وتبقى مشكلة أخرى وهي أنهم يجدون أذناباً، يجدون من يقدمهم ويخدمهم، ومن يمهد لهم، ولذلك نقول: نعم هذه مشكلة هذه الأمة، مشكلتنا من المنافقين، مشكلتنا من المرجفين المفسدين، من هؤلاء الذين: ((
لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ))[التوبة:47] وهذا قاله الله لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك نحن الآن، كيف إذاً يجب علينا أن نقاوم؟
أقول: من أهم ما يجب وأن نجعله موضعاً للمداولة وللحديث وللهم، كيف نقضي على هؤلاء المجرمين الذين من طريقهم يدخل أولئك؟
التحالف الشمالي لولا تحالفه مع
أمريكا في
أفغانستان ما دخلت
أمريكا بهذه الطريقة، ولولا الخيانة وهؤلاء المفسدين والمعارضة المجرمة ما دخلت أيضاً
أمريكا بغداد بهذه الطريقة.
إذاً: علينا أن نحتاط وأن نعرف من أين دخلت
أمريكا، إنهم يدخلون من الفرق الضالة، من
الإسماعيلية في
أفغانستان مثلاً، أو من
الرافضة في
العراق أو في غيره، يدخلون عن طريق العلمانيين الملاحدة أصحاب الشهوات، الذين يريدون إفساد المرأة المسلمة، وأن تتغير الأمة وتنقلب على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتحكّم القوانين الوضعية الإباحية الديمقراطية أو بأي اسم آخر.
وهم إن لم يجدوا موضع قدم فإنهم لا يستطيعون ولا يدخلون أي بلد، وأضرب لكم مثالاً:
كوبا التي يسيطر عليها
فيدل كاسترو منذ نحو ثلاثين سنة وهي قريبة من
أمريكا، وهي جزيرة معزولة، و
أمريكا تتمنى إسقاطها كل يوم ولم تستطع، لأنها لم تجد حزباً رأسمالياً تدخل من خلاله إليها، وتدخلات
أمريكا عموماً في أكثر أنحاء العالم ترجع إلى هذا الأمر، إن لم تجد من أهل البلاد من يقاوم ويعينها ويمهد لها فهي لا تستطيع أن تدخل، وإن دخلت لا تستطيع أن تبقى، احتلت
الصومال فلما لم تجد فيه من يعينها هربت وفرت بجلدها، وهذه شواهد موجودة أمامنا، لكن في الدول التي تجد فيها من يضع لها ويمهد لها ويفرش لها الطريق فإنها تبقى.
ولذلك يجب أن نفكر دائماً، إذا أردنا أن نحارب
أمريكا أو نقاتلها، أو ننتصر عليها فكيف نقضي أولاً على الأيدي الخبيثة التي تعمل لها، والفرق الضالة التي تخدمها، والمبادئ الهدامة التي تهيئ لها، بعد قضائنا على الظلم الاجتماعي والقهر الذي يجعل كثيراً من الشعوب في غفلة، ويجعلها تفكر أن تتخلص من هذا الظالم ولا تبالي بأي ظالمٍ جاء بعده، وهذا ليس من العقل والحكمة، بل على العاقل أن يفكر إذا كان في وضع ظلم فلا يأتي بمن هو أظلم منه، غير أن الظلم والقهر يحول بين الإنسان والفكر، فإذا -أعاذنا الله وإياكم من قهر الرجال- قهرك أحد وظلمك واضطهدك فإنك أحياناً قد تتمنى لو احترق البيت بك وبه، فيخرج التفكير عن حدود المنطق والمعقول، ويتحول إلى مجرد رغبة في الانتقام بأي شكل من الأشكال.
فلو تجنبت الشعوب والحكومات العربية والإسلامية الظلم والقهر والتسلط على عباد الله تبارك وتعالى، وأيضاً بعثت إرادة الأمة وأحيت روح الجهاد والمقاومة، وأخذنا الدروس والعبر من الحرب الأولى، حقيقة أننا كنا نظن ألا تنتهي الأزمة الأولى إلا وبدأنا نتجنب كلنا، وندافع جميعاً، ونتهيأ للمقاومة بحيث نكون في موقع القوة، فلما حصلت حالة الاسترخاء والرجوع إلى اللهو واللعب والترف والدنيا وما إلى ذلك، فما فقنا إلا وقد جاءت هذه، فإلى متى نظل هكذا ننام ونفيق حتى يُقضى علينا وكل منا على فراشه والعياذ بالله؟!
إذاً.. لا بد أن تتخلص الأمة من هذين الأمرين: فيما يتعلق بالحكام، وفيما يتعلق أيضاً بالفرق الضالة، والمبادئ الإلحادية
العلمانية أو
الحداثية أو أي فكرة أو مبدأ مخالف لشرع الله تبارك وتعالى، فإذا انتفى هذان وتربت الأمة تربية إيمانية جهادية فوالله لتجدن أنه قد يسبقك في ميدان الجهاد من ترى أنك خير منه بدرجات، حتى من قد يكون مهملاً في صلاته أو في بعض أمور عباداته، عند المقاومة تجده من أشجع الناس بإذن الله تبارك وتعالى؛ لأن الأمة كلها مفطورة على حب الشهادة، والظلم الذي أنزله الأعداء بنا أكبر من أن يدع للإنسان مجالاً يفكر: كيف أبذل نفسي أو روحي في سبيل الله؟ وتجد دعاء المسلمين بإذن الله تبارك وتعالى متقبلاً؛ لأننا أخذنا بالأسباب ودعونا.
الدعاء الذي دعوناه لا يضيع ولن يضيع، ولا يجوز أن نستعجل ونقول: دعونا فلم يُستجب لنا، لكن نقول: والله لو أخلصنا في الدعاء مع الأخذ بالأسباب لرأينا من العجائب والتأثير ما لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى، ولذلك حقق الله تبارك وتعالى كثيراً من الخير، بما حصل من هذا الدعاء وهذه الإنابة والرجعة، وعلينا أن نستمر ولا نقول: دعونا فلم يُستجب لنا، بل ندعو -ولا أعني القنوت وحده- بل يدعو كل منا في سره وعلنه ويذكر إخوانه بذلك.
هذه مقدمات عامة مجملة حتى يكتمل الحضور ونتداول الرأي فيما بيننا، وأرجو بإذن الله عز وجل أن يكون كلٌ منا يبدي رأيه مكتوباً أو منطوقاً بقدر ما يستطيع؛ لكي يبنى عليه عمل وبرامج تنفذ في الواقع إن شاء الله، ولا تظل حياتنا ومقاومتنا هي الحديث أو الكلام والبيانات، بل نحاول أن نجتهد في إيجاد أعمال تجمع قلوبنا وأبداننا وطاقاتنا، وتهيئنا إن شاء الله لكي نكون صفاً واحداً ويداً واحدة في وجه هؤلاء الظالمين المعتدين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.