المادة    
ذكر المُصنِّفُ -رَحِمَهُ اللهُ- مراتب المحبة ليبين لنا أن الخلة هي أعلى مراتب المحبة، والمحبة مراتبها كثيرة، ولكلٍ فيها وجهة نظر من حيث ترتيبها وتقسيمها.
فبعض العلماء يرى أن هذه الدرجات من قبيل المترادفات؛ لأن الشعراء العرب عندما يذكرون الحب أو العشق أو الصبابة أو الخلة أو التتيم يذكرونها عَلَى أنها مترادفات، يعطف بعضها عَلَى بعض حسبما تقتضيه ضرورة البيت الشعري، فَيَقُولُ: إنه يحبه أو متيم به... إلخ.
لكن بعض العلماء حاول أن يتلمس فروق بين هذه الأنواع ويجعلها درجات، وهذا هو ما ذكره المُصنِّفُ هنا نقلاً عن الإمام ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى، فإنه حاول أن يُفصّل هذه الأنواع وهذه الأقسام، وأشار إِلَى ذلك أيضاً شَيْخ الإِسْلامِ ابْن تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ.
  1. العلاقة

    أول مراتب المحبة هي: التعلق، أو العلاقة ومعناها: وجود علاقة بين طرفين، وهذه هي الدرجة الدنيا في المحبة، وقد وردت في شعر العرب، كما يقول قال الأعشى:

    عُلّقتها عرضا وعَلِّقت رَجُلاً            غيري وعُلِّق أخرى ذلك الرَّجُل

    فعُلق وتعلَّق بمعنى أحب.
    وعُلِّقتها: أي حُبِّبْت إلي وأحببتُها وحُبِّبْتُ فيها.
    وعُلِّقت رجلاً غيري، أي وهي تعلقت رجلاً آخر.
    وعُلِّق أخرى ذلك الرجل: والرجل تعلق امرأة أخرى، أي: أحب تلك المرأة الأخرى، والعلاقة لم ترد في صفات الله تعالى، فلا يجوز لأحد أن يقول تعلقت الله، ولا يقول: إن الله تعلقه.

  2. الإرادة

    والثانية: الإرادة وهي ميل القلب إِلَى المحبوب وطلبه له، وقد وردت الإرادة بمعنى المحبة لله، فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقول((وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ))[الكهف:28] فجاءت الإرادة في حق الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو أعظم مراد، ولهذا كَانَ أيُّ عملٍ خالص لوجه الله، فإنه يُقَالَ: إنه أريد به وجه الله، فالذين يريدون وجهه في قوله تعالى: ((ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّه)) [الروم:38] أي: يحبونه ويطلبونه، فهو مرادهم ومتمناهم وغايتهم، فأعظم غاية وأعظم مراد وأعظم مطلوب هو وجه الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وكذلك إذا قلنا: إن الله يريد منا الصلاة أو يريد منا الصيام، أو يريد كذا مما شرعه الله.
    فمعنى ذلك أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يحبه ويطلبه منا، كما سبق في أقسام الإرادة.
  3. الصبابة

    والثالثة: الصبابة وقد جاءت في أشعار العرب، والعرب كانوا يسمون المحب صباً، فيُقَالُ: فلانٌ صبٌ، أي: محب عاشق مُتيّمٌ إِلَى آخر هذه الأوصاف؛ لأنها مشتقة من انصباب القلب وتوجهه وميله.
    فكأن صاحبه لا يملكه وإنما هو منصب مثل انصباب الماء في المنحدر فلا يملكه صاحبه، والصبابة لا تطلق عَلَى الله عَزَّ وَجَلَّ لا منه ولا إليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
  4. الغرام

