المادة    
ونعود فنؤكد أن وراء غلو الصوفية في النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما يدَّعونه من المعجزات، وما يضعونه ويفترونه على النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلى السنَّة، والسيرة من هذه الأكاذيب والمخترعات والخزعبلات، إنما قصدهم بذلك إثبات هذه الأكاذيب والخزعبلات للأولياء بدعوى أنما كان للنَّبيِّ من معجزة فهو للوليِّ كرامة، وهذه دعوى خبيثة.
ولو نظرنا إلى المولد -أيضاً- لوجدنا اعتناءهم بمولد النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الذي أسـسه العبيديون الزنادقة الباطنية، فهم أول من أسَّـسه.
لو نظرنا إلى اهتمامهم بالمولد لرأينا أنهم يستمدون منه الاهتمام بموالد أئمتهم، وسادتهم، بل قد يعتقدون أن موالد أئمتهم وسادتهم وأصحاب طرقهم أعظم مِن المولد الذي يقيمونه للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى أن المولد -نفسه- إنما يقيمونه لهذا الغرض، ولو شئتم لقرأتُ عليكم ما نقله كتاب طبقات الشعراني عن مولد البدوي -سيِّدهم- مِن مصر الذي يقال له: أحمد البدوي يقول الشعراني:
''قلت: وسبب حضوري مولده كلَّ سنَة أن شيخي العارف بالله تعالىمحمد الشنَّاوي رضي الله عنه أحد أعيان بيته -رحمه الله- قد كان أخذ عليَّ العهد بالقبة تجاه وجه سيدي أحمد رضي الله عنه، وسلمني إليه بيده، فخرجت اليدُ الشريفة إلى الضريح! وقبضتْ على يدي، وقال: سيدي يكون خاطرك عليه، واجعله تحت نظرك، فسمعتُ سيدي أحمد رضي الله عنه مِن القبر يقول: نعم!!''
أقول: أحمد البدوي توفي قبل الشعراني بحوالي ثلاثمائة سنة! سمعه من القبر يقول: نعم، وأخرج يده، وبايعه.
يقول: ''ثم إني رأيتُه بـمصر مرة أخرى هو وسيدي عبد العال، وهو يقول: زرنا بـطندتا-وهي: طنطا- ونحن نطبخ لك ملوخية ضيافتك، فسافرت، فأضافني غالب أهله، وجماعة المقام ذلك اليوم كلهم بطبيخ الملوخية''.
يقول: ''ثم رأيته بعد ذلك وقد أوقفنى على جسر "قحافة" تجاه طندتا، وجدته سوراً محيطاً، وقال: قف هنا، أدخل عليَّ من شئت وامنع من شئت''.
أقول: الجسر تحول إلى سور عريض ويقول له: أنت هنا، كل مَن يحضر المولد: أدخل من أردت، وامنع مَن أردت مِن حضور المولد.
يقول: ''ولما دخلتُ بزوجتي فاطمة أم عبد الرحمن، وهي بكر، مكثت خمسة شهور لم أقرب منها، فجاءني وأخذني وهي معي، وفرش لي فرشاً فوق ركن القبة التي على يسار الداخل، وطبخ لي حلوى، ودعا الأحياء والأموات إليه، وقال: أزل بكارتها هنا!! فكان الأمر تلك الليلة.. '' إلى أن يقول:
''وتخلفتُ عن ميعاد حضوري للمولد سنة أربع وثمانين وتسعمائة، وكان هناك بعض الأولياء فأخبرني أنَّ سيدي أحمد رضي الله عنه كان ذلك اليوم يكشف الستر عن الضريح، ويقول: أبطأ عبد الوهاب ما جاء - يعني: هو الشعراني فاسمه عبد الوهاب -وأردت التخلف سنَةً من السنين- يعني: عن المولد - فرأيت سيدي أحمد رضي الله عنه ومعه جريدة خضراء وهو يدعو الناس من سائر الأقطار، والنَّاس خلفه، ويمينه، وشماله، أمم وخلائق لا يحصون، فمر عليَّ وأنا بـمصر، فقال: أما تذهب؟
فقلت: بي وجع، فقال: الوجع لا يمنع المحب، ثم أراني خلقاً كثيراً مِن الأولياء وغيرهم الأحياء والأموات من الشيوخ والزَّمنى، بأكفانهم يمشون، ويزحفون معه يحضرون المولد، ثم أراني جماعة من الأسرى جاءوا من بلاد الإفرنج مقيَّدين، مغلولين، يزحفون على مقاعدهم.
