المادة    
  1. الحداثة وخطرها على المؤمن

     المرفق    
    السؤال: أرجو أن توضح لنا ما معنى الحداثة وما هي خطورتها على الإيمان وعلى المؤمنين؟
    الجواب: الوقت يضيق عن توضيح هذه الفكرة أو الحديث عنها، ولكن لنربطها بموضوعنا السابق من جهتين:
    أولاً: من جهة الغرب الذي نشأت فيه هذه الأفكار: فإنه ما نشأت فيه إلا لأنه لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، فهذه إحدى الصرعات والموضات والموجات الفكرية الوبائية التي اجتاحت الغرب والتي يشكو منها المفكرون الأوروبيون الذين يخافون على بلادهم، فيتخوفون من الحداثة وأشباهها على مجتمعهم؛ لأنها ليست لغة ولا أدب، وهذه معلومة يجب أن يعرفها الجميع، فـالحداثة اتجاه كامل في الحياة، أي: نظرة كاملة إلى الحياة، وهناك كتاب مطبوع بعنوان: ما الحداثة؟ تأليف رجل فرنسي اسمه جنرلي ليسيفر وملخص ما ذكر فيه: '' إن الحداثة هي إشعال الثورة، أو القيام بالثورة، أو تحقيق الثورة الغائبة هنا؛ وغير المكتملة هناك " ما معنى هذا الكلام؟ هذا الكاتب في باريس يكتب ويقول: " > الحداثة هي تحقيق الثورة الغائبة هنا" أي غائبة في باريس غائبة لماذا؟
    لأن باريس ليست شيوعية -كما تعلمون- فـالحزب الاشتراكي يمتلك نصف المقاعد في فرنسا، والشيوعيون يمتلكون بعض المقاعد، ويريدون أن يسيطروا على فرنسا، فالصورة الغائبة في فرنسا فهي غائبة فيها لعدم تحققها، وغير المكتملة هناك أي (في موسكو) لأنهم يعتبرون أن موسكو التي هي رمز الشيوعية ثورتها ناقصة غير مكتملة، لماذا؟ لأن المرحلة التي كتب عنها ماركس لم تتحقق بعد.
    وألخص هذا مما قاله زعيم الحداثة أو مؤسسها في العالم العربي وهو النصيري أبي يوسف يقول: إنها الثورة ضد المجتمع والدين والأسرة والأخلاق، لابد أيضاً من ثورة في الأدب ضد الأدب، وفي المسرح ضد المسرح؛ وثورة في اللغة ضد اللغة، وثورة ضد الدين، المهم ضد كل شيء.
    لأن ماركس أصلاً عندما وضع الشيوعية في القرن الماضي يقول: الشيوعية تمر بمراحل: المرحلة الموجودة الآن في العالم هي تطبيق لمرحلة ما قبل النهاية بالنسبة للشيوعية، والمرحلة التي هي ما قبل النهاية هي أن تسيطر البرولتاريا أو الطبقة الكادحة العاملة وتحكم، وهذه مرحلة، وأما مرحلة ما بعد البرولتاريا فهي مرحلة ألا دولة، وألا سلطة على الإطلاق، وهذه المرحلة لم تصل إليها روسيا، ولهذا ليسيفر يقول: ''الثورة الواقعة غير مكتملة في موسكو، لأنها لم تأتِ بعد مرحلة ألا دولة وألا سلطة وهي كذلك، مفقودة في باريس'' فأي مصيبة يريد هؤلاء الناس أن يوصلونا إليها، فإذا كانت باريس لا شيء وموسكو ناقصة؛ فمن أين يأتي هذا الكمال؟ إنه أمر خطير ومع ذلك أقول: ما هي إلا موضة من موضات كثيرة، وما هي إلا أسلوب من أساليب كثيرة لهدم هذا الدين، ولهدم هذه الأمة ولتمزيقها، وتحتاج منا إلى مقاومة وهذه المقاومة موجودة في الشرق والغرب، وأما المجتمعات الإسلامية إذا كانت مجتمعات إسلامية حقة فلن تجد هذه الموضات ولا ما أشبهها موضع قدم فيها، وهل يوجد شاب مؤمن مسلم يقيم صلاته ودينه يمكن أن يتأثر بهذه الأفكار! لا يمكن أبداً.
    فالوقاية منها ليست وقاية من هذه المشكلة الخبيثة فقط، بل إن الوقاية من كل مشكلة ومن كل خطر وغزو في أن نربي مجتمعنا على الإيمان الصحيح والعقيدة الصحيحة والكتاب والسنة، وحينئذ نبحث في هذه الأفكار.
    أتدرون أن من جماعات الحداثة في باريس وهي أكبر مركز في الحداثة: جمعية الضفادع! وهم شباب متخنفسون يهملون شعورهم ويعيشون في حالة مزرية، وينسبون أنفسهم لجمعية الضفادع!! ويقابلهم جمعية أخرى اسمها جمعية الخنازير كذلك يعيشون في حالة سيئة جداً يتسكعون في الشوارع، ويتعاطون المخدرات، وينامون على الأرصفة، هذه من شيم الحداثة في باريس وأمثالها، وهذه هي الحالة التي وصلوا إليها!
