جداً والأمة تعيش أزمة بعد أزمة، ونحن ندعو في كل أزمة إلى ضرورة أن يعود الناس إلى الله جل وعلا: ((فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ))[الأنعام:43] هذا الموضوع مهم جداً، فكيف يمكن لنا أن نرسم للناس المنهج الصحيح للعودة إلى الله جل وعلا في كل أزمة؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
لا شك أن العودة إلى الله تبارك وتعالى، والضراعة إليه، والالتجاء والتوكل عليه؛ هي من أعظم الأسباب التي جعلها الله تبارك وتعالى لتعيد بني آدم جميعاً (الأمم والأفراد) إلى الجادة والحق، فالله تبارك وتعالى غني عن خلقه أجمعين، والله تبارك وتعالى لا يريد أن يعذبنا، بل يريد أن نهتدي ونستقيم، فإن أبينا ونفرنا فذلك لخروجنا نحن عن هُدى الله تبارك وتعالى، وعما فتح الله من جوده وفضله وكرمه لنا من أبواب الأوبة والعودة والتوبة إليه.
والموضوع جدير بأن تتأمله الأمم والشعوب والأفراد، هو في الحقيقة قضية كل مخلوق خلقه الله تبارك وتعالى في هذا الوجود، ومن ناحية أخرى هو ما يفضل به المؤمن على الكافر، وما يتميز به من يعرف الله ويؤمن بالدار الآخرة عن غيره، هذه العلاقة العظيمة بين الخالق والمخلوق علاقة جديرة بأن يتفكر ويتأمل فيها كل مخلوق.
إن الله تبارك وتعالى وهو الحكيم العليم، الغني الحميد، العظيم الجليل، هو تعالى يدعونا إلى أن نتوب، وهو تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، هو الذي ينادينا عز وجل ويطمئننا بأنه يغفر الذنوب جميعاً إذا تبنا وعدنا إليه، هو الذي يرسل الرسل لإقامة الحجة ودعوة الخلق، ليعذر إليهم، ولا أحد أحب إليه العذر من الله تبارك وتعالى كما جاء في الحديث، هو الذي يهدينا دائماً وأبداً ويوفقنا، ولو وكلنا إلى أنفسنا طرفة عين لهلكنا في أي وادٍ من أودية الهلاك.
  1. حالتان يغلق فيهما باب التوبة

    فهو تبارك وتعالى الذي وسعت رحمته كل شيء، وهو الذي يحيطنا ويكلؤنا بالليل والنهار، وهو الذي يدعونا إلى أن ندخل من الباب المفتوح الذي لا يغلق أبداً إلا في حالتين:
    حالة كونية وهي: إذا طلعت الشمس من مغربها، فيومئذ: ((لا يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ))[الأنعام:158].
    والحالة الفردية هي: حالة أن يغرغر العبد، وما دون ذلك فله من الله تبارك وتعالى قبول، وبابه مفتوح يريدنا أن نرجع ونتضرع إليه.
  2. التضرع سلاح لدفع الابتلاء

    والتضرع إلى الله تبارك وتعالى -كما جاء في كتاب الله- هو باب من أبواب دفع العدو والعذاب الماحق، والله تبارك وتعالى ذكر لنا أمة عظيمة من الأمم خرجت عن القاعدة المعلومة بترك التضرع الذي ذكره الله تبارك وتعالى في أكثر من سورة من القرآن، خرجت عن ذلك إلى أن عادت وتابت في آخر لحظة: ((فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ))[يونس:98] فلما خرجوا يتضرعون إلى الله تبارك وتعالى وجأروا إليه، وعفروا خدودهم وثيابهم، وأصبحوا في حالة من الذل والانكسار والضعف بين يديه؛ رفع الله تبارك وتعالى عنهم العذاب، بخلاف ما لو قارنا مثلاً بقوم عاد: ((فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا))[الأحقاف:24].
    فرق كبير جداً بين أمة استشعرت قوة الله وشدة بأسه وعظمته وجبروته، وبين أمة عتت واستكبرت وقالت: من أشد منا قوة، حتى عندما ترى العذاب، وعندما يحيق بها.
