المادة    
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الحمد لله الذي علَّم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد خير معلم للبشرية، ما عرفت البشرية معلماً قبله ولا بعده خيراً منه صلوات الله وسلامه عليه، ولا عرفت طلاب علم وهدى وحق مثل أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، وصلى الله عليهم وعلى التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد.. إن هذه القلاع الطيبة -ونعني بها: هذه المعاهد العلمية- قد جعلها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى منارات للهدى وللحق، جزى خير الجزاء من كان وراء إنشائها وتأسيسها وتعميمها، فإن هذا المعهد العريق في علمه، وفي رجاله، وفي أهدافه السامية، قد نفع الله تبارك وتعالى به خلقاً كثيراً، وإن ننسَ -والإنسان ينسى- فلن ننسى الأيام التي عشناها في ربوع هذا المعهد، وما تلقينا فيه من العلم النافع -والحمد لله- على أيدي أساتذة فضلاء، كان لهم بعد الله تبارك وتعالى الفضل في تبصيرنا وهدايتنا إلى الطريق القويم، وهذا من فضل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على هذه الأمة.
  1. حاجة الناس إلى المعاهد العلمية

    فوجود مثل هذه المعاهد في كل مدينة، وفي كل بلدة ضرورة من ضرورات الحياة الإيمانية والحياة العلمية، كما أن الانتساب إلى هذه المعاهد انتساباً علمياً بالانتظام والدراسة فيها هو خير كبير، وكذلك الانتساب إليها بالإفادة مما يكون فيها من خير وعلم ومحاضرات وندوات، فهذا أيضاً ينبغي ألَّا يفوت كل محب للخير من أهل الخير ممن يريدون ذكر الله ويحبون الله ورسوله، ويريدون الله والدار الآخرة. فالحمد لله الذي هيأها ويسرها، وجعل فيها مثل هؤلاء الأساتذة الفضلاء. وإن مما يُغبط عليه الإخوة القائمون على هذا المعهد وهذا المركز أنهم في هذه العطلة التي يتطلع المدرسون -جميعاً- في كل مكان إلى أن يتمتعوا بها، وأن يقضوها مع الأهل والأحباب، وأن يسافروا إلى حيث يشاءون، ولكن مع ذلك نجد هؤلاء الإخوة الكرام يضحون بالوقت، وبالجهد، ويضحون بالراحة؛ في سبيل إفادة الطلاب، والحفاظ على أوقاتهم. وإنه لمن الأسف الشديد أنه قد راج عند الناس وانتشر أن العطلة معناها تعطيل جميع الواجبات، وأن الإجازة معناها التخلي عن كل ما يجب على الإنسان في أوقات الدراسة، وهذا مفهوم خاطئ لا ندري كيف جاءنا وكيف رسخ، وإنما كان المقصود من العطلة الاستجمام من الدراسة، وبسبب ظروف الحر الشديد في فصل الصيف، ولا سيما في المدن فلا تفهم على أنها تعطيل وإجازة من الواجبات ومن الأعمال وإضاعة لأوقات الشباب في اللهو واللعب...! حتى إن بعض الناس أخذ يُفكر كيف نفتح مجالات لقتل الوقت وقتل الفراغ! والإفادة من هذه العطلة أو استغلالها في أي شيء، وإن لم يكن مفيداً في الحقيقة، فأصبحت العطلة بذلك مشكلة بينما كانت حلاً. جاء هؤلاء الإخوة بارك الله فيهم وأحسن إليهم في المراكز الصيفية -في المعاهد العلمية وفي غيرها- جاءوا ليعيدوا المفهوم إلى حقيقته، وليصححوا النظرة إلى الأمور، وليجمعوا شمل هؤلاء الطلاب في مثل هذه المراكز، لتحتضنهم وتوجههم وتربيهم، بل هي فرصة لا تعوض؛ من جهة أن المدرس في أثناء الدراسة المنهجية لا يستطيع أن يُعطي الطلاب مثل ما يعطيهم مثل هذا المركز.
