هناك أمر -أيها الإخوة- مهم جداً في هذه المعركة، وهو أن العدو في الحقيقة قد أعلن أهدافه، أعلنها وإن كنا لا نحتاج أن يعلنها؛ لأنه تبارك وتعالى أخبرنا عنها، أنهم يقاتلوننا: ((وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا))[البقرة:217] وأنهم يريدون أن نتخلى -والعياذ بالله- عن ديننا، حتى نصبح جزءاً منهم، حتى يعاملوننا معاملة من دخل في أذيالهم من أمم أفريقيا وآسيا، ((وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ))[البقرة:120].
العدو أعلن أهدافه، ومن سمع مبادرة باول التي يعلم الجميع عنها، فقد حددت ذلك أو كثيراً منه، إنهم يريدون تغيير عقيدتنا، وتغيير مناهجنا، وإبعادنا عن شريعتنا، وإبعاد نسائنا عن الفضيلة والعفة، وإفساد مجتمعاتنا، هذا أمر أعلنوه وصرحوا به، وأي غطاء باسم الديمقراطية أو الحرية أو حقوق الإنسان أو ما إلى ذلك.
يجب أن نعلم جميعاً أن العدو عندما يكشف هذا فإنه ما كشف شيئاً كان مخفياً عنا أو غائباً عنا، بل يجب أن يكون حاضراً لدينا دائماً وأبداً.
  1. الوقوف صفاً واحداً

    فما دام أن العدو يستهدف عقيدتنا وإيماننا ومنهاجنا ودعوتنا فأعداؤه بالدرجة الأولى هم الدعاة الذين يدعون إلى الله ويريدون تثبيت الأمة على دينها وإيمانها، وتجديد هذا الدين وإحياء الجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فما دام هذا هو هدفه، وما دام هؤلاء هم أعداؤه، فإن من الواجب علينا أن ندرك ونعي كيف نقاومه، ولا تتشتت الأمة ولا تتشتت جهودنا. كل عامل من هذه الأمة يعمل في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، ويعمل لبناء شعبة من شعب الإيمان -ولو قلّت- فهو في صميم المعركة، وهو يقف ضد هؤلاء القوم، وهو على ثغرة لا نريده أن يتخلى عنه، لا يظن البعض أنه شيء معين، كما قلنا: المعركة دائمة ومستمرة، وأهدافها المعلنة دائماً تؤكد ذلك، فلا يجوز لأحد منا أن يتوانى أو يتخلى عن موقعه أبداً، كل شخص منا على ثغرة: الأب الذي يحفظ بيته من الفساد ويدرأ عنه الشر، هو على ثغرة وقد حفظ هذا البيت، ثم يحفظ مجتمعه وما حوله، والإمام الذي يحيط جماعته بالدعوة إلى الله والإيمان بالله، ويحفظ جماعة المسجد من أخطار البدع والضلالات والانحرافات والفساد هو على ثغرة وعلى جبهة، وهو عدو لهؤلاء القوم، ولن يخترقوا بإذن الله جماعته ومسجده ما دام قائماً بذلك. وكذلك مندوب الحي، في كل منطقة، وفي كل الدولة، إلى أن تتسع الدائرة لتشمل العالم الإسلامي كله، كل واحد منا قائم على ثغرة من هذا الدين، ويجب أن يصبر ويثبت ويرابط، فإن كنت في حلقة تحفيظ فاجتهد في ذلك أيها الأخ الكريم، إن كنت خطيباً فاجتهد أن تخطب بكل ما يقوي إيمان هذه الأمة، وإن كنت داعية .. واعظاً.. أباً .. مربياً .. موجهاً .. فاعلم أن الواجب الآن يتأكد عليك أكثر فأكثر، وليس الواجب فقط هو شأن واحد. حتى الجهاد.. المقاومة العسكرية على أهميتها، نعم هي مهمة ولا بد من الإعداد لها، ولا يمكن أن نتخلى عنها على الإطلاق أبداً، لكن ما دامت المعركة عامة، وما دامت دائمة، وما دامت أهدافها المعلنة هي تغيير عقيدتنا، فإذاً: نحن أصلاً من أجل هذه العقيدة نجاهدهم.
  2. المحافظة على العقيدة الإسلامية

    ويجب علينا أن نحافظ على هذه العقيدة في القلوب، ومن جاهد فإنما يجاهد من أجل المحافظة على هذه العقيدة، ومن دعا فإنه يدعو إلى هذه العقيدة، ومن يعلِّم فإنه يعلِّم هذه العقيدة، ومن يربي فإنه يربى على هذه العقيدة.
    إذاً: فالأمة كلها يجب أن تتحرك حركة هذه العقيدة، وهذا الإيمان والتوجه، ومن هنا لا يجد العدو ثغرة يدخل علينا منها.
