المادة كاملة    
ورد الحديث في هذا الدرس عن المنكرين أن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم خاتمة الرسالات، مع توضيح أن هذا المدخل الخبيث هو بذاته طعن في الله جل في علاه، وقد ذُكر بعد ذلك -باختصار- الصحيح من الأقوال للتفريق بين النبي والرسول، وبعض خصائص رسولنا، وبعض الدلائل على أن رسالته عليه الصلاة والسلام الرسالة الخاتمة، ثم أعطيت كل من: الرافضة، والباطنية، والأحمدية، والبهائية، نصيبها من الكشف والتعرية، وكانت خاتمة الدرس الحديث عن: أن محمداً صلى الله عليه وسلم -عبد الله ورسوله- إمام الأتقياء.
  1. إنكار رسالته صلى الله عليه وسلم طعن في الرب تبارك وتعالى

     المرفق    
    وبيان ذلك أنه لو كَانَ النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مدعياً مفترياً -كما يزعم المفترون قاتلهم الله أنى يؤفكون- لما أقره الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهو يفتري عليه؛ أنه أوحى إليه، وأن يفتري باسمه هذا القُرْآن وهذه الأحكام من حلال وحرام، ويسلطه عَلَى أتباع الأديان فيقتلهم ويحصرهم ويسبيهم.
    كل هذه الأمور لا يمكن أن تقع فمن قَالَ: إنها يمكن أن تقع من غير رَسُول يوحى إليه من الله، فهذا ليس طاعناً في هذا النبي فقط؛ بل هو طاعن في الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وفي حكمة الله وعدله، وأنه يؤيد الكافرين المفترين عليه وينصرهم ويجعل الغلبة والعاقبة لهم في كل ميدان ومعركة وهم يكذبون عليه ليل نهار ويحاربون أولياءه ويستذلون عباده ويظلمون النَّاس بهذا الفعل، هذا لا يمكن أن يقول به إلا إنسان لا يؤمن بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حق الإيمان، ولا يصف سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بما وصف به نفسه، ولا يقدره تَعَالَى حق قدره.

    أما من كَانَ يعرف صفات الله عَزَّ وَجَلَّ وحكمته وعدله ورحمته؛ فإنه يعلم أنه إنما فعل به ذلك لأنه نبي من عنده، وهو قادر سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى أن يقضي عَلَى كل مفتري: ((وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ)) [الحاقة:44-46] فأي إنسان تقول عَلَى الله، فإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قادر عليه، وقال في آية أخرى: ((فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ))[الشورى:24] فإذا ختم عَلَى قلبه لم يعد يتكلم بأي كلام، ولا ينطق بأي نطق وانتهى الأمر.
    أو يهلكه كما أهلك مسيلمة، والأسود العنسي في اليمن، وأهلك كثيراً من الكذابين والدجالين، وأظهر كذبهم ومخازيهم عَلَى العالمين.
    إذاً: هذا دليل كبير نسميه دليل الواقع أو الدليل التاريخي
    وكل من أنكر ذلك من اليهود والنَّصارَى خاصة فإنه يلزمه أن ينكر نبوة موسى ونبوة عيسى عليهما السلام بأنه لم يمكن الله عَزَّ وَجَلَّ لموسى ولا لعيسى عليهم السلام ولم يعطهما من الظفر والتأييد وبلوغ الرسالة ورفعة الذكر مثلما أعطى لمُحَمَّد صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    فمن طعن في نبوة مُحَمَّد صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو من باب أولى طاعن ومكذب بنبوة المسيح وموسى عليهما السلام، فمن كَانَ مؤمناً -وهكذا حال أهل الكتاب- بأن عيسى نبي، وأن موسى نبي فالأولى به والإلزام أن يؤمن بأن محمداً صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبي.
    لأنه ما من آية أوتيها موسى وعيسى إلا وأوتي مُحَمَّد صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أضعافها ولا سيما ما حصل له من الظهور والغلبة والتمكين ومحو الشرك والضلالات وإزالة الإلحاد، وقمع الظلم والفساد، وإقامة العدل وإعطاء الإِنسَان حريته وإنسانيته الحقيقية، عَلَى مستوى عام لم يشهد له التاريخ من قبل مثيلاً، ولم ولن يشهد له من بعد، إلا لمن يقتدي بمُحَمَّد صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويسير عَلَى منهاجه.

    بعد ذلك انتقل المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ في آخر هذا المبحث إِلَى الفرق بين النبي والرسول.
  2. الفرق بين النبي والرسول وذكر الخلاف في ذلك

     المرفق    
    قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ:
    [وقد ذكروا فروقاً بين النبي والرسول، وأحسنها: أن من نبأه الله بخبر السماء، إن أمره أن يبلغ غيره، فهو نبي رسول، وإن لم يأمره أن يبلغ غيره فهو نبي وليس رسول، فالرَّسُول أخص من النبي فكل رَسُول نبي، وليس كل نبي رسولاً، ولكن الرسالة أعم من جهة نفسها، فالنبوة جزء من الرسالة، إذ الرسالةُ تتناول النبوةَ وغيرها، بخلاف الرسل، فإنهم لايتناولون الأَنْبِيَاء وغيرهم، بل الأمر بالعكس.
    فالرسالة أعم من جهة نفسها، وأخص من جهة أهلها]إهـ.