  2. دور المعاهد العلمية

    ومن هنا كان على الاخوة الكرام القائمين على هذه المراكز عبء وواجب في مسألة الإخلاص لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهي التي نوصي بها أنفسنا، ونوصي بها كل من نحبهم في الله، وعبء فيما يتعلق بالاجتهاد في الإفادة بقدر الإمكان من وجود هؤلاء الطلبة، وفي بذل ما يستطيعون بذله، وهم -إن شاء الله- لن يألوا جهداً في إفادة هؤلاء الطلاب؛ ليكونوا نموذجاً لغيرهم من الطلاب الذين يشعرون أو يحسون بالضياع أو الفراغ في هذه العطلة.
    ومن باب الأولى والأحرى، فالواجب على المنتسبين لهذه المراكز من طلاب المعاهد أن يحمدوا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأن يُبادروا ويسفيدوا من هذه القلاع العلمية، ومن هذه الوسائل المتاحة التي يستطيعون أن يُحصِّلوا فيها من العلم النافع والخير والفضل ما لا يحصِّلونه في أثناء المدة النظامية الدراسية.
    وإن كان لنا من نصيحة نقدمها بين يدي هذا اللقاء، ولا بد أن نتناصح جميعاً، فإننا ننصح الإخوة الكرام في هذا المعهد وفي هذا الجمع بأن يهتموا بأمر هذه المنطقة عموماً؛ فإن المعاهد العلمية بالدرجة الأولى، ثم أهل الخير عامة، هي المسئولة مسئولية أولية في نشر الوعي الصحيح بين الناس.
    إن المعاهد العلمية لم تُبْنَ لتُخٍّرج أعداداً من الخريجين، وإنما لتخرج قادة وعلماء وموجهين، فهي نماذج عصرية لمدارس الصحابة الكرام والسلف الصالح رضوان الله تبارك وتعالى عليهم، وهذا هو الغرض من إنشائها، فلذلك يجب أن تكون -كما هو المرجو وكما هو الهدف- منارات إشعاع للمنطقة كلها.
    وهذه المنطقة -والحمد لله- فيها الخير الكثير، وفيها الاستجابة الطيبة، ولكن فيها كثافة سكانية كبيرة تختلف عن غيرها من المناطق، وفيها-أيضاً- كثيرٌ من أسباب اللهو واللعب والملاهي التي تُبعد الإنسان عما يرضي الله سبحانه، وبذلك يتضاعف الواجب على الدعاة، وكل مدرسة أو معهد في هذه المنطقة ينظر إلى المعهد العلمي على أنه القدوة وعلى أنه الإمام الذي يُؤتسى به في فعل الخيرات.
    وكل طالب في المنطقة ينظر إلى طالب المعهد العلمي، على أنه قدوة وحجة، فيما يأتي وفيما يذر.
    فلنتق الله سبحانه إذاً، ومن كان ممن اصطفاه الله وهيأه للخير، فلا يحقر نفسه:
    قد هيئوك لأمر لو فطنت لـه            فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهملِ
    الأمة تنظر إليكم يا شباب المعاهد، ويا من تحبون المعاهد -وكلنا نحبها إن شاء الله- نظرة تختلف عن غيركم وتعتبركم الدعاة والموجهين وحملة الأمانة وحملة الرسالة، فأي تقصير أو إخلال أو ضعف في الدعوة ينشأ من طريقكم، فأنتم محاسبون وأنتم مسئولون عنه، وهذه أمانة كبرى قد تحملتموها، فلا بد أن تقوموا بها، ونسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يعيننا وإياكم جميعاً على حملها وعلى أدائها.
  3. الغرض من المعاهد العلمية

    وإن مما يجب التنبيه إليه ضمن هذه النصيحة، أن الدعوة إلى الله سبحانه، وإعمار الأوقات والإفادة منها في مثل هذه المراكز أو المعاهد أو هذه اللقاءات، يجب أن تكون على العلم الشرعي الصحيح.