    فهل يمكن أن يفكر مؤمن أن يكون في هذه الحال يوم من الأيام عياذاً بالله، لا يمكن فإذاً مع خواء الإيمان تقع أمثال هذه الأمور، ومع ضعف العقيدة ومع عدم وضوحها لكن مع وجود العقيدة الصحيحة ومع عرض كل شيء على كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن هذا لا يقع، العامي لا يقبل هذا الكلام مهما كان الأمر؛ لأن النظرة لديه أن كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هما المرجع، لكن الشباب الذين تأثروا بها هم الذين يريدونها إباحية انحلالية، كما قال قائلهم :
    أرضنا الجيد غارقة بالظلام             طوّق الليل أرجاءها وكساها
    بعسجده الهاشمي             فدانت لعاداته معبدا
    وهذا الكلام له مدلول خطير، وقوله (بعسجده) لعله حرفها أو الناسخ وإلا فهو بمسجده، والعسجد هو الذهب، والهاشمي الذي جعل الجزيرة للعرب مسجداً ودانت له وللناس معبداً هو بلا شك الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    فهؤلاء الذين تدرجوا في الفسوق والدعوات الهدامة، من مساواة المرأة بالرجل ثم إلى السفور حتى الأقنعة التي ترتديها النساء هي دخيلة عليها، ويقولون على من تفسخ أخلاقياً: إنه متحرر ومنطلق، فليقل ما شاء، وليفعل ما يحلو له، فيريدون أن تكون محتمعاتهم مجتمعات إباحية مطلقة، لا يريدون سلطة على الإطلاق، لا دين ولا أخلاق ولا رقابة، ورمز هذه الرقابة هي الحدود والقبيلة والأعراف القبلية والعيب والحرام، ورمز هذه الرقابة هم رجال الجوازات ورجال الجمارك، فتدخل الأفلام إلى البلاد من الخارج تحت رقابة رجال الجوازات ورجال الجمارك، وكذلك الكتب الشيعية كذلك فمن الذي يستقبلها؟ إنهم رجال الجوازات ورجال الجمارك، فهم يريدونها إباحية مطلقة، وهذا لن يتحقق أبداً لأن هذه موجة شيطانية ستضمحل بإذن الله، لكن لابد أن نقاومها، فلا نقاومها بالاسم فقط، بل نحاربها ونرد عليها أو نكتب عنها ونقاومها كل المقاومة وبكل فكرة؛ كتربية أنفسنا على كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن خلال وسائل إعلامنا، ومن منابر الخطب والمحاضرات في المساجد، ومن خلال التأليف، ومن كل مكان، فكلنا على ثغرة، ولعل الله أن ينصر هذا الدين بنا، فإذا كنا كذلك فمهما هبت رياح فإنها لن تؤثر بإذن الله على هذه القلعة الحصينة.
    وأسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يبقيها كذلك بإذنه تعالى.
  2. السعادة معنوية أكثر منها حسية

     المرفق    
    السؤال: قال الله تعالى: ((فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى))[طه:123] وقلت معلقاً على هذه الآية: إن الإنسان بقدر معاصيه سوف يشقى في هذه الدنيا، فهل إذا رأينا أي شخص غير سعيد في حياته نقول: إن هذا من معصيته لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، مع العلم أن الله قد يختبر عباده ليعلم الصابرين، فكيف نفرق بين هاتين المسألتين؟
    الجواب: الكلام عن حقيقة الشقاء وحقيقة النكد لا ننظر إليها النظرة الظاهرية، ولكن ننظر إليها من خلال النظرة الحقيقية، إن المؤمن بالله حق الإيمان لو ذهب بصره أو ذهبت نفسه أو أمواله أو أولاده فهو مطمئن وسعيد؛ لأنه يرضى بقضاء الله عز وجل، ويعلم أن هذا ابتلاء، وأن الله تعالى سيعوضه خيراً منها، وأنه يجب عليه أن يصبر وأن ما قدر الله فهو كائن مهما كان محتاطاً، فالمؤمن مطمئن، والإنسان المؤمن إيماناً حقيقياً وهو فقير مدقع بحالة يرثى لها ومع ذلك تجد كلمته وحاله يقول: الحمد لله على كل حال، وهذا من فضل الله، ونحمد الله، ونحن خير من غيرنا، كما أمرنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: {انظروا إلى من أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله} فهو سعيد مطمئن؛ وإن كان ظاهره أمام الناس في الشقاء، فهو يعلم أنه إن كان صرف عنه الناس ففيه خير ((وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ))[البقرة:216] وهذه الآية من قواعد المؤمن، فالصبر والثقة في الله عز وجل واحتساب البلوى عند الله طمأنينة تعوض الإنسان، ولا يجدها الكافر أبداً ولا يشعر بها لأنه فاقد لهذه النعمة.
    وكم من الناس اهتدى إلى الإيمان لما أصيب بمصيبة أو بمرض، وكم من الناس أصابته نكبة مالية فكانت سبباً في ثرائه فيما بعد، وكم من إنسان طرد من وظيفته فكان ذلك فتحاً له في عمل آخر يدر له الخير، وكم وكم من الواقع، فكيف بحال من يؤمن بالله وبما أعد الله وادخر له في الدار الآخرة، فهذه هي حقيقة الشقاء، كما أن تلك حقيقة السعادة، وأما الكافر فمهما بلغ من الثراء فهو نكد شقي يائس قانط لا يطمئن أبداً، لأن القلب لا يطمئن أبداً إلا بالإيمان بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (( أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ))[الرعد:28] هذا للحصر، وفي غير ذكر الله عز وجل لا يتم إلا الشقاء.
  3. أثر الفرد في بناء الأمة

     المرفق    
    السؤال: قلت في كلامك: إن الأساس في الأمة هو الفرد، وإذا صلح الفرد صلحت الأمة، وبالمقابل فالفرد عندما يخطئ يقول: أنا فرد ولن يؤثر خطئي هذا في هذا الخضم من البشر، فكيف نوفق بين هذين القولين؟
    الجواب: أضرب مثلاً على ذلك، يقال: إن أحد الملوك كان له وزيراً فطناً وكان يقول: الرعية فيها من يحبك، وفيها من يذمك، والملك يصر على أن الرعية ليست كذلك، ويظن أن كلهم على الصدق والإخلاص والوفاء له، وليس فيهم غشاش أو كذاب، والوزير يقول: أنا أعلم بالناس منك، وإذا أردت أن نختبر الناس حتى تعلم حقيقتهم، فافعل، ثم اتفقا أن يبني الملك قصراً ضخماً من جميع الجوانب، ويجعل فيه بركة وهذه البركة يريد الملك أن يجعلها من اللبن، ثم أصدر أمره إلى الناس جميعاً بأنه إذا رجع الناس من المرعى بالمواشي، أن يأتي كل منهم بإناء كبير من اللبن ويصبه في البركة، حتى لا يطلع الصباح إلا وهي ملأى، لكي يتنعم الملك ويتمتع بالنظر إليها، ففعل ذلك الاختبار، وحين عاد الناس في الليل بالمواشي، قال كل واحد منهم: لو وضعت ماءً فإنه لا يضير إناء ماء في بركة من اللبن، ولن ينتبه أحد؛ لأنه يمشي في الظلام، وقد تعمد الملك أن يكون ذلك ليلاً، فجاء الملك في الصباح؛ فوجدها قد امتلأت بالماء.
