المادة    
المذيع: ننتقل يا شيخ إلى نقطة ثانية: وهي الحملة العالمية لمقاومة العدوان، هذه الحملة ضمت عدداً من علماء المسلمين، وجعلتم مكافحة العدوان شعاراً لها، يعني مكافحة العدوان بأي شكل؟
الشيخ: في الحقيقة البيان التأسيسي معلن وموجود على الموقع، ونشرته وسائل الإعلام، العدوان هذا هو الذي من أجله اجتمعت هذه النخبة الطيبة الكريمة من أنحاء العالم الإسلامي، العدوان الذي تتعرض له الأمة الإسلامية الآن عدوان شامل ومخطط له ومنهجي ولا يريد أن يبقي لنا وجوداً ولا هوية ولا عقيدة ولا ثقافة، بل ولا حضارة، فهو استهداف مباشر للإسلام بالدرجة الأولى.
ولذلك اجتمع هؤلاء الأفاضل، منهم رؤساء أحزاب كبرى يتبعها ملايين في العالم الإسلامي، ومنهم وزراء وبرلمانيون، ومحامون، ورجال أعمال، وبالطبع العلماء والفقهاء، ومثقفون كثير، اجتمعوا على أن يقوموا بالواجب المشترك الذي لا يسقط عن هذه الأمة، والذي لا يعفينا منه قيام الحكومات -فَرَضَاً- بواجبها، أو قيام جهات أخرى بواجبها، مع أن التقصير واضح للعيان، وهو أن نبين للأمة حقيقة هذه المخططات العدوانية .. أن نبين لها أن من الضروري جداً أن ترجع إلى عقيدتها وإيمانها وأصالتها .. أن نعيد لها ثقتها بالله تبارك وتعالى، وأنها الأمة الغالبة المنتصرة: ((وَإِنَّ جُندَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ))[الصافات:173] وبإذن الله عز وجل وكما أخبرنا ربنا تبارك وتعالى: ((وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ))[الأنبياء:105].
بعد مأساة العراق وقبلها المآسي والجراح العميقة، جاءت هذه الحملة لتثبت أننا أمة موجودة، وأننا أمة قائمة وصامدة بإذن الله، ولا شك أن الحملة هي الحد الأدنى، ولا شك أن الإمكانيات كما تعلم ويعلم الجميع محدودة، لكن الاجتماع على هذا الهدف العظيم هو بداية انتصار على الهوى والنفس والحزبيات الضيقة، وعلى التجمعات الإقليمية، لنعيد مفهوم أننا أمة واحدة تعتصم بحبل الله سبحانه وتعالى، وتواجه بما تستطيع؛ لأن الله تبارك وتعالى لم يكلفنا أن نعد إلا ما نستطيع، ودورنا نحن باعتبار أن العلماء والدعاة والمفكرين والمثقفين هو الدور السلمي، يعني الضغط عن طريق الكلمة، والمقالة والحوار والندوة، وأي وسيلة أخرى فاعلة ومؤثرة، ونحن نعيش في هذا العالم ونتفاعل مع أحداثه، ونرى أن هذه الضغوط مجدية ونافعة، ويكفي لجدواها أن تقنع الشعوب ومحبي العدل والسلام حتى داخل دول العدوان بأن هذا العدوان مرفوض، وقد رفضوه، وأهل الحق منهم حقيقة رفضوه، وهم متعاونون معنا، ولدينا رسائل كثيرة جداً من زعماء وقادة وبرلمانيين ومحامين يقولون: نحن معكم وضد الاعتداء، ونحن نريد أن نعيش على هذا الكوكب في أمن وسلام.