    الشرح:
    هذا الموضوع ليس ذا أهمية كبرى، بالنسبة لمن يؤمن بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وكتبه، وملائكته، ورسله، ويؤمن بأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يوحي إِلَى من يصطفي من عباده بهذا الوحي، فيكون نبياً، أو رسولاً، أو يسمى نبياً، أو رسولاً، ليست المسألة ذات أهمية؛ لكن ينبغي أن نعلمها، ولا سيما وقد تكلم فيها بعض العلماء أو كثير منهم.
    فمن العلماء من قَالَ: لا فرق بين النبي والرسول؛ فالنبي رسول، والرَّسُول نبي بإطلاق، ومنهم من قَالَ: لا؛ بل هنالك فرق، ثُمَّ لما جاءوا عند التفريق اختلفوا.
    فالمصنف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- ذكر هذا الفرق بين النبي وبين الرسول، وهو: من أوحي إليه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بشيء، فإن أمر بتبليغه إِلَى غيره فهو رسول، وإن لم يؤمر بتبليغه فهو نبي.
    هذا كلام المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ، وهذا الكلام خلاف الصواب فهو كلام مرجوح، وفي هذا الشرح عَلَى عظمته ونفاسته مواضع للمصنف رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى أخذ فيها بالرأي المرجوح من أقوال العلماء وترك القول الراجح، وهذا الموضع منها؛ لأنه يمكن أن يُقال كيف يوحي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَى أحد بشيء، ولا يؤمر بتبليغه فما الفائدة إذاً؟! هذا من ناحية النظر.
    ومن ناحية أخرى؛ وردت آيات وأحاديث تدل عَلَى أن النبي يبلغ، ومنها
    حديث السبعون ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب يقول النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه: {ورأيت النبي ومعه الرجل والرجلان ورأيت النبي وليس معه أحد} فهذا سماه نبياً مع وجود الأتباع، وهذا يعني أنه كَانَ يبلغ.
    إذاً خلاصة القول: أن هذا ليس بالرأي الراجح.
    1. الرأي الراجح في المسألة

      الرأي الراجح في هذه المسالة:
      أن الرسول: هو من أرسله الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بشرع جديد إِلَى قوم كافرين ومكذبين، ولهذا لم تأت كلمة التكذيب إلا في تكذيب الرسل، لأنهم يرسلون إِلَى قوم كافرين فيكذبونهم.
      فمن هنا نعلم الفرق، وهو أن الرَّسُول والنبي يُبلغان لكن الرَّسُول يأتي بشرع جديد إِلَى قوم كافرين به ويكون بينهم وبينه التكذيب والرد، حتى ينصره الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عليهم، وأما النبي فإنه مجدد لشريعة الرَّسُول الذي قبله، ويصحح ما علق بها.
      ومثلهم في ذلك مثل العلماء المجددين في هذه الأمة فأنبياء بني إسرائيل -مثلاً- هم الذين بعثهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في بني إسرائيل يحكمون بالتوارة قال تعالى:
      ((إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ)) [لمائدة:44] فكان النبيون والأحبار والربانيون يحكمون بالتوراة، والتوراة أنزلت عَلَى موسى.
    2. هارون عليه السلام رسول

      فموسى وهارون عليهما السلام رسل؛ لكنَّ أنبياء بني إسرائيل يأتي الإِنسَان منهم إِلَى شريعة موسى عَلَيْهِ السَّلام فيجددها، ويدعو النَّاس إليها وإلى إقامتها، فهذا نبي يبلغ.
      فمثلاً قوله تعالى: ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلأِ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)) [البقرة:246] الآيات.
      هذا النبي من أنبياء بني إسرائيل اختلف في اسمه ولا يهمنا الاسم، المهم أن هذا النبي هو من بعد موسى وفي بني إسرائيل، طلب منه قومه ملكاً يقاتلون معه، فطلب ذلك من ربه فأوحى الله تَعَالَى إليه إني قد اخترت لهم طالوت ملكاً عليهم فإذاً هناك وحي وبلاغ لكن لا يسمى، هذا رسولاً.

      والأنبياء من أقرب ما يشبههم بهذه الأمة، العلماء المجددون لكن شريعة مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نزلت كاملة خاتمة، فالعلماء يجددون ما كَانَ من أمر الدين، ولا يشرعون شيئاً من عندهم، أما الأَنْبِيَاء فقد يأتون بأشياء من أمور التفصيل في بعض الحلال والحرام، أو يقودون النَّاس ببلاغ ووحي من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
      فعلى هذا فالرَّسُول هو من جَاءَ بشرع جديد إِلَى قوم كافرين، والنبي هو من بعث بشريعة رَسُول قبله ليجددها، ويحيي معالمها، فهذا مأمور بالبلاغ الجديد المستأنف لقوم كفار، وهذا مأمور بالبلاغ للمؤمنين الذين ينتمون إِلَى شريعة سابقة، ولكنهم غيروا وبدلوا وضلوا وانحرفوا.
    3. شرعية التفريق بين الأنبياء والرسل

