المادة    
عندما نقرأ سورة البقرة، فإننا نقرأ تفصيل ما قرأنا في سورة الفاتحة، فماذا نجد في سورة البقرة؟ كم فيها من الحديث عن بني إسرائيل! أخبار كثيرة عن بني إسرائيل بنوعيهم: اليهود والنصارى، وإن كان الحديث عن اليهود أكثر، وهنا سؤال هام وهو: لماذا خصت الأمة اليهودية بالغضب؟ ولماذا وكيف عاندوا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟.
  1. صور من ضلال اليهود

    عندما نقرأ قصة اليهود تقشعر منها قلوب المؤمنين، فنجد أن الله -تبارك وتعالى- ينجيهم من فرعون وملئه وقومه، ويهيئ لهم طريقاً في البحر يبساً، بعد أن أدركهم العدو، وقالوا: (( إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ))[الشعراء:61] وينجيهم الله تبارك وتعالى ويخرجون إلى البر، ويغرق عدوهم ويهلكه، ماذا قالوا بعد ذلك؟
    هل شكروا الله؟
    هل استقاموا على دين الله؟
    هل اتبعوا رسول الله موسى عليه السلام؟
    لا، وجدوا أناساً يعبدون الأصنام، أولئك في مصر يعبدون فرعون، ووجدوا هؤلاء يعبدون أصناماً، فحكى الله عنهم: ((قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً)) [الأعراف:138].
    سبحان الله العظيم! أين نعمة الله؟!
    وأين توحيده؟!
    وشكره؟!
    طلبوا إلهاً كما أن لأولئك آلهة.
    ثم يذهب موسى عليه السلام ليتلقى التوراة، ويتلقى الألواح من الله عز وجل، ويغيب عنهم أربعين ليلة، ويأتي وإذا بـالسامري الضال قد ابتدع لهم بدعة، وصرفهم من التوحيد إلى الشرك، هذا السامري قبض قبضةً من أثر الرسول، أي: أخذ قبضة من أثر الرسول، وصنع العجل الذهبي، وقال: هذا إلهكم وإله موسى، وصدقه أكثرهم وآمنوا به وعبدوا العجل، وما يزالون إلى اليوم؛ فرقة من اليهود تسمى -السامرة أو السامريون، سبحان الله العظيم يعبدون العجل!
    وحدثت لهم الأحداث بعد ذلك؛ فقالوا: أرنا الله جهرة، ثم أعطاهم المن والسلوى، فقالوا: لا نريد المن والسلوى، نريد البقل والقثاء والفول والعدس، وعندما أمرهم الله أن يذبحوا بقرة: ((إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً)) [البقرة:67] أي: خذوا بقرة واذبحوها، أخذوا يتعنتون ويتشرطون، ثم في الأخير: ((فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ)) [البقرة:71] أخيراً بعد العناد وبعد المشادة ما كادوا يفعلون ذلك.
    ولا نريد أن نطيل في الحديث عن هذه الأمة إلا لنأخذ العبرة، إذاً ما هي الصفة التي نلمحها في اليهود؟ أنهم يعصون الله -عز وجل- ويشركون بالله على علم، كما قال علي -رضي الله تعالى عنه-: [[ما جفت أقدامهم من ماء البحر حتى قالوا: (( اجْعَل لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ))[الأعراف:138] وما غاب عنهم موسى عليه السلام إلا أربعين ليلة حتى عبدوا العجل!]].
    هؤلاء الناس يأمرهم الله عز وجل أن يدخلوا القرية الأرض المقدسة ويعدهم بالنصر؛ فيقولون لموسى: ((فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ)) [المائدة:24] هذا خذلان! نعوذ بالله من الخذلان، دين الله بين أيديهم، وكليم الله يهديهم ويدعوهم، ولكنهم قومٌ معرضون، فأعرضوا عن علم.