    كيف دخل هذا العدو المجرم إلى أفغانستان؟
    لو لم يجد ثغرة وجنداً يحاربون معه ويحملونه ويمشي وراءهم لما استطاع أن يفعل شيئاً في أفغانستان، والآن يبحث عنهم في العراق وقد وجد، ونحن في هذه البلاد لن يجد بإذن الله إن نحن أغلقنا كل الثغرات وسددنا عليه كل المنافذ فمن أين يدخل؟ فليملأ البحار ما شاء بالأساطيل، أو يرجف أو يخوف بما يشاء، إذا لم يجد ثغرة عقدية يدخل منها من خلالنا .. الفرق الضالة القديمة .. أو من العلمانيين المجرمين الذين يريدون إفساد هذه الأمة، فلا يمكن أبداً أن يخترق بلادنا بإذن الله عز وجل، هذا شيء واضح وأمامنا الشواهد الموجودة.
    لذلك لا نستهين أبداً بما نحن فيه من أمر الخير والدعوة والدين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونشر العلم، بل يجب أن نوسع ذلك، وأن نترقى في الوسائل والخطط والأساليب، ونطور وننوع حتى تدخل الدعوة كل بيت، ويصبح كل واحد منا حاملاً هذه العقيدة وهذا الإيمان الحق، ويحمل هم نشرها ودعوة الناس إليها، وهذا وحده انتصار عظيم جداً، لا يعدل الدنيا كلها، لو احتللنا الدنيا كلها وجمعنا أموال الدنيا كلها ونحن فاقدون للعقيدة فوالله لا خير فينا، لكن إذا قمنا بهذا الإيمان وبهذا الدين وبهذه العقيدة فهذا هو النصر العظيم المبين.
    وهذا الذي عندما رجع إليه إخواننا في فلسطين حصل ما حصل والحمد لله، ولما آمن به إخواننا في أفغانستان حصل ما حصل ولله الحمد، وفي الفلبين وفي كل مكان، بهذا الإيمان يقف إخواننا على الثغور في كل البلاد، الوقفة التي نسمع عنها جميعاً والحمد لله، والتي نسأل الله تعالى أن يزيدهم فيها ثباتاً وإيماناً، ويثبت أقدامهم وينصرهم على عدوهم إنه على كل شيء قدير.
    إذاً: نقصد بهذا أن كل واحد على ثغرة.
    بعض الناس يستخفون بهذه الأحداث فيترك ثغرته التي هو فيها ويبدأ يفكر أين يذهب! وماذا يفعل! أنت على ثغرتك، احفظ الثغر الذي أنت فيه واجتهد فيه، وثق تماماً أنك تقوم بواجبك إن شاء الله تبارك وتعالى في نصرة هذا الدين.
  3. الإعداد الكامل والشامل

    وبهذا ننتقل إلى الفقرة الأخرى وهي: أن الأمة لا يواجهها إلا أمة، أمة الكفر لا يواجهها إلا أمة الإسلام على الحقيقة، أمم تحشد لنا آلاف أو عشرات الآلاف من الأساطيل، تحشد لنا هذه الآلاف من الفضائيات والقنوات والإذاعات التنصيرية التي تعد بالمئات بل بالألوف .. تحشد لنا هذه الثورة الهائلة من المعلومات ومواقع الإنترنت .. تحشد لنا كل وسائل التأثير التي تؤثر على عقيدتنا وتهزم نفسيتنا، وتريد أن تمتص أيضاً خيراتنا وثرواتنا، هذه الأمم بهذه الضخامة ونحن بماذا نواجهها؟ بأفراد متسلحين قليلين لا يواجهون .. بدعاة قليلين لا يواجهون .. بأفراد مفكرين قليلين لا يواجهون .. إذاعة صغيرة لا تواجه، كتيبات وأشرطة لا تواجه، هذه الأمة العظيمة يواجهها أمة عظيمة.
    ومن هنا تأتي ضرورة حشد الأمة جميعاً بكل طاقاتها لكي تواجه هذا العدو، فعلى كل واحد منا أن ينظر إلى أخيه المسلم وزميله وجاره في العلم أو في الدعوة، وينظر على أي شيء يكون الاتفاق، فهو الكثير والحمد لله، وفي أي شيء نختلف؟ في بعض الاجتهادات، أو في التخصصات؟ فلا حرج في التنوع، هذا على ثغرة وهذا على أخرى، هذا في مجال الإعلام، وهذا في الاقتصاد، والآخر في الأدب، وهذا في التاريخ، وهذا مفسر وهذا محدث، وهذا لغوي، وهذا مترجم، وهذا يطبع، وهذا يكتب، وهذا يصنع السهم وهذا يمد به، وهذا يرمي به، كل شيء بأجره.