    وهذه حالنا نحن المسلمين، وهذه المسألة -مع الأسف- واقعة في حياتنا، فإننا نسمع المحاضر يقول: شركات التدخين شركات يهودية وشركات نصرانية تحارب الإسلام وتفعل وتفعل، فتجمع ملايين الريالات من العالم الإسلامي لكي تحارب بها المسلمين، فيقول: الباكت بخمسة ريالات، وماذا تعمل لليهود والنصارى، فمثلاً لو اشترينا مليون (باكت) في جدة ومليون (باكت) في القاهرة ومليون في كذا ومليون في العالم الإسلامي، لاجتمع لليهود في ذلك اليوم ملايين من أجل (باكت)، وكذلك المجلات الخبيثة التي توزع على المكتبات بسعر الجملة (ثمانية ريالات) تقول له: لا تشتريها لأنك تساعد على نشر هذه المجلة الخبيثة، فيقول: ماذا يفيد! عدد واحد أشتريه من هذه المجلة! وكذلك آخرون، فإذا بصاحب المكتبة لم يبق عنده شيء منها. فاشتريناها وروجناها، فكل واحد نظرته نفس النظرة، أنه ماذا يفرق ريال واحد، وماذا يفرق عدد واحد، وماذا يفرق باكت واحد... وهذه مشكلتنا.
    إذاً الإصلاح أولاً: يبدأ من الفرد، فإصلاح الأمم يبدأ من إصلاح الأشخاص، وكل منا على ثغرة، وكل إنسان عليه أن يتقي الله في عمله، فإذا أخذت الرشوة؛ انتشرت الرشوة بين الموظفين، وإذا قلت للناس: الأمانة ضعفت؛ وأمانتي أنا ضعيفة والناس كلهم يكذبون وأنا أكذب، وإذا قلت: إن الناس في غيبة ونميمة وفي حسد ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأنا واقع في نفس الشيء، فهو يريد أن يصلح غيره، وهو يسير كما يحب وكما تحب شهواته، لكن لا فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خاطب الإنسان، وخاطب نفسه ويبين له علاجها وأنه سيحاسبها منفردة، فإذا أنا أصلحت نفسي ونصحت غيري، وإذا كل واحد أصلح نفسه ونصح غيره؛ صلحت الأمة بإذن الله، ولكن إذا دعوت الأمة إلى الصلاح مهما دعوت، ولم أصلح نفسي، فإنه لن يستجيب الناس ولن يكون أثرها الصحيح أبداً.
  4. حب الدنيا معناه وضعها في القلب لا في اليد

     المرفق    
    السؤال: تكلمت عن حب الدنيا، وأنه من الأسباب التي أدت إلى تردي الأمة، فما هو السبيل لنـزع حب الدنيا من قلوبنا، مع العلم أننا نعيش اليوم في دوامة العمل ومتطلبات الحياة؟
    الجواب: لا شك أننا جميعاً نعاني من ذلك، ونسأل الله أن يعيننا، فكم نعايش ونكابد الحياة وقد كابدها قبلنا أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فكانوا يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله، وكما تعلمون قصة عمر رضي الله عنه أنه كان يرسل رجلاً من الأنصار يستمع حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى يعود في آخر اليوم ليجلس وليسمع، فهذه المعاناة عاناها أفضل جيل؛ ومع ذلك كان همهم الآخرة.
    فالعلاج أن ننـزع من قلوبنا حب الدنيا وتعظيمها ونجعل بدلاً من ذلك تعظيم الآخرة، فلا أقول: نترك أعمالنا، ولا أقول لا نحرص على الربح الحلال، ولا أقول: لا نتمتع بما أحل الله لنا من الطيبات وبما أعطانا الله من الرزق.. أبداً، لكن نقول: نخرجها من قلوبنا وليس من أيدينا، وأما التخلي الذي فهمه الصوفية الضلال بالتخلي عن الدنيا، أن يعيش الإنسان فقيراً لا يملك شيئاً فليس هذا هو الخروج من الدنيا، إذاً لكان فقراء الهند من البوذيين من أسعد خلق الله عند الله عز وجل، لكن! لا. فالزهد الحقيقي والرغبة الحقيقية في الآخرة؛ وقد تكون مع وجود المال، ومن وجد مالاً فإنه يمسكه في يده لا في قلبه.
    كما قال الإمام أحمد رحمه الله عندما سئل: أيكون الرجل زاهداً وعنده ألف دينار أو عشرة آلاف دينار، فقال: نعم إذا كانت في يده وليست في قلبه فهو زاهد" وقد كان الصحابة رضي الله عنهم منهم الأغنياء كـعثمان والزبير مع أنهما من أزهد الناس، فهذا هو المقصود، فإذا لم يتعلق القلب بها، ولم يحملك حب الدنيا على أن تعصي الله -وكم من المسلمين من يفعل ذلك- ولم يحملك حب الدنيا على أن توالي أعداء الله -وكم من المسلمين من قد يعادي أهل الخير ويحب أهل الكفر وأهل الفجور من أجل دنياه والعياذ بالله- فإذا كان الحال كذلك فإنه لا يضير كون الإنسان يملك مالاً كثيراً.
    ونسأل الله أن يوفقنا لمرضاته.
