المادة    
المذيع: سأعود إلى هذه النقطة، وهي تحتاج كما قلت إلى حلقات، ولكن نريد أن نستكمل مكالمة من الأخ ابن القيم:
أخ ابن القيم! السلام عليكم.
المتصل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
نشكر فضيلة الشيخ سفر أولاً على صراحته ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا الكلام الطيب في ميزان حسناته، ويكرمنا بأكثر من أمثاله، أما وضوح سماحة الشيخ فيا أبا محمد يجب لك أن تساعده لا أن تحاوره في هذا المكان؛ لأن هذا المكان أو من هذا المنطلق الطيب يجب أن نخرج بنتيجة طيبة، وبعد هذه الأحداث التي حدثت لم يثبت أن هؤلاء من بني جلدتنا، وهم إذا كانوا كذلك كما تفضل ووضح الشيخ يجب أن نتعامل معهم بالأسلوب الذي يحكم بيننا وبينهم الشرع، ونحن ندين أي عمل حتى لو كان على كافر؛ لأني أعيش في أوروبا وأتمتع بحرية جميلة، وأطلب أي شيء لا أطلبه في البلاد العربية.
أما عن الأمور التي تحدث في بلادنا وبلاد الإسلام فإننا نضخم المواضيع، يعني عندما تفتح التلفاز وتسمع عن هذا الشيء، وعندما تقفل التلفاز تسمع عن هذا الشيء، يجب أن يكون عندنا فلسفة في هذه الأمور.
المذيع: طبعاً أنا أضم بعض الصوت إلى صوت الأخ ابن القيم، نحن عندما نحاوركم -فضيلة الشيخ- نريد أن نأخذ منكم ما يريد المشاهد.
طرح كثير من العقلاء حلولاً لاستيعاب واستقطاب بعض الجماعات، وفي الحقيقة أنها فشلت ولم تنجح إلا الأمور الأمنية فقط، فلهذا هم في السجون بهدف أنهم لم يتقبلوا لا من حكام ولا من علماء، بل بعضهم كفر العلماء وأنت تعلم هذا، لماذا نجحت الظاهرة الأمنية ولم تنجح الظاهرة الحوارية؟
  1. نسبة نجاح الحوار في معالجة العنف

    الشيخ: الحقيقة أنا لا أوافق على هذا التعميم. الحوار نجح .. الاستمالة نجحت .. حب الدنيا نجح .. لكن مشكلتنا نحن في التعميم، فأنا أقول: القضية تحتاج إلى شيء من التفصيل، ولكن نضطر أن نوجزها، شباب نحن دفعنا بهم، أنا شخصياً كنت ضد ذهابهم إلى بعض البلاد، لكن دُفع بهم بشكل كبير إليها، بيئة فيها معترك من الأفكار والآراء والمتناقضات، وأمريكا كانت تؤيد الموقف؛ لأنه ضد الاتحاد السوفييتي، ومولت هؤلاء، فإن كانوا إرهابيين فهي أكبر ممول للإرهاب، وإن كانوا يقاتلون عن عدل فهذا يحسب لها إذا أرادت ذلك الخير.
    على أية حال .. كان العالم كله يتجه اتجاهاً واحداً، فبعد أن حدث ما حدث؛ لأن القتال أو المقاومة الأفغانية نفسها لم تكن مؤصلة تأصيلاً كما كنا نطالب ونريد، وحدثت المشكلات التي كانت في النهاية مؤدية إلى قتال فتنة بينهم، وعاد أولئك متهمين في بلادهم، وقد عادت ألوف منهم، والآن المتهم منهم بممارسة العنف عشرات، وهب أنهم مئات، منهم من عاد إلى عمله الطبيعي، ذهب ليقاتل في سبيل الله يريد الجنة ثم رجع إلى عمله العادي لا كفّر مسلماً ولا دخل في تنظيم، وإنما أراد الجنة ورجع، وبعضهم فتن بشيء من الدنيا ومال إليها، وبعضهم وجد فئات من أهل العنف فاستمالوه حتى أصبح يكفر إخوانه الذين هناك، والبعض جلس مع أهل العلم وناقش ونوقش واستقام حاله وعقيدته، وهذه حجة أحتج بها دائماً على نجاح الحوار والانفتاح.