    إذاً.. لابد أن تتحرك الأمة كلها، وانظر إلى نفسك إذا أراد عدو أن يغزو قبيلتك أو بلدك فأخذت سلاحك وخرجت، هل هذا مثلما لو أنك استنفرت أهل القبيلة جميعاً، أو المحافظة جميعاً، ثم وضعتم خطة، ثم قابلتم العدو.
    إذاً.. لابد ومن الأهمية أن نتأنى وألا نستعجل في المواجهة، وأن نجعلها عامة شاملة في كل مكان، أن يعي الصغير والكبير والذكر والأنثى، والعامل والاقتصادي والمفكر والإعلامي أنكم جميعاً جنود، وأن هذه ثغرة، وأنكم يجب أن تواجهوا العدو، والأمثلة في هذا كثيرة، فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما أراد أن يخرج لقتال الروم لم يخبر أحداً، فخرجت الأمة معه صلى الله عليه وسلم، حتى من الأعراب ومن ضعفاء الإيمان، بل كان فيهم من المنافقين، لكن المهم أن يرى هرقل ويرى أعداء الله أن هناك عدداً، وأنها أمة، ولم يأخذ فقط أهل الشجرة، بل أخذ الجميع، وكان منهم من أخبر الله تعالى عنه في سورة التوبة بما فيه من نفاق وغير ذلك، حتى التتار لما جاءوا لم يقل شيخ الإسلام رحمة الله عليه: أين أهل السنة؟ أو أين الأخيار من أصحابنا؟ أو أين الذين يحاربون البدع؟
    في الحقيقة ليس هذا وقت مثل هذا، لماذا؟
    لأنك عندما تواجه العدو واجه بأمة، وهذه الأمة حتى من كان فيه بدعة، أو أخطاء أو معاصٍ أو ذنوب إذا واجه العدو فقد عمل خيراً ربما يكفر الله به عنه، وربما يخفف الله تعالى عنه الإثم والعقوبة، وربما يستفيد أيضاً ويتربى على السنة والعبادة بخروجه مع النبي صلى الله عليه وسلم، أو بخروجه مع المجاهدين المسلمين أو الأمة المسلمة، ولكن لو فتحت المجالات بأن هذا ضدنا أو هذا يخالفنا في كل شيء فلن نقاوم أبداً أمة بأمة.
    وتعلمون شيخ الإسلام رحمه الله رجل عجيب جداً! يستنفر السلطان من مصر، ويستنفر نوابه في بلاد الشام، ويكتب إلى الآخرين، وذهبوا معه حتى أشد أعدائه الذين آذوه في مسألة العقيدة من المتكلمين والمتعصبين المذهبيين ومن غيرهم، كل هؤلاء ذهبوا وتعاونوا، وكلهم كتبوا -وسبحان الله حين تقرأ في التاريخ تتعجب- كل من كتب من أهل السنة، أو من هؤلاء الذين كانوا من أعداء الشيخ ولهم مع أهل السنة مجادلات وفتن وبلاء، الكل يثني على هذا الموقف العظيم الذي فعله الشيخ، وعلى موقف الأمة واجتماعها، وكيف دفع الله تبارك وتعالى الشر العظيم عن هذه الأمة، وكيف انهزم العدو بإذن الله تبارك وتعالى لما اجتمعت على أمر واضح، لم تجتمع على بدع والحمد لله.
    اجتمعت على أمر هو الوقوف في وجه أعداء الله، وهذا الذي ندعو الناس إليه، نقول: نجتمع على ما هو مشروع، نجتمع على درء الفساد، نجتمع جميعاً على المحافظة على عفة المرأة وطهارتها، فلنفرض أن كلاً له رأي أو اجتهاد في مسائل معينة حتى في بعض قضايا العقيدة، لكن أليس عندنا إجماع على أن المرأة لا بد أن تحفظ نفسها مثلاً، وأنه لا بد أن ندرأ عنها الخطر، فليكن ذلك.
    حفْظُ أبنائنا وتحفيظهم لكتاب الله تبارك وتعالى .. مقاومة العدو مقاومة جهادية، أو نصرة إخواننا هناك بالمال .. كل منا يدفع، فليدفع حتى أهل البدع، أو حتى أهل الفسق، بمعنى آخر: أن نوظف كل إيجابية في الأمة للمواجهة، ثم فيما بينها يجب أن تتناصح وتتواصى على أن تكون على السنة المحضة، وعلى الاتباع الخالص، لا تنازل عن هذا بأي شكل من الأشكال، لكن كيف تستطيع أن تجمع الأمة جميعاً، وفي الوقت نفسه أنت تحثها جميعاً أن تكون على السنة والاتباع، لكن لا تنتظرها حتى تلتزم جميعاً ثم تذهب تواجه.
    هنا أيضاً لا بد أن يكون لدينا الحكمة في المواجهة والتعامل مع هذه الأحداث وأمثالها.