  5. زيادة الإيمان ونقصانه

     المرفق    
    السؤال: هل الإيمان يزيد وينقص؟
    الجواب: نعم! لا شك أن الإيمان يزيد وينقص كما أخبر الله تبارك وتعالى في القرآن عن زيادة الإيمان، فقال: ((زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ))[الأنفال:2] وقال تعالى: ((وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ)) [محمد:17] وقال: ((إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً))[الكهف:13] وغير ذلك مما هو معلوم لدى الجميع.
    والنقص أيضاً فلا شيء يزيد إلا وهو ينقص، وقد نص النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديثه عن النساء: أنهن ناقصات عقل ودين، وفي خبره عن ذلك قوله: {ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي اللب من إحداكن} فهذا دليل على نقص الدين.
    ويدل عليه أيضاً أن الناس يوم القيامة متفاوتين بحسب أعمالهم عند الله، فمن الناس من تكون حسناته كالجبال ومنهم من يدخلون النار لضعف إيمانهم؛ ثم يخرجهم الله من النار بحسب درجاتهم في الإيمان؛ وآخر من يخرج من النار هم الفئات التي هي أقل الناس إيماناً، فيأمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ويأذن بأن يُشفع لهم، فيخرج من النار من كان في قلبه مثقال شعيرة؛ ثم مثقال ذرة، ثم أدنى أدنى مثقال ذرة.
    فهناك درجات من الإيمان، فبعض الناس إيمانه كأدنى أدنى مثقال ذرة، وبعض الناس إيمانه كمثقال الذرة، بعض الناس إيمانه كالشعيرة، وبعض الناس إيمانه كالجبال، وأعظم الإيمان ما كان كإيمان عمر رضي الله عنه لما أول له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرؤيا عندما رآه أنه يلبس ثوباً طويلاً واسعاً، فأوله أنه الدين والإيمان، وكما كان إيمان أبي بكر رضي الله عنه الذي لو وزن إيمانه بإيمان الأمة لرجح بهم.
    وهكذا، فإن الإيمان يزيد وينقص ويتفاوت وحسبكم أن تعلموا أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: {الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان} فهذه الشعب من حقق أربعين شعبة منها ليس كمن حقق ثلاثين، وأعظم منه من حقق منها خمسين وهكذا، وقد يجتمع عند الإنسان تحقيق شعب ونقص في أخرى، فمن كمل في الشعب فقد بلغ درجة الإحسان التي هي أعلى الدرجات، ونسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يجعلنا وإياكم من المقبولين.
  6. الرد على قول الصوفية (أن حياة القبور تشابه الحياة المعتادة على الأرض)

     المرفق    
    السؤال: في قصة الإسراء والمعراج ورد أن رسولنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجد بعض الرسل عليهم الصلاة والسلام في السماء؛ وهذا استغله بعض الصوفية أو بعض الفرق المنحرفة في إثبات أن هناك حياة في القبور، وأنها تشابه الحياة المعتادة على الأرض، فكيف يمكن التوفيق والرد؟
    الجواب: هؤلاء الذين يعبدون الأموات، ويدعونهم من دون الله.. شبهاتهم كثيرة، ونحن قبل أن نرد على شبهاتهم نسألهم على أي أساس بنيتم ذلك؟! وهذا كتاب الله بين أيدينا، ففي أي آية منه أجاز الله أن نعبد غيره؟! وأن ندعو غير الله نبياً أو ولياً كائناً من كان؟ وهل في سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصحيحة الثابتة شيء من ذلك؟! لا بل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نزه الأنبياء وبرأهم مما افترت عليهم أمتهم فقال سبحانه: ((مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ))[آل عمران:79] سبحان الله!
    (( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ )) [الزمر:65] (( وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )) [الأنعام:88] والأنبياء أنفسهم كانوا يخافون من الشرك (( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ )) [إبراهيم:35] فالأنبياء يخافون على أنفسهم من الشرك، ويحاربونه، وما كان أبداً لأحد منهم أن يدعو إلى الشرك، أو يقره، فكيف يأتي هؤلاء ويقولون: ندعوهم ونستغيث بهم ونتوسل بهم إلى الله لأنهم أحياء؟! وإذا كانوا أحياءً! فهل عبدو في الدنيا وهم أحياء حياة حقيقية، وهل أجاز النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأحد أن يعبده وأن يدعوه -عياذاً بالله من ذلك- فلما قالوا: ما شاء الله وشئت، قال:{ أجعلتموني لله نداً! } فهذا أمر عظيم، فما أقر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما رضي بهذا العطف؛ لأن الندية معناها الشرك ومع ذلك يقولون: ندعوهم؛ لأنهم أحياء في قبورهم.
    والإنسان في الدنيا يستطيع أن يكسب مزيداً من الحسنات لنفسه أو أن يحسن للناس إذا كان يملك شيئاً؛ ومع ذلك نفى الله عز وجل أن أحداً من الناس يملك لنفسه شيئاً إلا ما شاء الله، فكيف إذا مات؛ فإنه أحوج ما يكون إلى ربه عز وجل، فكيف يصبح يعطي وينفع ويضر ويدعى ويستغاث به!
    بلى إذا كان يتخلى أولوا العزم من الرسل عن أمته ويقول كل منهم: (نفسي نفسي)، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحده فقط الذي يأذن له ربه بالشفاعة الكبرى، فهؤلاء أولوا العزم لا يملكون للناس شيئاً، ولا يملكون لأنفسهم شيئاً يوم القيامة عند الله، فكيف يملك ذلك البدوي وعبد القادر الجيلاني وغيرهما! مع أنهم ليسوا أولياء في الحقيقة، وليسوا أفضل من الأنبياء -بأي حال من الأحوال- مهما كانت ولايتهم، فهذه شبهات فقط يزينها الشيطان لعباد القبور والأموات حتى لو كانوا أحياء عند الله، والله تبارك وتعالى قد أخبرنا عن الشهداء أنهم أحياء عنده فقال: ((وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ))[البقرة:154] فالشهداء أحياء، والأنبياء حياتهم -بلا شك- أكمل من حياة الشهداء، فهل ندعو الشهداء ونستغيث بهم، أو نستغيث بالأنبياء؟! نحن لا ندري ما حال الشهداء عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأما الأنبياء فإنهم كما أخبر عنهم ربهم تبارك وتعالى قائلاً ((إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)) [الأنبياء:90] فهم أنفسهم كانوا يرجون رحمة الله ويخشون عذابه، وهم كما قال تعالى: ((لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرّاً))[الرعد:16] فكيف يملكونه لغيرهم من الناس؛ لا يمكن ذلك أبداً !