فقال: انظر إلى هؤلاء في هذا الحال ولا يتخلفون، فقويَ عزمي على الحضور.
فقلت له: إن شاء الله تعالى نحضر.
فقال: لابد مِن الترسيم عليك، فرسم عليَّ سبعيْن -يعني: وضعه بحراسة سبعين- عظيمين أسْوَدين كالأفيال، وقال: لا تفارقاه حتى تحضرا به.
فأخبرتُ بذلك سيدي الشيخ محمد الشنَّاوي -رضي الله عنه- فقال: سائر الأولياء يَدْعون الناس بقصَّادهم - يعني: يوصون من يدعوهم إلى مولده - وسيدي أحمد رضي الله عنه يدعو الناس بنفسه إلى الحضور، ثم قال: إن سيِّدي الشيخ محمد السروي رضي الله تعالى عنه شيخي تخلف سنَةً عن الحضور، فعاتبه سيدي أحمد رضي الله عنه، وقال: موضع يحضر فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأنبياء عليهم الصلاة والسلام معه وأصحابه والأولياء رضي الله عنهم؛ ما يحضره؟
فخرج الشيخ محمد رضي الله عنه إلى المولد فوجد الناس راجعين، وفات الاجتماع، فكان يلمس ثيابهم، ويمرُّ بها على وجهه!!'' أهـ.
يقول الشعراني: ''وقد اجتمعتُ مرة أنا وأخى أبو العباس الحرنكي -رحمه الله- بوليٍّ مِن أولياء الهند بـمصر المحروسة.
فقال رضي الله عنه: ضيِّفوني فإني غريب، وكان معه عشرة أنفس، فصنعتُ لهم فطيراً، وعسلاً فأكل.
فقلت له: مِن أيِّ البلاد؟ فقال: مِن الهند، فقلت: ما حاجتك في مصر؟
فقال: حضرْنا مولد سيدي أحمد رضي الله عنه.
فقلت له: متى خرجتَ مِن الهند؟
فقال: خرجنا يوم الثلاثاء، فنمنا ليلة الأربعاء عند سيِّد المرسلين صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وليلة الخميس عند الشيخ عبد القادر رضي الله عنه بـبغداد، وليلة الجمعة عند سيدي أحمد رضي الله عنه بـطندتا، فتعجبْنا مِن ذلك.
فقال: الدنيا كلها خطوة عند أولياء الله عز وجل، واجتمعنا به يوم السبت انفضاض المولد طلعة الشمس.
فقلنا لهم: مَن عرَّفكم بـسيدي أحمد رضي الله عنه في بلاد الهند؟ فقالوا: يالله العجب! أطفالنا الصغار لايحلفون إلا ببركة سيدي أحمد رضي الله عنه، وهو من أعظم أيمانهم -انظرو إلى هذا الشرك- وهل أحدٌ يجهل سيدي أحمد رضي الله عنه؟ إن أولياء ما وراء البحر المحيط، وسائر البلاد والجبال يحضرون مولده رضي الله عنه''.
ثم يقول الشعراني : ''وأخبرنى شيخنا الشيخ محمد الشنَّاوي رضي الله عنه أن شخصاً أنكر حضور مولده فسُلب الإيمان!! فلم يكن فيه شعرة تحنُّ إلى دين الإسلام، فاستغاث بـسيدي أحمد رضي الله عنه، فقال: بشرط أن لا تعود؟ فقال: نعم، فردَّ عليه ثوب إيمانه! ثم قاله له: وماذا تنكر علينا؟ - يعني: في المولد - قال: اختلاط الرجال والنساء، فقال له سيدي أحمد رضي الله عنه: ذلك واقعٌ في الطواف، -نعم تراهم يختلط الرجال بالنساء في الطواف، ويشبِّه مولده بالطواف- ولم يمنع أحدٌ منه ''.
