1. مشكلة الفراغ في حياة المسلم

    السؤال: فضيلة الشيخ! يشتكي كثير من الشباب من الفراغ القاتل، فبماذا تنصحون الشباب؟
    الجواب: حقيقة شكوى الشباب من الفراغ وتهويلنا كلنا حقيقة، والفراغ.. والفراغ..- يدل على خلل كبير أكبر من قضية أن هناك فراغاً، كيف يكون عندنا فراغ؟
    أقول: يا أحبابي! أنا أعجب لمن يقول: هناك فراغ، أنا لا أقول: إنه غير موجود، فهو موجود في الحقيقة، لكن أنا أعجب لوجود المشكلة، كيف يكون عند المؤمن فراغ، وأنت تعلم أن هذا العمر هبة، وأن نعمتين مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ، فاغتنم هذا العمر، اغتنم ما يقال: إنه فراغ، أو ما هو عند الآخرين فراغ، اغتنم ذلك يا أخي الكريم، هذا العمر محسوب معدود وبإمكانك أن تغتنمه فيما ينفعك، وما أكثر الواجبات وما أضيق الأوقات عنها، اجتنب هذه الشعارات، وانظر بعمق في حقيقة أمرك، كم من الجهود تحتاج إليها، كم لك من رحم تحتاج أن تصلها، كم عليك من واجبات يجب أن تؤديها، انظر إلى الشباب وإلى حال الناس مع الموت، كم من رجل مات وهو يتمنى لو أنه تاب، أو أدركه المرض أو الهرم ويتمنى لو أنه استغل الوقت قبل المرض والهرم فيما ينفعه، بل حتى التخرج، يا ليتني حفظت القرآن قبل التخرج، أو يا ليتني قمت بالدعوة قبل أن أتخرج أو قبل أن أتزوج، أو قبل.. أو قبل... أو قبل...
    إذاً -وفقكم الله- على كل واحد منا أن يحاسب نفسه، وليعلم أن هذا العمر معدود محسوب، وعليك أن تتقي الله وأن تقوم بواجب الوقت، ففي كل وقت لله تعالى عليك عبودية ليست في الوقت الآخر، ولا أطيل عليكم، ولكن أضرب لكم مثلاً من الأئمة العظام الذين كانوا أعظم مثل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن:
    لما حضرت الوفاة أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وعهد بالخلافة إلى عمر، ماذا تتوقعون أن يعظ عمر أو ينصح عمر؟ قال: يا عمر ! [[إن لله حقاً بالنهار لا يؤدى بالليل، وحقاً بالليل لا يؤدى بالنهار]] فإذا أديت حق النهار بالنهار وحق الليل بالليل، وكل يوم أعطيته حقه فلن يكون هناك فراغ، ويكفي مثل هذه الموعظة العظيمة البليغة في أهمية استغلال العمر والوقت، وكما فعل عمر رضي الله تعالى عنه قام بهذه الحقوق فكان غاية في العلم والجهاد والدعوة وفي تدبير شئون المملكة، وبالعدل الذي لا نظير له إلا عدل الأنبياء.
    فانظروا كيف استوعب الموعظة وامتثلها، وكذلك نحن يجب أن نغتنم أوقاتنا جميعاً، نسأل الله أن ينفعنا وإياكم فيها بما هو خير.
  2. الأخوة الحقة في مجتمع الصحابة

    السؤال: هلا ذكرت لنا مواقف عن الأخوة من الصحابة والتابعين؟
    الجواب: المواقف كثيرة جداً ولا تخفى عليكم، لكن نأتي بالمثال الواضح الذي يذكره كتاب الله تبارك وتعالى في سياق واحد، وهو: المهاجرون والأنصار، كيف كانت الأخوة بين المهاجرين والأنصار؟ يأتي المهاجر ويترك ماله وكل ما يملك في مكة، ويدعه لله، ويشري نفسه ابتغاء مرضات الله، ويأتي إلى المدينة فيجد أخاه هناك يستقبله بكل محبة، ويريد أن يشركه في كل شيء، البيت والمزرعة وكل شيء إلى حد أن يقول: ولديّ زوجتان فاختر إحداهما أطلقها ثم تزوجها، فهذا شيء خيالي.
    الاشتراكية قتلت ثمانين مليوناً من البشر من أجل إقامة أنظمة اجتماعية تحقق العدالة والأخوة، ولكنها سقطت، ولم تنجح، ولكن هذا الإسلام العظيم وتربية النبي صلى الله عليه وسلم جعلت هؤلاء جميعاً يعيشون هذه الأخوة، والنبي صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة عبر عن هذا كناحية قانونية إلزامية إجبارية حين قال: {المسلمون يد على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم} أدنى واحد من المسلمين لو أجار أكبر واحد من الكافرين قبل جواره.
