السؤال: كيف يتحقق عذاب القبر أو نعيمه لمن مات حرقاً مثلما يفعله كفار الهند عندما يحرقون موتاهم حتى يصبحوا رماداً، ويقومون بنثره في البحر، أو عندما يموت أحد كأن يأكله حوت -مثلاً- أفيدونا؟
الجواب: أولاً: هذا من أمر الغيب, وكل شيء أخبر به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نؤمن ونصدق به, شاهدناه أم لم نشاهده، ولا نقول: كيف! ففي أمر الغيب لا نقول كيف، ولكن نسلم.
ثانياً: إن القبر كلمة تطلق على الدار التي بين الدنيا والآخرة، وبعض الناس يفهم فقط أن القبر هو هذه الحفرة، فالقبر معناه البرزخ: ((وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ))[المؤمنون:100] فمعناه الدار التي بين الدارين, والبرزخ بين الدارين -بين الدنيا والآخرة- فإن كان حرقاً, أو في البحر, أو في أي مكان, فيقال في قبره، أي: في داره التي هي بين الدارين، لكن لأن الأغلب أن الناس يدفنون في الحالات الطبيعية في القبور، فيطلق القبر عليها على سبيل التغليب.
ثالثاً: أن الله تبارك وتعالى ضرب لنا أمثلة, وهي كثيرة جداً, ولكن نأخذ مثلاً واحداً منها: ((اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ))[الزمر:42].
فالموت موتان: موت كامل كلي, وهو الذي نسميه نحن الموت, والموت الآخر موت جزئي ناقص وهو: النوم، وفي الآية دليل على هذا.
فقد تجد إنساناً نائماً, فتقول: اتركوه يرتاح, فإذا أيقظته, قال لك: يا ليتك أيقظتني قبل قليل, فتقول له: لماذا؟ يقول: كنت في مصيبة, وفي كرب, فمثلاً رأى أنه غرق في البحر, وأنت كنت تراه أمامك جثة هادئة، وهو يعاني من هذه الرؤيا, ويقوم متعباً, يجد الإرهاق والإجهاد, كأنه فعلاً كان يصارع البحر، سبحان الله العظيم! وتقول له: كان قصدي أن ترتاح.
فهذا مثل وعبرة من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وكذلك في القبر, تمر على القبور, فتقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، ولكن ما أدراك ماذا ينال هذا الميت من العذاب أو النعيم، نسأل الله العفو والعافية ونسأل الله لنا ولكم النعيم, ونعوذ بالله من عذاب القبر وجحيمه.
فهذه الوفاة التي تحدث لنا جميعاً كل يوم -وهي النوم- نعتبر منها بالوفاة الأخرى، فنحن نرى المقابر, أو نرى جنازة, لكن هذا في غاية النعيم, وذاك في غاية العذاب -والعياذ بالله- كما أن بعض الناس يرى في منامه رؤيا حسنة، ويقول: ليتك تركتني، فقد كنت في سعادة ونعيم, ويقول الآخر: ليتك أيقظتني, فقد كنت في شقاء وعذاب, وهكذا، مع أن الحال أمامك واحد، والأمثلة كثيرة جداً ولكن نكتفي بهذا.
ونكرر القول الأول: أن المسألة إيمان، وأول ما وصف الله تعالى المؤمنين، قال: ((الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ))[البقرة:3] فنؤمن بالغيب, حتى ولو كانت أفهامنا وعقولنا تقصر عن إدراك حقائقه، فالرجل الذي {قال لأولاده إذا مت فأحرقوني ثم اطحنوني ثم ذروا نصفي في البحر, ونصفي في البر، فوالله لو قدر الله عليَّ ليعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين، فجمعه الله تعالى بقوله: ((إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ))[يس:82]، فقال الله تبارك وتعالى له: يا عبدي! لما فعلت ذلك، قال: خوفك يا رب، فغفر الله له}.
الشاهد أنه مهما نقول: هذا في البحر, وهذا في البر، هي مسألة كن وانتهى الأمر, والله تبارك وتعالى قادر على كل شيء سبحانه.