المادة    
  1. أسباب الفجـوة بين الشباب الملتزم وكبار السن

     المرفق    
    السؤال: غالباً ما تحدث فجوة بين الشاب الملتزم وبين كبار السن، فماهي الأسباب وكيف نتجاوز هذه الفجوة؟
    الجواب: الأسباب كثيرة: منها ما يتعلق بالشاب، ومنها ما يتعلق بالكبار، والأمة الإسلامية لا تعرف هذا الانفصال الذي يُدَّعى دائماً بين الكبار والصغار، وبعض الناس يؤصلون هذا الانفصال، وينسبون إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "لا ترغموا أبناءكم على أن يعيشوا كحياتكم، فإنهم ولدوا لزمان غير زمانكم" أو ما أشبه ذلك، وهذا الحديث باطل وكذب لم يقله الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وليس في ديننا أن الشباب لهم رأي، وأن الكبار أو الشيوخ لهم رأي ووجهة أخرى، فلا نفترض هذا التعارض أو التضاد حتى لا نفكر كيف يجتمع هذا وهذا.
    وإن من حكمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن جعل في الشباب طاقات، وهذه الطاقات توجهها حكمة الكبار، وتجاربهم؛ فالأمة جسد واحد، وكل عضو من هذا الجسد لـه قيمته وله دوره؛ فبعض الشباب قد لا يحسن أسلوب الدعوة، ولا يحسن التعامل -وكثيراً ما ننبه ولا نمل من هذا التكرار- إلى الإحسان في المعاملة وحسن الخلق، ولا سيما مع الوالدين الذين قال الله تبارك وتعالى فيهما: ((وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً)) [لقمان:15] فإذا كانا كافرين، ويجاهدانك على الكفر، وأُمرتَ بأن تصاحبهما في الدنيا معروفاً؛ فكيف بهما إذا كانا مؤمنين، ولكن لديهما بعض الأخطاء أو الانحرافات أو التقصير؟!
    فلا بد من الرفق والإحسان، ومن ناحية أخرى يجب على الكبار أن يتفهموا أيضاً مشاكل الشباب، وألاَّ يقيسوا الأمور من خلال مفاهيم وتقاليد ورثوها، ربما تكون خاطئة، وربما تكون بحاجة إلى تعديل، وربما يكون ما عند الشباب خير.
    لكن في بعض أمور الدين حقيقة، فالكبار ربما يكونون أكثر محافظةً على الصلاة -مثلاً- من الشباب، ولكن من جانب آخر، فالشباب أكثر إتقاناً لواجبات الصلاة وسننها وآدابها من الكبار، وهذا لا يعني الاختلاف، إنما يعني أن الابن يصحب أباه كلما استيقظ الأب وذهب إلى المسجد، والأب يأخذ من ابنه كيف يصلي، ولا يقل: (عشرون سنة وأنا أصلي هكذا، وأنت تأتي وتقول لي كذا) بل اقبل منه يا أخي، اقبل من ابنك؛ لأنه يعلم ما لا تعلم أنت، فلا بد من الإحسان والرفق والتفاهم من الطرفين.
  2. تقلب حال المسلم في الطاعة بين الفتور والصحوة

     المرفق    
    السؤال: فضيلة الشيخ: حينما أكون مع الشباب الصالح أكون نشيطاً، ولكن إذا ذهبت إلى منـزلي وإلى المدرسة أُصبح سلبياً، فهل هذه ازدواجية في شخصيتي؟
    وبماذا تنصحون؟
    الجواب: نرجو ألاَّ تكون ازدواجية، وإنما تكون كحال حنظلة رضي الله عنه كما تعلمون حديثه مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولهذا قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {ولكن ساعة وساعة}.
    القلب البشري مشدود ومرتبط بالأرض، فالإنسان خلق منها؛ ولذلك هناك نوازع ودوافع تدفع الإنسان إليها، وهذا من حكمة الله؛ ليكون هو موضع الإبتلاء من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لهذا العبد أيرتفع أم يهبط؟
    والإنسان لا يستقر على حال، ولو أن كل إنسان عرف الإيمان واليقين والتوحيد استقر عليه؛ ما تفاضل الناس في الإيمان هذا التفاضل، ولا تفاضلت موازينهم يوم القيامة؛ لكن من الناس من يأتيه اليقين ثم يضعف ثم قد يفقده -عياذاً بالله- ومنهم من يأتيه الشك أيضاً ثم يضعف، ثم يذهب ويحل محله اليقين وهكذا، فالنفس الإنسانية لا تستقر على حال.