    هذه الحالة في الحقيقة هي حالة مشتركة، وهي من أعجب الحالات أنها مشتركة بين الأفراد والأمم، فالأمة تحتاجها والفرد يحتاجها، فلو أن أمة أهملتها وفيها أفراد تضرعوا ولجئوا وأنابوا واستغفروا، فهم بين حالين:
    الحالة الأولى إما أن ينجيهم الله تبارك وتعالى، كما كان الشأن في الأمم التي قبل هذه الأمة وهي أمم كثيرة، كان ينجي الله تبارك وتعالى الذين آمنوا، ينجي الذين ينهون عن السوء ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
    والحالة الثانية هي: حالة أن يعاقبوا جميعاً ولكن يبعثون على نياتهم، كما لو حدث زلزال أو طوفان أو حرب عامة، تحيط بالجميع، لكن يبعثون على نياتهم، ومن هنا تأتي ضرورة استحضار نية التوبة والاستغفار واللجوء إلى الله تبارك وتعالى.
  3. التوبة الفردية والتوبة الجماعية

    المذيع: لكن نحن أيضاً عندما ندعو إلى التوبة الفردية؛ فإننا لا نغفل جانب التوبة الجماعية بالنسبة للأمم، يعني: الأمم الإسلامية التي سقطت في مستنقعات الآثام، الأمة التي أذنت بحرب الله جل وعلا ورسوله في كل مجالات الحياة، في تحكيم شرع غير شرع الله، في قيام اقتصاد على غير ما أمر الله، أيضاً نقول: إننا عندما ندعو الفرد ندعو الجماعات والمجتمعات والحكومات إلى العودة إلى الله عز وجل من خلال هذا النداء.
    الشيخ: نعم. كل مخلوق مطلوب منه ذلك، وقلنا: إن هذه حالة تشترك فيها الأمة مع الفرد، ولذلك خذ مثلاً: لو أن زعيماً من زعماء الكفر، في أقوى دولة كافرة في العالم؛ تجد أن هذه الحالة تأتيه كفرد ويلجأ إلى الدعاء، وإلى الأسباب التي فوق الأسباب المادية لكي ينال -فيما يظن وكما يزعم أيضاً- هذه المنحة الربانية والنعمة الربانية، ولن ينالها مع كفره إلا استدراجاً من الله تعالى.
    فالمقصود: لا شك أن الأمة وبالذات هذه الأمة العظيمة، التي كتابها واحد، ورسولها واحد، وقبلتها واحدة، وهدفها ينبغي أن يكون واحداً، وعدوها واحد، يجب أن توحد كل شيء، فهي أمة التوحيد، كما وحدت هذه الأمور توحد الله تبارك وتعالى ولا تتلقى من شرع غير شرع الله، ولا تحكم بشراً غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، منه تتلقى وعنه تأخذ، وتجتهد فيما أباح الله تبارك وتعالى لها الاجتهاد فيه، بقدر إيمانها؛ لأن هذا الدين هو الحق، وأن الله تبارك وتعالى حق، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم حق، فبقدر إيمانها بذلك لا تحتاج أبداً إلى أن تقع في هذه المهاوي، ولا أن تضل ذات اليمين ولا ذات الشمال.
    كيف تحتاج أن تحكم شرعاً غير شرع الحكيم العليم الذي قال: ((أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ))[المائدة:50] هذا حكم لا نتكلم عنه ظاهرياً فقط، بل هو حكم جربته البشرية، لم تعرف البشرية في تاريخها الطويل، وهو مكشوف من قبل الميلاد بثلاثة آلاف سنة أو أكثر إلى الآن، لم تعرف أبداً حضارة كهذه الحضارة، في عظمتها وقيمها وسموها، الحضارة التي كانت تحتكم إلى كتاب الله، الحضارة التي لم يكن يظلم فيها أحد إلا من عصى، إن كان مؤمناً أو غير مؤمن، فأي ظلم لأي بشر فهو مخالفة، الحضارة التي قامت على العدل والحق، والحضارة التي أعطت الفرد حقه دون أن تهضم الجماعة حقها، وأعطت الجماعة حقها دون أن تهضم الفرد حقه، وأعطت الحاكم حقه دون أن تهضم المحكوم حقه، وأعطت المحكوم حقه دون أن تهضم الحاكم حقه، التوازنات الدقيقة التي لا يمكن على الإطلاق أن يضعها أو يرسمها أو يشرعها بهذه الدقة إلا الحكيم العليم.
