المادة    
  1. حكم الأغاني وأشرطة الفيديو

     المرفق    
    السؤال: هذا سائل يتكلم عن أمر ظهر وانتشر في المنطقة هنا وهو يوجد محلات الفيديو والتسجيلات التي تبيع الأغاني، فيقول الأخ: ليتك تولي هذا الموضوع شيئاً من النصيحة، خصوصاً أن هؤلاء الأشخاص أهل خير؟
    الجواب: الواقع -والحمد لله- أن المنطقة هنا منطقة خير وشرف، ولا يُظن فيهم -إن شاء الله- في الجملة إلا الخير، وإن أخطأ أو قصر أحدهم أو جهل فالعقلاء موجودون، وهم أكثر من الجهال، والمنكر ما يزال منكراً، والمعروف ما زال معروفاً في هذه المنطقة، مع هذه الأصالة والعادات الطيبة.
    ولذلك نستحث ونستثير الهمم، للمحافظة على بقايا الأصالة فيها ألَّا تندرس مع هذه الحضارة الزائفة التي وفدت إلينا، ومن ذلك أن يوجد فيها محلات للفيديو أو للتسجيلات التي تبيع الأغاني، والتجارة في الحرام حرام.
    وقد حرَّم الله -تبارك وتعالى- الغناء والمعازف، كما قال تعالى: ((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ))[لقمان:6]، وقد أقسم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه -وفي رواية أن ابن عباس أقسم أيضاً- بالذي لا إله إلا هو إنه الغناء! مع ما صح عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك.
    وقد جمعها على سبيل المثال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه إغاثة اللهفان، منها الصحيح المتفق على صحته عند علماء الجرح والتعديل، ومنها ما هو حسن، ومنها ما هو ضعيف، ولكن يجبر بعضه بعضاً، ومنها ما هو من كلام السلف الصالح.
    فالحقيقة أن حرمة الغناء -ولا سيما الغناء المعروف الذي نتكلم عنه الآن وهو ما يقترن بالموسيقى والمعازف- معلومة لكل من فقهه الله تعالى في الدين، وأنه منكر يجب على الجميع التعاون على إنكاره.
    وأما الفيديو فمصيبة أعظم، لأنه يجمع إلى العزف والغناء تلك الصور المحرمة، وما يعرض فيه مما يقسي القلب ومما يزيد الغافل غفلة، بل ربما أنه بسبب مشاهدته يَغوَى وينحرف الشاب المستقيم، فكيف بمن كان من الغاوين من أصله؟! ونعني به الفيديو المعروف.
    لا يأتي إنسان ويقول: أنا أعرض شيئاً فيه خير! إنما المقصود ما هو معروف الآن ومنتشر، وأنظف ما فيه أشياء رياضية لا خير فيها، من المصارعات وما يتعلق بها، ومع ما يظهر فيها من كشف للعورات، ففيها إضاعة للأوقات، وفيها استنزاف للطاقة البشرية؛ لأن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أودع في كل إنسان منا طاقات معينة، قد تكتشف وقد لا تكتشف!
    بعض الناس ربما يكون شاعراً وهو لا يدري، يمكن أن يكون عالماً أو فقيهاً ولكن طاقته في ذلك لم تستكشف؛ فبعض السلف عاش عشرين إلى ثلاثين سنة، وهو لم يقرأ ولم يتعلم، ولكنه في جوهره عالم، فلمَّا تفقَّه وتعلَّم أصبح عالماً!
    فهناك طاقات تكتشف؛ ولذلك المجرمون من أهل الشرق والغرب يحاولون أن يأتوا بحفلات في أي وقت، فيكتشفون -كما يقولون- المواهب، فهذا الشاب يصلح مطرب، وهذه الفتاة تصلح ممثلة.
    فالله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أودع في النفس البشرية طاقات ومواهب، وكل واحد مِّنا مهما عمل ومهما نشط، فلن ينشط بكامل طاقته، وهذا من فضل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فأكثر الناس اجتهاداً في العلم، في طاقته استيعاب أكثر مما اجتهد، وأكثر الناس من الإنتاج في العمل اليدوي، في طاقتهم أن يحرزوا أكثر مما يعملون.. وهكذا.
    هذه الطاقات تستنـزف عن طريق الفيديو أو التلفزيون، طاقة النظر، والفكر، والسمع، كلها تستنـزف بشكل رهيب جداً مثلما تأتي على أية فاكهة ناضجة جميلة طيبة لذيذة في غاية الرواء، فتعصر وتستنـزف منها هذه العصارة وهذه الخلاصة.
    فوجود الناس أمام هذه الملاهي لا شك أنه خطر على طاقاتهم وعلى حواسهم، حتى لو كان ما يعرض كله على سبيل المباح، أو ما يسمونه الترفيه البريء.
    الغربيون الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ونحن لا نستشهد بكلامهم لأنهم ليسوا حجة، فعندنا كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكن لإعجاب القائمين على هذه الوسائل بهم، ولإقتدائهم بهم نذكر أقوالهم:
    عندما أجروا دراسات على التلفزيون والفيديو وجدوا أنها من أضر الأشياء، لأنها تجعل الأمة أمة متلقية، وليست أمة متفاعلة معطية منتجة، لأن أكثر الناس -كما في الإحصائيات- يجلسون أمام التلفزيون مدة تكاد تكون ضعف ما يجلسون في مقاعد الدراسة، وهم أمام التلفزيون يتلقون ولا يشاركون.
    فأنت -مثلاً- مع المدرس تشترك، الطفل مع أبيه في مشاركة وفي أخذ وعطاء، لكن أمام هذا الجهاز لا توجد أية مشاركة، كله تلقٍ فقط، وذلك الجهاز هو الذي يتكلم.
    حتى أن الدراسات في أوروبا ذكرت أن التلفزيون من أسباب الضعف اللغوي؛ لأن الناس لم يتعودوا الكلام، وكذلك ضعف التفاعل عند الأطفال؛ لأنهم لم يتعودوا التفاعل بسبب قعودهم أمام التلفاز يسمون ويرون ما يعرض فقط، فالذي يتحكم في الطاقات العقلية للأمة بأجمعها هو الجهاز القائم لبث هذه الوسائل الإعلامية.
    ومن هنا كان من يريد أن يقبض على أي بلد، يقبض على الإعلام، واليهود لما أرادوا أن يسيطروا على أمريكا وعلى أوروبا سيطروا على الإعلام، فسيطروا عليه بالكامل، يحجبون أي شيء إسلامي أو أي شيء ضد اليهود، ويعممون ما كان لهم.
    ومن هنا نقول: إن انتشار هذه الملاهي إن كان لمجرد الترفيه، ففيه من المخاطر ما فيه، فكيف إذا اشتمل على المحرم؟!
    وإذا اشتمل على ما فيه معصية لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فكيف وكل واحد منا يقول: ((إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ))[الأنعام:15]؟!
    فكيف وكل واحد منا يقرأ قول الله سبحانه: ((إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً))[الإسراء:36]؟!
    وما لا يرضاه الغربيون والكفار لأنفسهم وهم الذين ينتجون هذا اللهو لا يجوز أن نرضاه نحن أمة الإيمان والقرآن لأنفسنا.
    وفي سبيل القضاء على مثل هذه الظاهرة يجب علينا ما يأتي:
    أولاً: على المسئولين القائمين على هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الجهات التعليمية وفي أية جهة مسئولة أن يحاولوا وأن يبذلوا جهدهم للقضاء على هذا الفساد.
    ثانياً: الواجب على الآباء أن يحفظوا بيوتهم من هذا الفساد، وكذلك يجب على المدرسين والمربين حفظ طلابهم من هذا الفساد، ويجب على الأمهات حفظ أبنائهم وبناتهم من هذا الفساد وهكذا، وقد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته}، وبقدر ما عليك من مسئولية تكون مؤاخذتك بين يدي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
    فإذا تعاونا على ذلك، قلبنا هذه الأشياء من بيع للغناء والفساد، إلى أداة خير وإنتاج وتسجيلات نافعة إسلامية والحمد لله.
    فالتسجيلات خاصة بالإمكان أن تكون تسجيلات إسلامية، وأنا أعلم أنه قد يقول البعض: يُمنع التحويل من تسجيلات غناء إلى تسجيلات إسلامية أو إنه صعب، قد لا يكون ممنوعاً بنص قرار لكنه صعب.
    نقول: حتى لا يسأل أحد أو يقول: إننا أحلنا إلى حل غير عملي.