    ومن هنا أُمر الإنسان دائماً أن يتعاهد إيمانه، وأن يجدده وأن يحرص عليه؛ فإن من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة: أن الإيمان يزيد وينقص، لكن الواجب عليك يا أخي أن تأخذ من حال إقبالك لحال إدبارك، ومن حال يقينك لحال شكك، ومن حال قراءتك لكتاب الله وتلذذك به وتلذذك بالدعاء والمناجاة والضراعة، أن تأخذ من ذلك وتستبقي إلى الحالات التي تجد نفسك فيها قاسي القلب، لا ترى الخشوع، ولا تحس بلذة الضراعة ولا لذة المناجاة.
    هذا هو الواجب، وينبغي للإنسان أن يتعامل مع هذه النفس، وكثيراً ما يشكو الإخوان من هذه الظاهرة، وكثيراً ما تحدثنا عنها، وتحدث عنها العلماء رحمهم الله قبلنا.
  3. خطر الخلاف بين الدعاة والملتزمين ووجوب الالتزام بالقدوة الصالحة

     المرفق    
    السؤال: أنا شاب التزمت بدين الله -والحمد لله- ولكني فوجئت بواقع الشباب؛ حيث أنهم يعيب كل منهم الآخر، فكاد هذا الأمر أن يصرفني عن الالتزام وعن الطريق المستقيم، فما توجيهكم؟
    الجواب: هذا جزء مما أشرنا إليه من التناقض، فالتربية إن لم تكن مضطردة، فلا شك أنها سوف توقع الشاب في الحيرة والربكة والتناقض، فإذا كان المدرسون متناقضين أو أن البيت يتناقض مع المدرسة يقع الشاب في الحيرة؛ فكيف إذا كان التناقض بين من هم في نظر الشاب يمثلون الخير والصلاح والاستقامة؟
    ولا يعني ذلك أنه لا يوجد خلافات بين العلماء أو بين الدعاة فإنها موجودة، لكن ما فائدة أن تعرض هذه الأمور أمام الشباب؟!
    وما فائدة أن ينتقد الشباب بعضهم بعضاً، أو أن ينتقد بعض الدعاة بعضاً، أو أن ينتقد بعض الشباب بعض الدعاة أو العلماء أمام هذا الشاب الذي هو أحوج ما يكون أن يصلب عوده، ويقوى إيمانه في معرفة الحق والخير والتمسك.
    فالواجب والأساس هو: أن ندعو الشباب إلى التمسك بالكتاب والسنة إلى الحق لا إلى الرجال فنحن بالحق نعرف الرجال، وليس بالرجال نعرف الحق -أي أن المعيار هو الحق لا الرجال- فإذا أصَّلَت هذه القضية عنده أي: الشاب الملتزم واستوعبها وفهمها وتربى عليها، ثم علَّمته أدب الخلاف، وعلَّمته أن الأمة الآن متفرقة، وأنها تُخترق من أعدائها ولكن الحق واحد، وأن الطريق إلى الحق يمكن الوصول إليه -والحمد لله- بانتهاج منهج السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم بالاستدلال والسؤال وكذا وكذا، فإذا تعلم الشاب وعرف ذلك؛ فإنه عندما تعرض عليه العوارض يكون لديه المنهج والميزان.
    لكن أن نبدأ بتعليمه المشاكل، وليس لديه ميزان ثابت، فهذا -وأقولها بكل ألم وأسف- أَوجد نوعاً من الشباب الذين انحرف بعد الهداية، وارتد بعد الاستقامة -نسأل الله العفو والعافية- لأنها أمور تُؤدِّي إلى خلل كبير في التربية، وتفقد الشاب القدوة؛ ومن طبيعة الشباب التعلق بالنموذج.
    فهذه قضية يجب علينا أن نعيها، فهي المدخل الذي دخل منه المجرمون والمفسدون؛ فعلموا الشباب أن النموذج هو لاعب الكرة، أو أن النموذج هو الممثل.