    ليس عندنا قاعدة: والله لا يجير الزعماء إلا الزعماء، عندنا تعميق عظيم عجيب لمفهوم الأخوة، حتى الذين دخلوا من الأعراب أخيراً أصبح يشعر بأنه مثل أبي بكر وعمر في أمر خطير جداً وهو الإجارة، ومعروف أن الذمة والإجارة عند العرب لها أهميتها، خاصة أن المعارك لا تزال مستمرة.
    الأمثلة كثيرة جداً .. كانوا هكذا، بين الزوجين.. بين الأخوين.. بين الجارين.. مع الأحبة، وليس معنى هذا أنهم لم يختلفوا! لا، يمكن أن يختلفوا، ويتنازعوا، لكن الضابط الجامع لهم أنهم لا يخرجون عن حدود الله تبارك وتعالى، وسرعان ما يفيئون إلى أمر الله كلما اقتضى الأمر ذلك.
  3. حرمة التطاول على أعراض المسلمين

    السؤال: فضيلة الشيخ! هناك من الشباب من يقع في أعراض العلماء وطلبة العلم، ويرون أنهم على حق ويبدعون بعض العلماء، فما نصيحتكم لهم هداهم الله؟ الجواب: أرجو من الإخوة عندما يفهمون أن حق المسلم عليك أن تحفظ دمه وماله وعرضه، فمعنى ذلك أن كل من كان أكبر منك سناً فالحق أكبر، أو علماً فالحق أكبر، وهكذا، إلى أن نصل إلى الصحابة رضوان الله عليهم، فمن نالهم أو جرحهم أو طعن فيهم فهو منافق، فإن تعدى ذلك إلى شيء من النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يصبح مرتداً لا إيمان له. فنحن نقول: نحن بحاجة إلى أن نتناصح، وكل منا في حاجة إلى أن ينظر إلى عيبه، لو أردت -مثلاً- أن أنظر إلى عيب العالم أو عيب الطالب مثلاً لوجدت ما أكتب وما أطيل الكتابة فيه، لكن إن نظرت إلى عيبي واشتغلت به لنفعني ذلك فيما بيني وبين ربي، وفيما بيني وبين الناس، ودعوا التأويلات. بعض الإخوة الذين يفعلون هذا غفر الله لهم وهداهم يأتون بالتأويلات، يقولون: غرضنا أن يقيموا الدين، لماذا لا ينصرون؟ لماذا لا يجاهدون؟ لماذا لا يفعلون كذا..؟ هذا تأويل، ما دام لم يفعل ما يرى هو أنه يجب أن يفعل، فهل عرضه حلال أو دمه أو ماله، نسأل الله العفو والعافية، وما قلت الآن: الدم والمال، لكن نقول: العرض، نقول: يا إخوتي الكرام! لا تترك آية صريحة ولا حديثاً صحيحاً صريحاً من أجل تأويل أو اجتهاد أنت رأيته أو أحد من الناس قاله لك، حتى لو كان في هذا العالم أو الداعية أو المربي أو المعلم أو الأب ما فيه من تقصير أو أخطاء، فإن ذلك لا يجعل عرضه مباحاً لك، فلنعف أنفسنا عن ذلك، وفقنا الله وإياكم جميعاً.
  4. خطورة الكبائر القلبية

    السؤال: فضيلة الشيخ! هل يحاسب المسلم على الخطرات القلبية مثل الاحتقار والحسد دون أن يتكلم بها؟
    الجواب: المشكلة أعمال القلوب، الخطر الكبير والكبائر التي من أعمال القلوب، هي أخطر بكثير، وقد يظن البعض أن المسألة بالعكس، لا يا أخي الكريم، اسمع مثالاً على ذلك:
    الرجل الذي أتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجلد مراراً فقال أحدهم: لعنه الله -أو كلمة نحوها- ما أكثر ما يجلد! ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: {إنه يحب الله ورسوله} وبعد الخمر ماذا تتوقع من الذنوب؟ إذا شربها عافانا الله وإياكم ممكن أن يفعل كل الذنوب، فهي أم الخبائث في الدنيا، لكن لأن قلبه فيه محبة لله ورسوله وغير منطوٍ على كبيرة، فهذه الكبيرة أصبحت كأنها ليست بذات الخطورة التي يرتكبها من ينطوي قلبه على كبائره.
