واجب المرأة المسلمة تجاه أخواتها المسلمات في البلاد المستضعفة
السؤال: إن وضع أختنا الفلسطينية المجاهدة الصابرة في ظل استبداد أصحاب الغدر والخيانة قاتلهم الله محزن بالفعل، بل هو مأساة بالغة، فقد هتكت الحرمات، وشردت الأسر، وعذبت الفتيات، وكشفت العورات، ومع ذلك كن ولا زلن يحملن على عاتقهن الوقوف على ثغر من ثغور الإسلام ضد العدو الصهيوني، بل أيضاً تحملن مسئولية تربية جيل بل أجيال من المجاهدين والمجاهدات، فما واجبنا مع هؤلاء المستضعفات؟ وكيف لنا أن نقف معهن على هذا الثغر، وأن ندعمهن بشتى الطرق، مع اعترافنا بتقصيرنا في ذلك بشكل كبير والله المستعان؟
الجواب: الأمة المسلمة أمة مبتلاة وأمة مستضعفة في كل مكان في العالم، والعبء الكبير الذي يقع على رجالها يقع مثله وأكثر منه على النساء، بل إن الغالب أن عبء المرأة أكبر؛ لأنها بطبيعتها تعاني من الضعف الذاتي من جهة، وأعباء الأسرة والأبناء من جهة أخرى، فهي لم تؤهل لهذا الاستعباد، وهذا الأسر والاضطهاد، أو هذه المعاناة الطويلة كما أُهل الرجال، ومع ذلك فإن تؤجر على صبرها عند الله تبارك وتعالى.
وواجبنا نحن عظيم بلا شك، فيجب علينا أن يشعر كل أخ هنا أن له أخوة هناك، وكل أخت هنا أن لها أخوات هناك، يجب علينا أن نستشعر حقيقة الأخوة الإيمانية، وأننا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له بقيته بالحمى والسهر، فالمؤمنون إخوة كما ذكر الله تبارك وتعالى، وأن عدونا واحد، والذي أكل الثور الأبيض اليوم فإنه سوف يأكل الأحمر غداً والأسود بعد غد، بل ربما أكلها كلها جميعاً غداً.
فلا يجوز أن نكون على الحالة التي يريدها منا الأعداء، وهي أن يشغلوا كل مجتمع بمشكلاته وهمومه، بل كل مجتمع بشهواته أو كدحه من أجل نيل القوت؛ لأن مجتمعاتنا على نوعين: نوع يكدح فقط لكي يحصل على القوت، ونوع آخر مشغول بالشهوات والتفنن في البذخ واللهو، وكلاهما خطر عظيم، ويشغلان عن الاهتمام بالقيام بواجب الأخوة الإيمانية.
الأخوات المؤمنات تقع لهن أشياء يقشعر منها البدن في فلسطين المباركة الصابرة المجاهدة، وتقع في العراق وفي أفغانستان، وفي كشمير والفلبين وإريتريا والصومال والشيشان والبوسنة، وفي مناطق كثيرة جداً، بل اضطهاد حتى في الدول التي تزعم الحرية، ففي فرنسا التي يسميها البعض الفجر أو المكان الذي انبثق منه النور وأشع على العالم، وباريس عاصمة النور.. إلخ، ضاقت علمانيتها وحريتها وحقوق الإنسان فيها بتلك الشعارات الجوفاء، يعني: ضاقت عن قطعة من القماش تضعها الفتاة المسلمة على رأسها؛ وهذا يدل على أن هذه الأمة مبتلاة فعلاً ليمحصها الله عز وجل، وليرفع من شأنها، وليميز الخبيث منها من الطيب.
إذاً: نحن في مواجهة البلاء يجب أن تكون لدينا حلول عملية، ولا نكتفي بمجرد البكاء أو الرثاء أو الحزن أو الألم، من ذلك على سبيل المثال -أيتها الأخوات- وأنا أنصح كل أخت عاملة موظفة، وإن كان كلا الزوجين يعمل أو لديهما دخل مناسب من وظيفة أو غيرها، فالواجب يتحتم أكثر أن كلاً منا يكفل أسرة فلسطينية.
ثم نتجه إلى بلاد أخرى لنعلم كيف يمكن أن نوصل إليهم الإغاثة، وكيف يمكن أن نقوم بواجبنا في إيصال الكتاب النافع أو الشريط النافع أو العمل النافع، ومعه الإغاثة ومعه الحجاب، كثير من الفتيات في دول عربية قريبة منا لو كانت تستطيع أن تشتري ما تتحجب به لتحجبت، فلو أوجدنا نحن مشاغل، والمشاغل تقوم بأمرين: تشغيل الأخوات الفاضلات التي يعملن فيها، وإنتاج ما تلبسه هؤلاء الراغبات في الهداية والحجاب، لرأينا فوائد مركبة ومزدوجة في هذا الشأن.
