المادة    
السؤال: إن بعض الداعيات -هداهن الله- قد يخالط عملهن في مجال الدعوة رياء وسمعة، وقد يطرأ عليهن ذلك؛ نتيجة لمدح وثناء المجتمع والناس عليهن، كيف يمكن للداعية أن تتلافى ذلك، وأن يكون عملها خالصاً لله وحده المطلع على السرائر؟
الجواب: هذا الموضوع -أيتها الأخوات- يختلط عند الناس لبعض الأمور، هناك عاجل بشرى المؤمن كما سماها النبي صلى الله عليه وسلم، وعاجل البشرى أنك تريدين إذا دعوت إلى الله عز وجل أن تري أثر الدعوة بأن يستجاب لك وتفرحين بذلك، وهذا حق من حقك، ولكن يختلط عند بعض الأخوات، فإذا فرحت بنجاح دعوتها وبقبولها ظنت ذلك رياء أو سمعة.
نعم. إذا كان البعض لا يريد إلا ذلك، وهذا لا شك أنه خطر عظيم: ((فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً))[الكهف:110] ففي هذه الآية النهي عن الشرك بعد العمل الصالح يدل على أنه -كما فسرها كثير من العلماء- المقصود هو إخلاص العمل لله من الشرك والرياء: ((أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ))[الزمر:3] وكما جاء في الحديث القدسي: {من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه} لأنه تبارك وتعالى أغنى الشركاء عن الشرك.
إذاً الأمر خطير يجب أن يتنبه له، لكن هناك غلو يأتي به الشيطان في هذا المجال فيقول: ما دمت قد عملت هذا العمل وفرحت بثناء الناس عليك فهذا لغير الله، إذاً فلا تعملي، وهذا مشكلة وخطأ، فالعمل إن كان فعله من أجل الناس أو تركه من أجل الناس فكلاهما مذموم، وكلاهما منهي عنه، إنما يجب أن يكون العمل لله وبإخلاص، وإن رآه الناس أو أثنوا عليه، ويأتينا ذلك في الأعمال التي جعل الله تبارك وتعالى حالها مستوياً، أو قائماً في كلا الحالين في السراء والضراء، كما قال: ((الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً))[البقرة:274].
يعني: في هذا يستوي الأمران، ولا ينبغي لنا أن تكون صدقاتنا وأعمالنا كلها سراً، بل نحقق كلا المعنيين اللذين ذكرهما الله تبارك وتعالى، لكن هذا له حكم ومصالح مع ترك الرياء وهو الجهر بالصدقة وإظهارها، وذلك له حكمه ومصالحه وهو ألا تعلم الشمال ما تنفق اليمين لكي يكون في ذلك إخلاص لله تبارك وتعالى، يجب علينا أن نجتهد في المواءمة والتوفيق بينهما.
وعموماً: الفقه المتعلق بأعمال القلوب نفيس وعزيز، وأرجو من كل واحدة منكن وفقها الله أن تجتهد في هذا النوع من الفقه، وأن تبذل ما تستطيع بإذن الله تبارك وتعالى لكي تتفقه فيه، وأعظم مصدر له هو كتاب الله عز وجل، وعمل النبي صلى الله عليه وسلم.