    فهذه الحقائق لمن يريد أن يناقش هذه الأفكار الضالة من صوفية وغيرها، فيعرض هذه الشبهات على هذه الحقائق الناصعة الجلية، نعم: نستطيع أن نرد ردوداً تفصيلية على كل قضية؛ لكن نعرضها على الأصول الجلية الواضحة؛ لتذهب هذه الشبهات، وإلا فلا بد أنه سيأتي بشبهات كما أتى بها المشركون من قبل، قال تعالى: ((مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى))[الزمر:3] وقد كان المشركون يقولون في تطوافهم حول البيت الحرام: (لبيك لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك) فهذه هي تلبية المشركين (تملكه وما ملك) وإذا سئلوا: كيف تدعون اللات والعزى، ووداً وسواعاً ويغوث من دون الله؟ قالوا: نحن ما ندعوهم لأنهم يملكون شيئاً من دون الله؟ لكن هم يقربونا إلى الله، فهم شفعاؤنا عند الله، وهذا صريح في القرآن، وإذا سألت أحداً ممن يدعو نبياً أو ولياً، فإنه يقول: أنا لا أعبد غير الله ولا أدعو الولي بأنه إله، وأنا أدري أن الله هو الذي يملك كل شيء إلا أنني أدعو الولي؛ لأنه هو الواسطة بيني وبين الله، فنقول: هذه هي تلبية أهل الجاهلية (تملكه وما ملك) فأهل الجاهلية ما قالوا: إن آلهتهم تملك كل شيء! فهذا هو الشرك، ولكن شياطين الإنس والجن لبسوا عليهم دينهم ليصدوهم عن التوحيد، نسأل الله أن يكف عنا شرهم.
  7. هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه

     المرفق    
    السؤال: ما هو القول الفصل في رؤية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لربه في المنام؛ ثم في حديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {رأيت ربي في أحسن صورة
    الجواب: أما بالنسبة لرؤية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لربه، فالراجح هو ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة وهي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم ير ربه، كما في حديث أبي ذر {هل رأيت ربك فقال: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نور أنى أراه} وقال: {حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه} فهو لم ير ربه عز وجل، وكذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت: [[ثلاث من قالهن فقد أعظم على الله الفرية: ومنها من قال: إن محمداً رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية ]].
    وأما القول المخالف، وهو ما نقل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أنه رآه، فقد ورد مقيداً عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنه قال: [[رآه بفؤاده مرتين]] وابن عباس رضي الله تعالى عنه ما دام أنه قد ورد عنه ذلك التقييد، فإذاً نقيد ما أطلق من أنه يقول: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى ربه، فقوله وقول من قال بقوله إما أن يكون اجتهاداً وهو خطأ غير صواب، أي أن له أجر الاجتهاد وليس أجر الصواب، أو أن نقول: إنه رضي الله عنه قيد ذلك وهو الأولى والأرجح بالفؤاد، فلا يكون هناك خلاف ولا منافاة بين أقول الصحابة رضوان الله تعالى عليهم في ذلك.
    أما بالنسبة لحديث الصورة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى ربه في أحسن صورة في المنام، فإذا نظرنا لكلام ابن عباس إلى أنه رأى ربه بفؤاده مرتين فنستطيع أن نقول: إن هذه هي إحدى الرؤيتين، رآه في الأرض لما كان في المنام، ورآه أيضاً بقلبه (بفؤاده) لما أسري به، فحدث للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رؤيتان قلبيتان.
    وموسى عليه السلام هو كليم الله، ومن أولي العزم، ونعلم منـزلته وفضله، وقد سأل الله عز وجل الرؤيه، فقال سأريك نفسي في المنام، أما اليقظة فمعلوم أنه محال ذلك ولن يتحقق.
    فإذا كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى ربه بفؤاده مرتين، وموسى عليه السلام لم يره لا في اليقظة ولا في المنام، فمن من الأقطاب يدعي أنه يراه في الدنيا؟!
    وأي إنسان هو أفضل من موسى أو أفضل من محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! ولهذا من قال: إنه يرى الله في الدنيا، ومن زعم ذلك فقد كذب، وهو إلى الكفر أقرب منه إلى الإسلام، وإذا أصر على ذلك بعد قيام الحجة،فإنه يعزر ولو بالقتل كما نص على ذلك شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية وغيره، وكما ثبت في الحديث { إن الشيطان يضع عرشه على الماء} ويلبس على هؤلاء، بأن يريهم نفسه ويريهم عرشه، ويقول: أنا الله وهذا العرش حتى أن الصوفية عندهم أحد الأولياء سموه فلان العرشي، لأنه دائماً تحت العرش، ويخاطب الله من تحت العرش، وهذا هو عرش إبليس.
