المادة    
الحمد لله رب العالمين، ونصلي ونسلم على خير خلق الله أجمعين، محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: إنه بقدر اتساع مشاكل الشباب، وهمومهم، وواجباتهم، وكذلك بقدر واجبنا نحوهم؛ يكون موضوع (مسئولية الشباب) موضوعاً واسعاً جداً، لا يمكن بأي حالٍ أن يستوعبه كلام عابر في لقاء محدود؛ بل يجب أن يكون قضية عامة في أي مجلس، وأن تخصص لـه مراكز وأجهزة ومؤسسات لدراسته؛ ولا سيما في هذا العصر المعقد.
  1. زيادة الشباب في أمتنا الإسلامية وقلتهم في الغرب

    إن أولى البشائر التي نبشر بها إخواننا الشباب، أن هذه الأمة أمةٌ شابة في جملتها وفي مجموع حياتها؛ ثم إنها أمة شابة في واقعها الذي تعيشه الآن وفي هذه الظروف، فأكثر أمم الأرض شباباً هي الأمة الإسلامية والحمد لله.
    كانت أكثر الأمم عدداً في أوائل هذا القرن هي أمم الغرب، فقد كانت دول الغرب تعد بعشرات الملايين؛ في حين كانت بعض الدول الإسلامية مثل: مصر -قبل مائة سنة- كانت خمسة أو ستة ملايين فقط، بينما كانت بريطانيا تزيد على 20 مليوناً، وكذلك فرنسا وأمثالها.
    فكانت أمم الغرب أكثر أمم الأرض شباباً، ولكن من حكمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن أترف هؤلاء في الحياة الدنيا، وأعطاهم زينة ومتاعاً يستدرجهم به، ويمهلهم حتى يأتي اليوم الذي يأخذهم فيه أخذ عزيز مقتدر.
    لقد جاء الوقت الذي اشتغلت فيه هذه الأمم بلذاتها وشهواتها من جهة، ومن جهة أخرى استفاقت أمتنا -والحمد لله- واستيقظت، والعوامل في ذلك كثيرة - عوامل انحدار أولئك، وعوامل إفاقة هذه الأمة- لا مجال لعرضها، وهناك عوامل أوسع وأعم من عوامل الانحدار أو الإفاقة، وهي عوامل بشرية بحتة.
    فهذه العوامل بجملتها أدت إلى أن تصبح الأمة الإسلامية هي -والحمد لله- أكثر أمم الأرض شباباً؛ ولو أخذنا مثالاً على ذلك تركيا -مثلاً- سكانها الآن أكثر من 70 مليوناً، نسبة الشباب فيهم عالية جداً، لا تكاد تقارن هذه النسبة لو قارناها بـألمانيا وتركيا، فهما أكثر دولتين بينهما نوع من العلاقة العمالية وما أشبه ذلك؛ حتى إن ألمانيا لما أرادت أن تضع إعانات لزيادة عدد السكان كان أكثر من حصل على هذه الإعانات هم العمال الأتراك، الذين يعملون في ألمانيا.
    إذن نحن أمام خير كثير -والحمد لله- فالأمة شابة، نحمد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عليها؛ لكن هذا يستتبع مشكلات ومسؤوليات وتبعات كثيرة جداً، فمن يربي هؤلاء الشباب ومن يوجههم ويقومهم؟
    قبْل أيام قليلة فقط أصدرت الأمم المتحدة بياناً عن الإحصاء العام للعالم، وذكرت أنه في نهاية عام (2000م) سيصبح عدد المسلمين (ألف وستمائة مليون).
  2. أحوال المجتمع وواجبه تجاه الشباب

    إننا لو افترضنا أن الشباب فقط (ستمائة مليون) معنى هذا أن الشباب المسلم وحده سوف يكون أكثر من عدد سكان أوروبا بشيوخها وشبابها وصغيرها وكبيرها، وهذا يستتبع مسئولية عظيمة جداً؛ فهم يخافون منا، ونحن إلى الآن لم ندرك قيمتنا، ولم نعرف واجبنا، ولم نضع نوعاً من الأسس العامة لتربية هذا الشباب واحتضانه؛ بل إن أكثر ما عندنا من توجيه للشباب هو: لوم هؤلاء الشباب، فإن تحدثنا عن الشباب فباللوم، فالشباب المنحرف يلام من الدعاة ومن الشباب المستقيمين؛ ومن الوعاظ، والخطباء، ومن رجال الأمن، ومن كل من يهمه صلاح المجتمع، ومن كل من يصطلي بنار الفساد والانحراف الذي يأتي من قبل هؤلاء الشباب، فنجد اللوم الشديد لهم، وهذا الكلام هو بالنسبة إلى الشباب المنحرف، وأما الشباب المستقيم، فإنه يذم ويطعن فيه، ويتهم بالتهم التي لا تخفى على أمثالكم.
    إذاً فعماد الأمة، وقوام وجودها، وأساس نهضتها -بإذن الله تبارك وتعالى- هم الشباب المستقيم، فكيف توجه إليهم التهم من كل مكان؟!
    فإن تعرض متعرض أو متحدث لواقع الشباب، فأول ما ينصرف إلى أن الشباب لا يقدرون المسئولية، والشباب لا يقوم بواجباته، ويعزف عن الأعمال الضرورية للأمة والمجتمع إلى أعمال أخرى، ويضيع أوقاته و.. وهكذا؛ لكن أين البديل؟
    أين ما خُطِّط له ليكون هذا الشباب كما نريد من الاستقامة؟
    وكما يريد الله تبارك وتعالى لـه؟
    نحن نعيش في هذا الوضع الحرج الصعب، وحال شبابنا أشبه ما يكون بقول القائل:
    ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له            إياك إياك أن تبتل بالماء