    ولهذا قال الإمام الجليل سفيان بن عيينة -رضي الله تعالى عنه- وهي منقولة أيضاً عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حبر هذه الأمة قال: ''من ضل من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن ضل من عبادنا ففيه شبه من النصارى'' .
    فقولنا ((اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ)) [الفاتحة:6-7] لا نريد الضلال على علم -مثل ضلال اليهود- ولا نريد عبادة الله تعالى بالجهل والضلال عن طريق الجهل وهو عبادة النصارى وطريق النصارى، إنما نريد طريق الذين أنعم الله عليهم، الذين ذكرهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في الآية الأخرى: ((فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً)) [النساء:69] وهذا هو الصراط المستقيم.
  2. أهل الكلام شابهوا اليهود في الضلال

    وأصحاب الضلال الذين ضلوا عن طريق العلم لهم نموذجٌ في هذه الأمة كثير، فمن أعظم النماذج أصحاب الكلام الذين يسمون علماء الكلام، الذين جعلوا دين الله عز وجل فلسفات وأموراً معقدة وغامضة، وأدخلوا فيه كلام اليونان وقواعدهم المنطقية، وأشباهها من الأمور التي يطلع عليها المختصون، ووصل غبارها إلى العامة أيضاً في كل أمر من الأمور، هؤلاء أشبه شيء بالأمة المغضوب عليها التي عصت الله عز وجل على علم.
    وهؤلاء يقولون: إن الدين ليس اتباعاً، فلا نأخذه بالوحي، ويقولون: إن النصوص من الكتاب والسنة لا تفيد اليقين -نعوذ بالله- من أين نأخذ اليقين؟ قالوا: اليقين في القواطع العلمية، وفي البراهين النظرية التي تتفتق عنها عقولهم، أما نصوص الكتاب والسنة فهي ظواهر ظنية، هكذا يقولون وهكذا سول لهم شيطانهم والعياذ بالله.
    ونضرب مثالاً فقط ليفهمه الجميع: علو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على خلقه، هل أحد ينكر أنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فوق العالمين وفوق العرش؟ كما قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)) [طه:5].
    وأوضح من الاستواء: العلو نفسه، الفطرة الموجودة في كل إنسان تشهد أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في العلو، في السماء فوق العالم، فجاء هؤلاء وكابروا الفطرة وجحدوها وأنكروها، وقالوا: البراهين العقلية لا تدل على أنه في السماء، كما أخبر -والعياذ بالله- وردوا كل الآيات وكل الأحاديث، وقالوا: هو لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته، ولا عن يمينه ولا عن شماله نسأل الله العافية.
    يقول شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية: لو قيل لأحد عرِّف العدم فعرفه بهذا، فقال: لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته ولا يمينه ولا شماله لما كان أتمّ من ذلك، لكن هؤلاء يقولون: هذه هي القواطع والبراهين العقلية.
    إذاً فالمتبع لديهم ليس كتاب الله ولا سنة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، المتبع هو عقولهم وآراؤهم، ولهذا عاشوا في حيرة عظيمة.
    هؤلاء أصحاب العقول وهم كثير في الناس حتى من العامة -إلا من رحم الله- تقول لهم: قال الله وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيقول لك: لكن هذا -في عقلي- لا يمكن! في عقلك.. سبحان الله! وهل أحالنا الله عز وجل للعقول؟!
    أرسطو وأفلاطون وهؤلاء الذين يأخذون عنهم هذه العقول وغيرهم من الفلاسفة، كانوا موجودين قبل بعثة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أليس كذلك؟ لو أن هؤلاء لديهم الهدى، ولديهم الخير، والحق وسبيل الرشاد، ما احتاج الناس إلى أن يبعث الله تعالى إليهم نبيه محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أما وقد بعثه الله وأمر أن نتبعه فإن كل ما عدا شريعته ضلال، مهما كان قائله، لو أن العقول تشرع في دين الله، وتشرع في صفات الله، وتشرع في أمور التوحيد، لكان هذا شرك.