      والتفريق بين الأَنْبِيَاء وبين الرسل صحيح، ويدل عليه حديث أبي ذر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وهو حديث طويل، يسأل فيه أبو ذر رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أمور كثيرة.
      ومن آخرها {سأله عن آدم، هل كَانَ نبياً؟
      فقال له الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نعم نبي مكلَّم.
      فقَالَ: يا رَسُول الله كم عدد الأنبياء؟
      قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مائة وأربعة وعشرون ألفاً، والرسل ثلاثمائة وبضعة عشر}
      .
      وهذا الحديث ورد بعدة طرق، وصححه بعض العلماء.
      يقول بعض العلماء: إن عدد الأَنْبِيَاء كعدد أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعدد الرسل كعدد أصحاب بدر.
      فهنا مناسبة بين عدد الأَنْبِيَاء وبين عدد الرسل من جهة، وبين عدد أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جميعاً وبين عدد أصحاب بدر خاصة.
      فهَؤُلاءِ الرسل الذين هم من ضمن المائة والأربع وعشرين ألفاً هم الذين جاءوا وبعثوا إِلَى أمم كافرة، ولهذا الذين قص الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى في القُرْآن قصصهم مع أقوامهم هم من الرسل، ولهذا مع أن آدم عَلَيْهِ السَّلام نبي كما جَاءَ في الحديث، وفي غيره من الأدلة.
      ففي حديث الشَّفَاعَة الصحيح يقول الناس: يا نوح إنك أول رسول، إذاً آدم عَلَيْهِ السَّلام نبي، ونوح أول الرسل، بمعنى: أنه جَاءَ إِلَى قوم كافرين.
      فبعثه الله بعد أن تخلى النَّاس عن التوحيد، وارتكبوا الشرك يوضحه قوله تَعَالَى في الحديث القدسي: {وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم }
      كما جَاءَ ذلك في حديث عياض بن حمار رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فلما اجتالتهم الشياطين بعد قرون، قيل: إنها عشرة.
      كما قال عبد الله بن عباس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: بعد عشرة قرون من آدم عَلَيْهِ السَّلام وقع الشرك في قوم نوح، فأشركوا، فجاء نوح عَلَيْهِ السَّلام، لكن الأَنْبِيَاء قبل نوح موجودون، ومنهم آدم وقيل إن منهم إدريس عَلَيْهِ السَّلام، وفي الرسل هود، وصالح، وموسى، هَؤُلاءِ الرسل سمُوا رسلاً؛ لأنهم واجهوا أقوامهم بدين جديد فكذبهم أقوامهم في ذلك.
      فهذا هو أوضح وأجلى الفروق بين النبي وبين الرسول أما بقية كلام المُصنِّف فصحيح، فإن الرسل أخص من الأنبياء، ولذلك عددهم أقل، وهذا هو الراجح، وهو ما اختاره شَيْخ الإِسْلامِ ابْن تَيْمِيَّةَ وغيره من المحققين.

      فكل رَسُول نبي، وليس كل بني رسول؛ لأن من بعثه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَى قومه عَلَى شريعة من قبله وأوحى إليه أن يبلغهم فلا يسمى رسولاً عَلَى هذا الاصطلاح، وإنما هو نبي من الأَنْبِيَاء.
    4. من نعم الله على الناس اصطفاء الرسل

      قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ:
      [وإرسال الرسل من أعظم نعم الله عَلَى خلقه، وخصوصاً مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما قال تعالى: ((لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)) [آل عمران:164] وقال تعالى: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ))[الأنبياء:107]] اهـ.
      الشرح:
      هذه بقية من الكلام الذي سبق إيضاحه وهو أن من أعظم نعم الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى بني الإِنسَان أنه اصطفى منهم رسلاً، وأنزل عليهم هذا النور المبين، والدين الذي لا تصلح حياة البشر في الدنيا والآخرة إلا به.
      ولهذا يقول الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ((لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)) [آل عمران:164] فلو تصورنا كيف يكون حال الأمم بدون أنبياء؟ بل ما هو أبسط: كيف يكون حال الأمة المسلمة إذا لم يوجد فيها دعاة، ومجددون؟
      كيف كانت حالة جزيرة العرب قبل دعوة الشيخ مُحَمَّد عبد الوهاب -رَحِمَهُ اللَّهُ- كمثال؟ فما بالكم بحال الإِنسَانية، وحال العرب قبل بعثة مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أي مجتمع لا دعوة فيه، ولا أمراً بالمعروف، ولا نهياً عن المنكر، فسيكون محلاً للشقاء والضلال والضياع والحيرة والظلم والجور.
      فكيف بالمجتمع الذي لا دين فيه ولم يبعث فيه رَسُول من عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فلولا الأَنْبِيَاء لما عرف النَّاس الحق من الباطل، والخير من الشر، ولم يهتدوا إِلَى ربهم -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ولم يعرفوا طريق الجنة من طريق النار، فهذه نعمة كبرى نعمة عظيمة أنعم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بها عَلَى بني الإِنسَان قاطبة، ومن كَانَ عابداً لله حق العبادة معظماً له يقدره حق قدره، فعليه أن يعلم عظم هذه المنِّة وأنها منِّة عظيمة.
      وليؤمن بهَؤُلاءِ الأَنْبِيَاء وليتبع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الذي قال الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى فيه: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ))[الأنبياء:107] فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رحمة للمؤمنين بلا شك؛ لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أخرجهم الله به من الكفر إِلَى الإيمان.