    فلا بد للشباب من نموذج يحبه كشيخ أو داعية أو عالم.. وهكذا، فبقدر ما تمس أنت هذا النموذج، فإنك تُحطِّم الأمل الذي لديه؛ ولذا يجب أن نربيهم على ألاَّ يتعلقوا بالأشخاص؛ لأنه لا يمكن أن نستأصل من قلوبهم ومن فطرتهم ومن عواطفهم التعلق بنموذج معين حي أو ميت، ولهذا نقول: إن النموذج الذي يجب أن نتبعه جميعاً هو رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وأن الحي لا تؤمن عليه الفتنة.
    ومن الضوابط التي لا تخفى -إن شاء الله- ألاَّ نحاول تحطيم هذا الشاب بضرب النموذج الذي يحبه أو يميل إليه، ما دام هذا النموذج من أهل السنة والجماعة، وهذا الشرط الأساس الذي لا نتعداه.
    أما إن كان من أهل البدع، وله مناهج بدعية منحرفة، فهذا لا يصلح أن يكون نموذجاً، بل ليس عضواً فضلاً عن أن يكون نموذجاً.
  4. الانشغال بعيوب الآخرين وعلاجه

     المرفق    
    السؤال يقول: أجد نفسي شغوفاً بتقصي عيوب الآخرين متناسياً عيوب نفسي، فهل من علاجٍ لذلك؟
    الجواب: نسأل الله أن يشفيك يا أخي، وأن يشفينا جميعاً، اللهم يا رب! نسألك أن تؤتي نفوسنا تقواها، وأن تزكيها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
    إن هذا من شر الأدواء الذي يصيب طلاب العلم -نسأل الله العفو والعافية- فشر الناس من شُغِلَ بعيوب غيره عن عيوب نفسه، وكما قال بعض السلف الصالح: ''علامة إعراض الله عز وجل عن العبد أن يشغله بما لا يعنيه'' وقال الآخر: ''كانوا ينهون عن فضول النظر كما ينهون عن فضول الكلام''، فكان السلف الصالح -رضوان الله تبارك وتعالى عليهم- يُربون تلاميذهم وأمتهم على ذلك؛ فكان عمر رضي الله عنه يُربي الأمة كلها من فوق المنبر فيقول: [[رحم الله امرأً أهدى إليَّ عيوبي]] فعرف أولئك الأخيار الأطهار أن الذي يضرك هو عيبك أنت، وأن الذي يسيء إليك هو ذنبك أنت لا ذنوب الناس وعيوبهم.
    إنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لولا أنه يضرنا تركه لما قمنا به، وهذا هو المحمل الصحيح لقول الله تبارك وتعالى: ((لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ))[المائدة:105] أي: إذا قمتم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلا يضركم، ولكن الله تبارك وتعالى أمرنا أن نأمر بالمعروف وأن ننهى عن المنكر وندعو إلى الله، وأن نقول للكافر: أنت كافر، وللمبتدع: أنت مبتدع، وللظالم: أنت ظالم؛ لأن الله أمرنا بذلك ففعلنا، وإلا لو لم يأمرنا به لكفانا ظلم أنفسنا وعيب أنفسنا وما فينا من شرك -عياذاً بالله- أو بدعة أو تقصير عن غيرنا.
    أمَّا أن يصل الأمر إلى أن هذه الشهوة النفسية الموجودة لدى كثير من الشباب تُشبع وتثار، فيصبح بعضهم يتتبع عورات المسلمين، ويتتبع عورات وسقطات العلماء أو الدعاة، ويُربىَّ على ذلك؛ فهذا من أسوأ أنواع التربية، وهذا مرض خطير نسأل الله العفو والعافية، وأُبشِّر من قد يربي الشباب على هذا بأن الدور سيأتي عليه:
    فلا تغضبن من سيرة أنت سرتها             وأول راضٍ سيرة من يسيرها
    وتأكدوا أن أي إنسان يطعن وينال ممن يقوم بالدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وإن أخطئوا -وكلنا عرضة للخطأ- لكن من يكون هذا همه؛ فإن الله سيسلط عليه من يفضحه؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: {من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن يتتبع الله عورته يفضحه ولو كان في جوف رحله} نسأل الله العفو والعافية.