  1. دور الحملة العالمية في المقاومة والتوعية

    المذيع: الحملة العالمية لمقاومة العدوان قلتم: إن من أهداف هذه الحملة مقاومة العدوان سلمياً، هل برأيك أن العدوان يقاوم سلمياً، العدوان أنتم أسميتموه عدواناً، والعدوان لا يرد إلا بقتال، يعني هناك من يرى أنكم استبدلتم ذروة سنام الإسلام وهو فريضة الجهاد بخطب توعية؟
    الشيخ: الحقيقة أننا عندما ننظر إلى حقيقة الإسلام من ناحية ومعنى الجهاد من ناحية أخرى، ومعنى العدوان من ناحية أخرى تكتمل الصورة لدينا، العدوان هنا شامل، يستهدف مناهجنا والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. يستهدف المرأة المسلمة والعفة والفضيلة والطهارة، فهذه لها بابها الذي هو ليس القتال، العدوان أيضاً يستهدف مسخ القيم الإسلامية والهوية الإسلامية، والحرب النفسية المركزة العنيفة التي تفقد المؤمن الثقة بالله، والثقة في مستقبله، وتجعله يذوب في عدوه ويفنى في حضارته عن نفسه، وهذه أيضاً لها جانب، وهي الحرب عن طريق تقوية الإيمان، والنهوض بالهمم الإيمانية والإسلامية، وبيان أن الأمة ولله الحمد هي الغالبة والمنتصرة كما وعد الله وكما أخبر رسوله صلى الله عليه وسلم.
    وهكذا الإعلام، وأنت تعلم أهمية الإعلام، وأن الحرب الأخيرة على العراق هي حرب إعلامية أكثر منها أي شيء آخر، فالإعلام أيضاً دور مهم وجانب مهم .. جانب القانون والمقاضاة والمحاكمات جانب مهم، وهكذا نحن في حدود ما نستطيع ولا يمكن أن ننسى أن الجهاد ذروة سنام الإسلام أبداً، لكن الجهاد له شروطه وأماكنه ومفهومه الصحيح، الذي لو -لا قدر الله- فُهم خطأ فمعاده ربما عاد علينا نحن بالمشكلة والكارثة.
    فالقضية ليست بالدعاوى، بل القضية بالحقائق، وحقيقة الجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى يحتاج إلى راية واجتماع وقيادة، وهذا هو شأن الأمة عندما تكون لها خلافة راشدة، وعندما يكون لها قيادة من أهل الحل والعقد، وتجمع بكليتها لتقاوم عدواً، أو مثل المقاومات الجزئية الموجودة الآن في العالم الإسلامي، هناك مقاومات جهادية على الثغور.
    والمجاهد الحقيقي -يا أخي الكريم- هو المرابط على الثغر يدافع عن دينه ويحمي عرضه وبلده، ويقاوم المحتل الصليبي كائناً من كان، ليس الذي يتكلم ويتحدث ويكتب مقالاً باسم مستعار، ليس هذا هو الجهاد الحقيقي الذي نريده، وهذا لن يقدم للأمة أي شيء، لكن نحن ولله الحمد نقول: الخطوة الأولى هي الاجتماع على بيان حقيقة هذا العدوان وإيضاح حقائق الإسلام.
    ثم الخطوة الثانية وقد تكون بعد جيل أو جيلين إن شاء الله -والله أعلم لا ندري- تكون بتوحد الأمة واجتماع كلمتها ككيانات وحكومات، وينشأ من ذلك أهل الحل والعقد، وتتشكل الراية، وينطلق الجهاد الذي لا بد أن يقع، والذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم سواء في أرض الشام أو في غيرها، لكن هذا علمه عند الله، ولا نملك نحن تحقيق ذلك.