ثم قال: ''وعزة ربي ما عصى أحدٌ في مولدي إلا وتاب وحسنت توبته، وإذا كنتُ أرعى الوحـوش والسمك في البحـار، وأحميـهم مـن بعضهم بعضاً، أفيعجزني الله -عز وجل- عن حماية مَن يحضر مولدي؟''.
أقول: هذا هو التصرف في الكون، حتى الوحوش يحميها بعضها من بعض، ويحجزها، والسمك في البحار، فيتصرف في هذه الأمور كلها، فكيف لا يتصرف فيمن يحضر مولده؟ هذا هو أحمد البدوي، ماذا تتوقعون أن يقولوا في مولد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
إن قالوا أعظم من هذا؛ فهو -والعياذ بالله- الشرك والكفر، وإن قالوا: لا، نحن نفضل مولد البدوي على مولد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونعطي البدوي مِن الولاية والاختصاص ما لا نعطي الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهي الطامَّة الكبرى وإذاً: هم الذين يحتقرون النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا يحبونه، وليس أهل السنة والجماعة -كما يزعمون- فليختاروا مِن هذين ما شاءوا.
يقول: ''وحكى لي شيخنا أيضاً: أن سيِّدي الشيخ أبا الغيث بن كتيلة أحد العلماء بـ"المحلة الكبرى"، وأحد الصالحين بها كان بـمصر، فجاء إلى بولاق، فوجد الناس مهتمين بأمر المولد، والنزول في المراكب، فأنكر ذلك، وقال: هيهات أن يكون اهتمام هؤلاء بزيارة نبيِّهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل اهتمامهم بـأحمد البدوي، فقال له شخص: سيدي أحمد وليٌّ عظيم، فقال: ثَمَّ في هذا المجلس من هو أعلى منه مقاماً، فعزم عليه شخص - أي: عزمه - فأطعمه سمكاً، فدخلتْ شوكةٌ تصلَّبَتْ فلم يقدروا على نزعها بدهن عطاسٍ، ولا بحيلة مِن الحيل، وورِمت رقبتُه حتى صارت كخلية النَّحل تسعة شهورٍ وهو لا يلتذذ بطعام، ولا شراب، ولا منام، وأنساه الله تعالى السبب، فبعد التسعة شهور ذكَّره الله تعالى بالسبب فقال: احملوني إلى قبة سيدي أحمد رضي الله عنه، فأدخلوه، فشرع يقرأ سورة "يس"، فعطس عطسةً شديدةً فخرجت الشوكة مغمسة دماً، فقال: تبتُ إلى الله تعالى يا سيدي أحمد!! وذهب الوجع، والورم من ساعته''.
أصيب هذا الرجل؛ لأنَّه يقول: إن الناس تهتم بزيارة مولد البدوي أكثر من زيارتهم للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ويستمر الشعراني فيقول: ''وَأنكر ابن الشيخ خليفة بناحية "أبيار" بالغربة حضور أهل بلده إلى المولد، فوعظه شيخنا محمد الشنَّاوي، فلم يرجع، فاشتكاه لـسيدي أحمد فقال: ستطلع له حبَّة ترعى فمَه ولسانَه، فطلعت مِن يومه ذلك، وأتلفت وجهه، ومات بها''.
ويقول: ''ووقع ابن اللَّبَّان في حق سيدي أحمد رضي الله عنه - أي: انتقص حقه - فسُلب منه القرآن والعلم والإيمان!! فلم يزل يستغيث بالأولياء، فلم يقدر أن يدخل في أمره -أي: ما دخل أحدٌ بينه وبين البدوي ليُخلَّصه منه- فدلُّوه على سيِّدي ياقوت العرْشي''.
وهذا سمُّوه ياقوت العرْشي، قيل: إنه كان يسمع حملة العرش! وقيل: إنَّه كان يرى العرش لذلك سُمِّي العرْشي وربما يمر علينا شيءٌ مِن ترجمته- يقول: ''فمضى إلى سيدي أحمد رضي الله عنه، وكلَّمه في القبر، وأجابه، وقال له: أنت أبو الفتيان رُدَّ على هذا المسكين رأس ماله، فقال: بشرط التوبة! فتاب، ورَدَّ عليه رأس ماله، وهذا كان سبب اعتقاد ابن اللبان في سيدي ياقوت رضي الله عنه، وقد زوجه سيِّدي ياقوت ابنتَه ودُفن تحت رجليها بـالقرافة''.