    أنا أصارحك وأصارحهم وغيري من الإخوة، لكن أنا أتحدث عن نفسي، لا لأني فعلت كل شيء، لكن أقول عندما أتكلم عن نفسي: فأنا أتكلم عما أعرف، أنا أفتح له المجال حتى مجال تكفيري أنا، أقول له: يا أخي! تعال دلني لماذا أنا كافر؟ تناقش، إلى من نرجع؟ كيف نتفاهم؟ وفي الحقيقة هناك أعداد وكثير من العلماء يعرفونهم، بل حتى اللجنة الأمنية تعرف أن هناك فئة لا ينطبق عليها، وهذا دليل على نجاح الحوار.
    النجاحات الأمنية: أنا أعتقد أن المعالجة الأمنية وحدها لأي قضية من هذه القضايا لا تنجح في القبض على من يعمل، بل القبض أحياناً يقع على من لا يعمل ولا يجيد بعض العمل.
    لكن استئصال الفكر لا يكون إلا بالعقيدة الصحيحة، عقيدة أهل السنة والجماعة لا نبتدع فيها شيئاً.
  2. اضطرار الحكومات الإرهابية المتدينين إلى العنف

    المذيع: فضيلة الدكتور! بعد معترك نصف ساعة أرجو أن تأذن لي -كما عهدتك يا فضيلة الشيخ- في حدة الحوار، أريد الآن أن أنتقل إلى جهة أخرى من الموضوع:
    يرى بعض الذين يحللون هذه الأمور العنفية أن امتداد القنوات السياسية أمام بعض الجماعات الإسلامية في جميع الدول الإسلامية هو سبب للعنف، لا سيما أن القنوات الإسلامية في أمريكا وأوروبا مفتوحة للجميع، والكل ينتخب ويختار ويدلي برأيه إلا في الدول الإسلامية، فهل ذاك السبب صحيح؟
    الشيخ: بكل تأكيد مع الأسف، ولكي أوضح لك وللإخوة المشاهدين أقول: هناك كثير من الشباب ومن غير الشباب لا يريد إلا التدين، ولم يخطر بباله أن يكون معارضاً سياسياً، ولا أن ينخرط في أي حزب ولو كان إسلامياً، هو يريد أن يتدين، ويريد أن يدعو إلى الله على فهم قد يكون ضيقاً محدوداً، فما الذي يحدث؟ أن يحارب.
    وأضرب لك مثلاً: على سبيل المثال جماعة الدعوة والتبليغ ليس لها منهج سياسي، لا تتبنى قضايا سياسية، لم تستخدم العنف، ولا تفكر فيه .. إلى آخر ذلك، فعندما تمنع هذه الجماعة أو تكبت، فإن حديث العهد بالتدين الذي عرفه عن طريق هذه الجماعة، وكان يمكن إذا فتح له المجال أن ينخرط فيها حتى يصبح يجوب القرى والأرياف؛ ليذكر ببعض حقائق الدين المبسطة الواضحة، عندما يبدأ التدين ثم يجدها ممنوعة ومحاربة من قبل السلطات يمكن أن يندفع إلى أبعد مدى من العنف، ويكفيك هذا المثال.
    المذيع: للشفافية في البرنامج، هناك فاكس يقصدني أنا، يقول: أخي مقدم البرنامج! أنت تحاور الشيخ وأنت لديك حكم مسبق وكأنك طرف، والمطلوب أن تكون محايداً -عسى أن أكون محايداً، ومهمتي يا فضيلة الشيخ أن أعطيك الطرف الآخر، وأن أتكلم باسم الطرف الآخر لكي نأخذ الطرف الأصح- لماذا تريد أن تلزم الشيخ بما تريد؟ ويقول لي: بأني لست حكماً ولا محامياً ولا مدعياً.