    نقول: إننا نحن الذين جعلناه أو غيره من الأشياء التي تخدم الدعوة صعباً؛ لأن أهل الشر والفجور والمعاصي تعاونوا وتقووا بتعاونهم، وهم الذين يخذلهم الله سبحانه، ولا يجمع الله شملهم، وهم الذين بعضهم لبعض عدو في الدنيا والآخرة، لكن إذا تعاونوا على شيء جعلوه واقعاً، وأصبح الذي يطالب بضده مطالباً بخلاف الواقع! أما نحن فقد تخاذلنا وتفرقنا.
    ألا يستطيع الواحد منا أن يرفع سماعة الهاتف، ويتصل بالجريدة الفلانية، ويقول: لماذا تنشرون هذه الصور؟! أو يتصل بالتلفزيون ويقول: لماذا نشرتم هذا المسلسل أو هذه الفكرة الليلة؟! أو يكتب خمسة أسطر أو عشرة أسطر، كرسالة إلى مسئول أو كمقال إلى صحيفة؟ أو يطالب التسجيلات وغيرها؟! لو فعلنا ذلك لوجدنا الاستجابة بإذن الله.
    لكن عندما يكون أهل الشر هم المتعاونين مع بعضهم، يكون صوتهم هو الأقوى خاصةً مع تمكنهم من هذه الأجهزة ومن هذه الوسائل، ويجب أن نسعى ليكون لنا صوت يسمع لقال الله، وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا نخاف من أي شيء.
    أما إذا قلنا غير قال الله وقال رسوله، فإننا نستحق العقاب والخوف.
    أما ما دمنا نطالب بالحق، فيجب أن يكون التغيير من تسجيلات أغاني إلى تسجيلات إسلامية والذي ينال التشجيع، بل يحرم أصلاً أن تعطى تصاريح للتسجيلات التي تبيع الأغاني، فكيف يصل الحال إلى أنه يمنع تبديلها إلى تسجيلات إسلامية؟! هذا شيء لا يجوز، ووجوده دليل على ضعف أهل الخير.
    أنا الآن لا أتكلم عن أولئك، وإنما يهمني أنتم، فضعفنا وهواننا عليهم جعلهم يأتون بمثل هذا القرار رغم أنوفنا ونحن ساكتون، ولو قمنا بالحكمة وبالأسلوب الحسن والإنكار بطريقة محكمة جيدة، وأشعنا الخير، وأشعنا معرفة الحلال والحرام في الأمة، لقضي على هذا وعلى غيره من المنكرات، فالأمر عام وليس خاصاً بهذه الطريقة.
  2. إلقاء المسئولية على الغير

     المرفق    
    السؤال: بعض الشباب همه هو تصيد أخطاء العاملين، سواءٌ في المركز أو في غيره، وإذا طلب منه العمل، اشترط شروطاً، منها: أن تزال بعض المنكرات في المركز مع العلم أنها منكرات عنده، أو عند بعض أهل العلم وعند غيره لا بأس بها، فما حكم إنكارها؟ وما نصيحتكم لمثل هذا وجزاكم الله خيراً؟
    الجواب: هذا السؤال يخص الإخوة القائمين بالدعوة في المركز أو ما حوله ممن يريدون العمل فيه؛ أما تصيد الأخطاء فليس هذا من شأن الدعاة إلى الله سبحانه، فكل منا لا بد أن يُخطئ، وكلنا يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بل الخطأ هو من نتيجة العمل، فالذي يعمل دائماً يلام ويقال له: أخطأ في عمله؛ لكن الذي لا يعمل فهو لا يخطئ، ولا يعلم عنه الناس أي شيء ولا ينتقدونه، إنما نقول: إذا رأى المسلم أو الشاب المؤمن الحريص الداعية خطراً أو منكراً أو ما يستوجب النصيحة والتوجيه، فيجب عليه أن يبذل النصيحة بالأسلوب الحسن، ولا يتجاوز ما ينبغي أن يقوله إلى ما لا ينبغي أن يُقال.
    أي: لا يتجاوز ذلك إلى سوء الظن، ولا إلى تحميل الأمور ما لا تحتمل، وإنما يتكلم الإنسان وينصح ويعظ بحسب ما يظهر له، ويكل السرائر وما خفي إلى الله سبحانه.
    وفي هذه الحالة الواجب على من كان لديه ما يوجب الانتقاد، أن يتحمل وأن يتقبل بروح الإخلاص والاخوة الإيمانية، فما كان خطأ متفقاً على أنه خطأ فإنه يزال، ومن دلك على خطأ فأزلته فهو خير ممن أثنى عليك بما ليس فيك.
    ثم إن كان الخطأ مواضع الاجتهاد، فلا يجوز أن يختلف الشباب فيه، مثل أية مسألة للعلماء فيها قولان، أو اختلف فيها الدعاة والعلماء المعتبر بقولهم، ولا نعني أي عالم!
    لا نعني أننا نأتي بعلماء ربانيين معروفين ثقات، ونعارض أقوالهم بكلام من ينتسب إلى العلم وهم بعيدون عن التمسك بالسنة!
    العلماء الثقات المعروفون في هذه البلاد إذا اختلفوا على قولين في أمر من الأمور، فلا يجوز لأحد من الناس أن يحمل إخوانه الآخرين على فتوى بعضهم؛ فهو قد أخذ برأي، وهم قد أخذوا بالرأي الآخر.؟
    بل يجب أن يعذر بعضهم بعضاً؛ لأنه قد بنى على اجتهاد، ولا يعني ذلك أننا لا نتناقش ليتبين لنا الراجح من المرجوح، فإن المدارسة والمساءلة أمر مطلوب، وهي مما ينمي ويرقي المركز وغير المركز.
    ففي الحقيقة أن مجرد النقد ليس عيباً، ولا يمكن أن يستقيم أي شيء إلا بالنقد وبالنصيحة، وكل الحياة يجب أن تكون كذلك، لكن أن يكون دافعها الإخلاص لله وللدعوة وأن يكون التلقي لها تلقياً سليماً وحكيماً، وبذلك نستطيع أن نتلافى كثيراً من المشاكل.
    وهناك أمور أحب أن أنصح الإخوة بها:
    أي شيء يمكن أن يفتح عليك باب مشكلة، وتستطيع أن تسد هذا الباب، فلا تأته، حتى لو كان عندك دليل عليه، وترى أنه ما فيه شيء، ولكن ترى أنه قد يصد عنك بعض أهل الخير، وقد يفتح عليك أبواباً من الإشكاليات.. أقفل هذا الباب، وحاول بقدر ما تستطيع كما يقول شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية رحمه الله : ''إنما يحمل العامة من الناس على الجمل الثابتة من الكتاب والسنة'' .
    أي: نحاول أن نحمل الناس على الجمل الثابتة وعلى الأصول الواضحة حتى في مسائل الدعوة، فنأتي بالوسائل أو الأساليب الواضحة التي لا إشكال فيها، وندع ما فيه إشكال بالكلية، إن لم نخفف منه، بحيث أنه إن انتقد ينتقد جزئياً، ولا يصبح شغلنا الشاغل.
    المهم أن تكون النصيحة وبذل الخير هو ديدننا جميعاً.
    ملاحظة: بالنسبة لموضوع النشيد أو التصوير أو التمثيليات: ما اتفق عليه العلماء قديماً وحديثاً من أمور الدعوة وواجباتها يغنينا إذا قمنا به وبذلنا الجهد فيه عن التشاغل بمثل هذه الأمور، أو التفكير فيها ومحاولة معرفة ما هو الراجح وما هو المرجوح والتعب الشديد والقراءة فيها.
    أما عملياً فإن استغنينا عنها أو عن أي شيء منها، فيمكن أن يكون فيها غلق لباب من أبواب الإشكال، وإن أخذ بشيء منها يؤخذ بقدر معين حتى لا يثير عليك حفيظة إخوانك الآخرين.
    وأيضاً: الإنسان إذا رأى أن الشيء بقدر معين، فعليه أن يغض النظر ويتجاوز، أما لو تتبعنا مثل هذه الجزئيات، فتأكدوا أنه قد يضيع علينا كثير من الأصول الكلية المجمع عليها والتي لم نقم بها، فمن العبث وإضاعة الأوقات أن تكرر مسائل معينة لا جديد فيها، وليس لدينا مقدرة على أن نرجح فيها قولاً من الأقوال، وإنما نستهلكها ونكرر الكلام الذي لا يمكن أن يُؤدي إلى شيء من ذلك.
  3. الفرقة والتفرق

     المرفق    
    السؤال: فضيلة الشيخ: نرجو منكم أن تتكلموا عن موضوع التفرق فإنه مما عمت به البلوى في هذه الأيام، وجزاكم الله خيراً؟
    الجواب: الفرقة عذاب، فالله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- جعلها عذاباً من عنده: { صلَّى رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة فأطال فيها، فتأملها صحابته رضي الله عنهم، فقالوا: يا رسول الله! رأيناك تصلي صلاة رغبة ورهبة، فلم ذلك؟ فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله سبحانه قد أنزل علي ((قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ))[الأنعام:65] }.
    فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما نزلت هذه الآية، صلَّى هذه الصلاة، ورغب إلى ربه سبحانه، وتضرع إليه أن يحفظ أمته من هذه المصائب ومن العذاب أن يأتيها من فوقها، أو أن تغتال من تحتها بالخسف، كما حصل لبعض الأمم، أو أن يلبسها شيعاً ويذيق بعضها بأس بعض، فاستجاب له الله تبارك وتعالى، وقال: {أعطاني ربي اثنتين ومنعني الثالثة -وفي رواية أنها اثنتين- قال: هذه أهون أو هاتان أهون}، فاستجاب له الله سبحانه ألَّا يهلك هذه الأمة بعذاب من فوقها، واستجاب له ألا يعذب هذه الأمة بعذاب من تحتها.
    أما الفرقة والتشيع والتفرق وإذاقة بعضهم بأس بعض، فمنعها الله سبحانه عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    وقد صح في الحديث أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: {إذا وقع السيف في أمتي فلن يرفع إلى يوم القيامة}، فوقع السيف، ووقعت الفتنة، ووقع التفرق في أمور العقيدة، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {تفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة}، وكذلك في الأمور العملية وفي الأحكام فالفرقة عذاب.
    وهي من جانب آخر سنة من سنن الله الكونية التي يجب أن نتلافاها وألَّا نتجاهلها، فالواجب علينا أن نتجنب وأن نتلافى الفرقة ما استطعنا، لأنها عذاب، والله تعالى يقول: ((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا))[آل عمران:103]، وقال أيضاً: ((وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ))[آل عمران:105]، وقال سبحانه: ((إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ))[الأنعام:159] وحتى لو كانت الفرقة في ذات البين على الدنيا، فقد سماها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحالقة، قال: {لا أقول: تحلق الشعر ولكن تحلق الدين}، ففساد ذات البين والخلاف والنزاع كم أضاع على الأمة الإسلامية أشياء كثيرة، وقد ورد في ليلة القدر: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أريها، وأراد أن يخبر بها الصحابة الكرام رضي الله عنهم فتلاحى رجلان -اختصم رجلان- فأنسيها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    الخصومة والفرقة والملاحاه والجدل لا تنتج إلا الشر، ولكن ما دام الخلاف واقعاً، والاجتهادات مختلفة، فما العمل؟
    أولاً: يجب أن نكون مع الحق، ولا نتنازل عن الحق مهما خالفه الناس، قال تعالى: ((وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ))[الأنعام:116]، وقال تعالى: ((وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ))[الصافات:71].
    يجب أن نكون مع الحق ولو قل أهله.
    ثانياً: أن نحرص على توحيد الناس على الحق؛ وذلك بدعوتهم إلى كتاب الله وإلى سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    أرأيتم لو أن الناس اجتمعوا على غير القرآن والسنة، هل نفرح بهذا الاجتماع، ونقول: كلمة واحدة اجتمعت، أم نكره هذه الاجتماع؟
    لا شك أننا نكره هذا الاجتماع، لأننا نريد أن يكون الاجتماع على الكتاب والسنة، فإن كان على غير الكتاب والسنة، فلا خير في هذا الاجتماع أبداً، ولن يكون اجتماعاً مرحوماً ولا معصوماً أبداً، بل يجب أن يكون الاجتماع على كتاب الله وسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شرعاً وواقعاً، فالأمة لا تجتمع إلا على الكتاب والسنة.
    ولو أنك دعوت الناس إلى أي واحد غير محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن أكثر من النصف سوف يرفضونك، ولا يمكن أن يوافقوك، لكن لو دعوتهم إلى الله وإلى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لوجدت أن كل مخلص وصادق قد استجاب لك بإذن الله، أما من أعمى الله بصيرته، وضرب على قلبه حب الخلاف، فهذا لا نفع فيه.
    فنرجو من الإخوة الكرام أن يتحابوا وأن يتوادوا وأن يجعلوا كل الأمور الخلافية موضعاً للبحث العلمي والمناصحة، وأن يعلم كل منهم أنه ينبغي له أن يقبل أخاه على ما فيه من خطأ وعلى ما فيه من عيب، كما قيل:
    ولست بمستبقٍ أخاً لا تلمه            على شعث أي الرجال المهذبُ
    لابد في أي إنسان من عيب، حتى الزوجة، وحتى الأبناء، وحتى الجيران والأرحام والمدرسين، لا بد أن في كل إنسان جانباً مما لا يرضيك ولا يعجبك، كطبع معين لا يعجبك، لكن فيه خير غير ذلك، فخذ الخير منه لتجتمع القلوب وتأتلف -إن شاء الله- على الحق والخير.
  4. التعرف على الواقع المحيط

     المرفق    
    السؤال: كثير من شباب الدعوة في هذه المنطقة يجهل ما يدور حولنا من واقع قد يهدد هذه الصحوة ويهدد عقيدتنا، وذلك لقلة المحاضرات المركزة التي تناقش هذا الواقع المؤلم؛ وتطرح القضايا والأحداث الجارية، فهل تعطينا عرضاً سريعاً لآخر الأحداث في العالم الإسلامي، وخاصة في الجزائر، وإرتيريا وأفغانستان وغيرها؟
    الجواب: الحقيقة أن قلة المحاضرات المركزة في جانب معين مما يهدد الدعوة والعقيدة، لا شك أن هذا نقص مشاهد ومعروف ومعلوم، ومن أسباب ذلك:
    أن أكثر الناس ربما لا يحرصون على هذه المحاضرات أو لا يفهمونها أو لا يرون أنها تمس واقعهم، وأحياناً قد لا يحتاجونها.
    نحن طلبة العلم نقر بذلك، أنهم أحياناً قد لا يحتاجون لمثل هذه المحاضرات المركزة في خطر الواقع، والخطر على العقيدة وعلى الأمة، وإنما يحتاجون إلى المواعظ والمحاضرات العامة التي تربطهم بالإيمان بالله، وبأداء فرائض الله، وهذا خير لا شك فيه، وجوانب الخير لا تتعارض، لكنها تظل جوانب مهمة، فلا يغفل جانب لحساب جانب آخر، فتلافي هذا لا شك أنه أمر مطلوب.
    ويجب على الإخوة الواعين أن يقوموا -بأنفسهم- بما يستطيعون، وأن يستقدموا من يمكن أن يزيد في هذا الجانب؛ لأن بعض الإخوة قد يلوم أو يعاتب من في المدن، فحتى تكون الأمور واضحة على حقيقتها أقول:
    أنت حتى بعض أمورك الأساسية في واجباتك في البيت أو في الجامعة أو في المدرسة، إذا سكتوا عنك تفرح وربما تتساهل، وهذا شيء واضح، وكلنا نعاني من ذلك، لكن مع المطالبة الشديدة تفرح وتستكمل كما قال الشاعر:
    أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته            ومدمن القرع للأبواب أن يلجا
    أما بالنسبة للعالم الإسلامي عموماً فإنه يمر بمرحلة مخاض، وهي مثل مرحلة ما قبل الولادة، وهي كالغلس الشديد الذي يكون قبل طلوع الشمس.
    نحن الآن نعيش في صراعات وتناقضات وفي أحداث غريبة متلاحقة ومتنافرة، وإن شاء الله سيكون بعد هذا المخاض ولادة الأمة المؤمنة، وخروج العملاق الذي سيقود هذا العالم بأجمعه إلى الخير.
    فمثلاً: الجزائر ما كان أحد يتوقع أن تقوم فيها للإسلام راية في مثل هذه السرعة، وإن كنا لا نحب العجلة ونشفق ونخاف منها لكن في الحقيقة أنه قامت فيها نهضة قوية.
    ومن ذلك ما انتشر وعرفتموه -والحمد لله- من فوز الجبهة الإسلامية بأكثرية ساحقة في الولايات، حتى أنه في نفس العاصمة -والعواصم دائماً أكثر المناطق فساداً وبعداً عن الخير- نجد أنه لم تفز الحكومة في حيٍّ واحد من أحياء العاصمة، فحتى أحياء العاصمة فاز فيها الإسلاميون في الانتخابات المحلية، وهذا شيء عجيب، أن يقع ذلك في البلد الذي رسخت فيه اللغة الفرنسية والعادات والتقاليد الفرنسية.
