المادة    
  1. دور الشاب مع أسرته التي يكثر فيها المنكرات

     المرفق    
    السؤال: أنا شاب أعيش في عائلة تكثر فيها المنكرات، حاولت معهم بقدر استطاعتي لإزالة المنكرات التي تكاد تكون ضعيفة جداً ولكن لا فائدة، مع العلم أنني لا آمن على نفسي أن أرتكب كبيرة من الكبائر؟
    الجواب: هذه حالة من حالات الأمة، ومن حالات الشباب، نأخذها الآن نموذجاً؛ فهذا شاب -ولا أعنيه بذاته- سمع النصائح والمواعظ والتوجيهات، وعاشر بعض الإخوة وخالطهم، وسمع أشرطة طيبة؛ فاستقام واهتدى، والآن يريد أن يدعو إلى الله، فيأوي إلى بيته وإذا به يرى أبويه متلبسين بالمعاصي، وأخواته وإخوانه كذلك، فماذا يصنع؟
    من هنا نعرف واجبنا نحن طلبة العلم، وهذا الواجب لا يقع على عاتق خطيب خطب وذهب، أو واعظ وعظنا وذهب إلى حاله، ولا على عاتق مؤلف ألف كتاباً فاشتريناه وقرأناه، بل يجب علينا جميعاً أن نعاون مثل هذا الشاب، ناصحين ومربين له.
    إن إمام المسجد الذي يصلى عنده، أو مُدرسه، أو شيخه الذي يتلقى على يديه العلم، وأمثال أولئك، يجب أن نعيش مع مثل هذه الحالة، فالتوجيهات العامة لا تكفي، لأننا نستطيع أن نقول: يجب عليك يا أخي المسلم أن تصبر على أذى الوالدين، وإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: ((وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً))[لقمان:15] نعم، لكن كيف يطبق هذه الآية؟
    وعلام يصبر، وعلام لا يصبر؟
    فتحقيق المناط له صفات معينة لابد منها، فنحن ننصح هذا الأخ وبقية الإخوة عموماً بما يلي:
    أولاً: بأن يقوي إيمانه؛ لأنه يقول: بأنه لا يستبعد أن يرتكب كبيرة من الكبائر -نسأل الله العفو والعافية- وإذا انتكس الإنسان فرجوعه أصعب من هدايته أول الأمر، فنسأل الله لنا وله الثبات ونقول له: قو إيمانك، وتوكل على الله واعزم على الحق، وخذ هذا الدين بجد، وأقبل عليه، وعوامل تقوية الإيمان كثيرة منها: الصحبة الطيبة، ومنها: ذكر الله، ومنها: قراءة القرآن، ومنها: التفكر في ملكوت السماوات والأرض، ومنها: زيارة المقابر وغيرها مما يقوي الإيمان.
    ثانياً: لابد أن تكون العلاقة مع الوالدين -مهما فعلا- علاقة طيبة مع الصبر؛ لأنه كما ذكر الله أنه ليس بعد الشرك ذنب، وأن الشرك أعظم ذنب؛ لكن مع ذلك فقد أُمِرَ الإنسان بأن يصاحبهما في الدنيا معروفا، والأصل أن لا يخالطهما ولا يقرهما فيما يفعلان من المنكرات، وعليك أن تجتهد بذلك بقدر المستطاع، وأن تستشير من يرشدك.
  2. موقف الشاب إذا كانت أسرته صوفية

     المرفق    
    السؤال: والدي ومعظم أقاربي يعتقدون بشرعية الاحتفال بالمولد، ويؤمنون بأن قراءة الأوراد الصوفية المنمقة النص والترتيب قربة، ولكن يؤمنون بالله، وأنه لا إله غيره، وأن محمداً رسول الله، ولكنه عبد ليس كالبشر بل أرفع منهم درجة بما اختصه الله، فما واجبنا -نحن الأبناء- نحو والدينا وأقاربنا؟
    الجواب: إن من أعظم المنكرات أن تنتشر البدع، بل هي أخطر وأخوف على المؤمن من المعاصي، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:{إن الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة}، وحسبكم ما ورد في الخوارج، فقد صح فيهم الحديث من عشرة أوجه، ولقد أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صفاتهم وأحوالهم، فقال: {تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم، وصيامكم إلى صيامهم} ولكن ما الذي جعلهم بهذا المآل القبيح؟!