    5. الرسول صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين

      فَبِعْثَته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليست رحمة للمؤمنين فقط، بل هي رحمة للعالمين أجمعين.
      وذكرنا سابقاً أمثلة من كون دعوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رحمة للعالمين، فقد بُعِثَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والدنيا تموج بالظلم موجاً في كل مكان، فلما انتصر هذا الدين، وهذا النور العظيم الذي يعطي الإِنسَان كرامته وحريته الحقيقية، ويرد له إنسانيته وتكوين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى له.
      تأثرت الأمم جميعاً بهذا الدين، حتى الأمم التي لم تدخل في الإسلام شملتها رحمة الإسلام من اليهود والنَّصَارَى الذين أعطوا العهد والذمة أو دفعوا الجزية، أمنوا وارتاحوا فرحمهم الله عَزَّ وَجَلَّ بهذا الدين.
      وحتى الأمم الأخرى التي لم تسلم رحمها الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بهذا الدين فأصبحت تعلم قيمة الإسلام، وتعلم شناعة الظلم وبشاعة الاستعباد والطاغوتية التي كانوا يعيشون فيها، ولهذا فإن أوروبا كانت أشد العالم همجية.
      فلما جاءت الحروب الصليبية، وحاربوا الْمُسْلِمِينَ رأوا كيف يعيش الْمُسْلِمُونَ، مع أنهم تركوا كثيراً من الهدى الذي كَانَ عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومع ذلك فالأوروبيون من فرنسيين وألمان وإنجليز تعجبوا كيف يعيش النَّاس في هذا النعيم وهذه الراحة ورأوا علماءهم يقولون: قال الله قال رَسُول الله وعلماء النَّصَارَى محتكرين للدين ويفسرونه كما يشاءون، ويحللون ويحرمون كما يشاءون، فالبابا مرة يحرم الطلاق ومرة يبيحه ومرة يحرم الربا ومرة يبيحه
      ((اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً)) [التوبة:31]
      فلما رأوا ذلك قامت في أوروبا الحركة التي تسمى حركة الإصلاح الديني، مارتن لوثر وكالفن.
      فقالوا: اطمسوا جميع الصور والتماثيل التي كانت في الكنائس، وَقَالُوا: لا نقول في الدين بالتثليث الأب، والابن، وروح القدس، أي: لا نقول: إنها آلهة؛ بل نقول: إله واحد، وهم لم يسلموا، ولكنهم يحاولون أن يقربوا إِلَى الإسلام، قالوا: ورجال الدين لا يحتكرون كل شيء، بل من حق كل إنسان أن يقرأ الكتاب المقدس ويعلم ما فيه مثلما رأوا حال الْمُسْلِمِينَ.
      يقول علماء التاريخ الأوربيون: إن حركة الإصلاح الديني أحد أهم الأسباب والعوامل في نهضة أوروبا بخروجها من القرون الوسطى إِلَى القرون الحديثة -كما يسمونها- فبذت الخرافات والضلالات والشركيات، نعم وقعت في الإلحاد هذا صحيح، لكن ليس السبب أنها خرجت من حق إِلَى باطل. لا؛ بل خرجت من باطل ورفضت الحق وهو الإسلام، ووقعت في باطل شر منه وهو الإلحاد الذي تعيش فيه اليوم، وكان عليها أن تخرج من الباطل، وتقع في الحق الذي هو دين الإسلام الذي لا حق سواه.

      إن دعوة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبعثته رحمةً للعالمين، وبإذن الله تَعَالَى كما أخبرنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار} وسوف{ينزل عيسى عَلَيْهِ السَّلام فيقتل الخنزير ويكسر الصليب ويضع الجزية فلا يبقى عَلَى الأرض مشرك}، وفي آخر الزمان تقوم خلافة عَلَى منهاج النبوة ويدخل النَّاس جميعاً في دين الإسلام، ويتحقق أيضاً كمال الرحمة للعالمين بحيث لا يبقى عَلَى الأرض خارج عن هذا الدين.

  3. بعض خصائص النبي صلى الله عليه وسلم

     المرفق    
    1. أنه خاتم النبيين

      قال الطّّحاويّ رحمه الله تعالى:
      [وأنه خاتم الأنبياء]
      قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ:
      [قال تعالى: ((وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ))[الأحزاب:40] وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {مثلي ومثل الأَنْبِيَاء كمثل قصر أُحسن بنيانه، وتُرك منه موضع لبنة، فطاف به النظار يتعجبون من حسن بنائه، إلا موضع تلك اللبنة،لا يعيبون سواها، فكنت أنا سددت موضع تلك اللبنة، ختم بي البنيان وختم بي الرسل}خرجاه في الصحيحين.
      وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إن لي أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي، يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر، الذي يحشر النَّاس عَلَى قدمي وأنا العاقب، والعاقب الذي ليس بعده نبي}.
      وفي صحيح مسلم عن ثوبان قَالَ: قال رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وإنه سيكون من أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي} الحديث.
      ولـمسلم: أن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {فضلت عَلَى الأَنْبِيَاء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأرسلت إِلَى الخلق كافة، وختم بي النبيون}] اهـ.

      الشرح:
      بعض خصائص النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
      هذا الموضوع، وهذه الجمل مهمة جداً عَلَى وضوحها ولله الحمد، وهو قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أنا خاتم النبيين فلا نبي بعدي} هذه واضحة -ولله الحمد- عند الْمُسْلِمِينَ جميعاً إلا من كفر وخرج من الإسلام، ولكن إيضاح الفرق المخالفة فيها وأسباب ضلالها هو المهم.
      هذه الأحاديث التي ذكرها المُصنِّف -رَحِمَهُ اللَّهُ- وما علم من الدين بالضرورة علماً قطعياً مجمعاً عليه، هو أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو خاتم الأَنْبِيَاء وهناك أحاديث أخرى غير الآية ((مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ))[الأحزاب:40] والأدلة كثيرة، كلها تدل عَلَى أصل قطعي مجمع عليه بين الْمُسْلِمِينَ وهو أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاتم الأنبياء.
      الحديث الأول: مثال يذكره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أن مثلي ومثل الأَنْبِيَاء من قبلي} عَلَى رواية البُخَارِيّ يقول: {كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل النَّاس يطوفون به، ويعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة قَالَ: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين}.
      فالمثال يوضح أن البناء قد اكتمل إلا موضع لبنة فجاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان هو هذه اللبنة، كما يقول ذلك الأحبار والرهبان الموحدون، فكانوا يقولون: متى يُبعث نبي آخر الزمان -كانوا يسمونه بنبي آخر الزمان أي: الذي ليس بعده نبي- فبعث صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان هو نبي آخر الزمان.
      والحديث الثاني: في أسمائه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: {إن لي أسماء أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي -ووضحه فقال:- يمحو الله بي الكفر} وقد محي به الكفر ولله الحمد والمنة {وأنا الحاشر} ووضح ذلك قَالَ: {الذي يحشر النَّاس عَلَى قدمي} فهو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي يشفع يَوْمَ القِيَامَةِ.
      والعاقب: هو الذي ليس بعده نبي.
      الحديث الثالث: يقول المصنف: في صحيح مسلم: عن ثوبان وهذه الرواية ليست في صحيح مسلم كما نبه إِلَى ذلك الشيخ الأرنؤوط، ولعل الشيخ الألباني نبه إِلَى ذلك، وفي صحيح مسلم نجد حديث ثوبان: {إن الله زوى لي الأرض وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض} إِلَى آخر حديث ثوبان المعروف وليس فيه هذه الزيادة، وإنما هي زيادة في مسند الإمام أَحْمَد. {وإنه سيكون في أمتي ثلاثون كذابون كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي}.
      وهذا الحديث، قد يستدل به عَلَى أن الذين يدعون النبوة عددهم ثلاثون، مع أن الذين ادعوا النبوة صاروا كثيراً، فكيف يكون الجمع؟
      إما أن يكون الثلاثون هم من ظهر أمرهم وعظم خطرهم وكان لهم أتباعاً كُثر.
      وإما أن يكون العدد للتكثير.
      وإما أن يكون الثلاثون هم الذين يدعون في الفترة القريبة من بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
      لكن بعضهم ادعاها وهو حي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل:مسيلمة الكذاب والأسود العنسي وفي جيل الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم ادعى النبوة عدد فقد يكون هو هذا العدد والله أعلم.
      المهم أنه يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أنا خاتم النبيين ولا نبي بعدي}
      .
    2. أعطيت خمساً

