المادة    
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيها الإخوة: أهلاً وسهلاً بكم مرة أخرى، وضيف هذه الحلقة هو فضيلة الشيخ الدكتور/ سفر بن عبد الرحمن الحوالي، الأمين العام للحملة العالمية لمقاومة العدوان، وقبل أن أبدأ أود أن أشكر جميع الإخوة من المسلمين وغير المسلمين، الذين بعثوا إلينا وتفاعلوا مع الحلقة الماضية، فأهلاً وسهلاً بكم.
المذيع: فضيلة الشيخ! مرحباً بكم وحياكم الله في هذه الحلقة، نريد أن نستمر في هذه الحلقة عند الموقف الذي وقفناه في الحلقة الماضية، وأود أن أركز هذه الحلقة على العنف من الاتجاه المعاكس إن صح التعبير.
إذاً .. لماذا يسلط الضوء على عنف بعض المسلمين، ولا يسلط على عنف القوى الكبرى القائم فعلاً، والمعلن والمنقول إعلامياً على الهواء مباشرة أمام أنظار الملايين، حتى أصبح الناس يعتقدون بأن ذلك العنف فتحاً مبيناً؟!
  1. دوافع العنف

    الشيخ: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
    عندما نريد أن نتكلم عن الآخر، والآخر هنا هو عدو؛ فلا بد أن نقدم بمقدمات من العدل؛ لكي يعلم الجميع أننا لا نخرج عن العدل أبداً حتى مع أعدائنا؛ مهما خرجوا عن حدود العدل والمنطق والأخلاق.
    المقدمة التي ينبغي أن تعلن: أن العنف هو مرض ومشكلة وانحراف في داخل النفس البشرية، بمعنى: أن كل إنسان معرض له في كل أمة وفي كل بلد، وفي أي مكان وفي أي زمان، ولدينا في كتاب الله تبارك وتعالى ما يدلُ على ضرورة استئصال أسباب الانحراف الأخلاقي، أي: السلوكي الذي ينتهج منهج العدوان على الآخرين.
    وعلماؤنا قبل أن يكتب علماء النفس في الغرب أو في غيره قرروا هذه الحقائق، أي: أن هناك ثلاث قوى -كما يقول علماؤنا كـابن القيم رحمه الله- أو ثلاثة دوافع لأي مشكلة أو جريمة تقع في هذه الدنيا.
    المشكلة الأولى: قضية الشرك واجتيال الشياطين لعباد الله المؤمنين وحرفهم عن التوحيد إلى التثليث أو الشرك بالله تبارك وتعالى، وهذا ليس الآن مقامه.
    القضية الأخرى أو قضيتان وهما: القوتان التي أودعتا في داخل النفس الإنسانية، وهما: القوة الغضبية والقوة الشهوانية.
    القوة الغضبية: هي التي تدفع إلى هذه الأعمال ومنها العنف والاعتداء والقتل، كما حصل من ابن آدم الأول.
    والقوة الشهوانية وهي التي تأتي نتائجها فواحش، وكبائر، وموبقات من نوع آخر، وهذه الثلاث جمعها الله تبارك وتعالى في قوله: ((وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ))[الفرقان:68] فهذه هي الأشياء ..
    فالأول الشرك، والثاني هو القوة الغضبية التي تؤدي إلى القتل، والثالث هو القوة الشهوانية التي تؤدي إلى الزنا.
    وبعد ذلك تتفرع الفروع، هذه كقضية نفسية عامة لجميع البشر، لا مكان للتفصيل في هذا.
    وننتقل إلى قاعدة أخرى تكمل وتوضح هذا، وهي: بما أننا بشر فنحن لا يمكن أن نزكي ونبرئ أنفسنا، ونقول: نحن المسلمين ليس فينا عنف ولا خطأ ولا انحراف ولا عدوان، لا يمكن هذا أبداً، وإنما الشيء الذي نقوله ونبرهن عليه ونثبته ونستطيع أن نتحدى به العالم كله أمر واحد وهو:
    أن كل شر في هذه الأمة الطيبة المباركة المختارة المصطفاه ففي غيرها من الأمم مثله وأكثر، وأن كل خير أو عدل أو فضيلة أو بر فهو فيها أكثر من نسبة العنف، ولكن هذا العنف لماذا تلصقه القوى الكافرة دائماً بالمستضعفين المغلوبين، ولا سيما بهذه الأمة؟
    الحقيقة أن هذه القضية قضية تاريخية يطول شرحها، هناك مشكلة موجودة في أغوار وأعماق النفسية الغربية، وظهر أثرها في الحضارة الغربية في كل عصورها التاريخية، منذ عهود الإغريق إلى الرومان إلى أيام الكنيسة وجبروتها، ثم إلى القوة الحديثة التي ابتدأت بثورة الإصلاح أو التجديد الديني عندهم، ثم بالثورة الفرنسية، ثم بالواقع المشاهد الذي يراه العالم جميعاً.