  2. علاقة الحملة بالتورية في السياسة الشرعية

    المذيع: قلت يا شيخ في حديث صحفي لك سابقاً: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يغزو قبيلة ورى بغيرها، كأنه يريد غزو غيرها؛ لكي يباغتها، واليوم تأتي مواقف تحتاج فيها الأمة للتورية ضمن السياسة الشرعية، فهل هذه الحملة ضمن التورية، والتورية ضمن السياسة الشرعية؟
    الشيخ: طبعاً الكلام هذا قيل قبل الحملة، أنا أقصد بهذا أننا نحن لا نظهر أو نتحدث عن كل ما لدينا، أو عن كل ما نريد أن نفعله، مثلاً: عندما يأتي خطيب ويخطب ويقول: الجهاد حق لا بد منه، وجهاد أمريكا ويتكلم، ويكرر هذه العبارات في نيويورك مثلاً، فلو قال هذا الكلام في أمريكا مثلاً فإنه يعرض نفسه لأن يقبض عليه، وأن يقفل المسجد ويتابع، وهو في الحقيقة ليس عنده جهاد، لكن لو كان هذا المتكلم عن الدعوة إلى الله وشرح محاسن الإسلام لكان هو الأولى، لو قلنا له ذلك لقال: تنكرون الجهاد؟! لا. لا ننكره، ولكن أنت تتحدث الآن عن وضع وعن واقع معاش، عن مشكلة أمامك، أنت متهم بالإرهاب، فالحديث الذي يعطي عدوك ما يبرر ذلك، إلا إذا كنت تتكلم عن الجهاد وتشرح أحكامه وشروطه وضوابطه لتبينها، وليس لديك أنت الآن استعداد لهذا العمل، نحن نقول: الرسول صلى الله عليه وسلم هو القدوة، وينبغي أن يؤخذ كلامه في إطار كلي وسياق كلي، قدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والرسل قبله صبروا على الأذى مرحلة معينة حتى قويت شوكة الدعوة ونهضت.
    لو استطعنا في أمريكا مثلاً أن نصبر ونتحمل الأذى حتى يكون لنا من الضغوط ما للوبي الصهيوني أو قريب من ذلك- تتغير الحال، لكن نحن نتكلم عن استئصال أو إبادة أو عنف، ونحن أصلاً لا نملك ذلك وليس لدينا... فتتعرض المساجد هناك للخطر وللضرر، بينما لم يكن هناك أي شيء، بل الدعوة إلى الله التي أثبتت جدواها وأثبتت أننا عندما نقول: إن في الغرب مجتمعات تقبل الدين وتقبل الإيمان، ولكن تحول دونها المنظمات الحاقدة أو الحكومات الفاسدة، فقد ثبت أننا على الحق في هذا ولله الحمد؛ لأن الذين دخلوا في الإسلام في أمريكا بعد الأحداث هم أضعاف ما كان يدخل قبلها هناك.
    المذيع: ألا ترى يا شيخ أن هذه الحملة هي بمثابة تعبئة الأمة أو تعبئة الشباب ودفعهم إلى كره الآخر، والولايات المتحدة أو الغرب، وبالتالي لجوءهم إلى القيام بأعمال -كما توصف- إرهابية؟
    الشيخ: الحملة عنوانها صريح وواضح .. مقاومة الإرهاب، نحن الآن المعتدى علينا .. نحن الذين تنهب خيراتنا .. نحن الذين يراد أن تطمس ثقافتنا، نحن الذين دمرت مكتباتنا كما دمر التتار مكاتب بغداد ورأى العالم ذلك .. نحن الآن المعتدى علينا، لسنا في موقع الهجوم، نحن نريد أن نقول لهذه الأمة: اصبري واثبتي وعودي إلى وعيك، وأفيقي من غفلتك وانهضي على قدميك.
  3. حقيقة الإصلاحات الأمريكية

    المذيع: دكتور! من هذا الذي اعتدى عليكم؟ لماذا أنتم مؤمنون بنظرية المؤامرة بهذا الشكل؟
    الشيخ: الذي وقع في بغداد مؤامرة أو وقع للعيان...؟
    المذيع: نحن نرى الشعب العراقي وهو صاحب الشأن كان أكثر المرحبين بوجود القوات الأمريكية..
    الشيخ: عفواً! اليوم مئات الألوف ضد القوات الأمريكية .. العملاء موجودون في كل مكان، العملاء في أفغانستان موجودون، وهناك موجودون، وهنا موجودون .. الذين يطالبون عندنا هنا بتغيير المناهج وإفساد المرأة موجودون، وهؤلاء ليسوا هم الشعب الأفغاني ولا العراقي ولا السعودي، لكن نحن نتكلم عن أرض العراق كوقف فتحه الصحابة، وتظل أرض إسلام إلى قيام الساعة.
    القضية الفلسطينية شهدت عملاء من هذا النوع، والآن انظر! كيف كانت المقاومة بعد خمسين عاماً.