      من الخصائص التي خُص بها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماجاء في حديث الخمس التي أعطيها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يعطها أحد قبله، وفي رواية أنها ست، كهذه الرواية التي رواها مسلم يقول: {أعطيت جوامع الكلم} ومعنى {أعطيت جوامع الكلم} قد سبق معنا.
      وقلنا: إن جوامع الكلم هي: العبارة القليلة الألفاظ، الجامعة لمعان كثيرة وقواعد عظيمة في أمور الدين، مثل قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لا ضرر ولا ضرار} ومثل قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {الدين النصيحة}ومثل قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد}.
      فهذه أقوال وألفاظ موجزة؛ لكنها تشمل أموراً عظيمة جداً يُستدلُ بها في أبواب كثيرة، وتُستخرجُ منها مسائلُ كثيرةٌ جداً، مع أنها ألفاظ موجزة.
      وكما مرَّ معنا في حديث القدر {كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة فنكس فجعل ينكت بمخصرته ثم قال: ما منكم من أحد ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة والنار، وإلا وقد كتبت شقية أو سعيدة، قال: فقال رجل: يا رسول الله! أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل؟
      فقال: من كان من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة، فقال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له
      } بهذه العبارة الموجزة، انحلت كل الإشكالات التي تتعلق بالقدر، من كَانَ من أهل النَّار فهو ميسر لعمل أهل النَّار والعياذ بالله، ومن كَانَ من أهل الجنة فهو ميسر لعمل أهل الجنة.
      وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {ونصرت بالرعب} وفي رواية أخرى {مسيرة شهر} ومعنى ذلك: أنه إذا عقد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لواء جيش من الجيوش قذف الله تَعَالَى في قلوب أعدائه الرعب قبل أن يحاربهم، ولو كَانَ عَلَى مسيرة شهر منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
      قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وأحلت لي الغنائم} {وكان الأَنْبِيَاء قبل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قاتلوا عدواً لهم فغنموا منه، فإنهم يجمعون الغنائم فيضعونها في مكان فتنـزل نار من السماء فتحرقها، ومن غل منها شيئاً، فإنه يعاقب}.
      فجاء الحكم بالتخفيف لهذه الأمة أن الغنائم حلال له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولأمته عَلَى القسمة المعروفة إن كانت فيئاً أو إن كانت غنائم، فأحلت له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصبح كل مقاتل يأخذ ما كتب الله تَعَالَى له وشرع من الغنائم، هذه من خصائصه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ ولهذا يقول: {بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده، وجعل رزقي تحت ظل رمحي} فكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسترزق مما يقبضه من الغنائم التي أحلها الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- له من قتال الكفار.
      ويقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً} هذه نعمة عظيمة أيضاً، كانت الأمم قبلنا -وما يزالون إِلَى اليوم- لا يصلون إلا في الكنائس وفي المعابد، لكن هذا الدين رحمة للعالمين وهو دين عام للعالمين وعام لجميع الأزمان إِلَى أن تقوم الساعة.
      فالله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- خفَّف عن هذه الأمة، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رواية: {فحيث ما أدركت الصلاة أحداً من أمتي فعنده مسجده وطهوره} فإذا لم تجد الماء أو المسجد فتقول: بسم الله، وتتيمم، وتكبر، وتصلي، ليس هناك تخفيف مثل هذا، ولم يكن في أي ملة من الملل تخفيف من الله عَزَّ وَجَلَّ مثله، وهذا دليل من الأدلة الكثيرة عَلَى أن هذا الدين دين رحمة للعالمين، وأنه دين العالم، وأنه دين الإِنسَانية جمعاء، فلا تتعطل أمور الحياة ولا تتوقف في أي مكان كنت، فحولك الأرض تتيمم وتصلي في أي مكان لا يشترط المسجد، ولا يشترط الماء إلا في حال كونهما موجودان فيجب أن تتوضأ وإذا كَانَ المسجد أيضاً موجوداً فيجب عليك صلاة الجماعة.
      وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وأرسلت إِلَى الخلق كافة، وإنما كَانَ النبي يبعث إِلَى قومه خاصة} كما وضحت ذلك الروايات الأخرى فكان الأَنْبِيَاء يبعثون إِلَى أقوامهم، فموسى بعث إِلَى قومه، وزعيمهم فرعون وإلى بني إسرائيل خاصة ليخرجهم من طاغوت فرعون، ونوح، وهود، وصالح، وشعيب كذلك، ولكن مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى جميع الأَنْبِيَاء والمرسلين أزكى الصلاة والتسليم بُعث إِلَى الخلق عامة، فدعوته للثقلين الإنس والجن.
      ولهذا يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {والذي نفسي بيده لا يَسْمَعُ بي يَهُّودِيٌّ ولا نَصرَانيٌّ ثُمَّ لا يُؤمِنُ بي إلا دَخَلَ النَّار} مجرد أنه سمع بهذا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأن دعوته عامة لجميع العالمين.
      قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وختم بي النبيون}هذه الجملة السادسة التي زادت في هذه الرواية.
      وهذه حقيقة قطعية لا يخالف فيها أحد من الْمُسْلِمِينَ وأعداء الله لم يخالفوا فيها من أول أمرهم بوضوح.
  4. المخالفون في رسالته صلى الله عليه وسلم والقائلون بأنه ليس بخاتم الأنبياء