  8. حاجة الصحوة إلى الرعاية

     المرفق    
    السؤال: يقول: الصحوة الإسلامية حقيقة تشهدها معظم البلاد الإسلامية، وهي تحتاج إلى الرعاية والتوجيه، فهل تعتقدون أن هذه الصحوة، تلقى ما تستحق أن تلقاه من التوجيه والرعاية، حتى تصل بإذن الله إلى بغيتها؟ الجواب: حقيقة من خلال الواقع المشاهد، نرى أن هذه الصحوة لم يتحقق لها ذلك، الحمد لله! يوجد خير، ويوجد شيء من هذا، لكن لم يتحقق لها ذلك، والدليل هو وجود هذا الشباب الحائر الذي أفاق وعاد إلى دينه، ولكنه حائر بين اتجاهات شتى، فلو كانت هذه الصحوة مرشدة وموجهة على المنهج الصحيح؛ لكان الشباب جميعاً منضوين تحت الكتاب والسنة، ولا يجدون ما يفرقهم أو ما يشتتهم ويبعدهم عنه، فهذا الجانب فيه خلل، ونرجو أن يستكمل بإذنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، والصحوة أيضاً محفوفةٌ بالمخاطر من أعداء الله، لأنهم يخططون لضرب هذا الدين، وضرب الشباب.
  9. بعض أهداف الباطنية ضد الإسلام

     المرفق    
    السؤال : على ذكر الأخطار التي تهدد الصحوة الإسلامية، الرجاء ذكر بعض أهداف الباطنية التي ترصد العداوة للإسلام، وما هي أقوال السلف في هذه الفرق، وبماذا تنصح الشباب لمزيد من الوعي والدارسة عن هذه الفرق وأهدافها وأضرارها؟ وقد ذكرت في محاضرة سابقة، أنك سوف تذكر ألعوبة فعل رجل سني في الروافض أو بهذا المعنى؟
    الجواب: الباطنية، أجمع العلماء على تكفيرها ونصوا على أن ذلك، بل ونصوا على أن من عرفهم ولم يكفرهم فهو كافر، واتفق على ذلك علماء السنة، وكثير من علماء البدع، حتى من المعتزلة والأشعرية، وكثير من الفرق المنحرفة عن منهج السنة، لكنها لا تزال داخل دائرة الإسلام، فكلها متفقة على تكفير الباطنية، لأنها فرقة أخطر من اليهود والنصارى والمجوس، وذلك لأنها لا تريد إلا أن تهدم هذا الدين، وتجتثه من أساسه وليست فقط تؤول بعضه، أو تنحرف عن بعضه، بل إنها تقضي على الاعتقادات، فلا تثبت لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا اسماً ولا صفة على الإطلاق، وتقضي على العبادات، فتؤول الصلوات الخمس بأنها ذكر الأئمة الخمسة، وتؤول الصيام بالإمساك عن أسرارهم أو ذكر ثلاثين رجلاً من أئمتهم.
    وتقول: إن شريعة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منسوخة، وقد نسختها شريعة محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، وتقول: إن كل ما حرمه الكتاب والسنة حلال، وليس هناك حرام على الإطلاق! إلا ما أرادوه هم من شهوات أو ما شاءوا أن يفرضوه ليكون الناس تبعاً لهم، وكذلك القرامطة والعبيديون فإنهما منهم؛ فهم خارجون عن جميع الملل وعن جميع الشرائع، فلو أن رجلاً من الباطنية ترك الباطنية وتحول عنها إلى النصرانية، لكان ذلك أخف من الرجل الذي يتحول من النصرانية إلى الباطنية.
    وأما مكرها في العالم الإٍسلامي فإنه لا ينتهي في كل مكان وفي كل زمان، فالقرآن عندهم لا يبقى له معنى على الإطلاق؛ لأنهم يقولون: إن للآية معنىً ظاهراً، وهذا الظاهر له باطن، والباطن له باطن إلى سبعمائة باطن فمن أين نفهم القرآن؟! كذلك يردون سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رداً مطلقاً، فمن أين يكون الأخذ؟ يقولون: عن الإمام فقط وهذا الإمام هو الذي يفسر كما يشاء، ويتحكم في الأنفس والأموال والشهوات، وإلى الآن لهم أئمتهم من البهرة والأغاخانية والإسماعيلية وأمثالهم من طوائف الضلال التي نسأل الله تبارك وتعالى أن يقي المسلمين من شرهم، فلا نستطيع أن نأتي على كل خطط الباطنية وأهدافها، ولكن خطرها بلا شك عظيم، ويجب أن نحذر منها؛ ويمكن أن تدخل من باب التشيع، وما دخلت وما جاءت إلا من هذا الباب، أو من باب التصوف، فغلاة الصوفية باطنية، والصوفي ينتهي به الحال إلى أن يكون في النهاية باطنياً، والرافضي -أيضاً- ينتهي به الحال إلى أن يكون باطنياً وهكذا فكل هادم للدين فإنه يبدأ بداية منحرفة قد تكون أقل لكنها تنتهي به إلى الأكثر، عياذاً بالله.