    فنحن لا نجعل الحجة هم أولئك، إنما الحجة هم الذين يثبتون على الأصل، الذوبان الفكري أو الهزيمة النفسية التي قد تحيط بالأمة والصدمة والذهول الذي قد يعتريها.. وفي النهاية ترجع، أي: غادرها التتار أو أسلموا .. غادرها الصليبيون وأسلم من أسلم منهم، غادرها الاستعمار الأوروبي في القرن الماضي وانتهى أمره وسوف يغادرها هذا الاستعمار سوف تعود إلى دينها.
    المذيع: دكتور! أرض العراق التي قلت: إنها أرض الصحابة هي كانت تحت حكم قوة طاغية، تتبع حزب مبادئه تتنافى مع مبادئ الإسلام، ومع هذا لم تتحدثوا، فلماذا الآن تحدثتم وبدأتم في التحرك؟
    الشيخ: أنا أقول لك شيئاً إذا قلت لي لم أتحدث: أنا عانيت في كثير من محاضراتي وفي كتابي العلمانية أنه لم يكد يفصح لأنني قلت: حزب البعث حزب مرتد وصليبي، وإلى آخر تعريفي العلمي له، وعانيت من هذا في أيام عز العلاقة القوية بين الحكومة العراقية وبقية الدول العربية، وهذه مأساة أرجو ألا تفتحها لي.
    المذيع: أيضاً موضوع القوات الأمريكية ووجودها في العراق، هناك من يرى بأن القوات الأمريكية والولايات المتحدة بشكل عام تحمل مشروعاً على الأقل يستحق الاحترام، فخلصت العراق من نظام طاغية، وأيضاً تحمل مشروعاً ديمقراطياً، فكثير من الدول العربية لم نكن نسمع فيها بالإصلاحات السياسية، فبدأنا نسمع بالإصلاحات السياسية مع بداية التلميحات الأمريكية.
    الشيخ: نعم الذي يقول هذا موجود وكثير، ويريدون أن أمريكا أيضاً تدخل -لا قدّر الله- الرياض، وتعمل إصلاحات، وتدخل -لا قدر الله- إلى قطر وصنعاء، وتعمل إصلاحات، وهؤلاء مرفوضون إيمانياً وعقدياً، أي إصلاح يأتينا عن طريق الأمريكان مرفوض، إصلاحنا ينبع منا، من إيماننا ومن ذواتنا ومن كتاب ربنا وسنة رسولنا صلى الله عليه وسلم، ومن تمسكنا بسنة الخلفاء الراشدين في الحكم، ومن هنا ينبع الإصلاح، وما عدا ذلك فهو هدم وإفساد أو تزويق لشعارات، وتحتها يخفون المآرب مع أنها مكشوفة، أول ما اهتموا به وزارة النفط هو الخط إلى داخل الدولة الصهيونية .. أول ما اهتموا به المناطق الغربية لحفظ أمن دولة إسرائيل .. دمروا المؤسسات العلمية لتأخير الشعب العراقي، وقتلوه قبل ذلك بالحصار.
    نفس مشكلة وجود هذا الحزب هي من تدبير وصنائع الغرب، من الذي أنشأ القومية العربية؟ من الذي دعمها وأيدها؟ أليس الغرب يكافح بـالقومية التركية ويمزق الأمة؟ نحن جراحاتنا عميقة جداً ولا تحل إلا بالعودة إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا ما نؤمن به.
    أما أن يأتي عدو فيسفك الدماء، ويهدم، ويخرب، ويقول: إنني جئتكم بالحرية أو بالتقدمية، فهذه لا يصدقها في الحقيقة إلا أولئك الذين هم أصلاً محسوبون عليه، وهم عملاؤه ولا يبالون حتى لو دخل إلى أقدس البلاد لا قدر الله.
    المذيع: في ختام برنامجنا ليس لي إلا أن أشكر فضيلة الدكتور سفر بن عبد الرحمن الحوالي الرئيس السابق لقسم العقيدة بجامعة أم القرى بـمكة المكرمة وإلى اللقاء.