     المرفق    
    وأول من قال ليس مُحَمَّد صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بآخر الأَنْبِيَاء هم الرافضة قبحهم الله، وقد سبق أن قلنا: إنهم ينتمون إِلَى عبد الله بن سبأ اليهودي، فإنهم أخذوا يتحايلون عَلَى الوحي.
    فيقولون إن علياً -رضي الله عنه- كَانَ إلهاً، وأنه يُوحى إليه، وأنه في السحاب، وأن البرق سيفه، والرعد صوته، هكذا قال عبد الله بن سبأ وبعد ذلك كانوا يُسمون الخشبية وتطور الأمر بهم إِلَى أن قالوا: إن الأئمة يعلمون ما كَانَ وما سيكون، ويقرءون اللوح المحفوظ، إلا أنهم لا يقولون بصراحة أن الإمام فلانٌ رَسُول لكن كلامهم: يقرأ اللوح المحفوظ، ويعلم الغيب.
    مثلاً الحسين -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ- تقول الرافضة أنه قد أوحي إليه أنك ستنزل في كربلاء، ولهذا مشى في الطريق يسأل عن قرية حتى قالوا له هذه كربلاء، فنزل فيها، وَقَالُوا: هذا وحي من الله، وهكذا يقولون في الأئمة.
    فانتشر بين هَؤُلاءِ الرافضة الاعتقاد بأن الوحي يمكن أن يتم لكن دون أن يصرحوا أول الأمر أنه رَسُول وصرح بعضهم بذلك مثل الغرابية بعض الفرق التي هي كافرة حتى عند الشيعة.
    ثُمَّ تطور الأمر إِلَى أن ظهرت الباطنية.
    1. الباطنية

      ظهرت الباطنية في أول القرن الثالث، سنة مائتين وخمسة أو مائتين وعشرة أو قريباً من ذلك.
      وهذه الحركة دخلت من مدخل الشيعة فكانوا يظهرون الرفض، ويبطنون الكفر المحض، كما قال العلماء: يأخذون الإِنسَان، ويقولون له أول مرة: إن جميع الصحابة ارتدوا عن الإسلام إلا الأربعة فقط عَلِيّ وعمار والمقداد وسلمان ويكفرون بقية الصحابة ويقولون: أي: رواية جاءت في القُرْآن أو في السنة لا تصدق بها عَلَى الإطلاق، فيدخل في دينهم، وبعد فترة يقولون له -على تدرج عندهم- حتى هَؤُلاءِ الأربعة مثلهم كمثل باقي الصحابة فيخرج من الإسلام بالكلية ويلقنونه الأصول الفلسفية التي كتبوها والتي أنشأوها، ويسمونها رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا، وهي رسائل فلسفية لعقائد فلسفية -من كلام اليونان وأمثالهم- وإلحادية لا تؤمن بأي دين عَلَى الإطلاق، فلما دخلت الباطنية قالوا مجاهرين: بأن النبوة والوحي ليس كما يزعم الأنبياء، وجميع أتباع الأَنْبِيَاء في الدنيا: أن الله عَزَّ وَجَلَّ يرسل رسولاً فيوحي إِلَى الرَّسُول الإنسي بواسطة الرَّسُول الملكي؛ لأن الله عَزَّ وَجَلَّ عند الباطنية: مجرد عقل كلي أو العلة الأول -كما سبق معنا إيضاح شيءٌ من ذلك- ويقولون: العقل الكلي يفيض منه العلم عَلَى العقول الجزئية، وهذا هو الذي يسمى وحي عند الباطنية.
      ويقولون: النبوة بالاكتساب وبالاجتهاد وبالنظر والعياذ بالله تعالى.

      فهم خارجون عن دين الإسلام، وقد استطاعوا أن يخرجوا بعض الْمُسْلِمِينَ من دينهم لما فسروا الوحي بهذه الطريقة واستمر الأمر عَلَى ذلك؛ لكن لم يكن لهم شأن، لأن الأمة في قوة وإيمان.
      هَؤُلاءِ الباطنية كفّرَهم الْمُسْلِمُونَ بالاتفاق، ولم يكن هناك أحدٌ يدعي النبوة بإقناع وصدق إلا وهو زنديق أو منافق يطمع في أمور الدنيا، بل إن كثيراً ممن ادعى النبوة كَانَ مجرد هازل ساخر، وتنشر حكاياتهم في أبواب الهزل والسخرية وكتب الأدب ونحو ذلك، لكن في هذه الفترة بدأت الأمور تتعمق أكثر، ثُمَّ ظهر في بقايا الباطنية" الفرقة التي تسمى الأحمدية أو القاديانية".
    2. الأحمدية أو القاديانية