    ما عدا ذلك فلا بد أن تميل طبقة على طبقة، أو حكومة على شعب، أو شعب على حكومة، أو الأغنياء على الفقراء، أو أي نوع من الأشكال كما نرى في القارة أو الأمة التي تمثل آخر حضارة، وتريد أن تحكم العالم كله، وهي الحضارة الغربية.
    إذا نظرنا إلى الجزء الشرقي من الحضارة الغربية أين هو من الجزء الغربي، ثم تنظر أين الأغنياء من الفقراء، ثم أين الرجل من المرأة، ثم أين العامل ومرد العمل، لا يمكن أبداً أن يحكم هذا الكون إلا الله، وأنا أتذكر كلمة عجيبة جداً لمن يسمونه العميد دوجي وهو قانوني شهير، من أشهر القانونيين في القانون الفرنسي، ويعتبر هو أبو القوانين الوضعية في العالم، يقول هذا القانوني بعد جهد وتجربة طويلة: {{ إن لدي اليقين بأنه لا يمكن أن يُشرع للبشر إلا قوة فوق البشر }} وهذه الحقيقة عاشها وعاناها؛ لأنه وجد أنه عندما يُشرَّع أي قانون فإنه يوضع من وجهة نظر معينة، من خلفية ثقافية وتاريخية وبيئة محدودة، فإذا نزل في الساحة العامة لا يصلح، وكل الدول وكل العالم يضطر لتغيير اللوائح والقوانين ويغير ويعدل، ولكن الشرع المحكم والكتاب الحكيم، وما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم آية باهرة عجيبة.
    رجل أمي في هذه البلاد القاحلة المقفرة، لا صلة له بحضارات على الإطلاق، ولم يتعلم على يد معلم على الإطلاق، ثم يأتي بالشرع المحكم الذي تعجز أمامه أكابر العقول، وليس فقط في جانب الشرع والدين، بل جاء -كما يقول الطبيب الفرنسي المشهور داكاي -: {{ من العجب أن مثل هذا الرجل الأمي يأتي بهذا الدين، ويتقدم العلم ويتطور قروناً وأجيالاً ولا يجد كلمة واحدة من كلامه تخالف الحقيقة }} شيء لا يمكن أن يتخيله بشر!
    ولذلك آمن كثير من الناس بناء على هذا، آمن علماء بني إسرائيل لما رأوا الآيات والدلالات البينات الباهرات، آمنت كثير من الأمم لما قرءوا عن هذا الدين، بل الفلاسفة الملاحدة الذين هم أبعد ما يكونون عن الدين؛ اضطروا إلى أن يقولوا: إنه لم يطرق العالم شريعة مثل هذه الشريعة.
    المقصود: أن أمة هذا شرعها وهذا دينها وهذا كتابها، يجمع الله لها بين خيري الدنيا والآخرة، يجمع الله لها بين سعادة الدارين، بينما نجد أنه كما قال تبارك وتعالى: ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى))[طه:124] نجد أن الكافرين في العذاب والضلال البعيد، عذاب في الدنيا وضلال عن منهج الله تبارك وتعالى، نجد أن الله تبارك وتعالى يحذرنا من أن نعجب بهم: ((فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ))[التوبة:55].
    أمة عندها هذا الدين، كيف تغفل عن الله تبارك وتعالى؟ ومن هنا تأتي قضية -ما تفضلت به وأشرت إليه- تأتي مشكلة العدو، إن هذا العدو هو تأديب، هو عقوبة، هو تنفيس أيضاً، هو أن يتخذ الله منها شهداء، هي أمة كريمة على الله، أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ويعز عليها أن تعصيه وتخرج عن منهجه، وإذا سلط عليها فهو ليؤدبها وليردها إلى الجادة، ولتنال عذابها وعقوبتها في هذه الدنيا، وهذه نعمة لها، فمهما يكن العذاب في هذه الدنيا فهو بلا شك أخف من أي نوع من أنواع العذاب في الآخرة، عافانا الله وإياكم.
