اتصال هاتفي: الدكتور
وليد الرشودي.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحقيقة أبدأ بشكر هذا البرنامج المبارك، وأشكركم فضيلة الشيخ
عبد الله على هذه المواضيع النيرة، والأطروحات الجميلة، والضيوف المباركين، وأثني بالشكر لفضيلة الشيخ الدكتور
سفر الحوالي على هذا الطرح الجريء الذي يشخص فيه الداء ويوضحه، وأحب أن أسأل وأن أعطي شيئاً من المداخلة:
في ضوء الأحداث وحب الناس لنصرة دينها، والدفاع عن أوطانها، كيف نستطيع أن نتحكم وأن نوجه تطلعاتنا إلى الشهادة في سبيل الله؟ كيف تكون الوفاة شهادة وما موضعها؟ وما الرد على الشبهة التي تلبس الأمور بغير لبوسها؟ فالروح أمانة ليس لنا أن نتحكم بها إلا بالنص الشرعي، بزعمي أن كثيراً مما يحصل من العنف الذي يتهم به أهل الإسلام أن سببه هو الاستغلاظ في اللحظة الحاضرة لأمور تضايق كثيراً من المسلمين، فلا يعرفون التصرف فيها، فيظنون أن العنف هو علاج لمثل هذه الأمور، مع أن في شريعتنا أموراً كثيرة؛ منها: الصبر، ومنها: التريث في الأمور، ومنها: بُعْد النظر، وتقديم وسيلة الدعوة على وسيلة الكفاح، منها وسائل كثيرة..، وأنا أطلب من شيخنا المبارك أن يعلق على هذا.
في ظل السيل التاريخي الدموي الذي سرده الشيخ قبل قليل عن الجهة الأخرى:
أمريكا وجهودها في سيل الدماء، مع أننا أهل الإسلام نحترم الدم ونحافظ عليه، ولا يجوز لنا أن نسفكه إلا بحق، السؤال: ما هو موقفنا تجاه مثل هذه الأمور؟ وكيف نستطيع أن نتطلع إلى ما أمرنا الله تعالى به، في ضوء الشريعة التي أمرنا الله بالالتزام والاحتكام إليها؟ مع أننا نحن مأمورون بالحفاظ على الأمن والإيمان، وأنتم يا أهل العلم -فضيلة الشيخ- ممن استأمنكم الله على أمانة العلم وأمانة الأمن، ولذلك نريد توجيه كلمة لي ولأمثالي ولإخواني المستمعين، وجزاكم الله خيراً؟
المذيع: شكراً دكتور
وليد على هذه المداخلة الطيبة وعلى هذا السؤال القيم، وأريد الإجابة من فضيلتكم.
الشيخ: هنا الحقيقة أكثر من سؤال وأكثر من قضية، الذي يهمنا فعلاً أن نقوله لإخواننا ولأنفسنا ولغيرنا: أننا متبعون لا مبتدعون، فنحن عندما ندعو إلى الله .. عندما نريد إقامة الدين .. عندما نشتاق إلى الجنة وإلى الشهادة في سبيل الله، كل ذلك محكوم باتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو صلى الله عليه وسلم أُمر أيضاً أن يتبع ملة إبراهيم عليه السلام وأن يقتدي بغيره من الأنبياء، والله تعالى قال: ((
فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ))[الأحقاف:35].
لا حظ هنا اختصاص أولو العزم من الرسل، نلاحظ أن السمة الواضحة في حياتهم هي الصبر، نوح عليه السلام صبر ألف سنة إلا خمسين عاماً، لم ينتقم لنفسه، ولم يثأر لها، بل يدعو إلى الله ويكابد في ذلك.
كذلك إبراهيم عليه السلام انظر إلى الأسلوب مع أبيه: يا أبت.. يا أبت..، وبعد ذلك أيضاً يعده بأن يستغفر له إلا أن الله تبارك وتعالى نهاه عن ذلك، ولما جادل الملك أيضاً جادله بمنطق محكم، جعله يندحر ويخيب ويبهت.
كذلك موسى عليه السلام كم كابد من بني إسرائيل .. عيسى عليه السلام، وماذا لاقى؟ الرجل يمسح الدم ويقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، مؤمن آل يس ماذا قال؟ عجباً! لقوم يأتيهم رجل منهم يدعوهم إلى الله يقول: ((
يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ *
اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ))[يس:20-21] فيقتلونه، ولما دخل الجنة: ((
قِيلَ ادْخُلْ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ))[يس:26] يعلمون ليؤمنوا كما آمن، ويدخلوا الجنة، أي: يعلمون ما أكرمه الله به.
إذاً: الداعية لا يحب إلا الخير ولا يريد إلا الخير، وشأنه أن يصبر على كل أذى أو ضيق، ولم تقم دعوة لله إلا أوذيت في قديم الزمان وفي حديثه، فهذا أحد جوانب علاج هذه المشكلة: هي أن يعلم الداعية قبل أن يبدأ بالدعوة، أو بالجهاد أو بالأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر أنه لا بد أن يصبر ويحتسب، وألا يجعل لحظ النفس أي مدخل في أي عمل يعمله، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل وفتح
مكة قال لقريش: {
ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالت قريش: أخ كريم وابن أخ كريم، فقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء} مع ما قص الله تعالى في كتابه من أذاهم وما فعلوا به.
ثم الاستعجال، النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه الصحابة وهو متوسد في ظل الكعبة قال: {
ولكنكم تستعجلون} فبشرهم ثم قال: {
ولكنكم تستعجلون}.
ثم إن هناك مراعاة قضية المصالح والمفاسد في هذا الأمر، والحقيقة إن جوانب العلاج كثيرة جداً ...