    إذاً.. الأمة تحتاج إلى منهج جهادي شامل، وهذا الجهاد يحتاج إلى إعداد، والإعداد له مراحله وله وسائله وأدواته، فكل واحد منا عليه أن يعد نفسه في هذا: ((وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ))[الأنفال:60] وانظر إلى الحكمة، قال: ((وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ))[الأنفال:60] فأي شيء يرهب العدو فهو يخدم هذه المصلحة، وليس هناك شيء يرهب العدو مثلما نكون مجتمعين ونكون يداً واحدة وعلى كلمة واحدة، وهذا أمر مفروغ منه، ولله الحمد.
    هذه الأمة تستطيع أن تفعل الشيء الكثير جداً، وفي هذه الظروف التي نحن نراها الآن، فلا نقول: إنه مضيق علينا، لكن هل فكرنا؟
    لعله يأتي إن شاء الله تعالى بقية حول ما يجب أن نعمل، وماذا بإمكاننا أن نعمل في هذا الشأن بإذن الله تبارك وتعالى.
  4. مراعاة المصالح والمفاسد

    هناك -أيها الإخوة الكرام- أمور مهمة تتعلق بحال المواجهة والمقاومة لهذا العدو الخبيث الماكر، المتسلط المتكبر المتكالب المتألب علينا من كل مكان، إنه لا بد في مواجهة الأعداء -كما أنه لابد منه في الدعوة إلى الله في كل أمرٍ من أمورنا- لا بد من مراعاة المصالح والمفاسد، ولا نعني بها الهوى أو مصلحة الإنسان الدنيوية والمادية، إنما نعني المصلحة الدينية الشرعية، لابد من اعتبار المصالح والمفاسد حتى نعرف متى نتقدم ومتى نتأخر، وماذا نفعل وماذا لا نفعل، لا سيما وأننا في وقت حرج وعصيب، فلو أن فئة من الفئات افتاتت أو عملت أمراً من الأمور، ربما كان أثره أسوأ ما يكون على الأمة كلها .
    والأدلة على هذا لا تخفى على مثلكم، وأنا أشير إشارات عجلة في هذا: فمثلاً: عندما نعلم أن الله تبارك وتعالى يقول: ((وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ))[الأنعام:108] فمن ديننا وعقيدتنا البراءة من الأصنام وسب الأصنام والأشياء التي تعبد من دون الله، وهذا أمر عادي جداً من بديهيات الدين، ومع ذلك إذا كان هذا يؤدي إلى أن المشركين يسبون الله عز وجل فإننا لا نفعل، هذا أصل عظيم في هذا الباب، وكذلك فعله صلى الله عليه وسلم عندما قال: {لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لهدمت الكعبة ولجعلت لها بابين} هناك مصلحة عظيمة واضحة أن تعاد الكعبة؛ لأن قريشاً قصرت في البناء حين قَصُرت بهم النفقة، فأن تعاد على بناء إبراهيم عليه السلام، وهي بنيت على هذه الملة هذا أمر عظيم ومصلحة واضحة، لكن لماذا تركت؟
    لأن الناس سوف يقولون: نقض محمد .. غيَّر محمد .. حداثة عهدهم بالجاهلية، فقد لا يفهم البعض حقيقة ذلك، ويجد المرجفون مجالاً للإرجاف والإفساد.
    هكذا، حتى الجهاد في سبيل الله: ما الذي حدث أثناء صلح الحديبية؟
    أنزل الله سبحانه وتعالى آيات عظيمة: ((إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً))[الفتح:1] وذكر فيها من العبر والحكم والأسرار الشيء العجيب جداً، الذي ما كان الصحابة رضوان الله عليهم يفطنون إليه عندما قالوا: { كيف نرضى الدنية في ديننا يا رسول الله؟ }.
    ومن ذلك: أنه سبحانه وتعالى أجَّل دخول المسلمين واقتحامهم المشركين عليها لحكمة عظيمة: ((وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً))[الفتح:25] سبحان الله! كم عدد هؤلاء الذين لولاهم لاقتحم المسلمون، ولكان العذاب نزل بالمشركين، جاء في بعض الروايات أنهم أقل من عشرة، وفي رواية أخرى: أكثر من العشرة بقليل، وأكثرهم من النساء، فسبحان الله، حكمة من الله سبحانه وتعالى.