    ووقف الغرب كله، كما تسمعون صوت لندن أو أمريكا أو غيرها يستطيع التقارير، حتى الاجتماع المعقود لرؤساء وزراء دول المغرب الثلاث: من ضمن موضوعاته التي لم تعلن، ولكن أعلنتها بعض الإذاعات: كيف نواجه هذه الجبهة الإسلامية التي بدأت تغزو هذا البلد؟! كيف جاءت؟!
    هذا فضل من الله سبحانه أولاً، ثم بفضل جهود الدعاة إلى الله، وقد استمعت إلى محاضرة للشيخ عباس مدني رئيس الجبهة الإسلامية، ألقاها في الحج قال: إننا أولاً إنما دعونا الناس إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاجتمعوا، وركِّز على هذه القضية، ولم نفرق الأمة إلى شيع أو إلى طوائف وأحزاب متنافرة، بل دعوناهم جميعاً إلى الكتاب والسنة، وذكر هو بنفسه كلمة الإمام مالك رضي الله عنه إمام دار الهجرة عندما قال: ''لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها'' .
    ثانياً: حملنا كل إنسان في الشعب مسئوليته، فنقول له: أنت مسئول أمام الله، هل تختار الإسلام أو تختار غيره؟ هل تأمر بالمعروف أم لا؟ هل تكون عبداً لله أو لـفرنسا؟ أتريد الاشتراكية أم تريد منهج محمد وهو القرآن والسنة؟
    فحمل كل إنسان مسئوليته، فقام الناس قومة واحدة، حتى كانوا في مباريات الكرة، يجتمع في الملعب خمسون ألف أو أكثر، ويظن الناس أنهم اجتمعوا للعب الكرة، وإذا بهم يهتفون بالهتافات الإسلامية، وهذا قبل الانتخابات، فحصلت صحوة طيبة مباركة؛ لأنها دعت في الجملة إلى الالتزام العام بالكتاب والسنة، وفي هذا دليل على أنه لا يجمع الأمة إلا هذا المنهج.
    ونسأل الله -سبحانه- أن يوفقهم فيما بقي وأن يحفظهم! وهذه آثار الدعوات الطيبة:
    دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب وئدت ثم قامت، ثم ماتت ثم قامت، وكذلك الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله فهو داعية ومجدد الجزائر قامت دعوته، ثم جاءت الاشتراكية وقضت عليها، ثم هاهي تقوم من جديد، وهي دعوة سلفية على منهج الكتاب والسنة، ولله الحمد.
    أما في إرتيريا، فهناك الجبهة الشعبية، وهي جبهة ماركسية في الظاهر، ولكنها صليبية في الواقع، ويقف مع الجبهة الشعبية لتحرير إرتيريا أمريكا والغرب كله، وتريد أمريكا من مخططاتها الصليبية العالمية أن تجعل طوقاً نصرانياً في إفريقيا يحد من انتشار الإسلام، وهذا الطوق يشمل إرتيريا التي يريدون أن تحكمها الجبهة الشعبية، وقد سيطرت الآن على معظمها، ويريدون -أيضاً- أن يفصلوا جنوب السودان ويقيموا فيه دولة نصرانية، ثم يربطوا هذا الحزام إلى غرب إفريقيا، حيث يوجد هناك أكثريات مسلمة، ولكن حكامها من النصارى، وكذلك ليبيريا التي تسمعون عنها كل يوم، والمأساة والضحية هم المسلمون.
    فإيجاد هذا الطوق وهذا الحزام إنما هو لمنع انتشار الإسلام، وتغلغل الإسلام إلى جنوب إفريقيا ووسطها، ثم يبدأ يتقلص في الشمال، ولهم دعم للنصارى في مصر، وهكذا يريدون تطبيق هذا الحزام.
    حتى إنهم حاولوا -وهم جادون وقد عملوا من ذلك الشيء الكثير- أن يُنصِّروا دول الخليج، والآن لهم كنائس ضخمة -في كثير من دول الخليج- علنية في الميادين العامة، فيريدون أن يحيطوا هذا البيت الحرام وهذه القلعة من قلاع توحيد الله، بسياج نصراني، ولذلك فإن كل المساعدات التي تتلقاها الجبهة كلها من الغرب ومن أمريكا، مع أنها تعلن أنها ماركسية أو شيوعية، وكذلك من حكومة إثيوبيا النصرانية.
    المسلمون ظهروا وعندهم فكرة، ولها الآن أكثر من سنة، وهي لماذا لا نجتمع؟ فاجتمعوا وعقدوا ميثاقاً فيما بينهم على أن تكون دعوتهم وجهادهم على الكتاب والسنة، فسموها حركة الجهاد الإرتيري، واتفقوا على ألا يكون للحركة أي منهج إلا منهج الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح لها، لا ينتسبون إلى أية فرقة أو إلى أي مبدأ غير كتاب الله وسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومعظمهم من خريجي الجامعة الإسلامية بالمدينة، فقاموا وإذا بتباشير النصر وتباشير الخير -والحمد لله- تأتيهم من كل جهة، فتوحد أكثر الإرتيريين تحت قيادة هذه الجبهة، ثم بدءوا في أعمال ميدانية، نسأل الله أن يبصرهم وأن يوفقهم وأن يحفظهم.
    فأهم خطوة للنصر هي الاجتماع على الكتاب والسنة، وما بعد ذلك فسيأتي بإذن الله، وإن كان بعد الابتلاء والامتحان، كما حصل للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وللصحابة.
    فنحن ندعو الله لهم بالثبات. وأيضاً ننصح لهم بما نستطيع أن يثبتوا على أن يكون منهجهم منهج الكتاب والسنة، قال تعالى: ((وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ))[الحج:40]، هذا المنهج من تمسك به نجا وفاز بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
    أما أفغانستان: فالقضية الأفغانية هي القضية الأولى المعروفة في الساحة -والحمد لله- والكل يعرفها حتى العوام، وحتى النساء، وحتى الأطفال يعرفونها، ولكن ما قد يخفى من تفاصيلها أنه بقدر ضخامة الجهاد الأفغاني والهزة الهائلة التي أحدثها في موازين القوى العالمية، وبقدر صمود هذا الشعب المسلم في وجه هذه الدولة العاتية، بقدر ذلك كان التخطيط المقابل الذي نغفل عنه دائماً، عندنا دغدغة العواطف والبهجة والفرح فقط.
    نركز على جانب التفاؤل ولا نحسب الحساب للحذر، والله تعالى أمرنا أن نأخذ حذرنا دائماً، وأن نكون حذرين من المجرمين، وهذا الذي جعل اللعبة الدولية تحاك بأن يخرج الروس من أفغانستان، فإذا خرجوا ستضعف المقاومة، وسيضعف التفاعل في العالم الإسلامي: من التبرعات، والمساعدة المادية والمعنوية، وكل شيء سيضعف؛ لأن الناس يرون أن الروس قد خرجوا.
    والشيء الآخر:أن الحكومة الأفغانية الموجودة تنادي بشعارات إسلامية، أصبحت تعرض مواعظ، وتعرض الصلاة، وأبيحت حتى في معسكراتهم!
    وكثير من الأسئلة تقول: نريد أن نقاتل الشيوعيين، أو نطلق عليهم النار؛ فإذا بهم يؤذنون ويصلون؟! فهم قد عرفوا سر اللعبة! الشيوعيون قالوا: هؤلاء جاءوا للجهاد على أساس أن هناك مسلماً يقاتل كافراً، فلا شك أن كثيراً من الناس يتحرز من قتال المسلم وهو يصلي، ويقول: لا إله إلا الله.
    الأمر الآخر: قالوا: لو استمر الجهاد بهذه القوة، وأخذ جلال أباد ثم كابل، ستقوم دولة إسلامية، وستكون خطراً على تركستان والبلاد الإسلامية التي تحتلها روسيا من جهة.
    وإذا ظهرت العملة الأصيلة فإن الدنانير الزائفة سوف تختفي من السوق.
    أي: لو قامت دولة إسلامية نقية، كما يسمونها في لندن وغيرها حركة وهابية، فلا شك أنها ستفضح واقع المنطقة التي حولها، فرأوا أنه يمكن أن يجمع بين هذه المتناقضات بأن يجتمع الأفغان على الملك أو أي رئيس آخر لا يكون من المجاهدين الوهابيين أو المتطرفين، بمعنى أن يكون إنساناً ديمقراطياً علمانياً مرناً يُحب الغرب، ويعيش مع الغرب، وينادي بالحرية الإنسانية والديمقراطية وحكم الشعب.. إلى غير ذلك؛ فيجتمعون عليه.
    فبعض المجاهدين رأى أن المصلحة في هذه المرحلة الآن أن نغض النظر ونقبل هذا حتى نقوى أكثر، والبعض يقول: إذا استسلمنا من الآن فإن ذلك سيجعلنا نستسلم فيما بعد؛ فحدثت مشكلة.