    يلاحظ في هذا التاريخ من أوله إلى آخره نزعة العنصرية الجاهلية، والاستعلاء، ورمي وقذف كل الأخطاء على الآخرين، فمنذ القديم يتعاملون على أن العالم نوعان: إما رومان أو برابرة، وهكذا كانت الفتوحات أو كانت الحروب الغربية، جاءت المرحلة الأخرى وهي التي تهمنا كثيراً عندما كانت الكنيسة هي التي تحكم أوروبا في ظل البابا، والإمبراطورية الرومانية التي تحكم هذه القارة، فحدث من الفظائع ومن ارتكاب العنف ما لا يمكن أن يُتخيل؛ إلى أن ضج العالم كله، إلى حد أن الذي دفع الأوروبيين إلى التخلي كلية عن رجال الدين وعن الكنيسة والخروج إلى العلمانية، وترك الدين هو ما حدث من ظلم وجبروت وطغيان، لم يشهد تاريخ الأديان له نظيراً.
    في الحضارة الإسلامية مثلاً تكون هناك عداوات وحروب بين الفرق والطوائف، ولكن لم يحدث في تاريخنا الإسلامي -على سبيل المثال- أن أحرقت الأديرة بالراهبات والرهبان الذين فيها إلا في أوروبا الدينية، حيث كان الرهبان يحرقون تماماً.
    هذه العملية طويلة جداً، ومعروفة في التاريخ الأوروبي، وكان لها أثر كبير جداً في تأجيج العداوة بين الكاثوليك والبروتستانت، فقد ظهر البروتستانت فكادوا يتفوقون على ما كان عند الكاثوليك من محاكم تفتيش وغيرها، وهم الذين جاءوا للتجديد أصلاً.
    ثم قام بعد ذلك أو ظهر بعد ذلك -حتى لا نطيل في التاريخ- الثورة الفرنسية، وكثير من الباحثين في تاريخ العنف أو الإرهاب عندما يتكلمون سواء كانوا يتكلمون في القانون الدولي، أو في القانون الجنائي؛ يبدءون ويقولون: الإرهاب بمفهومه الحديث وبشكله الحاد بدأ به اليعاقبة بعد الثورة الفرنسية، فالثورة الفرنسية شهدت عنفاً مضاداً لظلم الملكية؛ لكنه تجاوز وخرج عن حدود المعقول إلى أن أصبح مضرب مثل في تاريخ العالم كله في الإرهاب.
    ومن هنا بدأت ملامح أو بداية الكتابة عما يسمى بالإرهاب، وعلاقة ذلك بالجريمة وبالإجرام في علم السياسة أو في علم الإجرام والعقوبة.
    فلنتجاوز هذا إلى المرحلة الأخطر، عندما قامت الفتوحات أو الكشوفات الجغرافية الأوروبية، وساحت أوروبا في الأرض، ونحن نعلم أننا لو جمعنا أوروبا الغربية التي استعمرت أكثر العالم -مثلاً- ووضعته في داخل المملكة لكانت أكبر منها، فهي دويلات صغيرة، لكنها مع ذلك استعمرت ما يزيد عن أربعين إلى خمسين مليون كيلو متر مربع في العالم، منها: الأمريكتان وأستراليا، ومنها مناطق في أوروبا وفي آسيا بل أكثر من ذلك.
    هذا الاجتياح كتب عنه بعض المؤرخين الغربيين ومنهم مؤرخ فرنسي مشهور.
  2. العنف الأمريكي واتهام المسلمين

    المذيع: يسلط الضوء على أقل حركة عنف موجودة في العالم الإسلامي، والعنف الذي نراه كما قلت قبل قليل في السؤال عياناً بياناً.