    إذاً.. هناك أمور لله سبحانه وتعالى حكمة فيها، فعندما نكون حتى في حال الجهاد قد لا يهاجم البلد، أو قد لا يدخل أو قد لا يحارب الكافر والمقدرة موجودة، والتحرك والتشوق موجود لوجود مصلحة (عدم التزيل) وجود أناس من المؤمنين بينهم، وهذا معناه أنه في كل خطوة نخطوها يجب أن نفكر ونزن الأمور، وليست فقط أننا في الدعوة فلنقل ما نشاء، وإن كنا في الجهاد فلنرمي كما نشاء، وفي كل أمر نندفع كما نشاء، لا يصلح الاندفاع أبداً لا في الأمر بالمعروف ولا في الدعوة ولا في التعليم، ولا في الجهاد، ولا في أي باب من أبواب الدين، لا يصلح إلا الحكمة والتعقل والاتزان، وأخذ الأمور من أبوابها كما علمنا الله، وكما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    هذه من الأمور المهمة جداً، ولذلك فإننا عندما نركز ونكرر المعنى العظيم، وهو: أن العقيدة عندنا هي الأهم .. هي قبل الأرض .. هي قبل القتل .. هي كل شيء، لماذا؟
    لأن كل عملنا هو من أجلها، فنحن ندعو إلى الله لكي يؤمن هؤلاء الناس، من أجل أن نبلغ رسالة الله على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    الجهاد: ((وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ))[الأنفال:39] فالجهاد هو من أجل الدين، ومن أجل هذه العقيدة.
    كذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو للقضاء على أكبر منكر وهو الشرك، وإقامة أهم معروف وهو التوحيد.
    إذاً.. العقيدة عندنا تقدم على كل شيء؛ ولذلك حتى في المعركة عندما يأتي الرجل ويشهد أن لا إله إلا الله والسيف فوق رأسه نقبل منه، والنبي صلى الله عليه وسلم أنكر إنكاراً شديداً على الصحابي، قال: {أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟! أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟! فماذا تفعل بلا إله إلا الله يوم القيامة}.
    نحن هدفنا الدعوة، حتى لو قالها تعوذاً، مثل هذا الحديث ظاهر الأمر فيه أنه قالها تعوذاً من السيف، ومع ذلك نحن هدفنا الإيمان وليس الانتقام أو التشفي، أن يسلم الإنسان.. أن يؤمن، لو أسلم اليهود والنصارى رضينا، لو أسلم شارون .. لو أسلم بوش لقلنا: حياك الله، وادخل في دين الله، والإسلام يجب ما قبله، والتوبة تجب ما قبلها.
    نحن لسنا أصحاب هوى .. لسنا أصحاب عنصرية، ولا مصالح مادية .. نحن حملة عقيدة وإيمان، وهدفنا أن يهتدي هؤلاء، وخير لنا وأحب إلى قلوبنا أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
    ولذلك لما جاء جورجى في معركة اليرموك، فقال: أين خالد ؟ فلما قابله قال: من أنت؟ قال: جورجى! فأسلم وصلى به خالد في أثناء المعركة، وأصبح من المسلمين، وفرح المسلمون بذلك فرحاً شديداً، وهو من قادة الروم الكبار، هذا الذي يهمنا، ولكان يمكن أن يقال: قتل، كما قتل رستم وماهان وغيرهم قادة كثير قتلوا وأسروا، لكن أحب إلينا أن يهتدي هؤلاء ويسلموا.
    وما هو الذي يتبع هذا إذا كان هذا هدفنا؟ هل ينفع جهاد بغير علم؟
    هل ينفع جهاد من أناس لا يعرفون الدعوة الصحيحة، ولا يدرون كيف يُعلم الناس الإسلام؟
    لا يصلح!
    إذاً.. أهمية العلم للجهاد وأهمية العلم للدعوة، كما هو مهم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو مهم لكل شيء.
    فلا بد إذاً من تأسيس العلم الصحيح بهذا الدين، وأن يكون الهدف واضحاً في كل أمر نعمله، وهو أن يهتدي هؤلاء الناس وأن ندعوهم إلى الله تبارك وتعالى، نحن لا ننتصر عليهم إلا بالإيمان، ولا نريد منهم إلا الإيمان بالله سبحانه وتعالى، وما عدا ذلك مما يورثنا الله من أرضهم وأموالهم وما يعطينا فإنه تبع، والله سبحانه وتعالى يورث الأرض من يشاء؛ لأنه كتب ذلك: ((وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ))[الأنبياء:105] فهذا من فضله تبارك وتعالى، ولا شك أن فتح مكة كان نصراً عظيماً جداً، لكن أيضاً لا شك أنه صلى الله عليه وسلم خرج منها ليبحث عن دار هجرة، فلما وجد دار هجرة خرج وتركها وهي أحب أرض الله إليه.
    إذاً.. القضية ليست قضية الأرض، ولا الوطن ولا البلد، لا بغداد ولا غير بغداد ولا أي مكان، القضية قضية الدعوة، حيثما قامت الدعوة، وحيثما نجحت الدعوة فهذا هو الذي نحرص عليه.