إلى أن يقول: ''وكان سيدي عبد العزيز إذا سئل عن سيدي أحمد رضي الله عنه يقول: هو بحر لا يُدرك له قرار، وأخباره ومجيئه بالأسرى مِن بلاد الإفرنج، وإغاثة الناس مِن قُطَّاع الطريق، وحيلولته بينهم وبين مَن استنجد به لاتحويها الدفاتر رضي الله عنه... ثم قال: وقد شاهدتُ أنا بعيني سنة خمس وأربعين وتسعمائة أسيراً على منارة سيِّدي عبد العال رضي الله عنه -وهو تلميذ البدوي- مقيَّداً مغلولاً وهو مخبَّط العقل، فسألتُه عن ذلك، فقال: بينا أنا في بلاد الإفرنج آخر الليل، توجَّهتُ إلى سيدي أحمد-يعني: دعا أحمد- فإذا أنا به فأخذني، وطار بي في الهواء، فوضعني هنا، فمكث يومين ورأسه دائرة عليه مِن شدة الخطفة رضي الله عنه'' اهـ.
أقول: إذا كان هذا اعتقادهم في البدوي وفيمن يحضر مولده، وعقوبة مَن يشكِّك في حضور مولد البدوي؛ فما ظنك بقولهم واعتقادهم بمولد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
وكما قلنا؛ إما أن يقولوا: إنه أعظم، فهو أعظم شركاً، وإما أن يقولوا: لا، مولد البدوي أعظم، فقد فضَّلوا البدوي على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أقول هذا ليعلم الإخوان أن المسألة ليست أن محمَّد علوي مالكي ومن معه يحضرون كما يقولون: يأتون بالكوازي، والكبسات، ويقولون للنَّاس: تعشُّوا، وصلُّوا على الرسول، واحتفلوا بذكراه، ونقرأ شيئاً مِن السيرة، وندعو النَّاس إلى محبَّته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونستغلها فرصة للوعظ، ولتبيين أحوال المسلمين، وللتذكير بالمحرمات، ومحاربة الشيوعية، ولغير ذلك مما طنطن به الرفاعي، والمغربيان، والبحريني.
المسألة كما ترون هي هذا الشرك، وهذه الاستغاثات، وهذه النداءات، وأن من ينكر ذلك يُسلب إيمانه، ويسلب دينه، ويبتلى بكذا وكذا، أوهام ينسجونها، وأساطير يُرهبـون بهـا الناس حتى لا ينقدوهم، وحتى لا يفتحوا أفواههم عليهم، وحتى يستعبدوهم بها، وكما نرى كثيراً مِن النَّاس يدفعون لهم الأموال الطائلة، ويتبركون بهم، ولا يتزوجون إلا بإذنهم، ولا يسافرون إلا بأمرهم، ولا يعملون أيَّ عملٍ إلا بعد أن يستأذنونهم، ويتبركون بمشورتهم، وبنصيحتهم بسبب ما يحيطون به أنفسهم مِن هذا الإرهاب الشديد الفظيع، وأنهم يملكون أن يوقعوا بأعدائهم مثل هذه الأمور، نسأل الله السلامة والعافية.
