إننا نحتاج إلى أن نقوي إيماننا بالله، ونحتاج إلى ما وصّى الله تبارك وتعالى به نبيه يحيى عليه السلام: ((يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ))[مريم:12] فنحتاج إلى القوة في أخذ هذا الحق، والقوة تشمل قوة اليقين بالله تبارك وتعالى، وقوة الثقة بأن ما نحن عليه هو الحق، وقوة القيام بأمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فلا يرى الله فينا ضعفاً في تحمل هذه المهمة التي أوكلت إلينا.
ونحتاج إلى الإخلاص لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ((وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ))[البينة:5] فالإخلاص هو أساس كل عمل، لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى} وبتجديد الإيمان في القلوب، وبتجديد الإخلاص لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نكون قد أسسنا قاعدة قوية، وغرسنا بإذن الله شجرة طيبة مباركة أصلها ثابت وفرعها في السماء.
فإن الإخلاص لله يُزكِّي ويُقوي ويحمي الأعمال وليس مجرد الكثرة أو القلة بذاتها، كما نحتاج إلى ما أوصى الله تبارك وتعالى في قوله: ((وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ))[الشورى:38] فذكرها الله تعالى في معرض المدح والثناء على المؤمنين، وهذا يدل على الحث على الشورى فيما بيننا، وليس معنى ذلك انفتاح المجال في الدعوة والانطلاق بها كيف شاء من خلال تصوراته أو إيراداته أو رغبات له، فقد يكون فيها شيء مما يخالف المصلحة العامة.
بل يجب أن نقدم آراءنا جميعاً ونضعها أمام أنظار الإخوة الذين لهم الأمر والشأن في هذا، فهم الذين أمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن نردها إليهم: ((وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)) [النساء:83] فلكل قضية من يعلمها ومن يستنبطها من ذوي الخبرة، أو المنصب، أو الموقع الدعوي الذين يمكن أن يرد إليهم الأمر ويتشاورون ثم يقررون ما يرون، وهذا مما ينبغي على الإخوة جميعاً أن يتفهموه.
والأمر الآخر -أيضاً- مقتضى قول الله تبارك وتعالى: ((وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)) [المائدة:2] وكما أن من مقتضى وجوب إيجاد الطائفة المنصورة التي تدعو إلى الله، وتقيم الحجة على خلق الله، وترث الأنبياء في الدعوة إليه؛ أن تكون كما قال الله تعالى: ((وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) [آل عمران:104] فأمر الله تبارك وتعالى أن يكون من أمة الإسلام أمة خاصة، وكلمة أمة في اللغة تعني: الطائفة المجتمعة، وهكذا يجب أن تكون الطائفة مجتمعة متعاونة على الحق، وأن تكون هي القدوة والإمامة، وهي كذلك؛ لأنها بدعوتها إلى الله وأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر هي قدوة وهي إمام للمتقين ولبقية أفراد المجتمع.
فلا بد أن نكون مجتمعين وأن نكون يداً واحدة، وأن تكون القلوب دائماً متصافية نقية، خالية من شوائب الرياء، أو الضغينة أو الحقد أو الغيرة أو الحسد، أو غير ذلك مما لا يضمن أحدٌ منا قلبه فيه، لأن الشيطان حريص، وقد يئس أن يُعبد في هذه الجزيرة ولكن رضي بالتحريش، أي: لو لم يكن له إلا التحريش لكفاه، ولا شك أن أي عمل خيّر ونافع ومثمر.
فلابد أن يكون فيه بعض الاختلافات، وبعض الآراء، بخلاف ما لم يكن هناك عمل، فلن يكون هناك اختلافات لعدم وجود العمل، لكن أن يكون هناك عمل فهو عرضة لأن يكون هناك اجتهادات في الآراء، وأن يكون هناك تنافس أو غيرة أو حسد، لكن نسأل الله سبحانه أن يصلح قلوبنا وأنفسنا وأحوالنا جميعاً، إنه على كل شيء قدير.