    حرصٌ على تتبع الأخطاء ففلان قال فيه كذا، وهذا وقع في كذا، وهذا عيبه كذا سبحان الله العظيم يا إخواني! حتى أئمتنا الأجلاء الكبار الأئمة الأربعة الذين أجمعت الأمة على إمامتهم لديهم أخطاء؛ فهل يحسن أن نعرضها على الناس، وأن نقوم في المسجد ونقول: الإمام مالك أخطأ في كذا وكذا، والشافعي قال كذا.
    فالأشياء واضحة جداً ولا نريد أن نخوض في شيء وننهى عن الذي نقول، وكمثال على ذلك -وهذا الذي يقع دائماً بعد شهر رمضان- الإمام مالك رحمه الله -إمام دار الهجرة وهو المحدث المشهور الذي ورث هذا العلم العظيم، وأورثه للدنيا كلها- كان يكره صيام الست من شوال، فهل نعدها من السقطات عياذاً بالله؟ أو نقول شيئاً غير ذلك؟
    فهؤلاء الأئمة، فكيف بالعلماء من دونهم وكيف بطلاب العلم؟
    فالذين يتتبعون هذه المثالب والعورات، ويحبون تتبع عيوب الآخرين؛ يجب أن يعلموا أنهم واقعون في هذا الخطر العظيم، وسيلقون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فنخشى أن يلقوا الله مثل "الرجل المفلس" الذي أخبر عنه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
    {أتدرون من المفلس؟!
    قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع.
    قال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بحسنات مثل جبال تهامة، ولكن يأتي وقد ضرب هذا، وظلم هذا، وشتم هذا، وقذف هذا، وأخذ مال هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته -مقابل ما فعل وما انتهك- فإن نفدت حسناته يؤخذ من سيئاتهم فتطرح عليه فيلقى في النار
    } نسأل الله العفو والعافية.
    فاحذروا يا شباب -بارك الله فيكم- واحذر يا أخي؛ حتى مع أهلك في البيت إذا بدأت زوجتك أو أمك تقول: فلانة، فقل لها: لا يا أمي! هذه غيبة، فعلِّم نفسك وعلِّم إخوانك، ولا تذكر مسلماً بشيء أبداً، وإن كان من زملائك أو كائناً من يكون، إلا ما اقتضت بذلك مصلحة شرعية لا مصلحة نفسية أو ذاتية، فبعض الناس يخلط بينهما فيقول: أنا لا أقصد إلا الشرع، اختبر نفسك فإذا كان غرضك الشرع؛ فعلامة ذلك أن تنتقد هذه الكلمة أو هذا الموقف من أي شخص كان، أما أن تنتقدها إن كانت من فلان، فإن جاءت من غيره فإنك تغض الطرف عنه، فاعلم أن الأمر لنفسك وليس لربك، فكل واحد منا يختبر نفسه، والله تعالى حسيبه.
  5. واجب شباب الصحوة في التضحية في سبيل الله

     المرفق    
    السؤال يقول: شباب الصحوة -والحمد لله- كثير، ولكن يفتقد كثير منهم -ونحن منهم- التضحية لهذا الدين، فكيف نجعل في أنفسنا هذه السمة؟
    الجواب: نعم هذا حق، ونسال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يوفقنا جميعاً للقيام بهذا الواجب، وأن يكون همنا حين نمسي وحين نصبح هو رضاه سبحانه والدعوة إليه والعمل لأجله؛ فالمؤمن الحقيقي هو الذي يكون هذا حاله؛ ولذلك يضحي، لأنه عرف أنه ما خلق إلا لهذا، وما ائتمنه الله تبارك وتعالى بالعلم إلا لهذا.