  10. خطر الباطنية على الصحوة الإسلامية وتعدد الانتماءات

     المرفق    
    السؤال : الحديث عن الصحوة -كما يقولون- ذو شجون والصحوة أمرها يهم الجميع، وأسال الله عز وجل أن يكتب لها التوفيق، وأن يجنبها كيد الأعداء ومكرهم، ويمكن أن يكون للسؤال الأول شق آخر، وهو أنه إذا عرفنا خطر الباطنية على الصحوة، وشبابها، فأيضاً هناك جانب آخر للموضوع وهو التفرقة التي تحصل بين شباب الصحوة، فنجد انتماءات مختلفة لجماعات مختلفة، هناك من ينتمي لجماعة تسمي نفسها جماعة التبليغ، وهناك من ينتمي لجماعة تسمي نفسها الإخوان، وهناك من ينتمي لجماعة تسمي نفسها الجماعة السلفية، وإلى غير ذلك من المسميات والاختلافات والتفرقة التي حلت بشباب الصحوة الإسلامية، فهل هذه حالة صحية للصحوة الإسلامية؟ أم أن الموضوع يحتاج إلى نظر ويحتاج إلى وقفة صادقة إذا كان القصد هو وجه الله عز وجل؟
    الجواب: الأمة الإسلامية قد عانت من الفرقة وتعاني منها إلى اليوم، والجماعات الإسلامية هي بلا شك أفضل ما في هذه الأمة، على ما في هذه الأمة من أفضل ما فيها هي هذه الجماعات التي تريد أن تعيد الناس إلى الكتاب والسنة، سواء من كان منها على خطأ أومن كان منها على صواب؛ على الأقل فهي ترفع دعوى الإسلام وشعاره في أوقات وفي بيئات وفي مجتمعات تنفر نفوراً كاملاً من رفع هذا الاسم، ولا نقيس المجتمعات مثل هذا المجتمع الذي نعيش فيه، لأنه يوجد مجتمعات لا تريد ذكر الله ولا تريد اسم الله على الإطلاق، والصحوة الإسلامية في جملتها، لاشك أن من أسباب وجودها وجود هذه الجماعات التي قامت ونشرت الدعوة، وكل منها على رأيه واتجاهه، ما كان فيه من خطأ أو انحراف، وما كان فيه أيضاً من صواب ولو في الجملة، فهذه الصحوة هي نتاج عوامل عديدة، منها: وجود هذه الحركات وهذه الجماعات، إذاً فما موقف المسلم منها؟ الموقف من هذه الجماعات.. ومن الفرق والأفراد والأمم.. هو نفس الموقف الذي يجب أن يكون لدينا دائماً، بأن نزن كل شيءٍ بميزان كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو ميزان العدل، فمن الوصايا العشر التي أوصى الله بها جميع الأمم وأوصانا بها قوله تعالى: ((وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا))[الأنعام:152] فننظر إليها بميزان العدل، وأيضاً ننظر بمنظار الاستفادة من التجربة أي من جهة العلم نفسه، فنحن الذين نسعى إلى الأكمل والأفضل ونريد أن تتوحد الأمة، ولا نريد أن تتفرق الأمة هذا التفرق وهذا التمزق، بل يجب أن نكون جماعةً واحدة على الكتاب والسنة.
    ووجود هذه الجماعات ما هو إلا نتيجة التفسخ الكبير الذي حدث في الأمة بأكملها، وبُعدها عن منهج الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ فكان من الضروري أن يتجمع الناس في تجمعات صغيره، ولا ضير في ذلك لو أنها كانت متمسكةً على الكتاب والسنة، ولو أن كل جماعة قامت كانت متمسكة بالكتاب والسنة، لوجدنا أننا في النهاية نكون جماعة واحدة فعلاً، ولا خلاف على الإطلاق، لكن المشكلة تأتي من التقليد والتبعية والتعصب والتحزب، وهذا ما وقع مع الأسف، بأن الإنسان يقيس الناس بجماعته، فمن كان منها فهو على الحق وما كان ضدها فهو على الباطل، وهذا هو الخطأ الذي تخوفه السائل -جزاه الله خيراً- على الصحوة وله الحق في ذلك؛ فنحن في هذه الحالة قضينا على الغاية من أجل الوسيلة، واسأل أي إنسان ينتمي إلى هذه الجماعات -أي جماعةٍ كانت- لماذا وجدت الجماعة؟ لقال: من أجل تحقيق الإسلام، ولو قيل له: وبماذا تسير هذه الجماعة؟ لقال: على الكتاب والسنة، إذاً خذه على ظاهره ونسلم لك بهذا الظاهر على ما عليه من ملاحظات، ثم ننظر ما أنت عليه في الواقع، فأنت أصبحت توالي وتعادي بناءً على هذه الجماعات، وقلت: إننا لا نحب أن نذكر الأسماء، لا لأننا نخاف أن نذكر اسماً معيناً، لكن لأننا نريد أن ننظر إلى الأمور والأخطاء والانحرافات بنظرة مجردة؛ لنعرف حجمها؛ وإلا قد نقع نحن في الحيف، فأنا مثلاً قد أكره جماعة معينة لسببٍ ما، فأجور وأحيف في كل من يذكرها لدي.
    الآن أذكر لكم مثال من بعض الجماعات التي تطبع وتوزع فتوى لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز وهل هناك من لا يحب علم الشيخ عبد العزيز؟! وهل هناك شخص غير حريص على نشر فتاوى الشيخ عبد العزيز؟! لا، إذاً فكم فتاوى للشيخ؟ كثيرة جداً وفي أمور هامة، فتاوى في التوحيد، وفتاوى في أنواع البدع، وفي الشرك، وفتاوى عن الربا، والقمار، والفيديو، وفتاوى في أمور مهمة تنهش مجتمعنا وتفتك به، إذاً أنتم يا دعاة! هل صورتم فتاوى الشيخ هذه ووزعتموها على الناس؟ لا، بل صوروا هم فتوى أو كلام يقول فيه: إن الجماعة الفلانية على الحق، إذاً نحن ندعو إلى من؟! وهذه هي المشكلة، وهذه نصيحة لا نقولها إلا نصحاً، إذاً: نحن الآن لا ندعو إلى الله، بل ندعو إلى الجماعة، بدليل أننا نختار من كلام العلماء ما يؤيد الجماعة، ونختار ممن يعادي الجماعة ولو على سبيل الملاحظة فنعتبره به عدواً للجماعة، فالولاء في الجماعة، والعداء في الجماعة، والدعوة إلى الجماعة إذا فقد أضعنا الغاية من أجل الوسيلة!! لا يا أخي انشروا العلم النافع ووزعوا الفتاوى النافعة، وليس ما يتعلق بك أنت أو بجماعتك فقط، وهذا خيرٌ لك وأفضل لك عند الله؛ أن تنظر إلى من ينصحك؛ وإن نقدك أيضاً فانظر له، لماذا؟!