    كذلك حدثت مشكلة الروافض أعداء الله ورسوله، الذين يقفون مع كل عدو ضد المسلمين.. فإنهم قد قاموا يطالبون بمقاعد في البرلمان، ومن الوزارات، ومن الزخم الإعلامي ما لم يبذلوا من أجله أي شيء، وهم لا يستحقونه؛ بل يجب ألَّا يُشرَكوا أبداً في أية حكومة، فالحكومة الإسلامية لا يجوز أن يشرك فيها أعداء الله ورسوله وأعداء الكتاب وأعداء السنة..!
    أيضاً: هم يشكلون عاملاً آخر... وهكذا؛ فنتيجة لذلك حصل ما ترونه الآن من المراوَحة في موضع واحد، وعدم التقدم الحاسم السريع لهذه القضية.. ومع ذلك نقول: إن إيجابياتها كبيرة جداً والحمد لله، وإن المستقبل للإسلام.
    إن إخواننا هناك يحتاجون منا الدعاء بالنصر والثبات على الحق، ويحتاجون -أيضاً- أن نمدهم بالدعوة وبالرأي الصائب لكي يستقيموا عليه لينصرهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ويحتاجون إلى المساعدات المادية التي تقلصت عليهم في الفترة الأخيرة، وأصبحوا يشكون من تقلصها، وهم في أشد الحاجة إليها مع ظروف الحرب، وهناك أيضاً ظروف البيئة والحر.. إلى غير ذلك، ونسأل الله سبحانه أن ينصرهم وأن يظهرهم على عدوهم، وأن ينصر الإسلام والمسلمين في كل مكان.. إنه سميع مجيب.
  5. الحداثة وأبعادها

     المرفق    
    السؤال: إن الحداثة لها وجود هنا، فما تعليقكم على ذلك؟
    الجواب: الحداثة الكلام فيها يطول، ولكن مدى وجودها في المنطقة هو الذي يحدد، فلاشك أن عندنا هنا فيما رأيت وسمعت أن الحداثة في الفترة الأخيرة تحاول أنها تذهب إلى الأرياف وإلى المدن والمناطق النائية وخاصة في الصيف؛ لأن في المدن الرئيسية قد ظهرت عوارها وبان بوارها، وقام في وجهها -ولله الحمد- الدعاة في كل مكان.
    الحداثيون باسم التحديث الشعري، وباسم التجديد في القصيدة العمودية وغير العمودية، وباسم استيراد مناهج نقدية أدبية، بهذه الأسماء يريدون طمس دين الإسلام، حتى لو قالوا: لا نريد أن نُغير ولا أن نهدم إلا اللغة، وأن التجديد الذي نطالب به هو فقط في اللغة، فإن ذلك هدم للإسلام؛ لأن من يهدم لغة القرآن فقد هدم القرآن.
    وكذلك هدم العقلية الإسلامية، فلا شك أن هدمها -وهي عقلية تزن الأمور بالميزان الإسلامي الصحيح وهو أنقى الموازين وأصفاها- هدم للأمة؛ لأننا عن طريق هذه العقلية نقول لهم ونبين لهم ونبلغهم كتاب الله وسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهم ينظرون إلى أحوال الأمم ويستقرئونها بهذه العقلية.
    الحداثة تدمر -مما تدمر- المنهج العقلي في التفكير؛ لأنها عبارة عن ثورة في أوروبا، ويسمونها في أوروبا ثورة اللامعقول على العقل، أو ثورة اللاعقلية ضد الاتجاه العقلي، تثور على العقل ومعايير العقل وأحكام العقل بالكلية! فهي أحلام وتخيلات..!
    حتى إن بعضهم يقول: إن أساس الحداثة هو الجنون، أي: أساس التعبير الحقيقي عن النفس الإنسانية هو الجنون، وبعضهم يقول: إنها الأمر الباطن، ولذلك يعتمدون على الأحلام والرؤى والخيالات، ويقولون: يستحيل أن تناقش القصة أو القصيدة على أي أساس عقلي.
    فإذا قلت مثلاً: لماذا يُشبِّهُ الشاعر أو الأديب هذا بهذا، والعقل لا يوافق على هذا التشبيه؟ فإنهم يقولون لك: أنت الآن تناقش إلى العقل، ونحن نرفض أحكام العقل! وبهذه الطريقة يهدمون العقل وطريقة التفكير السليم، ولا شك أن ذلك يجعل الأمة ضائعةً هائمةً، لا تعرف هدىً، ولا تعرف حقاً ولا خيراً، ولذلك تعد الحداثة من وسائل هدم العقلية الإسلامية.
    وهناك في هذه المنطقة ترويج لما يُسمى بالفن التشكيلي، والفن التشكيلي لا يقوم على معايير عقلية واضحة، أو الرسم: الأصل أن يكون الحكم على المبدع فيه واضحاً بالمعايير العقلية حتى يرتقي هذا المبدع، لكن عندما تكون المعايير غير عقلية، فإنه لا يرتقي إلا من يراد له أن يرقى! يمكن لواحد أن يرسم لوحة طولها عشرون متراً -مثلاً- يبذل فيها ألواناً وجهداً، فعندما يراها أي شخص من الحداثيين، فإنه يقول: هذه كلاسيكية لا تصلح! لأنه لا يوجد له معيار عقلي، وإذا جاء واحد يرسم أي شخابيط، قالوا: لوحة ممتازة ورائعة! ويُعطَى جائزة نصف مليون!
    إن الذين يدعمون هذه الحركة يريدون ضرب المعايير؛ حتى يعلوا شأن من يريدون ويخفضوا شأن من لا يريدون، فتبقى المسألة تحكماً غير عقلي؛ لأنها قضت في الأصل على معايير العقل، وهذا ما يمكن أن نشير إليه -في هذه العجالة- عن الحداثة وواقعها، كذلك ننبه إلى أنها لم تنته، ولكنها غيَّرت أساليبها، وغيَّرت الأقنعة؛ لأنها ترتدي أي قناع يمكن أن ترتديه.
  6. عرض الأفلام المدبلجة للأطفال

     المرفق    
    السؤال: هذا يسأل عن أفلام الأطفال المدبلجة التي تعرض في التلفاز؟
    الجواب: سبق وأن تكلمنا عن خطر وسائل الإعلام، وزيادة على ذلك نقول:
    إن الطفل بالأخص مستهدف بشكل أكبر، وخاصة الطفل المسلم الذي هو شاب الغد، ومعنى ذلك أن الحكم على أية أمة من الأمم ومعرفة مستقبل أية أمة من الأمم رهن بواقع أطفاها ومنهج أطفالها.
    فمن نعم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على هذه البلاد، وعلى دول الخليج بالذات -دول البترول- أن نسبة المواليد فيها أعلى من نسبة الوفيات، وهذا عندنا طبيعي والحمد لله.
    أما في أوروبا، فهناك مشكلة خطيرة جداً في أكثر دول أوروبا وهي أنها تعاني من أن الوفيات أكثر من المواليد، فتراهم يهتمون بمسألة الزواج وعودة المرأة إلى البيت ولو بشكل جزئي، ويهتمون بقضايا تكثير النسل والإعانات، وقد رأوا أننا لو تفوقنا عليهم بشرياً، فإن ذلك سيكون تهديداً خطيراً لهم.
    فمثلاً: هولندا مثل الكويت تقريباً في المساحة، فـالكويت سكانها تقريباً مليون، إلى مليون ونصف، وهولندا سكانها أربعة عشر مليون! وهذه الكثافة السكانية العالية هي سر من أسرار قوة الغرب، ولذلك كان من جملة ما يريدونه لنا تأخير سن الزواج، والدعوة إلى عمل المرأة، حتى يتعطل الزواج، ويستمروا في تفوقهم علينا.
    ومن جملة ذلك أيضاً: أنهم يريدون هدم عقلية الشباب وتحطيم الطفل المسلم، لأن هذا عامل من العوامل المادية المحسوسة لتفوق أية أمة، فعدوهم الخطير هو الشرق لو استطاع أن يكون أكثر منهم بشرياً، ثم وجهت طاقته البشرية بالعقيدة الصحيحة.
    اليهود يسعون إلى أن يأتي اليهودي من روسيا ومن الحبشة ومن كل مكان، ويحرصون على الطاقة البشرية.
    وكندا واستراليا وغيرها من الدول تحرص كل الحرص على الطاقة البشرية، وعلى توجيه الطاقة البشرية.