    القضية هي قضية القلوب .. الحسد، وحمل الغل على المسلمين هو أخطر من بعض الذنوب التي يراها الشباب ذنباً خطيراً، فمثلاً: أن يقتل نفساً أو يفعل الفاحشة يراها خطيرة جداً، وربما البعض لو فعلها يصاب بحالة من المرض والإحباط، والشيء الذي قد لا يتخيل، لكنه قد يغل ويحقد على أخيه وزميله أو شيخه ولا يرى ذلك خطراً، وهذا هو الخطر في الحقيقة.
    يجب أن نترك الكبائر: ((وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ))[الأنعام:120] يترك الظاهر والباطن من هذه الذنوب، ولـابن القيم رحمه الله كلام عظيم في هذا، وكذلك شيخ الإسلام وأئمة الهدى من قبل، وهذا أخذوه من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهي أن الكبائر القلبية أخطر، ثم لاحظوا أن القلب إذا انطوى على شيء من هذا فلا بد أن يظهر أثره، يقول شخص: هذا في قلبي لا أظهره! لا، لا بد أن يظهر أثر ذلك على الجوارح واللسان، واليد في التعامل، لا بد أن يظهر، فلنجتهد على أن ننظف قلوبنا.
    وأود أن أذكركم بحديث الرجل الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: {رجل من أهل الجنة}.
  5. العلاقة بين الإيمان والإسلام

    السؤال: هل من خرج من الإيمان يخرج من الإسلام كقول النبي صلى الله عليه وسلم: {لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن
    الجواب: لا. إذا اجتمع الإسلام والإيمان في نص واحد كما اجتمعا في هذا الحديث، واجتمعا في الحديث العظيم الذي هو أعظم أحاديث الإسلام كلها وهو حديث جبريل عليه السلام، عندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام ثم عن الإيمان، فالإسلام هو العمل الظاهر، الأركان الظاهرة، وهو الدرجة الأدنى، والإيمان هو الأعمال الباطنة وهو الدرجة الأعلى، فيخرج من دائرة الأعلى وهي الإيمان، ولا يخرج من دائر الإسلام.
    ومن ارتكب هذه الكبائر عافانا الله وإياكم، فلا شك أنه معرض للوعيد، وأنه لا يستحق اسم الإيمان أو لفظ الإيمان الذي يراد به المدح والثناء في كتاب الله تبارك وتعالى مثلاً، لكنه لا يخرج عن الإيمان الذي هو الإسلام، أو عن الإسلام الذي هو الدرجة الأدنى من الإيمان بمفهومه العام، فهو فاسق بكبيرته، لكنه مسلم أو مؤمن بإيمانه، لكنه لا يستحق الإيمان المطلق.
    مثلاً: شخص زنا، فلا نقل: هذا مؤمن، فهذا القول ليس بصحيح، متى نقول: هذا مؤمن؟ لو رأيت رجلاً بذل من ماله في سبيل الله أو عمل عملاً عظيماً من القربات فتقول: هذا مؤمن، ولا تثن على الزاني؛ لأن هذا في مقام الثناء، فأنت تثني على من فعل شيئاً زائداً عن مجرد الإسلام الذي يفعله أكثر الناس في صلاتهم وشهادتهم أن لا إله إلا الله وغير ذلك.
    لكن هذا جاء بأمر آخر فيستحق اسم الثناء، لكن اسم الثناء والمدح الذي جاء في كتاب الله للمؤمنين شيء، وثبوت الإيمان الذي هو مقابل الكفر شيء آخر، فهو لا يخرج منه، ومبلغ الخوارج في ذلك باطل كل البطلان، ويكفينا دليل واحد لبطلان مذهب الخوارج ومرتكب الكبيرة، وهو أن الشريعة جاءت بحدود على من فعل الكبائر، فجعلت للزاني الجلد، أو الرجم، والسارق تقطع يده، وشارب الخمر يجلد، ولو كان فاعل هذه الكبائر يكفر لكان حد الجميع واحداً، ولم يكن هناك داعٍ لهذه الآيات وهذه الأحاديث، ولا القضاة ولا الأحكام، وكل من فعل واحدة من هذه يقتل، ويكون مرتداً، وهذا مذهب لم يقل به أحد من أهل الهدى والخير والإيمان، إلا الخوارج ومن نهج نهجهم.
