المادة    
كما تعلمون الصحوة الإسلامية حقيقة قائمة، والعودة إلى هذا الدين واقع؛ وهذا من فضل الله تعالى على هذه الأمة، ولا غرابة فيه، فليس غريباً أن التائب يعود إلى الله فرداً أو أمة أو جماعة، لكن الغريب هو أن من عرف الله لا يرجع إليه وإن أسرف على نفسه بالمعاصي، لكن تضخيم هذه الصحوة وتهويلها ودراستها هذا هو الذي يدعو إلى أن ينظر ماذا يراد منها.
ولقد نشر كاتب أمريكي من أصل لبناني اسمه مايكل سابا مقالة ترجمتها صحيفة الحياة أيضاً، بعنوان (إعلام أمريكا وخطر المسلمين).
هذه المقالة عن ندوة عقدها مستشار الرئيس الأمريكي كارتر لشئون الأمن القومي؛ وبالمناسبة الرئيس الأمريكي كارتر الآن يتحرك بنشاط عجيب وكذلك كيسنجر فـكارتر هذا ومعاونوه الأولون بدءوا يتحركون من أجل خبرتهم السابقة ومعرفتهم بحال المنطقة، ونجد أن كارتر يهتم بالجهاد الأفغاني ويذهب إلى هنالك، من أجل دعم التنصير بين المسلمين، واستغلال الجوع والفقر والحاجة الشديدة التي يعاني منها المجاهدون والمهاجرون من أجل التنصير وفرض الحل الغربي على الجهاد الأفغاني، كما نجده يذهب إلى أفريقيا ويقيم ويتنقل بين دولها: كـالحبشة وجنوب السودان مع جون قرنق وبكل وضوح يمده بالعالم الغربي، ومع ٍالجبهة الشعبية لتحرير أرتيريا كما تسمى بكل قوتهم، ومع التنصير في كينيا وفي الصومال، ويؤلمنا أن نقول: إنهم يشترون أبناء وبنات المسلمين بأبخس الأثمان، منظمات خطيرة وكثيرة تشتري أبناء المسلمين في الصومال وكينيا والحبشة وغيرها، ويخسرون الآلاف بوسائل النقل إلى أوروبا، هذه الحقائق كثيرة وتقرءونها كثيراً.
فنقول: هذه الندوة هي ندوة لأولئك الزعماء السابقين، وكان موضوعها عن الأرمن وأحداث أرمينيا، ولكن الحقد يأبى إلا أن يظهر، وقد حولوا الموضوع إلى مسألة عودة إسلامية، وخطر إسلامي، أين الخطر الإسلامي؟ انظروا -قبل أن نقرأ هذا الكلام- الفرق بين جورباتشوف في الحالين وكأنه رجلان مختلفان، ففي الحالة الأولى هو رجل ديمقراطي هادئ متزن يزور بنفسه دول في بحر البلطيق التي تؤيد الانفصال، ويجلس مع أعضاء برلمانها، ويناقش الكتاب، بل ظهر في التلفزيون وفي الشارع يتحدث مع الناس ويكلمهم ويقول: نريد الديمقراطية ونريد أن تنحل القضية فيما بيننا وبينكم بالوسائل الموازية وبالطرق الحكيمة وبكل هدوء.
أما إذا نظرنا إليه كيف يتعامل مع المناطق الإسلامية التي تحت حكمه، فإن ذلك الحمل الوديع الديمقراطي الهادئ ينقلب إلى وحش أو دب متلطخ بالدماء، فالدبابات تنزل تدك المدن، والجيش الأحمر يهدم كل شيء، والاعتقالات بالآلاف، والمقابر الجماعية، لأنه هنا يتعامل مع مسلمين، لكن هناك كان يتعامل مع أبناء دينه، وهذا شيء واضح وجلي، والأخبار العالمية تؤكده بوضوح وليس محتاجاً إلى تأكيد.
والشاهد حول الموضوع من أرمينيا إلى العالم الإسلامي، ويقول: {{ في الغرب لا يمكن لأحد أن يشهد مساعي تقوم بها جهات غير مسلمة سواء كانت مسيحية أو يهودية أو حتى هندوسية للقتال من أجل الحرية بالحد الذي يرقى إلى درجة الحرب المقدسة، فهذا النمط محصور بالنسبة إلى الغربيين في تعريف المسلمين بالذات }}.