    وفي أمريكا يخصصون قنوات معينة للأطفال، مع أنهم في ضلال الكفر وظلامه، ونحن هنا -مع الأسف- الطفل عندنا مهدر، يجلس أمام التلفزيون كما يشاء، ولو عملت إحصائية عن نسبة ما يقضيه الطفل مع أبيه بالنسبة لما يقضيه أمام التلفزيون أو في الشارع، لربما كانت النسبة مفزعة لنا، وكثير من الناس لا يعرف عن ولده شيئاً.
    فقد حدثني مدير مدرسة في مكة، قال: أحد الطلاب كان عنده كفاءة ونجح، ولم أدرِ في نصف العام إلا وقد جاء والده يسأل عن ابنه قال: أنا أريده، قال المدير: قلنا يا والد! ولدك نجح العام الماضي والآن هو في الثانوية.. لا يدري الأب في أية سنة وصل الابن وهما في بلد واحد، والمدرسة في الحي نفسه وليست بعيدة!
    فإذا كان الأب لا يدري عن ابنه في أية سنة هو، فإنه بلا شك لا يدري مع من يمشي، ولا يدري مع من يعيش..!
    بل بعض الآباء يعتبر التلفزيون حلالاً! فيترك الأطفال في البيت يرونه، ويرون هذه المسلسلات المدبلجة -كما يسمونها- ويرون الفساد والانحطاط.. وكثير من هذه المسلسلات وضعت وصممت للطفل الأوروبي الذي لا يؤمن بالله ولا بالآخرة، والذي ليس له هدف أو معيار إلا معيار الوطنية أو الجد أو العمل فقط، وغيرها من المعايير التي يعيش عليها الغرب الكافر؛ لأنه لا هم له غير هذه الحياة الدنيا، أما الطفل المسلم فيجب أن يتربَّى على أن يطيع الله ورسوله، وأن يتبع الله ورسوله، وأن يحب الصحابة والتابعين، وأن يعرف قادة الإسلام الذين لا يعرف عنهم أكثر أطفالنا أي شيء، ويعرفون عن أبطال الكرة وأبطال الفساد والتمثيل والخلاعة الشيء الكثير..!
    وهذه المشكلة التي يعاني منها أطفالنا لا تقتصر على الأفلام، بل هي عامة في وسائل تربيتنا، وكلكم راع وكل راع مسئول عن رعيته!
    وهؤلاء الشباب -وكل مولود يولد على الفطرة- فيهم تقبُّل، وفيهم استجابة، وهم في هذه الجزيرة التي هي معدن الخير، فكما ظهر الصحابة -رضي الله عنهم- فمن الممكن أن يظهر منهم جيل يقاربهم ويحاذيهم، وإن لم يكن مثلهم، ولكن يسير على طريقهم؛ فالطفل إذا حُفِّظ القرآن حفظه، فهم أبطال في صورة أطفال! لكنهم وَجَدوا من يُهدِر طاقتهم، ووجدوا من لا يستوعبها ومن لا يهذبها؛ فأصبحت ضائعة.
    فهذه أمريكا دولة كافرة فاجرة!! لكنها تخطط لتسيطر على العالم وتتحكم فيه، والله ما أورثها الأرض اصطفاءً لها ولا تكريماً لها، وإنما لأنها تبني أمورها على تخطيط.
    جمعت كل المسئولين عن قطاع التربية والتعليم وهم على مستوى عالٍ في البلد، وعملوا دراسات مكثفة.
    (ليسوا مثلنا! فاللجنة عندنا تجتمع: عضو يكتب، وعضو يوقع، والثالث لم يحضر! وأحياناً نستأجر لجنة خبراء من الخارج لدراسة موضوع طلابنا)
    واجتهدوا في اجتماعات طويلة، ثم لخصت التقارير بعد اجتماعات كثيرة في كتيب، وقد ترجم إلى اللغة العربية، وهو موجود في الأسواق عنوانه أمة معرضة للخطر، حبذا أن يقرأ كل مدرس هذا الكتيب.
    هذا الكتاب هو تقرير اللجنة، وبعد دراسة الحكومة له أمرت أمراً إجبارياً أن ينشر في جميع وسائل الإعلام: في التلفزيون، والإذاعة، وفي الصحافة، وفي المدارس، وفي الاجتماعات.. وأن يُعاد نشره عدة مرات حتى يصل إلى كل أذن في المجتمع!!
    انظر القوة في الأمر، يعلنون بكل صراحة أن مستوى التعليم في بلادهم منحط، وأن وسائل التربية متدهورة، وأن الطفل مستواه كذا، فيذكرون كل المساوئ، ولا يذكرون الإيجابيات والإنجازات، وهم أعلى أمة في الإنجازات، إنما ذكروا المساوئ والأشياء التي يجب أن تتلافى، وأنهم إذا لم يتلافوها فإنهم أمة معرضة للخطر..!
    فهؤلاء الكفار انتبهوا إلى ضرورة التربية، وإلى أهميتها، وأن الطفل هكذا يجب أن يكون، وهكذا يجب أن يُربى، واللجان تتبعها لجان، والدراسات تتبعها دراسات، ويتبعها عمل، ليروا أسباب تفوق الطفل الياباني على الطفل الأمريكي... وهكذا!
    ونحن مستوى التعليم لدينا ينحط ويتدهور بشكل فظيع مريع! أما في أول أيامنا فالإخوة يذكرون أن الإنسان كان إذا بلغ سادس ابتدائي، فإنه يصبح شيخ القرية وخطيب الجماعة، يفهم كل شيء، فكان مستوى سادس كلمة مدح عظيمة، أما الآن فقد يتخرج من الجامعة، وهو لا يحسن أن يكتب صفحة، وإذا كتب لا تدري ماذا يريد..!
    يُكتب لنا في كل محاضرة كثير من الأسئلة لا نستطيع أن نقرأها، وربما يوجد في السطر الواحد عدة أخطاء: إما في النحو، أو أخطاء علمية.
    فالتعليم في بلادنا مستواه منحط، ويجب أن نقولها بأمانة: يجب على رجال التربية والتعليم أن يقدروا ذلك، وأن يتقوا الله في أطفال خير أمة أخرجت للناس، وفي الشباب الذي لو ربي تربية سليمة قويمة لكان على ما يرضي الله، ولكان أكبر عدو وأكبر شوكة في نحور أعداء الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
    القرآن الذي قُلصَ في المناهج وفي الحصص وفي الحفظ: لماذا يُقَلَّص؟ مَنْ وراء ذلك؟ لماذا لا نفكر؟ والحر تكفيه الإشارة..!
  7. فكرة إنشاء معهد تمريض للنساء

     المرفق    
    السؤال: ما رأيكم في فكرة إنشاء معهد للممرضات في الباحة؟
    الجواب: فكرة إنشاء معهد للتمريض للممرضات في منطقة الباحة حقيقةً فكرةٌ مؤسفة جداً، ولو لم يكن إلا مجرد إقرار الفكرة فقط، حتى لو لم ينجح المشروع، لكن وجود الفكرة وأنها تنتشر، وأن توزع أوراق الاستبانات، والناس منهم من شارك ومنهم لم يشارك، ومنهم من عبأها، ومنهم من لم يعبئها، فمجرد قبولنا للمبدأ مشكلة، وزادني ألماً أن بعضهم قال: لماذا لا نتصل بالوزارة؟ وقالوا: إن مدير عام المعاهد الصحية هناك من أبناء المنطقة، سبحان الله! إن صح هذا الذي بلغني، فهو والله شيء عجيب جداً!!
    نحن الذين نعرف مساوئ وفساد التمريض، وما هي الجناية التي تكون على الممرضة نفسها! دعك من فساد المجتمع من أجلها! هذه الشابة الفتاة التي في بيتها تستنكف وتستكبر أن تخدم أمها تذهب خادمة للرجال الأجانب والأغراب!
    والآن مع الأسف أصبح الأغراب أكثر من أهل البلد!
    تخدم الأغراب من كل دين ومن كل جنس ولون، ويقال: تخدم الوطن! وكله في خدمة الوطن!
    هذا الوطن إذا جعلناه بهذه المثابة فقد جعلناه وثناً وليس وطناً، فديننا وقيمنا وأصالتنا المشتقة من ديننا خير لنا ألف مرة من الشعارات الزائفة التي تلبس علينا...!
    أقول: إن الفكرة قد بدأ يروج لها، فيجب عليكم -وهذه أمانة ننقلها إلى كل من هو حاضر ومن يسمع هذا الكلام ومن يستطيع أن يبلغه- أن تقفوا صفاً واحداً في وجه هذا الشر حتى لا يُنَفَّذَ؛ لأنه بلا شك سيكون فتح باب من أبواب الشر، فاتقوا الله في أعراضكم، واتقوا الله في بناتكم، واتقوا الله في هذا الجيل، فكل امرأة مسلمة وكل فتاة مسلمة فهي عرضك، وإن كنت لا تعرفها، وإن كانت في أطراف الهند أو في أندونيسيا.