  1. رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المولد يقظة عند الخرافيين

    نبدأ بالحديث عن تعلقهم بالمولد، وتعظيمهم له لا من حيث أن المولد هو القضية في ذاتها فحسب كما أسلفنا؛ وإنما من حيث دلالته على منهج هؤلاء، وعلى ضلالهم، وعلى ما يأتي فيه من الخرافات والشركيَّات التي إذا ربطناها بأصل التصوف السابق عرفنا أن القوم حقاً يستقون مِن معين الثيوصوفية، ومِن معين الأفكار الفلسفيَّة الوثنيَّة، ومِن معين الخرافات النصرانية والمجوسيَّة التي هي بعيدة كل البعد عن الإسلام، وليس عليها دليل مِن كتاب الله، ولا مِن سنَّة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    و المالكي ينكر أن القيام في المولد سببه ادَّعاء رؤية النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويقول: نحن لا نقف مِن أجل ذلك، لكنني أؤكد وأقول : إنَّ مَن حضر المولد ممن هداهم الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ومِن النَّاس الآخرين الذين حضروا لغرض أن يروا ما فيه ودعوا إلى ذلك، أكدَّوا، وأخبروا أن هؤلاء يقولون: جاء الرسول، جاء الرسول!! وعلى أية حال مهما أنكر المالكي وقال هو وأصحابه ما قالوا؛ فنحن نقرأ ما ذكره هو بنفسه في كتاب الذخائر صفحة [107] ليُرى الحق بإذن الله تعالى: يقول في العنوان: '' صلوات مأثورة لرؤية الحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
    نقل الشيخ الغزالي في الإحياء عن بعض العارفين نقلاً عن العارف المرسي -رضي الله عنه- أنَّ مَن واظب على الصلاة، وهي: "اللهمَّ صلِّ على سيِّدنا محمَّدٍ عبدك ونبيك ورسولك النَّبيِّ الأمِّيِّ وعلى آله وصحبه وسلم" في اليوم والليلة خمسمائة مرة لا يموت حتى يجتمع بالنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقظة!!
    ونقل عن الإمام اليافعي في كتابه بستان الفقراء أنه ورد عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: مَن صلَّى عليَّ يوم الجمعة ألف مرة بهذه الصلاة: "اللهمَّ صلِّ على سيِّدنا محمَّد النَّبيِّ الأمِّيِّ" فإنَّه يرى ربَّه في ليلته، أو نبيَّه، أو منـزلتَه في الجنَّة، فإن لم يرَ فليفعل ذلك في جمعتين، أو ثلاثٍ، أو خمسٍ، وفي رواية: زيادة: "وعلى آله وصحبه وسلِّم".
    وفي كتاب الغنية للقطب الربَّاني سيدي عبد القادر الجيلاني عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { من صلى ليلة الجمعة ركعتين يقرأ في كل ركعةٍ فاتحة الكتاب وآية الكرسي مرة، وخمسة عشر مرة ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ))[الإخلاص:1] ويقول في آخر صلاته ألف مرة: "اللهمَّ صلِّ على سيِّدنا محمَّد النَّبيِّ الأمِّيِّ فإنَّه يراني في المنام ولا تتم له الجمعة الأخرى إلا وقد رآني، فمن رآني فله الجنة، وغفر له ما تقدم مِن ذنبه، وما تأخر } '' .
    أقول: هذا الكلام ذكره محمد علوي مالكي في الذخائر بهذا العنوان: [صلوات مأثورة لرؤية الحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] نحن نسأله، ونسأل أتباعه: هل أنتم تشتاقون لرؤية الحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ هم يقولون: إنَّهم أشد الناس حبّاً له، وتعظيماً، وشوقاً إليه. أيضاً نسألهم سؤالاً آخر: هل أنتم ممن يعمل بما يعلم؟ فيقولون: نعم، كل شيءٍ نراه مِن السنَّة، ومن الحق نعمل به؛ فنقول: لابد أنَّكم عملتم بهذا الكلام، أنتم مشتاقون إلى الرسول بزعمكم، وتعملون بما تعلمون، وتكتبون فلابد أنكم عملتم بهذا.
    فلذلك الذي يدخل معهم، ويتقرب إليهم، ويقدِّسهم، ويبجِّلهم إنَّما يفعل ذلك اعتقاداً أنهم عملوا هذه الصلوات، وحصلت لهم الرؤية كما يصدر عنهم من أقوال أو أعمال أو نصائح أو مشورة؛ فليس مِن عند ذاتهم، وإنما في إمكانهم أن يأخذوه عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مباشرة.
    أقول هذا الكلام ليؤكد الحقيقة السابقة وهي أنَّ المسألة ليست مسألة نقاش علمي في أنَّهم يصحِّحون حديثاً نحن ضعفناه، أو قلنا: إنه موضوع؛ أبداً! ليست القضية بهذا الشكل، القضية أنَّهم يرجعون مباشرةً بزعمهم إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيأخذون منه، ونحن نجهد أنفسنا في البحث عن الرجال، والتنقيب في الجرح والإسناد والتعديل إلى غير ذلك، وهم يأخذون مباشرة! -بزعمهم- ومِن أسباب الأخذ المباشر هو حضور النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليتَلَقَّوا عنه المولد، فيقيمونه لهذا الغرض، وأنبِّه مرة أخرى -وقد سبق تكرار هذا- أنني لا أعني أنَّ كلَّ مَن يحضر المولد ويتعشى يحصل له هذا الكلام.