  6. إمكان الجمع بين طلب العلم والقيام بالدعوة

    السؤال: فضيلة الشيخ! كيف يمكن لطالب العلم أن يجمع بين طلب العلم والدعوة إلى الله؟ وأيهما يغلّب على الآخر؟
    الجواب: لا تعارض بينهما، لكن كل ميسر لما خلق له، فالله تبارك وتعالى هكذا نوع الخلق، كما كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كذلك نحن يا إخوان فيما وهب الله من المواهب، البعض خلقه الله ليكون عالماً حافظاً، فعليه أن يحمد الله على هذه النعمة، وأن يحفظ كتاب الله، ويحفظ من السنة والعلم، ويقوم بهذا الواجب، والبعض لم يؤهل لذلك، لا يكاد يحفظ إلا شيئاً يؤدي به بعض العبادات، ولا يستطيع غير ذلك، لم يكلف به ولكن عليه الدعوة، الكل عليه أن يدعو إلى الله.
    وأنا أذكركم بأمر جامع نافع -إن شاء الله- مبسّط جداً في هذا الموضوع؛ لأن هذه الأسئلة هي دلالة على مشكلة في أذهان الشباب يفكرون فيها، وحلها سهل جداً: هل أكون داعية أو معلماً أو أشتغل بهذا دون هذا؟ أو أشتغل بالجهاد أو أشتغل بالعلم؟ أسئلة كثيرة، وأضرب لكم مثلاً واحداً:
    لو أن ما يعلم الجميع من المنكرات أُنكر وما يعلم الجميع -حتى العوام والعمال- من الواجبات أقيم، انحلت مشكلة الأمة الإسلامية، مشكلتنا ليست لأننا لا نعلم أن الربا حرام، أو أن الزنا حرام، وبعد ذلك نحتاج أن نتعلم ونعلم لكي نعرف أنه حرام، لا. أحكام الربا الفرعية فيها ما يشتبه، فيها ما يحتاج للعلماء والفقهاء.
    لكن لو أننا حرصنا على أن ندعو أنفسنا وإخواننا بالوعظ والتذكير وبالتأثير إلى ترك الربا .. إلى ترك الزنا .. إلى ترك الأمور التي لا إشكال فيها، ولا يجادلك فيها أحد، ماذا يحدث؟ يتغير وجه الأمة، يتغير حال الأمة، فتتحول من الفرقة إلى الاجتماع، ومن الهزيمة والذل إلى الانتصار والعزة والكرامة، بإذن الله تبارك وتعالى، لماذا؟ لأن المشكلة عندنا ليست الجهل ببعض الأحكام أو تفريعاتها، المشكلة عندنا الجواب عليها في كتاب الله، ولا أطيل عليكم، لكن هذه قضية منهجية جدير بي وبكم أن نفقهها.
    الذي جاء في كتاب الله من الأحكام، جاء النهي مثلاً: ((وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى))[الإسراء:32] نعم، والربا جاء فيه ما جاء من الوعيد، لكن الآيات التي تعد بالألوف جاءت في تثبيت وترسيخ الإيمان بالله واليوم الآخر، ومشاهد القيامة وأحوال الناس إذا لقوا الله تبارك وتعالى، وأحوال النفوس وعلاجها وكيف تزكو، وكيف تطهر، وكيف تعرف الله وكيف وكيف ... إذا قرأت سورة في القرآن تجد هذا هو الموضوع، فنحن الآن اختزلنا هذه الموضوعات في أننا ندعو، شخص يقول: مشكلة الإسبال، والآخر يقول: انتشار الزنا، وثالث يقول: عندنا قطيعة، وهذا الكلام كله صحيح، لكن العلاج هو لو أننا عدنا إلى القرآن وربينا أنفسنا والأمة على القرآن، وأكثرنا من ذكر الله وذكر الدار الآخرة وما جاء في القرآن عنها، لتغير حالنا هذا ولم نحتج إلى شيء بعده.
    أقول هذا حتى يبدأ كل منا بنفسه ويعيد كل حياته وفقاً للقرآن.
    ولاحظ أيضاً ما يحفظ الواحد منكم مثل بعض الشباب الذين أراهم لا يزالون في سن مبكرة، فهو أول ما يبدأ يحفظ يحفظ جزء (عم)، جزء عم ما موضوعه؟ ماذا فيه من أحكام؟ موضوعه الآية الواحدة والسورة الواحدة فيها العجب العجاب، لكن نحن لا نكاد نوليها اهتمامنا، إذا دخل المسجد كيف تحذر من كذا ومن كذا..
    إذا دخل المسجد تحذير من التبرج، وتحذير من الإسبال وتحذير من كذا ..، وهذا كلام طيب ولا نقول فيه شيئاً، لكنه عندما يقرأ القرآن يشعر أن هناك أشياء أخرى أكبر وأعظم، وهذه كلها فروع لها.