    الشيخ: يقول العرب: (رمتني بدائها وانسلّت) والعرب عندهم هذا المثال لمن يفعل جريمة ثم ينسبها إلى الآخرين، النفسية الأوروبية أو الحضارة الغربية عموماً تعاني إشكالية أو أزمة عنيفة بين قيم العدل والحق التي أودعها الله عز وجل في الضمائر، وكل النفوس مفطورة على حب العدل والصدق، وموجود في داخل ضمائرهم نوع من التأنيب، وكذلك كلام من يعظ أو يتحدث أو يقاوم ذلك، والشاهد على ذلك منظمات كثيرة لحقوق الإنسان، ودعاة عدل كثيرون.
    بين هذا وبين واقع لا يمكنهم عملياً إلا أن يفعلوه وهو الظلم والبطش والتسلط.
    المذيع: لماذا؟
    الشيخ: من هنا نقول: عندما أرادوا أن يتحدثوا عن هذه النفسية، يعني هناك نوازع ودوافع، مثلاً: هل القضية هي قضية أن الرهبانية التي كبلتهم جعلتهم يندفعون في العنف إلى مدى أبعد من غيرهم من الأمم؟
    على سبيل المثال: هم في كتبهم وإنجيلهم يقرءون: (من لطمك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر، ومن نازعك في ردائك فأعطه الإزار أيضاً، ومن سخّرك ميلاً فامش معه ميلين).
    عندما ارتدوا عن هذا الدين كأنما يريدون زيادة نهم، وهذا يأتون به أيضاً في الناحية الجنسية، لماذا؟ لما كانت الرهبانية تكبت هذه الغريزة وتجعل حتى الزواج عملاً غير نظيف، أو غير مشروع، أو يترفع عنه رجال الدين، العمل مشروع لكن لرجال الدين..... إلخ، هذا أدى إلى أن النفسية الأوروبية عندما اقتحمت هذا المجال لم تشبع ولم ترتو، لا من حب المال، ولا من حب الانتقام، ولا من حب الجنس، ولا من أي شهوة، هذا أحد ما يعلل به ... أنا أتكلم عما يعلل به الغربيون أنفسهم.
    فهناك مثلاً نعوم تشومسكي الكاتب الأمريكي المشهور، وهو يهودي، وهو من أشهر الكتاب في العالم في اللغويات وغيرها، يقول: إن هذه القضية متجذرة ومتأصلة في النفسية والحضارة الغربية منذ القدم؛ بحيث لا يمكن أن تنتزع.
    يقول على سبيل المثال: لا يوجد دولة في العالم حكمت عليها محكمة العدل الدولية في لاهاي بأنها دولة إرهابية إلا الولايات المتحدة الأمريكية، وله كتاب مشهور: ماذا يريد العم سام؟، وكتب غيرها كثير لكن لشهرته هو.
    مثلاً: عندما يكون هناك حرب، بعد الحرب العالمية الثانية، ولا بأس أن نعرج عليها مثلاً، الفظائع التي ارتكبت فيها لا يمكن أن تتخيل ولم يقع لها ولا قريب منها بأي شكل من الأشكال في ظل الحضارة الإسلامية، القتلى يقاربون ثمانين مليون نسمة، عدد خيالي! الأسلحة النووية لأول مرة في التاريخ تُعرف، تدمير المدن، بدأ هتلر بتدمير المدن البريطانية، لكن كان الرد العنيف بتدمير المدن الألمانية -لا الجيوش الألمانية- بطائرات الحلفاء جميعاً إلى حد يثير العجب.
    بعد ذلك كانت الحرب الكورية، يعني أصبحت هناك نزعة اعترف بها الرئيس ترومان، وهو أنه لابد لنا من حرب كل سنتين أو ثلاث أو أربع، أي رئيس أمريكي لا بد له من حرب لتنمية الدولة، ونهوض الاقتصاد... أي: أصبح العنف والإرهاب له شرعيته أو له تخطيطه.