    ويقول لك أحد العامة: ليس هذا شرك، وهذا ظاهر بالعقل، فأنا لا أعتقد أن غير الله يؤثر، بل التأثير كله لله، لكن هذا واسطة! فنقول: ما هو الدليل؟ هل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرنا أن نتوسل بالأموات وبأصحاب القبور؟ فسيقول: لا يوجد دليل، ولكن هذا واضح بالعقل والفكر، فبذلك رجعنا لقضية اتباع الهوى، واتباع الخرص والظن، وإن سموه عقلاً، فوقعوا في الحيرة، ووقعوا في الضلال.
    وكل من خاض في علم الكلام وهذه الأمور الجدلية بغير هدىً من الله، ندم وحار وضل وتخبط، والسعيد منهم والناجي منهم الذي قال عند الموت، كما قال الجويني: لقد ركبت البحر الخضم وخضت فيما نهى عنه علماء الإسلام، وهأنذا أموت على دين عجائز نيسابور، فالويل لـابن الجويني إن لم يغفر له الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
    فهذا يموت على دين العجائز -يعني الفطرة الأولى- ترك البحر الخضم وما خاض فيه، فكل ما كان مخالفاً لشرع الله عز وجل وإن سميت فلسفات وإن سميت علوماً: علم اجتماع، علم نفس، علم اقتصاد، علم سياسة، القضية ليست قضية العلم، ولا تسمية العلم.
    فالسحر تعلمه كفر، هكذا قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ((حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ)) [البقرة:102] المعلمان هاروت وماروت هما أول من علم الناس السحر، يقولان: هل تريد أن تتعلم السحر؟ يقول: نعم، فيقولون: إنما نحن فتنة فلا تكفر، أي: لو علمناك تكفر. فالسحر إذاً كفر، ومع ذلك، سماه الله علماً.
    إذاً القضية ليست قضية علم فقط، ولكن هل هذا العلم اتباع؟ وهل هو وحي من الله؟ هل هذا العلم مما كان عليه السلف الصالح؟ هذا هو الأساس، وإلا فالعلوم كثيرة، ولكن المعيار هو كتاب الله وسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    فإذاً يشبه أمة اليهود من هذه الأمة الذين يعرضون عن دين الله، وعن كتاب الله عز وجل على علم.
    الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جعل لنا هذا البيت قال تعالى: ((وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً)) [البقرة:125] وجعلنا نقبل هذا الحجر الأسود، وقد شرع ذلك لنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومع ذلك يقول عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه-: {والله إني لأعلم أنك حجرٌ لا تضر ولا تنفع؛ ولولا أني رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبلك ما قبلتك} هذا هو الحجر الأسود، النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكرم وأعز على الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من الحجر الأسود بلا ريب، هل جلس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجعل كفه حجراً أسود يقبل ويستلم من غير تشريع الله؟ هل فعل ذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ لا! لم يفعله.
    فإذا جاء من يحملون الشهادات العلمية، ومن يكتبون المؤلفات الكبيرة، ويجعلون أكفهم كالحجر الأسود يستلم ويقبل، وينحني الإنسان ويقبل ويذهب ويجلس، فهذا ينطبق عليه ما ينطبق على الأمة الغضبية الأمة اليهودية أنها عصت الله على علم، يعلمون أن هذا لم يشرعه الله ولم يأذن به الله، ومع ذلك يفعلونه، يستعبدون المريد الذي يسمونه مريداً من دون الله، ويريدون أن يحولوه إلى شيطانٍ مريد على شرع الله وعلى أمر الله.
    حتى قال قائلهم: إذا أمرك الشيخ بأمرٍ فلا تعصه، وكن بين يدي الشيخ كالميت بين يدي الغاسل، هكذا يقول أئمة الصوفية أئمة الضلال، يجب على المريد أن يكون بين يدي الشيخ كالميت بين يدي الغاسل يقلبه كيف يشاء، حتى لو أمره بفاحشة، قالوا: لأن الشيخ أعلم، ربما يرى أن في صالحه أن يفعل تلك الفاحشة، فيندم ويتوب ويكون أفضل له، وأفضل لحاله نعوذ بالله من الضلال.