    ربما -ونسأل الله أن يجعل الأمور خيراً- لو قضي على هذا النظام الذي في العراق مثلاً وانتهت الأمور كما يريد هؤلاء، ولكن نجحت الدعوة ودخلت إلى هذه الأرض، وهي أرض دعوة وأرض علم، لكان ذلك خيراً عظيماً جداً.
    ولا ندري ما الخير فيه أبداً، وها هي أرض العراق أرض دعوة.
    سبحان الله! منذ أن خرج العلم والنور من بلاد الحرمين لم يكن أقوى منه في أي بلد من العراق أبداً، لم يشهد أي بلد من بلدان العالم الإسلامي بعد الحرمين أقوى في العلم والدين والجهاد من العراق، انظروا إلى روايات أهل البصرة وحدهم، أو روايات أهل الكوفة وحدهم أكثر من مجموع رواية أهل الشام، وربما لو جمعت الشام ومصر وغيرها لم تجد مثل الكوفة وحدها في العلم، والأدباء والمؤرخين والشعراء والأئمة والعباد والزهاد، فضلاً عن كل الجيوش التي فتحت شرق العالم الإسلامي وشماله انطلقت أصلاً من العراق، فهو موقع عظيم جداً، ونسأل الله أن يعود كذلك.
    لكن المقصود أن في كل حركتنا وأمرنا أن نبحث عن الدعوة.. انتصار الدعوة.. تحقيق الإيمان.. دخول الناس في هذا الدين.
    فالله يقلب ويغير هذه الأوضاع كما يشاء، ونحن لا نريد إلا أن يسيطر الإسلام، ولا نريد إلا أن ينتصر إخواننا المسلمون، ولا نريد لهؤلاء عياذاً بالله أن يغلبوا، لكن سنقول: لو قدر الله ولم تكن النتيجة إلا كذلك، وفتح البلد للدعوة، فهذا فتح سوف يعوض ذلك، أو قد ينسي ألم ما حدث من قتل أو تدمير أو هزيمة، إذا كانت عقيدته دخول الدين وانتشار الدعوة فهذا نصر عظيم، ونرجو أن نهيئ أنفسنا لذلك بإذن الله.
    ونحن نستطيع أن نقدم الشيء الكثير بإذن الله، المقصود هو أن يكون لدينا سعة الأفق والاستعداد لهذا بحول الله تبارك وتعالى وقوته.
  5. مراعاة قضايا الخلاف فيما بيننا

    هناك قضية لا بد أن ننبه إليها وهي: أن الأمة الآن تعيش نهضة وصحوة عظيمة، ومن غير الطبيعي أن نتوقع أنها تجمع على رأي شخص واحد، أو جماعة واحدة أو فئة واحدة.
    أنا أتعجب من بعض الإخوة عندما يضخم جانب الاختلاف، ويقول: الدعوة اختلفت وتشتت!!
    يا أخي الكريم: عندما يكثر العدد دائماً وتتسع المجالات تكثر الاجتهادات وتتنوع الآراء أيضاً، فلماذا لا نتقبل هذا بصدر رحب؟ لماذا لا نفرح ونقول: الحمد لله على هذه الصحوة وعلى انتشارها؟ أما الاتفاق فليس شرطاً أن نتفق في كل شيء، ولكن نحمد الله أننا متفقون على الأمور المهمة جداً جداً.
    وأنا أضرب أمثلة بالجهاد؛ لأنه أخف الأعمال في هذا الشأن، ولأن البعض يظن أنه لا يقبل الاختلاف، نقول: الاختلاف حتى في التعامل مع العدو، يمكن أن يكون سائغاً ومقبولاً ولا حرج فيه، والشواهد في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم على هذا كثيرة.
    مثال: عندما نصر الله تبارك وتعالى محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوم بدر يوم الفرقان، وجيء بزعماء الشرك مصفدين أمام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه يستشيرهم: {ماذا نفعل في هؤلاء؟} القضية حاسمة ولكن تخيلوا أول مرة بعد الأذى وما حصل في مكة، وبعد الهجرة والإخراج وغير ذلك، وهؤلاء الآن أمام أعين الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فالذي حدث كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والحاكم وغيرهما، أن خرجت ثلاثة آراء في وقت واحد، قال أبو بكر: { يا رسول الله، أهلك وقومك وعشيرتك ولعل الله أن يهديهم فيسلموا ويتوبوا }.
    وقال عمر رضي الله تعالى عنه: { أخرجوك وآذوك وكذا .. فمرني فلأضرب أعناقهم }.
    وقال عبد الله بن رواحة الأنصاري رضي الله تعالى عنه: { يا رسول الله! ما أكثر الحطب في هذا الوادي فمرنا فلنشعله ناراً فلنحرقهم جميعاً }.