فالهندوس والنصارى واليهود في أي بلد في العالم يطالبون ويثورون ولا غبار عليهم، كما يقول الكاتب وهو نصراني أمريكي، لكن إذا قامت أي حركة إسلامية مهما كان شأنها قيل: هذه حرب مقدسة خطرها يمتد إلى العالم كله، فخصوا هذا الشعار للمسلمين.
  1. عناوين الصحف والتهويل من الصحوة الإسلامية

    وهناك بعض العناوين التي كانت الصحافة الأمريكية تتحدث عنها عند أحداث أرمينيا ومن هذه العناوين يقول: نيران هوجاء في الجمهوريات الإسلامية، وهذا عنوان مفجع!
    عنوان آخر: المدى البعيد لظلال المآذن، لماذا؟ لأن إعادة البناء سمحت للمسلمين بأن يأذنوا.
    الصحافة الأمريكية تجعل عناوين ضخمة "ظلال المآذن"، وبعد هذا الأذان تهويل، حتى يكبت هذا الدين، فهم لا يريدون أن يسمعوا كلمة (الله أكبر) ولا أن ترتفع كلمة (الله أكبر) في أي بلد، أما الكنيسة الكاثوليكية فتحتفل ويفتخر جورباتشوف في كتابه إعادة البناء، لأنها احتفلت واحتفلت معها روسيا كلها بمناسبة مرور ألف سنة على إنشائها، ويذهب هو إلى -ما يسمى- قداسة البابا ويحصل على التبريكات منه، لكن الأذان لا يراد أن يرفع في الاتحاد السوفييتي، ولا في أي مكان في العالم.
    عنوان آخر: عش الدبابير في جنوب السوفييت.
    عنوان آخر: السكان المسلمون يحشدون التحدي ضد السوفييت، أي تحدي؟ كما تعلمون علماؤهم المفتون لا يكادون يعرفون بعض حقائق الإسلام البسيطة، لأنهم تربوا تربية في ظل الحديد والنار والتسلط، وفحصوا ومحصوا حتى أصبح لا يمكن أن يتزعم المسلمون أو يقوم بأمرهم إلا من لا يعرف من الإسلام إلا رسوم معينة يمدح ويثني على الحكومة السوفيتية في كل كلمة أكثر مما يتحدث عن الإسلام والله المستعان.
    يقول: {{ وتدفع هذه العناوين -جميعاً- القارئ للاعتقاد بأن المسلمين في شكل ما ليسوا تهديداً للسوفيت وحدهم بل إنهم حسب ما تصورهم الصحافة الأمريكية تهديداً للبشرية جمعاء }} هذا هو الخطأ.
  2. الأفلام الأمريكية ودورها في التهويل

    كما عملوا بعض الأفلام الأمريكية، ويمكن أنكم سمعتم عنها، والأفلام تترسب في اللاشعور لكنها تأثر على الشعور وعلى الوعي، وهذه أفلام على مدار ثلاث ساعات بعضها يتحدث عن غزو العرب، كيف إذا دخل العرب أمريكا وجاءوا وهم راكبون الجمال، وفيهم قذارة ووساخة -ومعروف كيف يصورون العرب- وكيف يهجمون على نيويورك فينهبونها وينهبوا واشنطن إلى أن يصلوا إلى كاليفورنيا وكيف يفعلون ويفعلون، فتتشوه صورة الإنسان المسلم عند الملايين من الناس، وإن كان بعضهم يراها نوع من السذاجة أو النكتة فلا يتصور وقوعها.
    لكن هذه الأشياء إذا ترسبت في اللاشعور تتحول إلى حقائق واعية فيما بعد.
    إن من عجائب ما ذكر في الصحافة الأمريكية ما نشر في صحيفة النيويورك تايمز يقول: {{ إن المتطرف يأتي إلى الصحراء }} ومعلوم أنهم قد تحدثوا عن الأرمن والمسلمين والنصارى، وذكروا أن المسلمين في الاتحاد السوفييتي يسكنون في الصحراء، وأما النصارى فيسكنون في الغابات، واستنتجوا من هذا قاعدة، تقول صحيفة النيويورك تايمز: '' إن المتطرف يأتي من الصحراء، والمبدع يأتي من الغابات، وربما كان هذا هو الفارق الأكبر بين الشرق والغرب'' الفرق بين الشرق الغرب أن الشرقي يأتي من الصحراء فيكون متطرفاً أصولياً، أما الغربي فيأتي من الغابات فيكون مبدعاً ومتحضراً.