    والله إننا نخاف من استخدام الإندونيسيات أو الفلبينيات أو غيرها، ومن الفساد الذي حصل من الإتيان بهن هنا ولا سيما المسلمات منهن، وما يتعرضن له من الأذى والابتلاء، ويؤلمنا والله ذلك أشد الألم؛ فكيف نرضى ذلك لبناتنا، ونحن في هذه المنطقة؟
    قد يقال: من يمرض النساء؟
    وأنا أقول: ليس الحل أن نرتكب الأخطاء، ثم تترسخ الأخطاء، ثم تزيل الأخطاء بأخطاء أخرى ومحرمات!!
    الحل الصحيح أنه يجب علينا وجوباً -وليس مجرد استحباب- أن يكون عندنا مستشفيات نسائية خاصة تتعلق بجميع أمور المرأة.
    والضرورة لها أحكام، فمثلاً: عملية ضرورية يجب أن يقوم بها رجل، لا أحد يخالف في ذلك، لكن الولادة وعموماً كل ما يتعلق بالنساء يجب أن يكون في مستشفيات نسائية خاصة، هذا هو الحل الأول.
    فإذا وجد ذلك، ورأينا أنه لابد من دخول بنات معينات ضمن هذا المجال، كما في تعليم البنات، فإننا نفكر آنذاك في ذلك، أما الآن فمن المعروف أن الممرضة لن تعمل إلا في مستشفيات بين الرجال، فكيف يكون الحال؟ هل تقضي هذه الممرضة على شبابها؟ ومن يتزوج هذه الممرضة؟
    الآن الجامعيات ما وجدن من يتزوجن بهن، فكيف بالممرضة؟! هدمت مستقبلها، وهدمت عرضها، لأنها تساوم على عرضها، والمرأة ضعيفة، وقد يقال لها: أنتِ لن تترقي أو تصبحي كذا إلا بمساومة! قد يطلب منها أن تسافر بمريض، فتنفتح عليها أبواب الشر.
    نحن الآن نشكو من واقعنا الحالي الموجود الآن في المستشفيات وغيرها، فكيف إذا أصبحت البنت ممرضة؟!
    لو أن واحداً منا عرض عليك وأتاك، وقال لك: يا أخي! أنا عندي عجوز كبير أو عجوزة كبيرة، عمرها ثمانين سنة، وأنا سمعت أن ابنتك متعلمة، وتستطيع أن تضرب الإبر، فأريدك أن تأتي بها عندي كل يوم أربع ساعات، أو كل وقت تشرف عليها وتراقبها، وأنا أعطيها خمسة آلاف أو عشرة آلاف ريال؟
    أقول: يمكن أن يقاتلك ويقول: هل بنتي خدَّامه عندك يا كذا ويا كذا؟!
    لكنها في المستشفى سوف تخدم العمال والأغراب والأجانب، ثم نقول: هذه خدمة للوطن! وهذا لا شيء فيه! لأننا فقدنا المعايير، والله المستعان..!
    فيا إخوان! لا تغرنا الشعارات، لو فتح المعهد، وأنا واثق أنه لن يفتح، ولكن لو فتح فاعلموا أنه سيكتب في الجرائد: تقدم جديد! وإنجاز حضاري! وتطور في منطقة الباحة..! وخذ لك من هذا الكلام.
    وعند حفل الإفتتاح يقال: هذا الإنجاز! وهذا التطور! ومن مثل هذه الشعارات التي خدعتنا وضيعتنا: التطور السياحي! والتطور العمراني! وقعنا في التطور هذا ونسينا ما أنزل الله، ونسينا أحكام الله، ونسينا كيف نعبد الله! كله تطور وتطور وإنجازات!
    بينما -والله- لو بنينا هذا التطور وهذا التقدم وهذه الإنجازات على كتاب الله، وراعينا فيها حدود الله، لنفوزن في الدنيا والآخرة، فوضعنا بالنسبة إلى أمم الكفر في الدنيا ما هو بشيء، لكن لو بنيناها على تقوى الله، فإنه سيبارك لنا في أموالنا وفي حضارتنا، فيجب أن تكون حضارتنا حياة إيمانية حقيقية، يكون الأصل فيها والسمو والرفعة والمنزلة والمكانة للتقوى وللعمل الصالح النافع وللإحسان وللعدل وللفضيلة، أما هذه الخرسانات الجاهلة من التراب أو معايير مادية معينة نجعلها هي المعيار ونهدر الدين والشرف والكرامة والعرض، من أجل مثل هذه السفاسف التي لا تليق بنا كأمةٍ من أمة الإسلام عموماً، وبما لنا من أصالة خصوصاً.
  8. تقصير الآباء في دفع أبناءهم إلى حلقات القرآن الكريم

     المرفق    
    يقول السائل: إن لدينا في هذه المنطقة هنا حلقات للقرآن الكريم، إلا أن الإقبال عليها قليل في بعض القرى، وهذا نتيجة عدم رغبة الآباء في ذلك، بدعوى أن الطالب إذا ذهب في العصر إلى مدارس تحفيظ القرآن والتي هي ساعة تقريباً، فقد يضيعون الدروس الصباحية، نرجو توجيه الآباء؟
    الجواب: نحن أحياناً مثل الذي يُضحي بالدجاجة من أجل البيضة! ما فائدة العلم؟!
    والله ليس لنا قيمة لا عند الله ولا عند الناس ولا في أي مجال ولا بأي معيار إلا بالكتاب والسنة!
    ثم نقول: إذا حفظ القرآن ضاعت عليه الجغرافيا والفيزياء والرياضيات!
    نحن لا نحتقر هذه العلوم، ولكن أي علم أنت خلقت لأجله ولتعلمه والحرص عليه؟
    لماذا إذا جاء دوري الرياضات والألعاب فإنك تجعله يشارك فيها؟! حتى إنه قد يعطى إجازة رسمية؟! يضيع عليه شهر أحياناً، وبعضهم شهران أو ثلاثة، ويقول لك: هو في دورة رياضة! فإذا جئنا عند القرآن ترى الأب يقول: والله ما ضيع ابني إلا القرآن وقت العصر! بعض الآباء يقولونها، يقول: ما ضيعه إلا فلان وفلان لما جاءوا وقالوا له: تعال! اقرأ القرآن، وإلا فإنه قد كان الأول في المدرسة..!
    إذا وجد بعض رفقاء الخير، وأصبح يسمع ندوات طيبة ومحاضرات طيبة، فحتى لو لم يحقق أي شيء، إذا اهتدى واستقام فهذا خير عظيم، لا نقول: يستقيم الطالب ويضيع دراسته!
    لكن والله من عرف قيمة القرآن، فسيعرف قيمة غيره من العلوم، وأن من وفقه الله لحفظ كتابه، فسيوفقه لغيره من العلوم.
    وقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {إن الله ليرفع بهذا القرآن أقواماً ويضع به آخرين}.
    وأنا أعرف بعض الناس كان يحرص أن يأخذ ولده شهادة عليا في بعض المجالات، فحفظ الابن القرآن، ولما حفظ القرآن أعطاه الله من النور والبرهان حتى صارت له منزله عالية، فقلت لأبيه: ما رأيك لو كان ابنك طبيباً هل كان ذلك أحسن؟ فقال: لو تؤتى له الدنيا كلها ما أريدها.
    فيجب علينا أن نحمد الله سبحانه أنه يوجد من احتسب وأنشأ هذه الجماعة -جماعة التحفيظ- واجتهد وبذل وقته من أجلها، وأن نتبرع لها وأن نشجعها بقدر استطاعتنا.
  9. ما يواجهه الشاب المستقيم في بيته

     المرفق    
    السؤال : الشاب الذي يستقيم في أسرة يواجه أمرين: الأمر الأول: أنه يسكن مع أسرة عندها بعض المحرمات من أغاني أو تلفزيون أو فيديو أو غير ذلك. الأمر الثاني: يذهب إلى خالته، أو إلى أخته ليسلم عليها، فيحضر بنات الخالة، ويحضر من لا يجوز أن يكشف عليها فتكشف؟! الجواب: هذا جزء مما يعانيه الشاب إذا استقام. فأولاً: نوصي هذا الشاب بالصبر، ونعلم أن هذا الدين لا يقوم إلا بالصبر على هذه الأمور وعلى غيرها مما سيجد من عقبات، ولكن -أيضاً- ننصح الإخوة الآباء والأمهات أن يتقوا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في أبنائهم، وأن يفرح الأب إذا وجد من أبنائه من ينكر عليه هذا المنكر وأن يخرجه من بيته. وكذلك الأم تحمد الله وتفرح أن يوجد في بيتها ومن أبنائها من يقول: هذا حرام وهذا حلال، ويبين لها الحق لتجتنبه، فهذه نعمة، فبدلاً من أن تقام عليها الحجة من الخارج، يأتي ابنها ويعلمها ويقول لها. فيجب عليك أن تصبر وتحتسب وتدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة، كما يجب على الآباء أن يتقوا الله في مثل هذا الشاب، ولا يضيعوه ولا يرغموه على ما لا يريد من المحرمات.