    المذيع: لكن هل العداء هنا ركز على المسلمين فقط؟
    الشيخ: عندما تقول: إنها مشكلة نفسية متأصلة؛ فهي في الحقيقة تتجه إلى المخالف، لكن عندما نأتي إلى العالم الإسلامي نزيد عن كونه مخالفاً أنه ند، والندية مشكلة، فهو ند قديماً وند حديثاً.
    المذيع: ند في ماذا؟
    الشيخ: كحضارة، أي: الند المباشر.
  3. صور من العنف الغربي في كوريا وأفريقيا

    المذيع: قديماً نتفق، لكن حديثاً في ماذا؟
    الشيخ: نعم. الحضارة الإسلامية هي التي يمكن أن تكون نداً، وستكون بإذن الله تبارك وتعالى، وهم يعلمون أن إمكانيات الندية موجودة.
    المذيع: أنت تقصد أن هناك مقومات موجودة للندية في الوقت الحاضر؟
    الشيخ: نعم؛ فنقول كمثال حتى نكمل؛ لأن الحرب الكورية وما تلاها يقول الكتاب والباحثون والمحللون في جنوب شرق آسيا: إن الضحايا الذين قتلوا يصلون إلى [22] مليون نسمة في كمبوديا وكوريا وفيتنام وما حولها.
    هنري كيسنجر يقول: إن الرقم مبالغ فيه، وإن الرقم لا يتعدى السبعة ملايين، سبعة ملايين قتيل قتلهم الأمريكان فقط في هذه الدول، أما ما قتلوا في أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية ومناطق كثيرة من العالم فشيء لا يكاد يصدق.
    وأعمق من ذلك أن تشومسكي يربط الماضي بالحاضر، إذا كان ملايين العبيد ماتوا وهم يخطفون ويصطادون كما تصطاد الوحوش من أفريقيا، ويجمعهم الأمريكيون وغيرهم في السفن البريطانية وغيرها، ويحشرون فيها حشراً كالدواب مكتلين مكبلين إلى أن يذهبوا إلى أمريكا ليعملوا سخرة في مزارع القطن، وماذا كانوا يفعلون؟ مثلما في روايات كثيرة كتبت عن هذا الشيء، أول ما يأتون بهذا العامل وهو بعضلاته وقوته يسقونه الخمر ثم يقطعون قدمه حتى يصبح كقدم البعير.
    المذيع: هذا في أمريكا المعاصرة؟
    الشيخ: أمريكا هذه التي إبراهيم لنكلن وجماعته، وكذلك كانت الحرب الأمريكية في أمريكا من أجل قضية العبيد وقضايا أخرى، طبعاً لم تكن حرب تحرير عبيد، وإنما حرباً: هل نعطي العبيد شيئاً من الحرية أم أنهم لا يستحقون شيئاً؟ المهم يقطعون رجل هذا العبد هذا، أو الرجل الإفريقي، هذا الذي أتوا به وأكثرهم من المسلمين طبعاً ويجعلون قدمه مثل قدم البعير حتى لا يستطيع أن يهرب، ويبقى واقفاً في المزرعة يعمل والسيد هناك ومعه البندقية، فإن رآه مال كذا أو كذا قتله..
    ملايين يقدرهم البعض بعشرة ملايين إنسان قتلوا أو ماتوا بالتعذيب في عملية العبيد هذه.