    إنها بدعتهم -نسأل الله السلامة- فالبدعة خطر، وهنا لا بد من المنهج في مثل هذه الحالات التي يعج بها المجتمع أحياناً.
    وبالنسبة للعلاقة بالوالدين فلا بد أن تكون بمحبة، وأن تقدم لهما الخير والحق والهدى، على طبق من المحبة والاحترام والتقدير.
    وأقم الحجة على الأقارب الأقرب فالأقرب بالحكمة والسهولة واللين، فبقدر قرابته وفضله تحرص على أن تقيم الحجة عليه، وتعظهم وتذكرهم بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأن تقول لهم ذلك بعلم، ولذلك نقول: لابد من العلم، ولو أننا استطعنا أن ننقل أسرنا ومجتمعنا إلى درجة عالية من العلم؛ لاستطاعوا هم أنفسهم أن يفرقوا بين البدعة وبين السنة.
    إنّ هذه البدع تنتشر بالتلبيس، يأتي الملبسون الدجالون قطاع الطريق، الذين يقطعون طريق الصحوة المباركة، ويصرفون الشباب ذات الشمال في البدع، فيلبسون على عامة الناس، إلا من كان لديه علم وبصيرة، أما العامة فيلبس عليهم حتى وإن كان تاجراً كبيراً، نعم مهارته وفكره وعلمه في التجارة؛ لكن في الأمور الشرعية يلبس عليه أي مبتدع فيضحي بماله في سبيل البدعة.
    أو بمنصبه في سبيل البدعة، فلا بد من نشر العلم بين المجتمع، لتقوية الجانب العلمي، فإذا ظنوا أن الحق هو الباطل أعطيناهم مناعة، أو حصنّاهم ضد أي بدعة أو شبهة، وما أكثر البدع والشبهات!
  3. مواجهة الشباب الملتزم لسخرية العامة

     المرفق    
    السؤال: إذا التزم الشاب وتمسك واجهته مشكلة كبيرة هي: سخرية العامة منه وخاصة من الأقارب، فمعظم الشباب يرجع على ما كان عليه، فكيف يواجه الشاب هذه السخرية؟ الجواب: السخرية والاستهزاء أوذي بها كل الناس، فهذا نوح -عليه السلام- وهو يصنع الفلك كان كلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه، فالسخرية لابد أن تأتي، وقد سُخِرَ واستُهزِئ بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستهزئ بالرسل من قبله كما أخبر الله تعالى، فلا جديد فيها، ولكن كيف نتعامل معها؟ أقول: ننتبه إلى أمر تربوي مهم، وهو أن الشباب المقبل على الله، حديث العهد بالهداية والتوبة لا نجعلهم في واجهة البركان، أو في واجهة التيار فلا يستطيعون المقاومة. فالاستهزاء باللحية -مثلاً- أو بتقصير الثياب، أو ببعض السنن الظاهرة أكثر ما يواجه الشاب الملتزم الاستهزاء بها، أما الباطن فلا يمكن لأحد أن يعمله إلا الله، ومن هنا نقول: يعطى هذا الشاب الإيمان والهدى على جرعات؛ حتى يستقيم على هدى الله تعالى، ولا يعني ذلك أن نتركه يمشي على معصيته، لكن عندما أخاطبه فيكون راغباً في الحق أعطيه قليلاً قليلاً، أما إذا كنت أريد منه دفعة واحدة أن يذهب فيكسر الغناء الذي في البيت والموسيقى، ويحطم ما فيه من الصور المحرمة، ويقطع العلاقات بتاركي الصلاة من أقاربه، ويفارق الزوجة؛ فهذا في الحقيقة بدلاً من أنه كان مستسلماً طائعاً فسأجعله في معركة لا يستطيع أن يواجهها، وأتحمل مسئوليته بعد ذلك إذا انحرف، وكثيراً ما ينحرف الشباب بسبب الثقل. لكن نريد من هذا الشاب أن يوغل في الدين برفق، ونحن نعينه على ذلك، لكن برفق في التربية، فيبدأ بالأساسيات أولاً، وكيف يعالج الأمور بحكمة؟ وكيف يكون في موقع دون أن يعصي الله تعالى، ولكن دون أن يثير عليه السخرية؟ أن نضمن أنه يستطيع أن يتحمل ما يعطى، كما يعطى المريض جرعات من التطعيم تجعله في النهاية يدخل بين المرضى ولا يبالي، فبدون تطعيمه لا تنقله بين المرضى، لكن أعطه من اللقاحات الكافية ثم اعمل له اختبارات حتى تطمئن عليه، بعد ذلك سينطلق ولا تخاف عليه، فهذه أمثلة من الواقع يجب أن ننتبه لها. ويجب ألا نعرض مثل هذا الشاب لمشاكل، فإذا جاءنا هذا الشاب واستقام قلنا له: أترك عملك، إن كان له عمل! وتعال لتلتحق بدرس من الدروس في المسجد -مثلاً- فالحقيقة أنك حملته ما لا يطيق وعرضته لكلمات الناس، فيقال: اهتدى وترك الوظيفة، أو اهتدى وضيع عائلته، أو اهتدى وفعل كذا؟ فمن المسئول؟! أنا الداعية الذي قلت له هذا الشيء، بخلاف ما لو حذرته وحرصت على تربيته. فمثلاً: يأتيك إنسان يعمل في بنك ربوي -ولا شك أن العمل في جميع هذه البنوك حرام- ومع ذلك إذا جاءك مثل هذا فلا تقل له اترك عملك، مع أن هذا هو الواجب؛ ولكن لو قلت له اترك، ما الذي يحصل؟ بعضهم ترك فجأة، فلم يجد عملاً، فعاد إلى البنك، وقال: لم أجد عملاً ويكون بخلاف ما لو أنك قلت له: ابق حتى تجد عملاً مناسباً. ثم اجتهدت معه حتى يجد له عملاً مناسباً، ثم صبرته وقلت له: إن الله سيعوضك خيراً منه، ثم ينتقل بعد ذلك نقلة طبيعية ويضمن أنك كنت معه حتى انتقل، فتكون بذلك قد ضمنته، نعم مثل هذا الأمر وهذا العمل يجب أن يتركه، وإذا استطاع أن يتركه اليوم فلا يؤجل ذلك إلى الغد، لا شك في ذلك. لكن نقول: هذا هو حال الحرام، فكيف يؤدي الواجبات أو الطاعات أو يطلب العلم؟! هل تربطه بحيث يبدأ يحفظ من العلوم، ويضيع اختصاصه الدراسي ويضيع الحقوق التي عليه، فتكون النتيجة أن يقول الوالدان والأهل: منذ أن تعرَّف على فلان، وبدأ يحفظ القرآن، بدأ يضيع المال، فلا يصح هذا! ولا يفيد ذلك شيئاً. وأحياناً يقال: منذ أن تعرف على هؤلاء الشباب الطيبين ذهبوا به إلى المسجد، وبعد ذلك أصبح عاقاً لوالديه، كانت أخلاقه طيبة، كان يحب أمه وأباه، ويلبي لهم أي طلب، ولما اهتدى واستقام تركهم؛ لأنه لم يرب التربية الصحيحة. ولذلك لو أن الآباء أصبح شعورهم أن الابن إذا استقام يعقهم، فسيصبح الآباء يدعون: اللهم لا تهدِ أولادي! ولهذا لابد أن نضع مناهج واقعية وجدية ومرحلية، بمعنى أن يكون الإيغال في هذا الدين برفق، وتربية الشباب عليه تربية صحيحة، ليضمن ثبات هذا الشاب بإذن الله في المستقبل. وعلى أي حال نوصي هذا الأخ بالصبر، وكلنا من المأمورين بذلك.