  10. الطريقة المثلى لاستغلال الوقت

     المرفق    
    السؤال: هذا شخص هداه الله يقول: إنه كان في المعاصي وهداه الله، وهو نادم على كل لحظة ضاعت من وقته، والآن يريد أن يطلب العلم، فما هي الطريقة المثلى لترتيب الوقت والاستفادة منه؟
    الجواب: هذا فضل من الله، وهذا الندم من خير ما ترجو عند الله، ويرجو كل واحد منا ذلك من ندمه على ما فرط من عمره، وخوفه من عذاب الله سبحانه، وخوفه من ذنوبه ومعاصيه، هذا الخوف نفسه نرجو به أن ننال رضا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عنا؛ لأن النفاق ما خافه إلا مؤمن، ولا أمنه إلا منافق.
    ويرى المؤمن ذنبه كالجبل يكاد أن يقع عليه، أما المنافق مهما كسب من ذنب، فهو ينظر إليه كذباب وقع على أنفه ثم طار..!
    فالخوف من الذنوب أمر محمود، ونسأل الله أن يجعله وسيلة لهذا الأخ ولنا جميعاً إلى أن نجدَّ في طلب الطاعات وفي كسب رضا الله فيما بقي من أعمال.
    أما طلب العلم فيختلف بحسب رغبتك أنت واهتمامك ومجالك الذي تريد أن تطلب فيه، وأيضاً بحسب وقتك وظروف عملك.
    أقول: عليك أن تجتهد بما تستطيع وتستعين بالله سبحانه { ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً يسَّر الله له به طريقاً إلى الجنة } بإذن الله.
    وهنا قضية مهمة واقعية، فالشاب أول ما يهتدي وأول ما يستقيم يكون له دافع تعويض ما فات، ينظر إلى الشباب المستقيمين: هذا له عشرين سنة يصلي وأنا ما كنت أصلي، وهذا يقرأ القرآن وأنا ما كنت أقرأ إلا اللهو أو الحرام، هذا يجتهد في الطاعة وأنا كنت غارقاً في المعاصي، فيشعر أنه فات عمره، والعمر لا يعوض، فكل شيء قد يعوض إلا الوقت، فما ذهب ذهب وانتهى، وكما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أعمار هذه الأمة ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك}، فإذا كان الآن في الثلاثين أو العشرين فقد ذهب ثلثه أو نصفه، إذاً هذه مشكلة، إذا تأملها العاقل -وكل من يهتدي فقد عقل- فإنه يفكر هذه الأفكار، فيكون عنده قوة وحماس، فيأتي على المنكرات، ويقول: اليوم لا بد أن نطهر البيت من الفساد،ونغير الكشف، ونقضي على الاختلاط، ونغير كذا في العائلة، ونفعل ونفعل، فأول ما يبدأ يبدأ بهذه القوة وبهذا الحماس، فيضعف بعد فترة:
    أولاً: لأنه تحمل من البلاء ما لا يطيق، وهو لا يزال ضعيف البنية، ولا يزال يزحزح صخرة أو جبلاً قوياً فلا يستطيع.
    ثانياً: لأن الإيمان يزيد وينقص! ولا بد من مراعاته ومتابعته وتجديده، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب}، أي: مثلما يبلى الثوب يبلى الإيمان، فجددوا إيمانكم، جددوه بذكر الله، وبقراءة القرآن، ومجالسة الصالحين.. وهكذا؛ فالإنسان يكون في حالة حماس، ثم قليلاً قليلاً.. لا يدري إلا وقد فتر، بعد القيام النشيط إلى طاعة الله يضعف، بعد الاهتمام القوي في القرآن تراه بعد فترة يقول: والله ما قدرت أحفظ إلا جزءاً، وبعد ذلك انقطعت ثم فترت..!
    الإيمان يزيد وينقص، ويحتاج دائماً إلى دفع مستمر، إلى شحن زيادة حتى لا يضعف، كلما أراد أن يضعف نقويه، والهمة تحتاج إلى تجديد، بل مع التفكر في هذه الأمور ومع الانتباه والاحتراس -إن شاء الله- نتلافى الفتور.
    ومن أهم أسباب تلافي الفتور: مصاحبة الإخوة الأخيار، لأنه إذا صادف عندي حالة ضعف، فتكون عند أخي حالة قوة، وبعضنا ينشط بعضاً، أما الإنسان وحده فيضعف ويخمل وهو لا يدري.
  11. الإحسان في معاملة العمال الأجانب

     المرفق    
    السؤال: ما رأيكم فيمن يأكل أجور العمال، مثلاً: من يريد تجديد الإقامة يأخذ منه مالاً، وعندما يريد السفر إلى أي مكان يلزمه ورقة من الكفيل، فيأخذ منه ثمن هذه الورقة، مثل العلماء الذين يعملون في الخارج؟
    الجواب: الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقول في الحديث القدسي: {يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا}، ويقول تعالى: ((وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً)) [الكهف:59]، ويقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {الظلم ظلمات يوم القيامة}.
    ومن أعظم الظلم أكل أموال الناس بالباطل، وأكل حق الأجير ومال الأجير، ولنا عبرة في الذين أطبقت عليهم الصخرة، لما أحسن إلى الأجير،تضرع إلى الله، فكشف الله عنه هذه الصخرة، مع دعاء الآخرين.
    هذه من الأمور التي أخذت صورة غريبة في واقعنا، وما كنا نظن أنها تصل إلى هذه الحالة، هي صورة الرق، ولكن في صورة عصرية، وأشبة بالرق، لما تجد من المرارة والشكوى التي اطلعت عليها وسمعتها منهم، ويمكن أن يكون في الخفاء ما هو أعظم من الشكاوى التي في مراكز العمل والعمال.
    بعض العمال يشكو أنه لا يُعطى راتبه عدة أشهر، وبعضهم يعطى فقط مصروفاً معيناً على قدر النفقة، مثل الدابة تعطيها علفاً من أجل أن تعيش لتخدمك، أما يشعر الإنسان أن هذا الرجل وراءه أسرة، ووراءه التزام؟! وبعضهم يقول: إما أن تفعل كذا وإلا سفرتك! أصبحت وسيلة للتكسب، رق في صورة عصرية! يتكسب الإنسان بعرق عباد الله!
    فنسأل الله أن يحفظ لنا هذه النعمة، فقد كان آباؤنا يخدمون في المدن، وبعضهم قطعوا البحار إلى الحبشة وغيرها، يخدمون الناس مثل هؤلاء العمال ليحصلوا لقمة العيش، والآن نسينا لما أنعم الله علينا، وأصبحنا نتحكم في رقاب خلق الله من جميع البلاد.
    وهذا الكلام أقصد به العمال المسلمين؛ لأن الكفار -أصلاً- لا يجوز دخولهم هذه البلاد، فالعمال كلهم يجب أن يكونوا مسلمين، وإذا كانوا كذلك فيجب أن نرفق بهم: {والراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض، يرحمكم من في السماء}؛ لا تكلفوهم بما لا يطيقون، ولا تأمروهم بما يشق عليهم، ولا تظلموهم حقوقهم، وتجاوزوا عنهم، فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جعل للمحسنين وللمقسطين منزلة لم يجعلها لأحد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن يوم القيامة، وكلتا يديه يمين}.
    فالإحسان إلى الناس والقسط والقيام بالعدل وإعطاء كل ذي حق حقه من سمات هذا الدين العدل، ومن الوصايا العشر، يقول تعالى: ((وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى)) [الأنعام:152]، فإذا كان العدل في القول مطلوباً، فما بالك به في حقوق الناس؟!
    لا شك أنه مطلوب أكثر وأكثر.
    فلنتق الله في هؤلاء العمال، ولنحمد الله الذي أعطانا من الخير والنعمة ما جعلهم يأتوننا من أجل الحاجة إلى بلادنا، ونعوذ بالله أن يبتلينا بفقر يضطرنا إلى أن نذهب إلى بلادهم! فوالله لندفعَنَّ ديناً عظيماً لو حصل لنا هذا الشيء، وأكثرهم قلوبهم سوداء من جرَّاء ما يعانون من مرارة الألم من كثير من الناس في هذه البلاد، نسأل الله العفو والعافية!