    إذاً.. الرحمة شاملة، والتكريم في محله، والوعد الصادق في محله، وبشارة النبي صلى الله عليه وسلم لها بالسمو والرفعة والتمكين في محلها، لكن هذه العوارض التي تعرض لها كما تعرض للفرد إذا فرط أو قصر فإنه يعاقب، ويعرض البلاء أيضاً في حالة الاستقامة، فقد ابتلي الأنبياء والصالحون على قدر دينهم، فهذه قواعد وسنن ربانية جاءت مبسوطة منثورة في كتاب الله تبارك وتعالى بأكثر من الآيات التي تدعو مثلاً إلى أداء أعظم شعيرة في كتاب الله وهي الصلاة، الشعيرة اليومية، فالسنن الكونية في هلاك وبقاء الأمم وفي تعامل الأمة والفرد هذه أكثر وأعمق.
    يجب على الأمة الإسلامية أن تعيد النظر في توازنها أولاً قبل كل شيء، أن تعيد النظر في تعاملها مع القرآن، أن تعيد النظر في قراءتها لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، أن تعيد النظر في موقفها مع الله قبل أي موقف آخر؛ لأنها لو نظرت إلى هذه الحال واستقامت وصلح أمرها فسيظهرها الله تبارك وتعالى على العالمين، لا تغلبها قوة على ظهر الأرض أبداً، وهي في الحقيقة تحقق الشيء، أو الأعجوبة التي تجعل كل من يراها أو كل من يرى الواحد منها يقول كما قال النصارى في دمشق لما دخلوا وفتح المسجد، ووضع هكذا شطرين، من جانب دُخل عنوة ومن جانب دُخل سلماً، فكانت الكنيسة الكبرى هكذا، فالشطر الذي كان يصلي فيه الصحابة هنا، والشطر الآخر كان بقية رهبان وعباد أهل الكتاب هنا، فلما رأوا عبادتهم من غير كلام -والنصارى بقوا على دينهم وصالحوهم- والله ما نرى للحواريين فضل على هؤلاء، هكذا بالرؤية!
    كما قال عبد الله بن سلام من قبل وغيره، كان يرى النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: والله ما هذا بوجه كذاب، فهناك أمور غيبية قلبية تظهر على الجوارح وفي الأعمال والكلمات، وربما تقرأها القلوب ولا تترجم بأي لغة، لكن لغة القلوب لغة مشتركة بين العالم كله، وجعلها الله تبارك وتعالى كذلك إذا نظرت إلى موكب جنازة أو قبر، فالوجوه والملامح واحدة، هناك لغة مشتركة، هذه الملامح أو هذه اللغة المشتركة هي التي يخاطبها القرآن مباشرة، فمن كتب الله له الحياة أحيا الله قلبه بهذا القرآن، وبهذا النور، وبهذا الإيمان، فترجع الهزيمة نصراً، والضعف قوة، ويرجع الشك يقيناً.
    هناك مقدرة هائلة جداً تكسبها الأمة، ونأخذ مثالاً بالفرد عندما يؤمن بالله تبارك وتعالى حق الإيمان، ويتجرد عن الذنوب والخطايا، ويتعلق قلبه بالله تبارك وتعالى، هذه المقدرة هي مقدرة تحمل الشدائد مهما كانت، هي التي يُعبر عنها في القرآن بالصبر، وإذا اجتمع الصبر واليقين نيلت الإمامة في الدين.
    الصبر لا يمكن أن يهدى أو يقدم، لا يأتي إلا بالتمحيص، وهو ناتج من نتائج الإيمان؛ لأن هناك أمل، الله تبارك وتعالى جعل لنا أملاً، فكلما ضاقت عليك الدنيا تعلم أن لك في الآخرة سعة والحمد لله، كلما وقع بك شيء تقول: الحمد لله، كلما حلت بالأمة كارثة أو بالفرد كارثة نستطيع أن نقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، فتنال الطمأنينة في الدنيا، وتنتظر الأجر في الآخرة.
    أما الأمم الأخرى فكما لاحظنا: إن قويت طغت وبغت واستكبرت وتجبرت، وإن ضعفت أو غُلِبت ينتحرون، أو يضيعون أو يدمرون، أو يحاولون أن ينتقموا فيما بعد بما يتجاوز حدود العدل والمنطق، بشكل يدل على أنهم لم يفقهوا سنة عظيمة من سنن الله تبارك وتعالى في هذا الكون.