    فلا حياة لنا إلا بالعلم، ولا دعوة إلا بالتفقه في الدين، وبمعرفة ما أنزل الله سبحانه، وبحفظ كتاب الله ما استطاع الإنسان منه أن يحفظ، والحفظ والإطلاع -أيضاً- على سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبالقراءة في مسائل العلماء وما كتبه السلف الصالح لنعرف كيف نعبد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ونعرف كيف ندعو إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وكيف نعيش الحياة التي يرضاها الله.
    وهذه المعاهد -والحمد لله- تعطي هذا العلم وتعطي أبواباً كثيرة من الخير التي لو نمَّاها الطلبة لخرجت أجيال كثيرة ممن يحملون راية العلم وقيادة وريادة الخير في هذه الأمة.
    وهذا المعهد -والحمد لله- خرج منه رجال معروفون مشهورون على المستوى العالمي كله، وهذا من فضل الله سبحانه، ثم بفضل ما لقوه من توجيه وحرص وعناية من جهة، ثم باجتهادهم -أيضاً- وبإطلاعهم وقراءتهم وقيامهم بالدعوة إلى الله سبحانه.
    فالدعوة إلى الله سبحانه كلها خير وكلها بركة، وطلب العلم لوجه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جهاد وخير وبركة، وكل من سار على هذا الطريق وفقَّه الله في الدنيا والآخرة، ورأى آثار هذه البركة في نفسه ومجتمعه وفي من حوله، وكل ما نراه اليوم من ميزات لهذه المعاهد عن غيرها من المدارس وهي كثيرة.
    منها: أنها ما قامت إلا لغرض الدعوة إلى الله وبهدف نشر هذا العلم النافع والعقيدة الصحيحة خالصة لوجه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
    فإذا قصَّرنا أو أخللنا في أداء هذه الأمانة، فمعنى ذلك في الحقيقة أننا أضعنا الهدف الذي من أجله أُنشئت، والذي من أجله كان لها هذا الفضل العظيم في قيادة الأمة.
    فإذا جمعنا بإذن الله تبارك وتعالى بين الإخلاص والجد والاجتهاد في طلب العلم وبذل الدعوة إلى الله سبحانه، فإنا نجد الخير والبركة ونجد النفع العميم، فالأمة بحاجة إلى معلمين في العلوم الشرعية، وبحاجة إلى دعاة، وأئمة وخطباء وبحاجة إلى من يوجههم للخير وينصحهم له، وأولى الناس بأن يكونوا في هذه الأعمال وأن يقوموا بها هو أبناء هذا المعهد في الدرجة الأولى، وإن كان في غيرهم خير كثير، وأرجو أن يكون الجميع يُقِّدر هذا الواجب، فإن الدعوة إلى الله واجب على كل أحد بحسب علمه واستطاعته، لكنها تتأكد وتتعين على أبناء المعاهد بالدرجة الأولى.
    هذه كلمة أحببت أن أقولها بين يدي هذا اللقاء، وكما تعلمون هذه الأيام الليالي قصيرة واللقاءات قليلة، فنترك البقية لأسئلتكم أو مناقشاتكم، أو حواركم.
    لعلنا جميعاً إن شاء الله تعالى نستفيد، فالعادة أن مثل هذه اللقاءات المفتوحة تفيد، أكثر مما لو أن واحداً فقط يتكلم، والبقية يستمعون، ولا سيما ما يتعلق بوضع الإخوان في هذا المركز، أو بوضع الدعوة إلى الله في المنطقة عامة، فكما نرى -والحمد لله- حضر من الإخوة من أهل الخير ووجوه الخير الكثير الذين يهمهم أمر الدعوة إلى الله في هذه المنطقة الطيبة، التي نسأل الله أن يجعلها دائماً وأبداً مركزاً للخير والدعوة، وأن يحفظها ويحفظ بلاد المسلمين جميعاً ومناطق البلاد جميعاً من كل سوء، ومن الفتن والشرور التي بدأت تطغى -كما ترون- وتزداد على هذه الأمة، وأن يقيها هذا التكالب يأتيها من كل جهة، لعلنا إن شاء الله نستعرض بعضها، ونسأل الله سبحانه لنا ولكم التوفيق.