    لأن المسألة درجات، وأنا سأبين بعد قليل مراتب، ودرجات رجال الغيب عند الصوفية فيتضح لكم أن المسألة درجات، وأن الذي يحضر ويتعشى، أو يتبرع لهم بعشاء ليس مثل المريد المتعمق الذي يداوم على ذكر الأوراد وعلى ما يحصل في الخلوات، وعلى ما يتقرب به هؤلاء الناس.
  2. دفاع الرفاعي عن المالكي في مسألة الرؤية

    وأنقل الآن شاهداً واحداً لتعرفوا به لماذا يدافع هاشم الرفاعي وأمثاله عن علوي مالكي:
    هناك كتاب للرفاعية نقل منه الرفاعي، وجعله من مراجعه في الأخير وهو كتاب طي السجل الذي نقلتُ منه بعض الأشياء فيما تقدم، وسأنقل لكم منه قضية هذا المؤلف عندما حصل على درجة القطب الأعظم أو الغوث الأعظم، وسنعرف عند تفصيل رجال الغيب قيمته، وما هي مهمته بالنسبة لرجال الصوفية.
    يقول هذا الروَّاس:
    ''سرٌّ غريبٌ، جئتُ من مدينة سيد الأنام عليه من ربه أفضل الصلاة وأكمل السلام إلى بلد الله الحرام، فبعد أن دخلتُ الحرم المحترم، وقفتُ تجاه المشهد الإبراهيمي المكرَّم، كشف الله لي أغطية الأكوان علويَّها وسفليَّها!! فطافت همّتي في زواياها، وكُشفتْ حجب خباياها، ورجعت عن كلِّها إلى الله تعالى، متحققة بالطمأنينة المعنيَّة بسر قول الله: ((يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً))[الفجر:27-28] وقد تدلَّتْ هناك إلى قلبي قصص السموات -لا أدري ماذا يريد بهذا- منحدرةً مِن ساحل بحر قلب النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد شخصتْ إليَّ الأبدال، والأنجاد، ورجال الدوائر، وأهل الحضارات، وأرباب المكاشفات، والمقرَّبون مِن عوالم الإنْس والجن، وفقهتُ نطق الجمادات الظني ولغات الطيور، ومعاني حفيف الأشجار والنباتات، ورقائق خرير الماء، ودقائق صرير الأقلام، وجمعتُ شفاف الرموز، فكنتُ أحضر وأغيب معي وعني في اليوم والليلة ثمانين ألف مرة، وانفسح سمعي فوعتْ أذني أصوات النَّاطقين والمتكلمين على طبقاتهم واختلاف لغاتهم مِن مشارق الأرض ومغاربها، ومزقتُ بردة الحجاب المنسدل على بصري، فرأيت فسيح الأرض ومَنْ عليها ذرةً ذرةً، وتصمتتْ همتي فانجدلتُ في الكل تمريراً لحكم التصرف بمنـزلة الغوثيَّة الكبرى، والقطبيَّة العظمى!''
    أقول: يريد أن يقول هذا تمريراً لكي يتصرف في الكون، ويصبح الغوث الأكبر، والقطب الأعظم الذي يتصرف في الكون كله - بزعمهم، والعياذ بالله - كما سنوضح ذلك إن شاء الله.
    يقول: ''وحملتْني أكفُّ عناية سادات النَّبيِّين والمرسلين، وأغاثتْني في كل حركةٍ وسكنةٍ إعانة روح سيد المخلوقين، وأتممتُ مناسكي، وإذا هناك شيخ الدوائر، وسلطان المظاهر، وأمين خزائن البواطن والظواهر، وشُحنة الجمْع، وعالم الفرْق، وقيل لي: سِرْ على بركات الله بقدمك وقالبك إلى الروم'' يعني: القسطنطينية مقر الدولة العثمانية؛ لأنَّ هذا يكتبه في آخر أيام سلاطين الدولة العثمانية.