    لأنك أنت الذي عليك أمل الأمة، وكما أشرت أن أفضل ما في الأمة هم جماعاتها هذه؛ فالإصرار على الأخطاء قد تردنا إلى انحطاط وضياع وضلال أعظم مما نحن فيه في هذا الواقع، فأنتم أحرص أن تستكملوا أي جانب من جوانب الخلل، ولهذا نقول لكل الشباب، ونحن بإذن الله عز وجل جماعة أهل السنة والجماعة التي لها وبها تجتمع الأمة وعليها تأتلف: يجب أن نكون منصفين، وأن نكون حريصين على من ينتقدنا ويخطئنا، ويجب ألا نظهر أنفسنا، وإذا أثني علينا ومُدحنا لا ننشره أبداً، فماذا نظهر إذاً؟
    نظهر دين الله وننشر كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا مدحني فربما يكون في ذلك هلاكي، فلا أغتر وأستمر في البدعة، وأقول: فلان أفتاني أو مدحني، وإذا انتقدني أشكره وأسمع منه، فإن كان على حق فجزاه الله عني ألف خير، وإن كان مخطئاً فأحمله على أحسن المحامل وأشكر له حسن النية، وأقول: تعال، أنت تنقدني وتريد الحق، فيقول: نعم إن شاء الله، إذاً تعال فالحق كذا وكذا، وقد أتى له بأدلة من كتاب الله وسنة رسوله، ولا أقول: أنا رأيي كذا، وشيخنا قال كذا، أو طائفتنا قالت كذا، وفلان قال كذا، وهذا هو علامة أهل البدع، علامتهم أنك تقول: قال الله وقال رسول الله، فيقولون: قال شيخنا وقال إمامنا وهذا هو الذي تعجب منه ابن عباس: وقال: أقول: قال الله، قال رسوله، تقولون: قال أبو بكر وعمر!
    ومن جهة أخرى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منذ أن نزلت عليه ((يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ))[المدثر:1-2] إلى أن لقي الله وهو يعيش في حالة دعوة: فجاهده دعوة، وتعليمه دعوة، ونصحه دعوة، وكل حياة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعوة فهل لم نجد في سيرته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما يغني ويكفي للدعوة حتى تضع خطة ونرسمها ونلزم الناس بها؟ بل وأدهى من ذلك أن من لم يلتزم بها فإنه متهم في دينه، وأنه يفرق الأمة، وإذا أثنى علينا فهو الحبيب المقرب المبرأ من كل العيوب.. سبحان الله!! حياة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلها دعوة، وحياة السلف الصالح كلها دعوة.
    ولن يتغير حال الأمة من حالٍ سيئ إلى حالٍ صالح، إلا إذا قام دعاة يدعون لوجه الله، ويعلمون الناس العلم النافع، ويصلحون القلوب من جميع الأمراض ومنها مرض التأفف والاستنكاف عن أن يقال: إنك خالفت الحق أو خالفت الدليل، ومنها مرض الجهل الذي يفتك بهذه الأمة، ولابد من تزكية النفس.
    بعض هذه الجماعات يقولون: لم ينتقد علينا إلا أن عندنا جهل، وفينا بعض البدع! - مقللين شأنهما- وهل عارٌ في الدنيا أعظم من هذين، فماذا بعد الجهل والبدعة من عيب؟! إذاً: راجع نفسك يا أخي، فماذا تريد أن يقال إذاً؟ كافر! فإذا كان البعيد فيه جهل وبدع، فماذا تريد أكثر من ذلك؟ وماذا تريد أن يقال عنك حتى لا يكون عيباً؟ فهذا قدر مشترك، فكل جماعة أو فرقةٍ خارجة عن منهج أهل السنة والجماعة لابد وأن يكون لها نصيبها من البدعة والهوى والتعصب.
    وإذا أردنا أن تجتمع الأمة؛ فلنجمعها على كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذه الجماعات هي أول من أوجد من يدعو إلى ذلك، لأنها تملك التجربة، وتملك الجهود والطاقات والشباب، فلو أنها التزمت بالكتاب والسنة؛ لكان لذلك النفع العظيم للإسلام المسلمين، ولهذا لا ننظر إليها بنظرة العداء، أو لمجرد العداء ولكن ننظر إليها بنظرة الإشفاق والنصح، ونظرة الهداية بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
    ثم أيضاً يجب أن نبين لكم أسماء بعض هذه الجماعات لأن تحت هذه الأسماء أفراداً شتى، فتجد بعض الناس ينتمي إلى جماعة من هذه الجماعات، والفرد في ذاته هو على عقيدة طيبة، لكن خطأه محصوراً، إما في الانتماء أو في أشياء أخرى لا تقدح في عقيدته، وبعبارة أوضح أقول: لا تجعلك تصنف كل من ينتمي إلى هذه الدعوة في صنف واحد، فمثلاً الإخوان، يوجد منهم سلفيون ويوجد غير ذلك، ويوجد منهم ربما من يكفر بعضهم بعضاً، مع الأسف وهكذا.. حتى الجماعات نفسها تجد أن اسمها جماعة وفي بعضها من يخالف البعض الآخر، فتجدها فرقاً وأحزاباً.
    أقول هذا لكي أؤكد على أن المعيار يجب أن يكون هو الكتاب والسنة, وإلا فأي جماعة من هذه الجماعات لو أخذتها في ذاتها معياراً، لقالت لك: إن كلامك هذا لا ينطبق علي، بل ينطبق على أناس مثلاً تسمونهم باسمي، فتضيع في دوامة، لكن أرح نفسك من هذه الدوامة، وانقض الباطل من حيث هو باطل؛ وبين الحق من حيث هو حق.. بيان الناصح المشفق.. وبيان الحريص على أن تجتمع كلمة المسلمين على كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    ونسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يردنا أفراداً وجماعات إلى الحق، وأن يطهر أنفسنا من حظ أنفسنا، فإن هذا من أعظم الأسباب التي تحول دون النصر واجتماع الكلمة، ومادام حظ النفس والهوى موجود؛ فهو يعمي جميع البصائر -نسأل الله العفو والعافية- وتجور الأحكام، وتضل الاتجاهات، ويتحمل الإنسان مسئولية نفسه ومن وراءه من شباب أضلهم عن الهدى،نتيجة لهذا عافانا الله وإياكم.
    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.