    والمرتبة الرابعة: الغرام، ومعناه: الحب الملازم للقلب كملازمة الغريم للغريم، يُقالُ: فلانٌ غَرِيمُ فلان، يعني خصمه الملازم له، الذي لا يدعه ولا يفكه، ولذلك قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في سورة الفرقان في الحديث عن جهنم: ((وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً))[الفرقان:65] أي: ملازماً دائماً، نسأل الله العفو والعافية، ولهذا لا يوصف الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالغرام وكذلك لا توصف محبة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالغرام.
    وهذه الأوصاف يستخدمها الصوفية، ولهذا يأتون إِلَى قصيدة قالها أحد الشعراء في حبيبته، فيأخذونها ويجعلونها في حق الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، كما هي تماماً مثل قول الشبلي:
    إنَّ بيتاً أنتَ ساكنُهُ            غيرُ محتاجٍ إِلَى السُرج
    وجهكَ المأمونُ حُجتنَّا            يومَ يأتي النَّاس بالحججِ
    هذه أصلها قصيدة قالها أحد الشعراء في محبوبته، يقول: إن البيت الذي هي فيه لا يحتاج إِلَى سراج، وأن وجهها حجته يوم يأتي النَّاس بالحجج، يعني: إذا سأله الله لماذا ضيعت الفرائض وضيعت الطاعات، ما هي حجتك في دنياك؟ فَيَقُولُ: هذه هي الحجة، فوجدوا أن الأنسب في المعنى أن يكون وجه الله هو الحجة يوم يأتي النَّاس بالحجج، وفعلاً من حيث المناسبة إن الشاعر بالغ حيث جعل وجه محبوبته هو الوجه المأمون وهو الحجة، لكنهم جاءوا بها كما هي وجعلوها في حق الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ونتج عن معنى البيت الأول:
    إنَّ بيتاً أنتَ ساكنُهُ            غيرُ محتاجٍ إِلَى السُرج
    اعتقادُ أنه تَبَارَكَ وَتَعَالَى يحل في البيوت، كما يحل غيره تَعَالَى الله عن ذلك علواً كبيراً، وهم إذ يقولون هذا البيت وأمثاله، إن جاءهم أحد من أهل السنة وسألهم: لماذا تطلقون هذا عَلَى الله؟
    قالوا: نَحْنُ لا نعتقد هذا، ولا نقصد الحلول، وإنما استشهدنا ببيت من كلام العرب.
    بينما التلاميذ والمريدون حينما يقولونه تقع في قلوبهم هذه المعاني وتثبت وهو أنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يحل حيثما كانوا موجودين وأمثلة ذلك كثيرة.
    فكانوا يأتون إِلَى أرق الأشعار مثل أشعار مهيار الديلمي وأشعار عمر بن أبي ربيعة، ويجعلون أبياتهم الشعرية التي تغزلوا بها في من أحبوها من النساء العشيقات في حق الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولذلك ينبغي لنا أن نعرف ما هي الألفاظ التي يجوز أن تستخدم في حق الله عَزَّ وَجَلَّ، وما هي الألفاظ التي لا يجوز أن تستخدم في حقه تعالى
  5. المودة

    الخامسة مرتبة المودة: والود: هو صفو المحبة ولُبُّها؛ لأن خلاصة المحبة يسمى وداً، وقد جَاءَ هذا في القُرْآن يقول تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً))[مريم:96] ومن صفاته تَعَالَى الودود، فهو ودود جل شأنه، وهذه من الصفات التي وردت وثبتت له سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
  6. الشغف

    والمرتبة السادسة هي الشغف، يقولون: باطن القلب الرقيق جداً هذا هو شغافه، فما ملك شغاف القلب، ووصل إليه فهذا غاية المحبة وأعلى مما سبق من المراتب، وقد جَاءَ ذلك في القُرْآن الكريم عند الحديث عن امرأة العزيز في حبها ليوسف عَلَيْهِ السَّلام عَلَى لسان النسوة اللاتى في المدينة، قلن: ((قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً))[يوسف:30] يعني وصلت محبته في قلبها إِلَى شغاف القلب وباطنه، فتمكنت بحيث لا يمكن أن تخرج، ولا يمكن أن تغادره، ولا يمكن أن تنسى هذا الحب ولا أن تلتفت عنه.
  7. العشق