      هذه الفرقة لابد أن نعرف شيئاً من أصولها ومبادئها، حتى إذا قيل لنا ما هي الفرقة التي تدعي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس خاتم النبيين، وألفت في ذلك كتباً وجاءت بنبي تدعيه نبياً؟
      قلنا: هي الفرقة القاديانية، وتسمى أحياناً: الأحمدية، نسبة إِلَى أحمد غلام ميرزا القادياني الذي أسس هذه الفرقة، وهو من بلد يُقال لها: قاديان، بلدة في شمال باكستان في ولاية البنجاب

      .أحمد القادياني: كَانَ أبوه عميلاً للإنجليز -في جيش الإنجليز- موالياً لهم، والإنجليز توسموا في هذا الغلام أنه يمكن أن يستخدموه لمآربهم ولأغراضهم.
      ولو نظرنا إِلَى الفترة التي تنبأ فيها أحمد القادياني لوجدنا أنها بعد ظهور دعوة الشيخ مُحَمَّد بن عبد الوهاب -رَحِمَهُ اللَّهُ- وانتشار هذه الدعوة في أصقاع العالم الإسلامي ومنها الهند، فقامت دعوات جهادية في الهند متأثرة بدعوة الشيخ مُحَمَّد بن عبد الوهاب تحارب الإنجليز.
      فتفطن الإنجليز لذلك وَقَالُوا: لا بد أن نشعل فتنة بين الْمُسْلِمِينَ مستغلين بذلك الجهل الموجود في القارة الهندية فجاءوا إِلَى هذا الفتى أحمد القادياني ورأوا فيه أنه يمكن أن يقوم بتحقيق هذا الهدف.
      فكان أول ما بدأ به الأمر أن كتب كتاباً أسماه البراهين الأحمدية يرد فيه عَلَى اليهود والنَّصَارَى فهو لم يدّعِ النبوة في البداية؛ لأنه لو قَالَ: أنا نبي لكذبه الناس؛ ولكنه لكي يتمكن بدأ بالرد عَلَى اليهود والنَّصَارَى وعلى أعداء الإسلام في كتاب براهين أحمدية وكأنه من المدافعين عن الدين.
      ثُمَّ بعد فترة ادعى أنه مجدد القرن.
      ثُمَّ بعد فترة ادعى أنه المهدي.
      وبعد فترة ادعى أنه المسيح.
      وبعد فترة ادعى النبوة بوضوح، وأنه رَسُول من عند الله، فلما مات أحمد القادياني عثر عَلَى آثاره وجمعت كتبه، فوجد فيها رسالة بعث بها أحمد القادياني إِلَى الحكومة الإنجليزية، وهي بخطه يقول فيها:
      "إنني قد كتبت في مدح وتأييد الحكومة الإنجليزية وحث الْمُسْلِمِينَ في الهند على الولاء لها؛ ما يعادل لو جمع أكثر من خمسين خزانة، -هذه كتبه فقط في الموالاة للإنجليز- وإني قد دعوتهم في كل مكان إِلَى أن يتركوا الجهاد، وأن يخلصوا الولاء لهذه الدولة حفظها الله وحرسها" إِلَى غير ذلك.
      إذاً فـأحمد القادياني كَانَ يتلقى الوحي من لندن وكان يتلقاه من السياحة الإنجليزية، التي كانت تهدف إِلَى قمع آثار دعوة الشيخ مُحَمَّد بن عبد الوهاب وآثار الجهاد الذي كَانَ قائماً عند الْمُسْلِمِينَ.
      وكان من أهم الشرائع التي جاءت إِلَى هذا المتنبئ الدجال أنه أبطل الجهاد عَلَى الإطلاق! وكان يتنقل من بلد إِلَى بلد ويقول: لا جهاد، والحرب عَلَى أشدها بين الْمُسْلِمِينَ وبين الإنجليز في الهند، ثُمَّ أبطل كثيراً من المحرمات، وأخذا يُشرّعُ من عند نفسه، ولم يزل القاديانيون إلى اليوم منتشرون في أوروبا وفي أمريكا، والآن يغوصون في القارة الأفريقية مستغلين الجوع والحاجة وتؤيدهم دول الاستعمار الغربية؛ بنشر هذه الضلالات ويسمون أنفسهم الأحمدية ويعتقدون أن أحمد القادياني نبي، ولهم مكان يسمى الربوة في باكستان.
      ويقولون: إن هذا هو الذي قال الله تَعَالَى فيه: ((وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ)) [المؤمنون:50] مع أنها أرض جدباء لا يوجد فيها أنهارٌ ولا أشجار ولا خضرة مع ذلك يسمونها ربوة فأين القرار وأين المعين؟ فهم لا يبالون بالكذب ولا يبالون بالدجل؛ بل لقد أصبحت المسألة مسألة عمالة مع أعداء الله.

      ولديهم من يسمونهم الخلفاء والآن الخليفة الثالث أو الرابع، كلما مات واحد منهم يأتي خليفة من بعده ويجدد الدين، ومن خطورتهم وخبثهم أنهم يترجمون معاني القُرآن الكريم إِلَى اللغة الإنجليزية، ويترجمون بعض الكتب الإسلامية، ويوزعونها في أوروبا وأمريكا.
      والنَّاس هناك يشتاقون إِلَى شيء يسمعونه عن الإسلام، ولا يجدون شيئاً إلا بلغتهم فيشترون الكتب القاديانية فيدخلون في القاديانية وكم من الْمُسْلِمِينَ الغربيين يسلم، ثُمَّ بعد فترة تجتاله القاديانية وتدخله في دينها، والشاهد أن هذه الفرقة هي أشهر من عُرفَ عنه إنكار ختم النبوة.
    3. البهائية