    فيعلمون أن الله حرم هذا ويأمرون به، ويعلمون أن هذا من البدع ويفعلونه، من أجل المتاع القليل، ومن أجل أن يأكلوا أموال الناس بالباطل كما حكى الله عنهم: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)) [التوبة:34] ومن أجل أن يُعظَّموا بالباطل، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: ((اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ)) [التوبة:31].
    فالأمة الغضبية اتخذت الأحبار، وأمة الضلال اتخذت الرهبان آلهةً من دون الله، قال تعالى: ((وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ)) [الحديد:27] ابتدعوا هذه الرهبانية، ولم يتبعوا ما أنزل الله، وإنما ابتدعوا شيئاً ما كتبه الله، ومع ذلك قال تعالى: ((فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا)) [الحديد:27].
  3. الخوارج والصوفية شابهوا النصارى

    لقد وجد في هذه الأمة نموذج الضلال الذين عبدوا الله على جهل، وإن كانوا يريدون الحق، ومنهم الخوارج، ولما دخل أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكرام -أبو سعيد وابن عباس- إلى معسكرهم خشعت قلوبهم من كثرة ما سمعوا من أنين الخوارج بالقرآن، يتهجدون بالقرآن كلهم، وفي جباههم وأيديهم مثل الثفنة التي تكون في ركبة البعير من كثرة العبادة والاجتهاد، ولكن هل نفعهم ذلك شيئاً؟
    النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: {لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عادٍ وثمود} وقد قاتلهم أصحابه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى قتلوا منهم قرابة أربعة آلاف في معركة واحدة، وأجمع الصحابة رضوان الله تعالى عليهم وهم أعلم الناس بدين الله على قتال الخوارج، يقاتلون أناساً هذه حالهم، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {تحقرون عبادتكم إلى عبادتهم وقراءتكم إلى قراءتهم} يقاتلوهم وهم بهذه الحال؛ لأن هذه العبادة وهذه القراءة على ضلال وجهل بالدين؛ فهم بهذه الحال مثل رهبان النصارى.
    والفرق الأخرى التي وجدت كانت أيضاً بتأثير مباشر من الأمتين أمة الغضب وأمة الضلالة، عافانا الله وإياكم منهما! وهدانا إلى الصراط المستقيم.
    عندما قال أهل الكلام: إن المرجع في الدين ليس كتاب الله ولا سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما هو العقل، جاء أناس آخرون، وقالوا: ليس المرجع العقل، بل المرجع الكشف الذي يقع في القلوب، علم المكاشفة، والعلم اللدني. ما هو العلم اللدني؟ وما هي المكاشفة؟ قالوا: نتيجة الذكر، والعبادة، والسهر يوحى إليك في المنام، ويلقى إليك كلام في قلبك فتعلم أن هذا هو الصراط المستقيم، وهذا هو الصحيح، وهذا هو الدين فتتبعه.
    الواحد من أئمتهم يقول: أُلقي في قلبي أن نعمل الذكر الفلاني، فُيسأل كم مرة يا شيخ؟ قال: عشرة آلاف مرة، فإذا قيل له: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: بعد الصلاة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر مائة مرة، قال: لا، بل عشرة آلاف مرة، ثم إن الشيخ يلقى إليه في وقت آخر أذكار ليست باللغة العربية أصلاً، ثم إذا جاء عنده المريض كتب له حجاباً، وقال له: علقه على صدرك، ولو فتحت الحجاب لرأيت مربعات ومثلثات، وكلمات ليست عربية.
    ما هذا؟ أي علم هذا؟ قالوا: هذا من العلم اللدني، ومن الكشف، وإن سألتهم عن القرآن والسنة، قالوا: هذا العلم الظاهر، فهم يسمون الكتاب والسنة بالعلم الظاهر، فالعوام الذين يقرءون القرآن يمشون على الظاهر، أما أرباب الحقائق وأرباب المكاشفات (الأولياء) فهؤلاء يتبعون العلم اللدني، والعلم الكشفي.