أقول كمثال على ذلك: إنه ينبغي لكل أسرة في هذه البلاد والتي أنعم الله عليها ولله الحمد بهذه النعم أن تكفل أسرة أو أن تكفل طفلاً، وكما ذكرت الأخت الكريمة: أخواتنا هناك ضربن أروع الأمثلة، لا يوجد أم في العالم الآن تتحلى بصفات المقاومة والصمود والصبر كالأم الفلسطينية، وأصبحت الأم العراقية على الطريق بحمد الله تبارك وتعالى وتوفيقه، هناك صمود عجيب، هناك إثبات حقيقي وبرهان عملي على أن دين محمد صلى الله عليه وسلم قاهر وظافر، وأن الله تعالى غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعملون، وأن العاقبة لهذه الأمة بحول الله تعالى وقوته، وصمود هؤلاء الأخوات.
الأخت التي تأتيها حالة الولادة وهي على معبر.. الأخت التي تقتل.. الأخت التي تضحي.. ومع ذلك الإصرار على أنه لابد أن نستمر وأن نربي المجاهدين والمجاهدات، وأن نثبت في أرضنا وعلى ديننا وبإيماننا، هذه حقائق ولله الحمد أصبحت واقعية ملموسة، وبقدر ما نثبت هذا الإيمان فإن العدو يهتز ويضعف، وهذا العدو أو رأس الأفعى لهذا العدوان تمثله هذه الدولة الصهيونية، نسأل الله تبارك وتعالى أن يدمر عليها وأن يهلكها، وأن يجعلنا ممن يعين على ذلك بإيجاد المجتمع المؤمن في هذه الأرض المباركة، ومن كتب الله تعالى له الهداية منهم والدخول في عدل الإسلام أو في دين الله، فالحمد لله شريعة الله تعالى وعدله يسعهم جميعاً.
أقول: إن على كل واحد منا أن يجتهد في أن يكفل أسرة مسلمة أو طفلاً مسلماً، وكما تعلمن أن الطفل المسلم يمكن أن يكفل بمبلغ ليس والله صعباً على كثير منا، ولله الحمد والشكر، وهو ألف وخمسمائة ريال سنوياً فقط، أربعمائة دولار في السنة، لا نقول: إنها تقوم بالواجب، ولكنها تقارب من الكفاية على القدر الضئيل لديهم، فنستطيع بذلك أن نوفر العيش الكريم، والاستمرار في تحفيظ القرآن، لأن أكثر وأول المستفيدين من هذا هم طلاب حلقات التحفيظ، نسأل الله تبارك وتعالى أن ينفع بالجميع إنه على كل شيء قدير.
وكما قلت: كيف يمكن لنا بناء الشخصية المسلمة كما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لكي تواجه خطر العلمانية، وضربت مثالاً على ذلك في المسلمات اللاتي يردن الحجاب في فرنسا وفي غيرها؟
الجواب: نعم. إذا نحن درسنا أوضاع وأحوال هذه المجتمعات، وتعاملنا كأمة لا كأفراد في علاج هذه المشكلات فبإمكاننا أن نحقق الشيء الكثير في هذا، أما بناء الشخصية في ذاتها فقد سبق ما يكفي عنه، لكن نحن نريد بناء خط دفاعي يحفظ للمرأة المسلمة نوعاً من الحرية بل أكثر؛ لأنها أفضل من المرأة اليهودية، والمرأة اليهودية لا يستطيع أن ينال أحد منها شيئاً؛ لأن لها منظمات، وهناك جهات ومؤسسات وحكومات وأفراد وإعلام يدافع عن قضاياها.
فكذلك الواجب للمرأة المسلمة أن يكون لها كذلك، يعني: البلد الذي يعامل المحجبات بهذه المعاملة لو قاطعنا بضائعها، واحتججنا لدى سفارتها ولو كتابياً، لو نشرنا ذلك في الإعلام؛ لأثر ذلك فيها بلا شك، أما أننا نستسلم، فكأن القضية تخص تلك الفتاة أو ذلك الأب، فهذه حقيقة مشكلة تتنافى مع واجب الولاء والبراء والنصرة الإيمانية.