    لو قرأ فقط: ((أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ))[التكاثر:1-2] كم شخص منا يشرح لأبنائه هذه السورة؟ ((الْقَارِعَةُ))[القارعة:1] .. ((وَالْعَصْرِ))[العصر:1] .. ((وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ))[التين:1]، هذه المعاني العظيمة: ((أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ))[الماعون:1-3].
    لو علّمنا أبناءنا هذه فهي أولى وأهم من بعض الأمور الأخرى، وإن كانت كلها من الدين، وكلها حق، لكن أقول: لو ربينا أبناءنا على القرآن، وعلى عظمة الله تبارك وتعالى: ((وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ))[الفجر:1-2]، لأخذ كل منهم عبرة عظيمة، فكلما سمع عن فرعون أو رأى آثاراً تذكر أن من عصى الله عوقب، فإن ذلك يمنعه من ذنوب أنت لا تعلمها، ولا تدري أين يمارسها.
    ولذلك أوصي نفسي وإخواني أن نرجع إلى القرآن وأن نربي أنفسنا عليه، وأن نبدأ بما بدأ الله تعالى به، والأمور الأخرى تأتي تبعاً، بل لو فعلها وهو مؤمن حقيقة بهذه المعاني فسرعان ما يتوب، ومن فعلها وهو غافل وذكرته بالله فسرعان ما يتذكر، لكن تأتي إلى شخص وأنت تصلي معه وتقول له: أراك مسبلاً، فهو يرى أنك اعتديت على شخصيته، لماذا؟ الخواء الداخلي.
    لكن ابدأ بتذكيره بالله وعذاب القبر ونعيمه ثم كذا وكذا، ثم قل له هذا لاحقاً، ستجد أنه يستجيب.
  7. علاقة المسلم مع رفقائه السيئين

    السؤال: إني أحبك في الله، ما هي الطرق المناسبة لمفارقة رفقاء السوء؟ وما هي طريقة التعامل معهم؟ جزاك الله خيراً.
    الجواب: عملين: كيف يفارقهم؟ وكيف يتعامل معهم؟ أما مفارقتهم فما أسهلها والحمد لله.
    وإن كنت قد أوحشتك الذنوب            فدعها متى شئت واستأنف
    يا أخي! الأنس مع الإخوان الطيبين .. مع هذه الوجوه الطيبة، الأنس موجود والحمد لله، البديل الآن موجود، دعهم واتِ إلى البديل وانتهى موضوع كيف أفارقهم.
    أما كيف يدعوهم؟ لا ينبغي لك إذا أنعم الله عليك بنعمة أن تنسى أنه تبارك وتعالى قال: ((كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ))[النساء:94] احرص واجتهد أن تدعوهم، وحاول بقدر الإمكان، أنا لا أرى لشخص اهتدى أن يهجر من كان معه من زملاء وأقارب هجراً كلياً، ولا سيما إن كان يربطه بهم علاقة العمل أو الدراسة، أو القرابة، بل اجعل هناك علاقة، وقل لهم: تعالوا يا إخوان... نحن والله نحب الهداية لليهود والنصارى، فكيف بإخواننا في بلد الإسلام، فاجتهد أن تدعو، وحاول إذا دخلت إلى محضن تربوي، أو إذا كانت لك علاقة بداعية أو بشيخ بحلقة علم، فخذ من هذا وأعط ذاك، الشريط والكتيب والنصيحة والهدية والزيارة، واعلم أنك أعرف الناس بهؤلاء الذين كنت معهم، كثير من الناس يأتيني فيقول: ما هو رأيك؟ فأقول له كلاماً عاماً، أنا عندي كلام عام فقط، لكنه يعرفهم جداً.
    وأذكر لكم مثالاً: شخص من الناس كان على منكر كبير جداً وواضح جداً -والآن اهتدى والحمد لله، ولكن أذكر لكم كيف- وقد وُعظ أو كُتب له، وذُكر ونُصح، لكن لم ينفع معه، كان لديه مشكلة بسيطة جداً لا يعرفها إلا أناس قلة، وهو أنه كان لديه الذي يسمونه خوف الطيران، فأول ما يركب الطائرة وتقلع يخاف، فشخص عرف أن عنده هذه المشكلة فذهب وقال له: الموت والخروج من الدنيا وكذا.. فذكره بالخوف الذي يأتيه في الطائرة، فكان مفتاحاً لهدايته وأصبح من الإخوة الطيبين والحمد لله.
    لكل شخص ثغرة، فلان تعرف عنه شيئاً، فحاول من خلال معرفتك به أن تدعوه إلى الله تبارك وتعالى.
    نسأل الله أن ينفعنا وإياكم بذلك، إنه على كل شيء قدير.