      ظهرت البهائية في إيران في وسط الشيعة وهي نابعة من نفس الفكر الشيعي الذي قلنا: إنه يرفع الأئمة ويعظمهم، ويدعي أنه يوحى إليهم، وأن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس خاتم الأَنْبِيَاء.
      ظهر البهاء يتلقى وحيه من اليهود، واليهود كما تعلمون مندسون في صفوف الشيعة منذ أن أسسوا دين التشيع إِلَى اليوم، وتأسست هذه الفرقة عَلَى يد رجل يُقال له: أحمد الأحسائي وأصله كَانَ يهودياً إنجليزياً سكن في إيران، وانتسب إِلَى الأحساء وأسس هذا الدين.
      والبهائية أشدُّ كُفراً من القاديانية؛ لأنها تنكر الإسلام كله وتمحوه كله، وتدَّعي أنه كذب ودجل، وتترك الشرائع جميعاً، وتنفي الفروق بين الأديان جميعاً وهم يحجون لكن إِلَى عكا في فلسطين، ولم يزل مقرهم وقاعدتهم في عكا، حتى تكون عَلَى مقربة من اليهود ومن تأسيس دولة اليهود.
      ويجعلون القبلة إِلَى عكا إِلَى حيث يكون البهاء أو خليفتهم، وليست القبلة إِلَى الكعبة، وألغوا الصلوات، وارتكبوا جميع المحرمات، فكل شيء في الدين غيروه، وجاء هذا البهاء بكتاب سماه البيان فقَالَ: هذا كتاب ينسخ القُرْآن -والعياذ بالله- ويدعي أن هذا في القُرْآن قال تعالى:
      ((عَلَّمَهُ الْبَيَانَ)) [الرحمن:4] فـالبيان هو هذا الكتاب الذي جَاءَ به، وألف كتاباً آخر سماه كتاب الأطرش.
      المهم أن لهم ضلالات كثيرة لا يهمنا أن نعرفها بالتفصيل لكن ينبغي لنا أن نعرف قدراً منها، وأن نعرف أن كونه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاتم الأَنْبِيَاء هذه حقيقة لا يدخلها الشك، ومن شك فيها فقد كفر وخرج من دين الإسلام.
      ولكن القاديانية والبهائية وأمثالها إنما نجحت وقامت أولاً: لأنها قامت في بلاد تتمكن فيها الإسماعيلية الباطنية والشيعة فأساس الضلال والخراب جَاءَ من هنا.
      وثانياً: أنها قامت لتبرر وجود الاستعمار والاحتلال الكافر لبلاد الْمُسْلِمِينَ، فهي لا تقوم عَلَى برهان علمي، ولا يهمها أن يعرف الْمُسْلِمُونَ كذبها وكفرها، وإنما الذي يهمها أن تأخذ من الأطراف في أفريقيا وأندونيسيا، وعن الجدد الذين يدخلون في الإسلام، من الأوروبيين والأمريكان لتأخذ هَؤُلاءِ النَّاس وتجتالهم وتدخلهم في هذه الأديان الباطلة، وتلبس عليهم، ويهم أعداء الله -من اليهود والنَّصَارَى والشيوعيين- أن يثبتوا للمسلمين أن ما تدعونه من كون مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو خاتم الأَنْبِيَاء والمرسلين غير صحيح؛ لأنه قد ظهر أنبياء بعده فظهر أحمد القادياني وظهر البهاء وظهر هَؤُلاءِ الكذابون والدجالون، هذه هي الأهداف التي يريد أعداء الإسلام أن يحققوها من هذه الدعاوي.
      وإلا فهي ولله الحمد لا ترقى أن تكون شبهات، وقد رد علماء الإسلام في جميع البلاد عليهم، حتى في باكستان حينما نشأت هذه الدعوات وفي إيران أيضاً، كَفَرُوا عقيدة الفرقتين، وأجمعوا عَلَى خروجهما من الملة، ولذلك ينبغي خاصة لمن يذهب إِلَى بلاد أوروبا وأمريكا أن يعرف شيئاً من حال هاتين الفرقتين ليُحذِّر منها هنالك، وأيضاً في بلاد أفريقيا الغربية فإن لهما هناك وجوداً وخطراً، وتحاولان أن تستزلا الْمُسْلِمِينَ من الإسلام إِلَى هذين الكفرين اللذين جاءتا بهما.
  5. النبي صلى الله عليه وسلم إمام الأتقياء

     المرفق    
    قال الطّّحاويّ رَحِمَهُ اللهُ:
    [وإمام الأتقياء].
    قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ:
    [الإمام الذي يؤتم به، أي: يقتدون به.
    والنبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما بعث للاقتداء به؛ لقوله تعالى: ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)) [آل عمران:31] وكل من اتبعه واقتدى به، فهو من الأتقياء] إهـ.

    الشرح:
    نعم هو صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو إمام الأتقياء، فالأتقياء هم الذين يتبعونه ويؤمنون به ويتمسكون بسنته، والتقوى كما تعلمون جميعاً، هي: من الوقاية أي: أن تجعل بينك وبين الله عَزَّ وَجَلَّ وقاية، وفسرها بعض الصحابة رضوان الله تَعَالَى عليهم بأنها: العمل بالتنزيل والخوف من الجليل -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- والرضا بالقليل.
    العمل بالتنزيل: أي العمل بالقرآن.
    والخوف من الجليل: تخاف من الله عَزَّ وَجَلَّ في كل أمر تفعله.
    والرضا بالقليل: وهو الزهد في هذا المتاع الفاني والحطام الزائل، متاع الحياة الدنيا، وكان أصحاب النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هم القدوة في التقوى. والنموذج العالي هو رسولنا صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو إمام المتقين، وقوله تعالى: ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)) [آل عمران:31] هذه سماها السلف آية المحنه أو الامتحان قالوا: ادعى قوم محبة الله فأنزل الله تَعَالَى عليهم آية المحنه أو الأمتحان.