  4. الحكمة في تبليغ الحق

     المرفق    
    السؤال: من المعلوم أن تبليغ الحق إلى الناس يحتاج إلى حكمة بالغة، ومن الملاحظ من بعض من هداهم الله للحق، أنه يتخذ طرقاً في التبليغ قد تعود عليه بمشاكل عدة وعلى إخوته في هذا المجال، وإذا قلت له: لابد من الحكمة قال: إن الحكمة التي تدعيها هي في الحقيقة مداهنة، ويقوم أحياناً بأمور يستطيع عليها أهل الحسبة لما لهم من سلطة ولكنه تسرع، فما توجيهكم له؟
    الجواب: هذا واقع، وهذه حقيقة، ونحن بغض النظر عن الأذى وعن الألم، بعض الناس عندما تذكره يقول: أنا مضحٍ ولا يهمني سبحان الله! لننظر إلى حال السلف الصالح، الصحابة رضي الله عنهم أكثر منا تضحية، فقد كانوا يطلبون من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يأذن لهم في قتال الكفار وهم في مكة، ولو أذن لهم لربما قامت منهم مجموعة وهجموا على المشركين في دار الندوة، ففتكوا بهم، وانتهت القضية، ولكن كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمرهم بالصبر.
    ولما نزل الأمر بالجهاد ما نزل أمراً، ولكن نزل إذناً كما قال تعالى: ((أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ))[الحج:39]؛ لأن القلوب متشوقة متحرقة من قبل يريدون ذلك.
    والحمد لله هذه علامة خير، وعلامة إيمان، لكن المطلوب تغيير المنكر فإذا رأيت مثلاً جهاز أغاني بجوار بيت الله الحرام هل أدخل فأحطمه؟
    لا ينبغي أن أقوم بعمل فتنة، لكن أنصحه وأعظه، ولا أقول: دعهم ولا تتكلم معهم، فهذا غلط وألف غلط.
    إن القضية: هل هذا العمل صحيح؟
    وهل هو سديد؟
    هل فعل هذا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه الكرام؟
    هل لك أنت أن تغير باليد؟
    وهناك أسئلة كثيرة يجب أن توقف مثل هذا الشاب عند حده.
    فنجاح الدعوة الحقيقي يقاس بمقدرتك على أن تعري المنكر أمام الناس، حتى تضمن من أنهم إذا رأوه تقشعر منه جلودهم، لا بأن تحجبهم عنه.
    في أمريكا بلاد العهر والفجور والدعارة والفسق والفساد، الشاب الذي لديه مكافأة ضئيلة يقتطع من مكافأته للمراكز الإسلامية، ليقاوم الشهوات، ويقاوم المغريات، والمنكرات، فهذا الشاب ترتاح لمثله.
    نحن لا نقلل من أهمية إنكار المنكر أبداً، ولكن يُنكر بالطرق المشروعة، والمهم عندنا هو نجاح الداعية بحيث يستطيع أن يجعل الناس مقتنعين بإنكار المنكر بقلوبهم، ويرفضونه حتى ولو عرض عليهم، حتى لو بذل لهم الثمن، بحيث لو جئت إلى شاب تقي مؤمن، وقلت له: هذا مليون ريال، وهذه مخدرات أو سجارة فاشربها، لا يشربها -انظر كيف تبذل المليارات لمكافحة المخدرات أو لغيرها- أما هذا فيرفض أن يأخذ مليون ريال! هذا من الإيمان، وهذا النوع لا يرجوه أي غاصب، وهذا الذي تطمئن إلى أنه صار جندياً لهذا الدين، وسيستمر على ذلك بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أما مجرد أن هذا المنكر ذهب أو زال أو اختفى؛ فالحقيقة لو أن الأمر بهذه الطريقة، فهذا يعتبر أمراً سهلاً، وليس صعباً.