    المرتبة السابعة العشق: وهو الحب المفرط الذي يخاف عَلَى صاحبه منه، وقد وقع غرائب منه لكثير من الشعراء مثل قيس وليلى، وأمثالهم من العشاق حتى يصل بهم الأمر -نسأل الله السلامة والعافية- إِلَى حد أنه يكون كالمجنون يتبعها أينما ذهبت، يهيم بها فينشد الأشعار فيها وهو في كل مكان؛ لأن عشقها قد تمكن في قلبه حتى قال المجنون:
    أُصلي فلا أدري إذا ما ذكرتها            أثنتين صليت العشاء أم ثمانيا
    وما بي إشراك ولكن حبها            وعظم الهوى أعيى الطبيب المداويا
    نسأل الله العافية، يقول: أنا لا أشرك بالله؛ لكنني عندما أصلي لا أدري أصليتُ اثنتين أو ثمانيا؛ لأن قلبه قد شغله العشق ومحبة هذه المعشوقة حتى نسي كل شيء، هذا الوصف بهذه اللفظة أيضاً لا يطلق عَلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فلا يُقَالَ: إن الله يعشق أحداً، ولا يجوز أيضاً أن يُقَالَ: إن أحداً يعشق الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فهذا لا يليق؛ لأن هذه الكلمة بالذات هي أكثر الأسماء دلالة عَلَى المحبة الشهوانية والحب الإباحي.
    فإذا قيل: عشق أو معشوق فهو الحب الشهواني الإباحي وهذا ينـزه عنه الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى علواً كبيراً- وكذلك بالنسبة للمخلوقين، ومع ذلك فإن الصوفية يستخدمون هذه اللفظة كثيراً جداً في حق الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى علواً كبيراً، ويستخدمونها في حق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيضاً، حتى أن بعضهم يكتبها عَلَى ورقة ويلصقها عَلَى البيت وعلى السيارة هكذا (عاشق النبي يصلي عليه) سُبْحانَ اللَّه!
    كيف يُقال عاشق النبي؟ كيف تُستخدم هذه اللفظة التي يستخدمها الإباحيون والشهوانيون في حقه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
    فضلاً عن كون هذه الطريقة بدعية، وحجتهم أنهم يقولون: لنذكرالنَّاس بالصلاة عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

    ولذلك لما قَالَ المُصنِّفُ هنا: [وإن كَانَ قد أطلقه بعضهم] يقصد الصوفية، ثُمَّ يذكر أن العلماء أو الباحثين اختلفوا في سبب منع إطلاق العشق عَلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى منه وإليه، فقيل: لأنه لم يرد وهذا كلام صحيح.
    وقيل: غير ذلك، ولعل امتناع إطلاقه أن العشق محبة مع شهوة، ولا تعارض بين السببين؛ لأنه أولاً: لم يرد، وما لم يرد لا نطلقه عَلَى الراجح، والأمر الثاني أيضاً: أن العشق كما بينا لا يكون إلا مع الحب الشهواني الإباحي، فهذه اللفظة مستهجنة ومستقذرة في حق الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فلا يجوز أن تطلق عليه.
  8. التَّتِّيم

    المرتبة الثامنة: وهو بمعنى التعبد، وكأن محبة المحبوب قد استعبدت هذا المحب حتى صار متيماً وكثيراً ما ترد هذه الكلمة أيضاً في أشعار العرب، وفي أخبار العشاق، فيُقَالُ: متيم بها، أو تيمتني، ومن أشعار الصوفية في مجالسهم: تيموني هيموني، أي جعلوني متيماً متعلق القلب ... الخ.
    وتَيَّم: معناها عَبَّد، ولذلك يُقَالَ: بنوا تيم الله، وتيم الله قبيلة من أحد أفخاذ قريش التي منها أبو بكر الصديق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فتيم الله معناها: عبد الله، وفلان متيم بالحب أي: مستعبد بالحب وصلت به محبته إِلَى درجة العبودية للمحبوب.
  9. التعبد

