المادة    
قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ:
[وغايةُ شُبهتهُم أنهم يقولون: يَلزمُ مِنه التشبيه والتجسيم؟
فيُقال لهم: إذا قلنا: إنَّهُ تَعَالَى يَتَكلَّمُ كَما يليقُ بِجَلالهِ انتفتْ شُبهتُهم. ألا ترى أنه تَعَالَى قَالَ: ((الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ))[يّـس:65] فَنحنُ نُؤمنُ أنَّها تكَلَّم، ولا نعلم كيف تتكلم، وكذا قوله تعالى: ((وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ))[فصلت:21] وكذلك تسبيح الحصا والطعام وسلام الحجر كل ذلك بلا فم يخرج منه الصوت الصاعد من الرئة المعتمد عَلَى مقاطع الحروف.
وإلى هذا أشار الشيخ -رَحِمَهُ اللهُ- بقوله: "منه بدا بلا كيفية قولاً"، أي ظهر منه ولا ندري كيفية تكلمه به، وأكد هذا المعنى بقوله "قولاً"، أتى بالمصدر المعرف للحقيقة، كما أكد الله تَعَالَى التكليم بالمصدر المثبت للحقيقة النافي للمجاز في قوله:
((وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً))[النساء:164]. فماذا بعد الحق إلا الضلال؟!
ولقد قال بعضهم لـأبي عمرو بن العلاء -أحد القراء السبعة-: أُرِيدُ أَنْ تَقرأ:
((وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى))[النساء:164] بنصب اسم الله، ليكون موسى هو المتكلم لا الله! فقال أبو عمرو: هب أني قرأت هذه الآية كذا، فكيف تصنع بقوله تعالى:
((وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ))[الأعراف:143]؟ فبهت المعتزلي!] إهـ.

الشرح:
شبهتهم متكررة قلّ أن يتركها أهل البدع في جميع صفات الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وهي أنهم يأتون بلوازم تخترعها عقولهم الكليلة القاصرة في حق الله تعالى، فيقولون يلزم كذا ويلزم كذا إِلَى غير ذلك. ونذكر ما حدث لـابن فورك عند دخوله عَلَى المجاهد محمود بن سبكتكين الذي فتح أكثر بلاد الهند.
فكان ذات مرة يتكلم وعنده أحد علماء أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ فسأل عن علو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فأنكر ابن فورك ذلك وهو من أئمة الأشعرية في التأويل ألف كتاب مشكل الحديث وبيانه كله تأويلات.
فَقَالَ لـمحمود وهو سلطان قائد عسكري فاتح لا يعرف علم الكلام ولا يعرف الأدلة واستنباطاتها: يلزمك إذا أثبتَّ له فوق أن تثبت له تحت، فَقَالَ له محمود السلطان بكل بساطة وهدوء: أنا لا يلزمني شيء؛ لأنه هو الذي أخبر أنه فوق، فأنا أقولُ بما أَخبرَ، أي إن كَانَ هناك ما يلزمني فيلزمه هو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لأنه هو الذي قال ذلك، وهل بإمكان أحد أن يلزم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بشيء!
فيقول يا رب: أثبتَّ لنفسك العلو فيلزمك أن تثبت كذا عياذاً بالله!! فهذا هو الجواب الفطري الصحيح عَلَى جميع شبهاتهم وضلالاتهم، وكل الإلزامات، وكل الإيرادات التي يوردونها تنتفي وتنتهي عندما نقول: إن هذا كلام الله وكلام رسوله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمن أراد منكم أن يلزم فليلزمهما، أما نَحْنُ فلا يلزمنا شيء إلا أنه يلزمنا أن نؤمن بكلام الله ورسوله.
  1. شبهة من قال: إن إثبات الكلام لله تعالى يلزم منه التشبيه والتعطيل

  2. الرد على هذه الشبهة

  3. ثبوت تكليم الله لأهل الجنة وغيرهم

  4. من أدلة تكليم الله عز وجل لمن يشاء من خلقه

  5. رد شبهتهم في الاستدلال بقوله تعالى: (( الله خالق كل شيء ))

  6. قول المعتزلة في خلق أفعال العباد والرد عليهم

  7. كلام الله غير مخلوق لأن بكلامه يكون الخلق

  8. الفرق بين الخلق والأمر

  9. رد شبتهتهم أن المتكلم هو من قام به الكلام لا من فعل الكلام