المادة    
يقول: ''ولا يجوز تكفير المسلم بذنب فعله، ولا بخطأ أخطأ فيه، كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة، فإن الله تعالى قال: ((آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)) [البقرة:285].
وقد ثبت في الصحيح أن الله تعالى أجاب هذا الدعاء وغفر للمؤمنين خطأهم'' قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قال الله تعالى: قد فعلت} فغفر الله تبارك وتعالى لهذه الأمة الخطأ والنسيان، فهي غير مؤاخذة به.
  1. التكفير في المسائل الخلافية

    ولذلك لا يجوز تكفير المسلم بما فعله من الذنوب التي هي دون الشرك أو الكفر، ولا يجوز تكفيره بخطأٍ أخطأ فيه وإن كان في المسائل العلمية؛ حتى مما له علاقة في أمور الاعتقاد، وهذا فيما تنازع فيه أهل القبلة فمن نازع في المرتبة الأولى من مراتب القدر -وهي مرتبة العلم- فهو كافر بالاتفاق.
    إذاً هذه مسألة لا تحتاج إلى اجتهاد؛ لكن من نازع في مسألة خلق أفعال العباد فقال: إن العباد هم الذين يخلقون أفعالهم فقد يكون مبتدعاً ضالاً، وقد يكون مخطئاً؛ إذا ظن أن النصوص تدل على ذلك، فلا يخرج عن أهل السنة والجماعة إذا لم يتبع غيرها لا فلسفةً أو منطقاً، أو كلام يونان، أو كلام واصل بن عطاء، أو عمرو بن عبيد، لكن اجتهد وظن أن المسألة موضع اجتهاد، وفهم بعض الأحاديث على غير ظاهرها ووجهها، فقال قولاً في هذه المسألة وما أشبهها، وإذا بهذا القول موافق لما تقوله المعتزلة، أو لما يقوله نفاة الصفات أو غيرهم.
    فنقول: هذا السني الذي هو من أهل السنة في منهجه وفي دعوته، ولكن أخطأ فوافق أهل البدعة لا يخرج من أهل السنة، ولا يؤاخذ، وهو الذي جاءت الآية والأحاديث فيه أنه لا يؤاخذ، لكن لا يتابع ولا يقر على ذلك.
    وهذه مسألة أخرى، فهو لا يقر على خطئه، ولا يقال: لا أحد يرد عليه، أو يبين خطأه، ومن ذلك أن أهل السنة والجماعة مجمعون على أن الإيمان قول وعمل، ومرجئة الفقهاء قالوا: إن الإيمان هو التصديق والإقرار باللسان، وأن الأعمال لوازم وثمرات ولا تدخل في حقيقته، فلا يخرجهم ذلك من الملة، ولا يجوز أن يكفروا به.. وهكذا.
    وقد يخطئ مخطئ من أهل السنة فيجتهد فيقرّب بين وجهتي النظر، أو يرجح مذهب الفقهاء ويكون مخطئاً، ولا يقال عنه إلا أنه مخطئ، ويرد عليه، ويرد إلى الحق حسب الحكمة، ومراعاة الضوابط.
  2. معاملة الصحابة للخوارج

    ثم يقول: '' والخوارج المارقون الذين أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتالهم، قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أحد الخلفاء الراشدين، واتفق على قتالهم أئمة الدين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ولم يكفرهم علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وغيرهما من الصحابة، بل جعلوهم مسلمين مع قتالهم، ولم يقاتلهم حتى سفكوا الدم الحرام، وأغاروا على أموال المسلمين، فقاتلهم لدفع ظلمهم وبغيهم، لا لأنهم كفار، ولهذا لم يسب حريمهم، ولم يغنم أموالهم'' .
    وهؤلاء الذين ورد النص صريحاً في قتالهم، فـعلي رضي الله عنه يأمره أصحابه ويقول: ابحثوا عن ذي الثدية، فيقولوا: ما وجدناه، قال: والله ما كذبت ولا كُذبت، ويأمرهم بالبحث عنه، وهو رجل -كما في الحديث- له مثل الثدي في يده، فبحثوا حتى وجدوه تحت الجثث فجاءوا به.
    فالمقصود أنه مع وضوح قتالهم كالشمس في رابعة النهار، ومع ورود أنهم يمرقون من الدين، وأن صلاتهم وصيامهم لا تنفعهم، وأنهم كلاب أهل النار، وهذه أوصاف نصية قطعية، مع ذلك عوملوا معاملة المسلمين في أحكام القتال، فلم يقاتلوا حتى اجتمعوا وأمرُّوا أميراً فخرجوا عن الجماعة، ثم سفكوا الدم الحرام، ثم لما قوتلوا لم تُسبَ نساؤهم وذراريهم، ولم تُغنم أموالهم، ولم تبطل عقودهم في النكاح وما أشبه ذلك من المعاملات.
    يقول: ''وإذا كان هؤلاء الذين ثبت ضلالهم بالنص والإجماع لم يُكفَّروا مع أمر الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتالهم، فكيف بالطوائف المختلفين الذين اشتبه عليهم الحق في مسائل غلط فيها من هو أعلم منهم'' أي: إذا كان اشتبه الحق على بعض العلماء، واستبان البعض لغيرهم، فلا يجوز لهم أن يكفر بعضهم بعضاً، ولا أن يضلل بعضهم بعضاً، والمسألة التي أسوأ من هذا أنه قد يكون البعض ممن ليس من العلماء، ولكنه يضلل العلماء -وهذه أشد- لكن الكلام هنا عن العلماء أنفسهم إذا اختلفوا في مسائل؛ فإنه لا يجوز أن يبغي بعضهم على بعض، ولا أن يضلل بعضهم بعضاً .
    والقاعدة في هذه الأمور جميعاً هي: العدل والقسط، وقد أُمرنا أن نكون شهداء لله قوامين بالقسط، وقوامين لله شهداء بالقسط -كما في الآية الأخرى- وهذا هو الميزان الذي يجب أن يكون عند أهل السنة وعند شبابهم جميعاً.