    وأضرب لكم مثالاً: لما دخلت الشيوعية إلى أفغانستان دعا داع الجهاد، فقام وهب الفلاحون والعمال والطلاب والموظفون، وفي أشهر معينة أو في عدة أسابيع تدربوا على معظم أنواع الأسلحة، وتقدموا في هذا المجال فهزموا الشيوعيين والحمد لله.
    وهذا دليل على أن كون الإنسان يستوعب الإنكار باليد أو يجاهد باليد ليس بتلك الصعوبة؛ لكن المشكلة هل يستطيع أن يأتي هذا الشاب إلى جاره، أو أمه، أو زوجته، فيجعلهم ينكرون المنكر، هنا الصعوبة، ومن هنا كان دور الأنبياء شاقاً وصعباً.
    فهذا نوح -عليه السلام- مكث ألف سنة إلا خمسين عاماً، لم يسلم له إلا قرابة المائة؛ لأنه يخرج الإنسان من الكفر والشرك والمعاصي راضياً مختاراً، ولو عرضت عليه لأباها، أما مجرد التهور أو التسرع والتعجل فلا يفيد، والعاقبة لن تكون سليمة قطعاً.
  5. كيف يتعامل الداعية مع المسائل الخلافية

     المرفق    
    السؤال: ما هي الخطوات التي يتبعها الداعية المهتدي الذي لم يتمكن من معرفة الخلاف المذهبي بين الناس في قضية دعوتهم، ما هو موقفه أمام المسائل الخلافية؟
    الجواب: لا يصح لنا أن نعود الشاب من أول أمره على أن المسألة فيها قولان، خاصة العامة، فلا ينبغي أن نبدأ: هذه المسألة فيها خلاف، وهذه فيها خلاف، وبذلك نكون قد شتتنا الناس!
    وفي المقابل يقول البعض: أنا لا أريد أقرأ عليهم بكتاب فقه معين فأوقعهم في التقليد، إذا كان التقليد خطأ -وهو خطأ طبعاً- فأيضاً هذا الضياع خطأ، وقد تفر من تقليد إنسان أو عالم، فتقع في تقليد من لا يستحق أن يقلد.
    فهنا تأتي الحكمة، فإن هناك أساسيات يجب أن تعرض بدون خلاف، وهناك أمور قد عرف الخلاف فيها، فيعرج عليه على أنه يوجد ولكنه مرجوح، ويفصل في أدلة القول الراجح ولا يفصل في الآخر؛ لأن القلوب قد يعلق بها شيء من أدلة المرجوح أحياناً، هذا في الناحية التربوية، ولا نعني الناحية العلمية مثل البحث العلمي؛ لكن نحن نتكلم في نواحي التطبيق والتربية، بعد ذلك إذا اطمأننت إلى مستواه العلمي، تقول له: هذه المسألة فيها كذا، وهذه المسألة فيها كذا.
    ولذلك لماذا نجد التسرع عند طلبة العلم فنرى أحدهم يقول: إن هذا القول خطأ؛ لأن هناك حديثاً ضده، فلا يصبر مع أنه لم يعرف الأحاديث الأخرى، ولا ماعند المخالف، وهذا التسرع أخذه الطالب ممن علمه.
    فأقول: منهج طلب العلم مضبوط، فالذي يقول لا نقبل هذا الكلام، ولا نقبل المذاهب، ولا نقلد، ولا ندعو إلى التقليد فهذا حق ولكن لا يقوله كل أحد، قال الشافعي: ''إذا رأيتم قولي مخالف لقول الله وقول رسول الله فاضربوا به عرض الحائط'' .