    ومن الغرائب أيضاً التي تحدثت عنها الصحافة الأمريكية، تقول: {{ أوردت الصحف الغربية أواخر كانون الثاني يناير وأوائل الشهر الماضي شباط أن من وصفتهم بمتطرفين سياسيين في أذربيجان -متطرف أو أصولي معروف ماذا يراد بهذا- يقول: قد يستولون على أسلحة ذرية في مواقع خارج عاصمة جمهورية باكو وهذه إحدى المناطق التي تزيد على العشر، وفيها مواقع لمخزونات للأسلحة الذرية في أراضي الاتحاد السوفييتي إلى أن يقول: وهذا تلميح واضح إلى أن احتمال وقوع هذه الأسلحة الذرية في أيدي متطرفون مسلمين يعتبر تهديداً خاصاً للبشرية }} ولاحظوا: أن المسلمين لو تحركوا في الاتحاد السوفييتي... وإلى الآن ليس لهم حركة ذات شأن، يمكن أن يسيطروا على مناطق ذرية؛ فإذا سيطروا عليها فإن هذا يشكل تهديداً للبشرية، سبحان الله! الآن ما يقارب ثلاثين دولة في العالم تملك أسلحة ذرية نووية، لكن الخطر فقط على الإنسانية من أين؟ من أن لو امتلك ذلك السلاح المسلمون، وتذكرون ماذا قيل عندما عملت باكستان مفاعلاً نووياً، وما قيل عن ضياء الحق، وأن هذه كما قال هنري كيسنجر: هذه قنبلة إسلامية، وأعلن الحرب الصليبية عليها، إلى آخر تلك الأوصاف، وظلت الأحداث تجري حتى قتلوه وجاءوا بهذه الموالية الرافضية التي تاريخها وحياتها معروف لديهم هناك في أمريكا.
    ويقول: مايكل سابا: وهذا أيضاً أسلوبٌ لترسيخ رواية القنبلة الإسلامية وخطرها على العالم المتمدن، وهي الرواية التي دأب على سردها مراراً وتكراراً الخبراء الاستراتيجيون العاملون لصالح إسرائيل، فحقيقة الأمر أن إسرائيل تشكل بالفعل تهديداً نووياً لبقية دول العالم.
    يقول: الحقيقة أن التهديد النووي تشكله دولة إسرائيل، لكن المتهم المظلوم هو هذا العالم الإسلامي المسكين.
    ويقول: ويحتمل أن تتردد القصة الجديدة عن الخطر الإسلامي على العالم المتمدن أكثر فأكثر للمستقبل.
    ثم قال: وقد نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن دبلوماسيين في أثينا قولهم: {{ إن هناك قلاقل متزايدة في اليونان وبلغاريا حيال الاضطرابات بين الأقليات المسلمة هناك }}.
    وبهذه المناسبة فإن دولة ألبانيا، الدولة الاشتراكية أو الشيوعية الوحيدة التي أكثرية سكانها مسلمون في أوروبا، إلى الآن هذه الدولة ما رأينا فيها بروستريكا، ولا حصل فيها أي شيء؛ لأن الأكثرية مسلمة، على ضعف إسلامهم وفهمهم له، لكن لا يراد لها أن تحصل على شيء حصلت عليه الجمهوريات في جميع أوروبا الشرقية؛ وهي دويلة صغيرة لا وزن لها في العالم، ومع ذلك حرمت من هذا الحق، ومما أعطيت جميع الدول.
    والآن تشكو اليونان وبلغاريا من الاضطرابات التي قد تجعلها دول مواجهة في أوروبا ضد انتشار التطرف الإسلامي! سبحان الله، فأمروا المسلم أن يغير اسمه وجوباً، ويعقد عقد زواجه في الكنيسة، ومن الصلاة، يمنع من الحصول على أي كتاب إسلامي، ويمنع من آداء الحج أو العمرة، ويمنع من أي شيء من دينه، ومع ذلك يقول المسئولون في تلك الدول: إننا الآن دول مواجهه بالنسبة لـأوروبا لأننا نحن على الجبهة الشرقية في مواجهة التطرف الإسلامي الذي يهدد أوروبا.