    قال: ''فانحدرتُ بعد أداء ما وجب إلى مصر، ومنها إلى الشام، ومنها إلى مرقد الإمام الصيَّاد -الذي ينـتسب إليه الصيادي، مؤلف الكتاب عن الرفاعي- وجددتُّ العهد الذي مضى، والوقت الذي انقضى، وقمتُ مِن حضرته أرفل بحلل الرضا حتى وصلتُ إلى "جسر الشغور" -بلد في سوريا- ومنها إلى قرية هناك بظاهر البلدة اسمها "كفر ذبين" وأنا في حال جمعٍ محمَّدي، وأقف على ظهر جامع خربٍ طُويت أخباره، وانطمست بالتراب آثاره، فنوديتُ بالغوثيَّة الكبرى مِن مقام التصرف - أي: نودي بأنَّه الغوث الأكبر من مقام التصرف في هذا الجامع الخرب وهو هناك بـالشام!! كيف نودي؟ - يقول: أبصرتُ العَلَم المنتشر بالبشرى وقد رفعه عبد السلام أمين حراس الحضرة النبوية من أولياء الجنِّ!!''
    عبد السلام هذا أمين حراس الحضرة النبويَّة مِن أولياء الجنِّ رَفع له العلم مِن المدينة -وهو هناك في الشام- علم الولاية، مقام التصرف وأنه أصبح الغوث الأكبر والقطب الأعظم.
    يقول: ''فانعطفتْ إليَّ أنظار الصدِّيقين، وتعلقتْ بي قلوب الواصلين؛ فسجدتُّ لله شكراً، وحمدتُّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- على نِعَمَه، وعظيم كرمه، وسرتُ، ولمحل ندائه معنىً في القلب سيظهر إن شاء الله وتعمر البقعة، وتقام في الجامع الجمعة، كذا وعدني ربي بالإلهام الحق، وهو لا يخلف الميعاد، قاله الله - هكذا - وانتهيتُ في سيري من طريق "الكلب" إلى "عين تاب" و"مرعش" ثم إلى "آل البستان"، ومنها مرحلة مرحلة إلى بلدة "صانصول"، ودخلت اللجة - يعني: البحر - أفجُّها فجة فجة، حتى انتهى الثور المائي إلى القسطنطينية...'' - إلى أن يقول: ''وفي القسطنطينية قابل السلطان '' - إلى أن يقول:
    ''واجتمعتُ بِها على الخضر عليه السلام ست مرات، فيالله مِن حكم سماويَّة تنـزل مِن لفاف دور القَدَر يمضيها الحُكم الإلهي في تلك البلدة إمضاءً، وإنفاذاً، ولربي الفعل المطلق، له الحكم وإليه ترجعون'' اهـ.
    ثم يتحدث طويلاً، والمهم أن هذه هي قضية بيعته، وكيف بويع، وهذا الرفاعي هو الذي ينقل عنه هاشم الرفاعي كما قلنا ويؤيد كلام المالكي.
    فإذاً لا نستغرب منه أن يؤيد ما يتعلق برؤيتهم النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومخاطبتهم له، وهذا طريق حراس حضرتهم من الجن يرفع الولاية، وهو أيضاً كما يقول: يبشر هذا الرجل بالولاية الكبرى، بل إن هناك ما يخبر بأن هذا الجامع الخرب الذي عين بيع فيه بالقطبية العظمى والولاية الكبرى سوف يعمر.
    هذا غيضٌ مِن فيضٍ، والأمثلة كثيرة جدّاً لكن لا أريد أن أستغرق فيها؛ لأنَّنا نريد أن نـنـتقل إلى موضوعٍ أكثر تفصيلاً وهو: حقيقة سُلَّم الترقِّي عند الصوفية! وكما قلت ليس مَن يحضر العشاء أو يتعاطف معهم هو منهم، بل هناك درجات، وهناك شكل هرمي معيَّن يترقَّون خلاله، وهو مما يزيدنا تأكيداً وإلحاحاً على أن هؤلاء القوم باطنية زنادقة؛ لأنَّ نفس هذا الترتيب موجود عند الباطنية.