الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله، عليه وعلى جميع أنبياء الله أفضل الصلاة وأتم التسليم، في هذه الأمسية المباركة مساء الإثنين وليلة الثلاثاء، السابع من الشهر الخامس لعام (1424هـ) الذي يشهد نمواً وإقبالاً من شباب هذا البلد على المراكز الصيفية التي تقيمها مشكورة وزارة التربية والتعليم، نلتقي مع أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة أم القرى سابقاً الدكتور/ سفر بن عبد الرحمن الحوالي في محاضرة تربوية بعنوان: (يا شباب) ليكون رباناً لسفينتنا في هذا المساء المبارك، ويبحر بنا في رحاب الإيمان، نسأل الله عز وجل أن يكتب خطاه وخطاكم، وأن يسدد قوله وأن ينفعنا به، فليتفضل مشكوراً مأجوراً.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، فعلمنا ما ينفعنا، إنك أنت العليم الحكيم.
أما بعد:
أيها الإخوة الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأحمد الله تبارك وتعالى الذي جمعنا بكم في هذه الليلة الطيبة المباركة، وأشكره تبارك وتعالى وأشكر بعده الإخوة القائمين على هذا المركز الذي جمع الوجوه الخيرة النيرة بإذن الله.
وحقيقة الأمر أنه لا محاضرة الليلة، وإنما هو لقاء أو موعظة، أو سموه ما شئتم، القضية هي فرحة أريد أن أفرحها حقيقة يوم أن أجلس معكم وأراكم وأسلم عليكم وأرى هذه الأنشطة الطيبة، وهذه المحاضن التربوية التي يمثلها هذا المركز، وهي تربي أبناء الإسلام وشبابه على هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته، وما كان عليه السلف الصالح من بعده.
ولذلك أطلب منكم أيها الأحباب أن تكون الفائدة من هذا الوقت بقدر الإمكان لضيقه علينا جميعاً، وأنا أتقدم لكم بموعظة أرجو أن ينفعني الله وإياكم بها، ثم أدع بقية الوقت لكم، لتساؤلاتكم، ولو شئتم كتبتموها من الآن، ثم نمر عليها على عجل بقدر ما يسمح الوقت، ثم قبيل الأذان أو مع أوله لا أملك إلا أن أنصرف وأنا أحب أن أبقى معكم أكثر وأكثر، ولكن هذا هو الجدول.
إخواني في الله تبارك وتعالى: هناك أمر عظيم أنتم تشعرون به وتعيشونه وتتمتعون بنعيمه، وغيركم يفتقده وأنتم وأنا والكل بحاجة إلى التذكير به وهو: نعمة الأخوة في الله.
انظروا وفقكم الله! لو أن كل واحد منكم التفت يمنة أو يسرة فلم يجد إلا حبيباً له في الله، ربما لم يره من قبل ولا يعرفه، لكن ما أروع وما أجمل أن نجد هذه المحبة في الله تبارك وتعالى، ولو أن الأمة جعلت هذه المحبة شعارها ودثارها وتمسكت بها، وجعلت الأخوة الإيمانية هي الرابطة التي تجمعها، وجعلت النصيحة فيما بينها فيما ترى أن فيه اختلافاً أو وجهات نظر؛ لتغير حالها تغيراً عظيماً.
  1. حث الإسلام على الأخوة ومراعاته لها

    إن النعمة التي تعيشونها هي امتثال لأمر عظيم صريح جلي في كتاب الله تبارك وتعالى، في آيٍ كثيرة، وكذلك في أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل إنه هديه الدائم في حياته صلى الله عليه وسلم كلها، فالله تبارك وتعالى يقول: ((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا))[آل عمران:103] ويقول: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ))[الحجرات:10] هذه الآية العظيمة التي تؤكد على أن المؤمنين إخوة، وقد جاءت في سياق ليس سياق الجهاد، فتكون الأخوة مقابل الكفر مثلاً، أو الأخوة مقابل عمل من الأعمال التي تجتمع عليها الأمة، بل هذه الحقيقة جاءت في سياق: ((وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا))[الحجرات:9].
    لاحظ! نسبهما إلى الإيمان مع وجود ووقوع الاقتتال بينهما، وهذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة أن الذنوب لا تخرج أحداً عن الإسلام، وإن كانت الكبائر بلا شك هي خطر على فاعلها، وهو داخل تحت الوعيد، وإن لم يتب أو يغفر له الله تبارك وتعالى فإنه يدخل بذلك الوعيد النار، إلى أن يشاء الله تبارك وتعالى؛ لأنه لا يخلد في النار أحد من أهل القبلة، فالمقصود ليس التهوين من شأن الكبائر أو الذنوب، ومن أعظمها: الاقتتال بين المسلمين، كما قال صلى الله عليه وسلم: {سباب المسلم فسوق وقتاله كفر} ومع ذلك: ((وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا))[الحجرات:9].
    ثم يقول: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ))[الحجرات:10] لاحظوا عمق الأخوة الإيمانية وتجذرها، وثباتها ورسوخها، بحيث لا يمكن التغاضي أو التنازل عنها حتى في أشد حالات العداوة أو الاقتتال، أو التعامل مع المقتتلين الذين يرتكبون أكبر ما يمكن أن يعد من الاعتداء على حقوق الأمة والأخوة الإيمانية.
    والأحاديث في هذا كثيرة وكثيرة جداً في الأخوة الإيمانية، والمحبة التي يجب أن تكون بين المسلمين، والتعامل الذي يجب أن يكون بينهم، لا أريد أن أذكرها. أقول: لكل واحد منكم أن يستذكرها فالكل يحفظها ويعرفها.
    ولكن أريد أن أنبهكم إلى شيء مهم فيها، الأحاديث التي جاءت في بيان الحقوق الواجبة بين المسلمين تعبر عن هذا الأخ الذي تتعامل معه أنت بلفظ الإسلام، وهي تعطيه وصف الإسلام، فلماذا لا يكون الإيمان؟ وأيهما أعلى مرتبة؟ الإيمان أعلى طبعاً، فالمسلمون كل أهل القبلة، وكلهم مسلمون، لكنّ المؤمنين هم خيار أهل القبلة، فهم الذين يتبعون هديه صلى الله عليه وسلم، والممتثلون لأمر الله ورسوله، التاركون لما نهى عنه، أي: هم بين السابق وبين المقتصد: ((ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ))[فاطر:32] فالمؤمنون درجة أعلى.