    المرتبة التاسعة التعبد: ومعناها أن يصل به الحب إِلَى أن يتعبد تعبداً ويقول إنه عبد، كما في البيت المشهور عن عنترة بن شداد:
    وأنا يا عبل عبد في الهوى            ملك يمناك وفي القرب ابن عم
    يعني هو ابن عمها في النسب، ولكنه في الحب عبد، وكثيراً ما يذكر ذلك الشعراء.
    يقول: وأصبحت في الحب عبدا، أي: أنه قد أصبح في الحب عبداً رقيقاً يملكه المحبوب أو المحبوبة، نسأل الله أن يعافينا وإياكم من هذا الداء الخبيث وكتاب الجواب الكافي لـابن القيم رَحِمَهُ اللَّهُ، كَانَ سبب تأليفه أن رجلاً عشق واجتهد في أن يزيل هذه المصيبة عن قلبه، فلم يستطع ويريد السبيل إِلَى علاجها أو إِلَى حلها.
    فكتب إِلَى ابن القيم رَحِمَهُ اللَّهُ سؤالاً فيه الحياء وفيه اللطف والرقة، قَالَ: ما تقولون رحمكم الله أو ما رأيكم في رجل ابتلي ببلية فصبر وسكت ... الخ، ففهم ابن القيم رَحِمَهُ اللَّهُ المعنى بأنه ابتلي بعشق امرأة وتمكن ذلك من قلبه ولم يستطع أن يفارقه فما هو الحل؟ فكتب الإمام ابن القيم رَحِمَهُ اللَّهُ كتابه: الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي وكان هذا جواباً كافياً فعلاً، تحدث فيه عن أضرار المعاصي جملة وخطرها، ثُمَّ فصل الكلام في ضرر العشق - ومفاسده وفيما يجره عَلَى الإِنسَان، ومن أعظم ما ذكره وما نبه عليه في ذلك أن الإِنسَان إذا تعلق قلبه شيئاً ما وعشقه وأحبه فإنه يذكره عند موته، وعند الخروج من هذه الدنيا والإقبال عَلَى الآخرة، وينسى الأمور الثانوية، ولا يكون في قلبه إلا الشيء الذي كَانَ في دنياه والأساس الذي كَانَ متمكناً من قلبه وشاغلاً ذهنه هو الذي يذكره عند الموت، ولذلك يخشى عَلَى هَؤُلاءِ العشاق أن يموتوا عَلَى غير الإسلام؛ لأن أحدهم يأتيه الموت وهو لا يتذكر إلا هذه المعشوقة أو هذه الحبيبة.
    وذَكَرَ عَلَى ذلك أمثلة من واقع التاريخ مثل الرجل الذي جاءته امرأة تريد حمام، والحمام معروف عند العرب قديماً أنه مكان كبير فيه أدوات النظافة والاستحمام وما أشبه ذلك، فكانت تريد الحمام، وكان بجواره حمام منجاب فوقفت وسألت هذا الرجل، فقالت له: أين حمام منجاب، فَقَالَ لها من هنا، ودلها عَلَى بيته فدخلت البيت ودخل هو معها البيت وأراد أن يفعل بها الفاحشة ولم يستطع، المهم أنه تعلقها من ذلك الوقت، فابتلاه الله بمحبتها فوقعت في قلبه فعمل في ذلك أبياتاً:
    يارب قائلة يوماً وقد سألت            أين الطريق إِلَى حمام منجاب
    وكان يكرر هذه القصيدة، فلما جاءه الموت -نسأل الله السلامة والعافية ونسأل الله لنا ولكم حسن الختام- قالوا له: قل لا إله إلا الله، اذكر الله، فقَالَ:
    يارب قائلة يوماً وقد سألت            أين الطريق إِلَى حمام منجاب
    وما زال والعياذ بالله يكرر هذا البيت حتى قبضه ملك الموت - نسأل الله السلامة والعافية - فهذا داء خطير ابتلى به النَّاس في كل زمان وفي كل مكان، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لما ذكر قصة يوسف عَلَيْهِ السَّلام في القُرْآن ذكر من العبر المستفادة: كيف تتمكن هذه الشهوة، وكيف يكون العشق، وما هو العلاج الذي يتخذ في علاج هذا المرض،
    وسبق أن قلنا: إن التعبد هو: أن يستشعر المحب أنه قد صار عبداً لمحبوبه، وهذه اللفظة تطلق عَلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى منا وهذا معلوم ولا خلاف فيه، لكن -كما تعلمون ولا خلاف في ذلك- لا يطلق عَلَى محبة الله لنا أنها تعبدية، تَعَالَى وجل شأنه عن ذلك.
  10. الخلة

    المرتبة العاشرة الخلة: وهي التي من أجلها جئنا بهذه المراتب، لنصل إِلَى أعلى درجات المحبة وهي الخلة، فالخلة هي أعلى ما يتصور من درجات المحبة، حتى في كلام العرب، يقول الشاعر:
    قد تخللتِ مسلك الروح مني            ولذا سمي الخليل خليلاً
    أي الذي تخللت محبته مسالك القلب ومسالك الروح فهذا يسمى خليل، وأما بالنسبة لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فإن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندما قَالَ: {لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً} لأنه قد اتخذا الله خليلاً، فمحبة الله قد تخللت مسالك الروح منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا يزاحمه أحد من المخلوقين عَلَى الإطلاق، وكذلك بالنسبة لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فإن الله تَعَالَى يحبه محبة لا يحبها أحداً من العالمين، يحب إبراهيم ويحب محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ محبة لا يحبها غيرهما من الناس.
    وأما المعنى اللغوي وهو: التخلل، فلا يكون إلا في حق المخلوقين ليس في حقه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

    هذه هي المراتب العشر، وكما يقول المصنف: [إنه قد قيل فيها غير ذلك]، فقد قيل: إنها من باب المترادفات، وقيل: إن لها تفسيراً آخر، لكن هذا الترتيب من أفضل أنواع الترتيب، ومن تأمله وجد أنه من أحسن ما ذكر في الترتيب.