    المذيع: ولكني يا أخي الكريم أريد أن أقول: بأني محاور، يقول: المشكلة في موضوع العنف هو أنه لا توجد مرجعية، فالذين يقومون بالعنف ينطلقون من منطلقات شرعية، وهذا السؤال لك يا فضيلة الشيخ، يقول: إن الذين يقومون بالعنف -لا أريد أن أؤول فأقول:- التفجيرات في الرياض وفي الدار البيضاء وفي نيويورك، وفي أي مكان، يقول: بأنهم ينطلقون من منطلقات شرعية، فلماذا لا يرد عليهم بطريقة شرعية من قبل علماء الإسلام، ومن المرجعية الصحيحة؟
    ويقول: إذا طالبنا الحكومات بالتحاكم إلى شرع الله، فإن العنف سيذوب، فما رأيك بهذا الكلام؟
    الشيخ: في الحقيقة يجب أن نتحدث ونعترف جميعاً بمسئوليتنا، لا ينبغي لأحد أن يتنصل، نحن في الحقيقة حتى لو كانت المجتمعات مفتوحة، ولو كانت الدعوة قائمة لا نستبعد ولا نستغرب من أن تكون هناك جذور للغلو، سواء استخدم العنف أم لم يستخدم، يعني مسئولية العلماء لا إشكال فيها، ومسئولية الحكومات يجب أن نعترف بها.
    المذيع: فضيلة الشيخ! هو يقول: إن العنف ينطلق من منطلقات شرعية؟
    الشيخ: أنا أريد أن أقدم أنه لا يفهم أننا نريد أن نتنصل من مسئوليتنا، لكن نقول: يا أخي الكريم! منطلقات العنف المذموم شرعاً في ديننا كثيرة جداً، وقد توجد في بيئة صالحة، فقد وجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك في عهد الخلفاء الراشدين، لكن حصرها بأنها منطلقات شرعية لا يصح، لكن أن يكون العلاج شرعياً فنعم.
    ثم افتراض أن يأتي هؤلاء إلى العلماء أيضاً هذه مرحلة ثالثة، نحن لابد أن نتعامل معاملة بشر لسنا ملائكة، الإشكال عندنا هو عندما تتنصل جهة من مسئوليتها، وأشد من ذلك في نظري عندما تقدم فئة فتعطي المبررات، عندما تضع الوقود على النار، فقد يكون من العلماء -مثلاً- وقد يكون من الدعاة مَن يأتي فيشتط في أحكامه على هؤلاء أو يجور، ويحملهم أنهم يكفرون وهم لا يكفرون، أو ينسبهم إلى ضلالات ليست لديهم، قد يكون شخص منهم وهو يريد الإصلاح.
    المذيع: ولكن قد يوجد من العلماء من يؤيدهم مثلاً؟
    الشيخ: هذا كله وارد، بيئتنا هي هكذا، بالمعنى الآخر: نحن إذا كنا نريد أن نستوعب الشباب والحوار معهم، فلهم مرجعيتهم بالطبع، وكل فئة لديها مرجعيتها، لو كان الحوار متاحاً أيضاً والجدال بالتي هي أحسن، أنا لا أقول: يقضى على كل شيء، لكن أقول: يحد إلى حد كبير، بل أقول: إن حجم المشكلات في مجتمعنا كبير وخطير، وأحمد الله أنها تقتصر على حادث أو حادثين في بضع سنوات، أنا أنظر من جانب آخر، فأنا أعتقد أن عندنا مشكلات كبيرة وأن علاجها يجب أن يكون حازماً وحاسماً، وأنه لابد أن نعترف جميعاً بمسئوليتنا عما يحدث، وأن يبذل كل منا أقصى جهده ليقللها ما أمكن، وإلا فالمشكلات خطيرة.