    المذيع: لا إله إلا الله، رقم مهيب ومخيف. فضيلة الشيخ! لقد ذكرت لنا هذا التاريخ المفيد الشيق، ولكني من جميل ما قيل: إن أمريكا مثل كفار قريش، حيث يصنعون صنماً من التمر فإذا جاعوا أكلوه، وفي تصوري وأعتقد أنك تؤيد هذا، وهذا ما لمسته مما تقول: إن أمريكا تصنع أيضاً الأحزاب والتنظيمات ثم تتفنن في شوائها، ولكن لماذا تصر الضحية ذات الرقم (مائة) أن تصطاد بنفس الطريقة والوسيلة التي اصطيد بها الضحية رقم (واحد واثنان وثلاثة) ((أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ))[التوبة:126]؟
    الشيخ: قضية أمريكا ومن يتعامل معها هي أيضاً خاضعة لسنة الله تبارك وتعالى في الكون كله، والله تبارك وتعالى يقول: ((وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ))[الأنعام:129] فبعضهم يوالي بعض، وهناك مثل وليس حديثاً: (من أعان ظالماً على ظلمه سلّط عليه) هذا من التجربة من سنة الله تبارك وتعالى، ومن عقوبة الله على أولياء الشيطان وأولياء الطاغوت ومن يوالون الظالمين؛ أن يسلطوا عليهم وأن يذيقهم الله تبارك وتعالى بأس أولئك؛ لأنهم هم الذين حملوا راية الدفاع عنهم وتولوا ذلك، بل إنهم في كثير من المواقف يرضون أن تنسب إليهم وإلى الأسياد، فيسلط الله تبارك وتعالى عليهم أسيادهم، وهذا لا يختص أمريكا مع عملائها، بل حتى الأنظمة الطاغوتية مع أتباعها .. مع عساكرها .. مع جنودها .. مع كذا..، أي نظام ظالم في الأرض وأي حزب ظالم، تجد أن كثيراً من الأحزاب في الدول العربية والإسلامية أول من تسلط أن يتسلط الحزب على أناس منه فتكون ثورة مضادة يسمونها التصحيحية، فتأكل الذين أقاموا الثورة أول مرة، فينتقم الله من ظالم لظالم، وهذا من عدله تبارك وتعالى، ومن سنته ومن حكمته في الحياة.
    لكن أنا ألمح لهذا المثل الطيب منحى آخر: عندما يصنع العربي صنمه ثم يأكله، هو يصنعه ليعبده .. ليتقرب إليه وليقدسه فإذا جاع أكله، بينما أمريكا الأصنام التي صنعتها هي الحرية .. الديمقراطية .. الإنسانية .. حقوق الإنسان، لكن عندما تتعارض مع أدنى قدر من النفعية أو الرغبة السياسية أو الهوى فـأمريكا لا تبالي أن تضحي بهذه المبادئ وبأضعافها.
    أمريكا لا إشكال عندها في أن تتعامل مع أكثر الأنظمة ديكتاتورية في العالم إذا حققت لها ما تريد، ولا تبالي أن تسقط أي نظام ديمقراطي...، يعني كمثال: هم يمثلون بـتشيلي وكيف أن أمريكا أسقطت نظاماً جاءت به صناديق الاقتراع، وظلت فترة طويلة، ثم جاءتنا الجزائر وغيرها، لا تبالي أبداً أن تقتل الأصنام التي نصّبتها: الحرية .. الديمقراطية ...
    المذيع: ولكن دعنا نقتبس من فضيلتكم ومن علمكم وفقكم الله: لماذا أمريكا تفعل هذا؟ أين المرجعية التي تفعل بها أمريكا هذه الفعائل في الناس إن كان هذا محققاً؟
    الشيخ: نعم، هناك مرجعية واضحة في هذا، وهناك سبب واضح جداً في هذا، أن النفس البشرية إن كانت زعامة وإن كانت فرداً، وإن كانت أباً حتى أو زوجاً، هناك حب تسلط موجود، لا يُذهب هذا التسلط أو هذا الكبر أو العلو إلا الإيمان بالله تبارك وتعالى.
    فالأمة التي لا تحتكم إلى شرع الله ولا تؤمن بالله، ولا تؤمن بالآخرة يمكن أن تعمل أي عمل، يمكن أن ترتكب أي جريمة، إذا كانت القضية قضية هذه الشعارات فهو مثل التمرة عند العربي، أعني أنها تصنع تماثيل حرية أو دعاوى، لكن في حقيقة الأمر لا يردع النفس البشرية عن ظلمها وغلوها وكبريائها وغطرستها إلا العبودية لله تبارك وتعالى، والإيمان بأن هناك يوماً سوف ينتقم الله تبارك وتعالى فيه من الظالم، ويحاسب هؤلاء وهؤلاء، وهذا مفقود في الحضارة الغربية.
    المذيع: ولكنك في الحلقة الماضية قلت: إنك لا تعترف بأن هناك تنظيماً اسمه تنظيم القاعدة، وأن هذا افتعال غربي سواء كان أمريكياً أو أوروبياً، هل ما زلت على موقفك من هذا؟
    المذيع: اسمح لي: أنت أخطأت؛ أنا لم أقل: لم أعترف وإنما قلت: لا أعلم. وأنا لن أرجع إلى هذه القضية، ولكن أنا أقول: أي قضية من هذا النوع تحال إلى تحقيق نزيه، وإلى قضاء نزيه بعيد عن الضغوط -وهذا قلته في الحلقة الماضية- ويقرر ما يشاء، إذا قرر أن هناك تنظيماً فليحكم، قضاء يحكم بشريعة الله بدون أي ضغوط، وأنا قابل بنتيجته.