    ثلاثة آراء، كل واحد أتى برأي، ليكن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرهم، ولكن الشيء العظيم الذي قد لا نتفطن له: {إن الله تبارك وتعالى يلين قلوب قوم حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشدد قلوب قوم حتى تكون أشد من الحجارة} كل هذه قاعدة، الله تبارك وتعالى هكذا يشدد ويلين كما يشاء، وبعضكم يشدد وبعضكم يلين، ثم قال: {مثلك يا أبا بكر ومثلك يا عمر ...} الشاهد هو أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أنه آخر الأنبياء وخاتم الأنبياء، وأنه من أولي العزم من الرسل، وهو أفضلهم صلى الله عليه وسلم -أولو العزم من الرسل غير النبي صلى الله عليه وسلم هم أربعة: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى- انظروا كيف يأتي هذا الموقف، يأتي وإذا بنا نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم واقف أمامهم، كل من الصحابيين الكريمين أبي بكر وعمر له أسوة برسولين من أولي العزم، ليس أي نبيين، وإنما من أولي العزم أنفسهم، وهذا معناه أن المسألة مهما اختلفت فإنها ناشئة عن عزم ليس عن تراخ في الدين ولا تهاون فيه ولا ضعف.
    فأما أبو بكر رضي الله تعالى عنه فقد مثل له النبي صلى الله عليه وسلم بإبراهيم عليه السلام: ((ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً))[النحل:123] .. { مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم عليه السلام: ((فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ))[إبراهيم:36] } هكذا نظر وقال: ولعل الله يهديهم يا رسول الله! ولعلهم يتوبون، وكذلك عيسى عليه السلام: ((إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ))[المائدة:118].
    إذاً.. الله سبحانه وتعالى جعل قدوة للصديق في إبراهيم عليه السلام، ثم { مثلك يا عمر ...} ويأتي أيضاً مثال من أولي العزم من الرسل مثل نوح عليه السلام، ومثل موسى عليه السلام، كل منهما أراد استئصال قومه، قال نوح عليه السلام: ((وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً))[نوح:26]، وقال موسى عليه السلام: ((رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الأَلِيمَ))[يونس:88] سبحان الله! ويخرج الجميع كلهم برضا، ثم يختار النبي صلى الله عليه وسلم رأي أبي بكر، ولم يحصل أي تهمة، ولا أنت مقصر، ولا أنت خائن، ولا أنت تهاونت، ولا قال لهذا: أنت متشدد أو إرهابي، سبحان الله!
    هكذا تتعدد الآراء وتتنوع، واختلف الشيخان في شأن أهل الردة ثم اتفقوا والحمد لله، ثم بعدما حصل لهم ما حصل اختلفوا كيف يعاقبون، حتى إن عمر رضي الله تعالى عنه غير ورد السبي بعد وفاة أبي بكر رضي الله تعالى عنه، وهو أمر مشهور في فقه عمر رضي الله تعالى عنه واجتهاده، واختلفوا حتى في القسمة، فجعلها أبو بكر رضي الله تعالى عنه لكل المسلمين على سواء، وعمر رضي الله تعالى عنه قال: [[والله لا أجعل من قاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كمن قاتله]] فقدم المهاجرين والسابقين وزوجات النبي صلى الله عليه وسلم وأخر آخرين، وهكذا حسب الفضل.
    هذا، وهما أفضل رجلين في الأمة، ولا يعاب على هذا ولا على هذا، والقصص كثيرة في هذا: لما ذهب خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه لجهينة وهم حي من العرب -والحديث في الصحيح- قالوا: صبأنا صبأنا ولم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فقتلهم خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد} ودفع الديات وتبرأ مما فعل خالد، لكن لم يتبرأ من خالد، ولم يعزل خالداً، ولم يتهم خالداً، بل بقي هو سيف الله.
    انظروا! المشكلة نعالجها والخطأ نتداركه؛ لكن من غير اتهام ولا طعن ولا نبذ، بل بالعكس: الإسلام يحتاج هؤلاء، يحتاج كل داعية وكل خطيب، ولو رأينا أنه أخطأ أو لان أو داهن أو تشدد أو فرط .. لا تدري قد تكون في يومٍ من الأيام أحوج إليه، فلماذا لا يكون بيننا إعذار بعضنا لبعض والتآخي فيما بيننا، وحمل مواقف بعضنا على أن الأصل فيها إن شاء الله هو الخير وإرادة الخير لهذا الدين، والأمثلة إن شاء الله كثيرة.