    ولذلك كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مضحين غاية التضحية، فضحوا بالأوقات رضي الله تعالى عنهم وضحوا بأنفسهم في سبيل الله، وماتوا شهداء، وكذلك ضحوا بالعلاقات، وقطعوا كل الأواصر والتواصل مع أقرب الناس إليهم، إذا لم يكونوا كما شرع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
    أما نحن فحقاً هذا موجود لدينا -عدم التضحية- لضعف إيماننا وقلة يقيننا، وتشعب همومنا، فليس همنا واحداً، وعندما قال ابن القيم رحمه الله:
    فَلِواحدٍ كن واحداً في واحدٍ أعني طريق الحق والإيمان
    فلواحد: هو الله تبارك وتعالى، وكن واحداً: أي كن أمة لا تتشكك ولا تتشعب أيضاً؛ في واحد: أي في طريق واحد وهو طريق الحق وطريق الإيمان.
    نحن الآن: يُزاحم هذا الهم -هم الدعوة، وهم رضى الله تبارك وتعالى، والعمل للدار الآخرة- يزاحمه العمل للدنيا والوظيفة، وحظ النفس، وحب الراحة والإخلاد إلى الكسل، كلها تزاحم هذا الهم؛ ولذلك يجب أن نضحي، ويجب على الشباب أن يتعود على التضحية.
    فنقول: ضحِ يا أخي بوقتك، وضحِ بمالك، وأنفق في سبيل الله عز وجل؛ ولو أن تشتري شريطاً أو كتاباً أو أن تشتري ورقة تكتب فيها إعلاناً أو تصور إعلاناً من إعلانات الدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
    ضحِّ ولو بسمعتك؛ فلماذا قال الله تبارك وتعالى: ((وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ)) [المائدة:54]؟!
    لأن اللُّوام كثير؛ فهذا يقول:جن الرجل! وهذا يقول: أصابه الخبل! وذاك يقول: ترك وظيفته من أجل الدعوة!! وهذا يقول: ضحى بنفسه! فكل واحدٍ سيلومه، ولكن ضحِ بكل هذا، ولا يهمك إلا أن تكون فعلاً كما يرضي الله، فإن أرضيت الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كفاك الله تعالى عن كل ما عداه، نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا وإياكم للجهاد والتضحية والبذل له وفي سبيله.
  6. توحيد الله وما يتبعه من لوازم هي قضية الأمة بأجمعها

     المرفق    
    السؤال: لقد ذكرت أن الشباب إذا اهتموا بقضيتهم فإنهم يُنتجون، فما هي قضيتنا حتى ننتج؟
    الجواب: قضيتنا هي توحيد الله وعبادة الله، ومن ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، وإقامة هذا الدين في الأرض، والاهتمام بأمر المسلمين؛ لأن {من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم}، فهم {كالجسد الواحد} كما ذكر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذه قضية المؤمن؛ بل قضية كل إنسان يريد أن يسعى إلى رضى الله، وأن يقدم مرضاة الله على هوى النفس وعلى حظها، وأن يقدم في الدنيا ما يقربه في الدار الآخرة، ويرفعه الله أو يقدمه في هذه الحياة الدنيا؛ وأن يحب لإخوانه المسلمين ما يحب لنفسه، وأن يوالي في الله، ويعادي في الله.
    فهذه قضية أو جوانب من القضية الرئيسية الكبرى؛ ثم تندرج تحتها الواجبات مما فرض الله تعالى علينا القيام به جميعاً، من صلاة وزكاة وصيام وحج وجهاد وكل ما شرع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فلو لم يكن عند المسلمين إلا سنةً من سنن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأهملت أو أميتت أو تركها الناس؛ فإنه يجب علينا أن نحييها، فكيف إذا أُهمل التوحيد؟!
    وكيف إذا أهملت أركان الإسلام؟!
    إذاً يجب أن نجاهد لكي نحيي ما أمات الناس، ونصلح ما أفسد الناس، لتكون فينا صفة الغرباء الذين أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن حالهم وبينه، فهي قضية واحدة، وتستطيع أن تجعلها قضايا كثيرة بحسب التخصص والتأهل، فقضية العلماء غير قضية العامة، وقضية المتخصص في جانب معين غير قضية من يتقن جانباً آخر، قضية التاجر المسلم -صاحب المال- غير قضية صاحب العلم، فصاحب العلم يؤلف، ويدحض الشبهات، ويبين البدع، ويكشف الضلالات، ويقيم الحجة؛ أما التاجر المسلم فقضيته أن ينفق وأن يعطي، ويمد الجمعيات الإسلامية التي على الكتاب والسنة ومنهج السلف، وأن يبني المدارس والمساجد.. وهكذا.