    اتصال هاتفي: الأخ أبو عبد الرحمن من الجزائر: السلام عليكم ورحمة الله.
    المتصل: السلام عليكم، سلام للشيخ ولكل المسلمين إن شاء الله، بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، أولاً أشكر المشايخ على هذه الحصة القيمة التي تطرح موضوعاً هاماً جداً وهو العنف، والله يعلم يا شيخ أننا نحبك في الله، ونرجو منكم أن تبلغ سلام الإخوة في الجزائر إلى الشيخ عائض القرني، أما عن موضوع اليوم فأضرب لكم مثالاً عن الجزائر ولكم أن تحكموا: سنة (1990)م فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالانتخابات المحلية، فساد نوع من الرحمة حتى صارت مثلاً -أعطي مثالاً- أسواق تسمى أسواق الرحمة في رمضان تُوزع فيها الأغذية والمؤنة مجاناً، أو بأسعار رمزية، وفي بداية سنة (1991)م سُجنت قيادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ ظلماً وعدواناً، وفي سنة (1992)م رغم غياب القيادة المسجونة فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الانتخابات التشريعية بأغلبية المقاعد، ولكن مرة أخرى يدخل الجناح الاستئصالي العلماني ويصادر اختيار الشعب، ويسجن ما تبقى من ممثلي الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي اختارها الشعب بديلاً عن النظام القائم المتعفن آنذاك.
    وهو ما انجر عنه قيام فتنة في الجزائر من سفك الدماء والدمار والفساد ندفع ثمنه منذ [13] عاماً إلى يومنا هذا، فمن الذي بدأ بالعنف، أبدأت الجبهة الإسلامية للإنقاذ مثلاً في الجزائر وهي حركة إسلامية (ونعممها على كل الدول العربية والإسلامية) أم النظام بإيعاز من المنظمة الصهيونية الأمريكية؟ وأرجو الإجابة من المشايخ.
    المذيع: ولكن يا أخ عبد الرحمن! قبل أن تقفل هل لديك جواباً مسبقاً على هذا السؤال؟ من بدأ الجبهة أم النظام.
    المتصل: لا. وإنما أترك الجواب إلى الشيخ.
    الشيخ: هو فيما يتعلق بلقائنا الماضي، لا شك أن الحكومة هي التي بدأت، وهذا مما لا شك فيه، لكن فيما يتعلق بلقائنا هذا هي مشكلة الغرب، مسئولية الغرب عن العنف، هنا يأتي إشكال آخر، هو: لماذا سكت الغرب عن انتهاك الديمقراطية، لماذا رضي الغرب أن يأكل التمر فعلاً؟
    المشكلة هنا تظهر فيما لو أن هذا حدث في أي دولة أخرى غير إسلامية، أو كان الذي فاز بالنتيجة علمانياً لقالوا: نحن نحترم رأي الشعب، لكن لو اختار الإسلام فالويل له، وهذا يجيب على سؤالك يا شيخ عبد الله عندما قلت: لماذا وهل نحن لنا عداوة خاصة؟ نعم. الغرب يعادي بعضه بعضاً، ويعادي من يعادي مصالحه، ولكن يختص المسلمين بعداوة خاصة.
    عندما قامت الجبهة بهذه الأعمال وهي لم تحكم بعد، فهذا سيفضح خبيء القيم الغربية التي تأتي بالدقيق المعفن وتعطيه للصومال وغيرها من الدول، التي تأتي بالحليب الفاسد وتوزعه في أفريقيا، التي ترصد مئات الملايين من الدولارات من أجل تنصير الشعوب لكي تطعمها وتطعمها من هذا النوع، فقيام الإسلام يفضح الأنظمة العميلة للغرب في العالم الإسلامي والعربي، ويفضح أيضاً الحضارة الغربية أنها ليست حضارة إنسانية ولا ذات قيم، بل هي حضارة العنف والإرهاب والعنصرية.