  6. مقاطعة مصالح العدو داخل البلاد الإسلامية

    هناك قضية -أيها الإخوة- مهمة جداً يجب أن نتنبه إليها، وقد تكون الحرب قريباً ولا يعلمها إلا الله ولا يقيمها إلا هو، ولو شاء ربك ما اقتتلوا أبداً، ولكنه إذا شاء اقتتلوا متى شاء: الأمر هذا هو أن مجتمعنا هذا ابتلي بلاءً عظيماً، فقد ابتلي بهذه العمالة المجرمة الفاسدة المشركة، التي خالفنا فيها مخالفة صريحة قول النبي صلى الله عليه وسلم: {لا يجتمع في جزيرة العرب دينان} .. {أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب} العمالة الحاقدة من هندوس مجرمين متعصبين .. من نصارى حاقدين كالفلبينيين مثلاً عندهم من الحقد على هذا الدين شيء عجيب جداً، ومع ذلك البلاد ممتلئة بهم، المدن مثل جدة النسبة لا تقل عن (60%) بل قد تكون (70%) من هؤلاء.
    إن من أهم ضروريات الحياة: الأمن، ضع الماء والهواء والغذاء والرابع يجب أن يكون الأمن في هذه الحياة، فلا يمكن أن تقوم الدعوة إلا به، ولا تستطيع أن تدعو إلى الله ولا أن تبلغ دين الله إلا إذا كان هناك جو آمن، أمنت فيه على نفسك وأهلك ومالك، وأمن هذه البلاد خصوصاً بلاد الحرمين ضرورة لكل داعية ولو كان في أبعد أقطار الدنيا، فما بالك بنا نحن هنا؟ أمن الحاج وأمن المعتمر والزائر والعاكف والباد عند هذا البيت الحرام، وأمن نشر العلم.. الأمن نحن نحتاجه دائماً وأبداً.
    أقول: يجب أن يعلم الجميع وأن ننبه الناس إلى هذا: أن أمن هذه البلاد هو أمننا جميعاً، هو أمن للإيمان والإسلام والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويجب أن نحافظ عليه بكل وسيلة، ومن ذلك: أن نفكر فيما لو حصل حرب لا قدر الله أن يكون لدينا الوعي والإحساس والشعور بأن يجب أن نكون جاهزين، ونتعاون مع المكلفين بالأمن من الشرطة والهيئة وغيرهم، كلنا يجب أن نكون محافظين على أمن هذه البلاد، قد يكون بشكل عمل دوريات، أو بشكل تنظيم معين يرتب له في الأحياء أو شيء من هذا.
    المقصود أن نكون واعين حذرين جميعاً فيما لو نشبت أو قامت هذه الحرب، وخاصة عندما يجد هؤلاء الكفار أن المسلمين يقتنون ويدعون ويتفاعلون مع أحداثها بغيرة وحماس، وهذا لا بد أن يقع إن شاء الله تبارك وتعالى، فربما أيضاً الآخرون -قاتلهم الله- يفكرون في أن يعبروا أيضاً عن شيء من هذا فينبه إلى ذلك، سواء كان سرقات أو نهباً أو قطع طريق، أو أي شيء يجب أن نكون حذرين وواعين ومتنبهين إلى مثل هذا الأمر، وأن نحافظ بقدر ما نستطيع، وننفذ بقدر ما نستطيع، وأكثر من ذلك.
  7. ضرورة الإحسان إلى الناس

    القضية الثانية التي أريد أن أنبه عليها هي: ضرورة الإحسان إلى الناس، أن نكون حاضرين في كل موقع، وتتفاعل المساجد وتتحرك، ويصبح المسجد مثل الخلية لدرء أي خطر لا قدر الله، افرض -مثلاً- لو حصل نقص في الغذاء أو احتاج بعض الناس إلى دواء، أنتم وفقكم الله من مساجدكم ومواقعكم الدعوية تكونون خير من يجتمع الناس عليهم، ومن يدعون الناس إلى أن يأتوا ويتصدقوا على المحتاج، وأن يرأفوا بهذا، وأن يحموا هذا المكان، أو يحرسوا هذه القضية، أو أي شكل من أشكال الخير والإحسان والخدمة لهذا المجتمع المسلم الطيب ولله الحمد.
    فبذلك نجد أننا نغيظ العدو ولله الحمد، وتجتمع قلوبنا وتتعاون على الخير، وبذلك يأتي النصر؛ لأن أم المؤمنين خديجة رضي الله تعالى عنها لما بشرت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: [[كلا! والله لا يخزيك الله أبداً]] لماذا؟ لأن من يغيث الملهوف، ويعين على نوائب الحق، لا يخزيه الله أبداً، فمواقف الأزمات هذه تكثر الحاجة والدواعي إليها.
    وربما بعض الناس ضرب على قلبه بالشح فلا يتصدق، وربما بعض الناس يظن أن الأمور فيها شيء أخطر مما يتوقع، فيستأثر عن إخوانه المسلمين وعن جيرانه.
    فيجب أن يرى الناس من الدعاة ومن الأئمة والخطباء وأهل الخير الإيثار والتضحية والحرص على أمن الناس وإطعامهم وإيوائهم وعلاجهم أيضاً لمن يستطيع.