    وإذا قلت لهم: هذا الحديث ضعيف، أو موضوع، مثل أحاديث فضائل رجب، وأحاديث زيارة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { من حج ولم يزرني فقد جفاني }، { من زارني وجبت له شفاعتي } وأحاديث كثيرة موضوعة، قالوا: هذا الحديث وإن قال علماء الجرح والتعديل أنه موضوع، لكن صححه الأئمة والأقطاب عن طريق الكشف.
    إذاً عندنا معيار آخر نصحح به الأحاديث ونضعفها، وهو طريق الكشف، كل واحد يأتينا بكشف غير الآخر؛ لأن هؤلاء شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً، وكل شيطان يكاشف وليه من شياطين الإنس بما لم يكاشف به الشيطان الآخر، فتكثر الضلالات، والبدع، وتكثر الطرق.
    كم طريقة اليوم في العالم الإسلامي؟ كثيرة جداً، وكل طريقة تتفرع إلى طرق، الطريقة القادرية هي أكبر الطرق، والقادرية عدة طرق، كل شيخ يشقق الطريقة إلى طرق، والله عز وجل يقول: ((وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً )) [الأنعام:153] فهو صراط واحد فقط وقال: (( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ))[الفاتحة:6] وقال: (( فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ ))[الأنعام:153] لا تتبعوا هذه الطرق، وهذه الطرق هي السبل، وهي التي لما رسم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخط المستقيم، رسم خطوطاً على يمينه وعلى شماله، فـالخوارج وأئمة الصوفية وكل من عبد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالجهل وتعبده بالبدعة -وإن جاهد وقاتل وصام وإن صلّى وإن زعم الولاية- هؤلاء أعمالهم باطلة وليسوا على الصراط المستقيم.
  4. الصوفية جمعوا بين نوعي الضلالة

    ويتحقق في حق الصوفية وأتباعهم كلا النوعين، فمنهم نوعٌ يلحق باليهود، وهم الذين عصوا الله عز وجل على علم، ونوع آخر يلحق بالنصارى، وهم الذين عبدوا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على جهل، وهؤلاء أناس موجودون اليوم، لو سألت من هدى الله منهم؛ لقال لك: إنه كان يجلس ليلة كاملة يقول: سبحان الله أو الحمد لله، طوال الليل كله، وكان يعد أحد عشر ألف مرة، لابد أن يكمل أحد عشر ألف مرة، وأحياناً يقول له الشيخ: سبعة آلاف مرة، فلابد أن يكمل سبعة آلاف مرة.
    كيف يتعبدون هذه العبادة الطويلة؟ أليس عندك كتاب من كتب الأذكار؟ كالأذكار التي تقال بعد الصلاة؟ مثل تحفة الأخيار، وهو كتاب صغير معروف لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله وأمد في عمره ونفعنا بعلمه، وفيه أذكار نبوية، وهو منتشر، لكنهم لم يسمعوا به؛ لأنهم لا يتلقون إلا من الشيخ يقول: عشرة آلاف، فيقولون: عشرة آلاف، ولو كان الله سبحانه ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالا مائة! لقال هو: جعلناها عشرة آلاف، لأن العشرة الآلاف أكثر من المائة.
    هل صاحب العشرة آلاف مأجور، وصاحب المائة آثم، لأنه أقل؟ لا!
    صلاة المغرب هي ثلاث ركعات، فإذا صليناها ثلاثين ركعة وهي أكثر من ثلاث ركعات، فهل يقبل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذلك منا؟ لا يقبل الله منا قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} أي: فهو مردود غير مقبول، فمهما كان هذا العمل، ومهما ظن صاحبه، ومهما حسن قصد صاحبه، فإنه مردود غير مقبول.