    فكلٌ منا له قضية بحسب موقعه الذي أعطاه الله، فقضية المدير في إدراته أو الوزير في وزارته أو الحاكم في دولته هي إقامة دين الله، وإقامة حدود الله -إقامة فرائض الله بحسب ولايته التي أعطاه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وكذلك قضية الزوجة في بيتها: أن تحفظ نفسها وتطيع ربها وتطيع زوجها وتربي أبنائها؛ وكل هذا قد جعله الله تعالى على التفصيل أيضاً، فكل منا لـه قضيته، لكن في الجملة قضية الأمة قضية واحدة، وهي توحيد الله تعالى، وكذلك القضايا الأساسية الأخرى المتفرعة عنه.
  7. وسائل تفعيل قضية التوحيد والدعوة إلى الله

     المرفق    
    السؤال: ألا تظن أن المعرفة الذهنية لهذه القضية موجودة؟
    ولكن ماهي الوسيلة لجعلها يقيناً يتحرك من أجلها كل مسلم؟
    الجواب: نعم. يكون ذلك باستشعار المسئولية التي سوف يسألك الله تبارك وتعالى عنها يوم القيامة؛ وكما ألمحنا أن كل منا مسؤول عن هذه القضية، وعن هذا الهم، وإذا علمت أن الله تعالى سيسألك بحسب علمك أو بذلك أو الجانب الذي أعطاك؛ وأن الله تبارك وتعالى إن أعطاك المال فليبتليك ويختبرك، وإن أعطاك العلم فلذلك أيضاً، وإن أعطاك ما أعطاك، فإنما أعطاك كل ذلك لتقوم بحقه تبارك وتعالى فيه بأقل شيء وهو -كما نقول دائماً وهو الذي لا نملك نحن أن نعتذر عنه- أن ندعو الله تبارك وتعالى، فعمل القلب مهم، كحب الأخيار، وحب الصالحين، وحب الدعاة إلى الله، والدعاء لهم بأن يحفظهم الله، وأن ينصرهم، وأن يؤيدهم، وكذلك حب إخواننا المجاهدين -في كل مكان- والداعين إلى الكتاب والسنة في كل مكان أيضاً، ودعاء الله تبارك وتعالى لهم، والذب عن أعراضهم.
    وأيضاً: كُره المنكرات وأهلها، والبدع والضلالات ومن دعا إليها، ودعاء الله تبارك وتعالى أن يهديهم أو يهلكهم، فإن هذا أمر قلبي.
    أما أن المؤمن يعيش فيصبح ويمسي وهمه الدنيا والمطعم والمشرب والوظيفة والزوجة والسيارة، ولا يهمه رضى الله، ولا توحيده، ولا طاعته، ولا نشر السنة، ولا نشر الحق والخير؛ فهذا الذي -في الحقيقة- يجب عليه أن يعيد النظر، وكل منا حسيب نفسه بأن يعيد النظر ليختبر إيمانه ويجدده، لينال رضى الله وينال جنة الله تبارك وتعالى.
    فاتقوا الله، واعملوا أن هذه الأعمار ثمينة، فوالله إن الإنسان يوم القيامة سيندم، ويتمنى لو أنه يجد دقيقة واحدة يقول فيها: سبحان الله أو الحمد لله أو لا إله إلا الله أو الله أكبر، لأن هذه غراس في الجنة؛ فإذا رأى أن غراس أخيه أكثر من غراسه، تمنى ولو دقيقة ولو لحظة ليعود، قال تعالى: ((رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ)) [المؤمنون:99-100] فيتمنى أن يعود إلى الدنيا ليقول: (أشهد أن لا إله إلا الله).
    فهذا العمر ثمين جداً، ولكنه يُضاع، وأعظم طاقات الأمة تُضاع في اللهو وفي اللعب، ولو أن أحداً بدد ثروات الأمة، ونهب بترولها، ودمر مدنها؛ لغضبنا جميعاً.
    فوالله إن طاقات الشباب، وأعمارهم، وأوقاتهم، أثمن وأغلى من البترول، ومن كل حضارة مادية ننجزها؛ ومن كان يخالفنا في هذا فليس بيننا وبينه اتفاق في شيء.