    إذاً المسألة مسألة اتباع، لكن كيف تنفذ؟
    كيف تعلن؟
    الحمد لله في هذا البلد أنعم الله علينا بنعمة عظيمة، واسألوا كيف حال البلاد التي علماؤها مداهنون مفرقون كلٌ على طريقة أما نحن أنعم الله علينا -والحمد لله- أن علماءنا فتاواهم وعملهم ومنهجهم بفضل الله عز وجل على منهج السلف الصالح.
    ولذلك فإنه يقال: هذه فتوى من الشيخ عبد العزيز، هذه فتوى من اللجنة الدائمة، فإنها تقابل بالاحترام والقبول، ألا ترون أن الواحد منا إذا أخذ فتوى اللجنة الدائمة في تحريم الغناء الذي يظهر في التلفزيون والإذاعة، هي ورقة واحدة إذا قرئت على الناس، أو علقت في مسجد، أثر على الناس التأثير العظيم.
    لكن لو قلت: هذه الفتوى فيها قولان، وأنا أقول كذا وكذا، نعم هذا صحيح، ولكن حتى لو ألفت مجلداً، فهل ستؤدي هذه الفتوى نفس التأثير التي تؤديه الفتوى الصادرة من اللجنة الدائمة؟
    وإذا قلت هذه فتوى الشيخ ابن عثيمين في المجلات وزعها أو اطبعها، أو علقها على المسجد، فإنك تسمع الناس يقولون هذه فتوى الشيخ ابن عثيمين، فلا يناقشون، هكذا تعلم الناس أن يحترموا العلماء.
    لكن ثقوا بأن من لم يسلك هذا المنهج، أو ربى الشباب على عدم احترام العلم والعلماء، فأول من يجني الثمرة هو من دعاهم إلى ذلك.
    إن المنهج العلمي منضبط، والسلف الصالح هؤلاء بين أيدينا، واقرءوا سيرة السلف الصالح، هل تجدون رجلاً منهم تعلم الحديث والرجال في خلال شهرين ثم أخذ يصحح ويضعف؟
    لكن هذا الشيء واقع اليوم في حياتنا، وهو عجيب جداً، ويدل على خلل كبير جداً نعاني منه.
    وأُذكِّرُ بالقضية الأساسية، ألا وهي قضية هذا الشاب الذي اهتدى، وعرف الحق، وبدأ يقرأ كتب العلم، كيف يستقيم على الهداية، وكيف يستمر ويواصل الدرب في سبيل الدعوة، فهذه هي المسئولية ولا نُعفى إن تخلينا عنها.
  6. الأسلوب الحسن من شروط الدعوة

     المرفق    
    السؤال: بعض الناس ليس لهم أسلوب في الدعوة كما ينبغي، فقد يفسد أكثر مما يصلح، فهل يعذر بترك الدعوة إلى الله؟
    الجواب: الحقيقة هذه مشكلة، أن يصبح الشاب المسلم عبئاً على الدعوة، ويتمنى زملاؤه أن يتوقف عن الدعوة -ولا حولا ولا قوة إلا بالله- لأنه لم يضبط نفسه، ولم يملك من كبح الهوى ما يضبط تصرفاته، يظن أن كبح النفس عن الهوى أنك تمنعها عن الخمر والزنا والغناء، لا؛ بل كل شيء لا ينضبط على أمر الشرع فهو اتباع للهوى، وقد يكون من اتباع الهوى أن يقول الإنسان: لئن مكنني الله من الكافر فلان الفلاني لأقطعنه إرباً وأمثل به، وهذا لما كان متوقعاً من شباب المسلمين، قال الله تعالى: ((وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ))[النحل:126].
    فينبغي أن تضبط النفس بما شرع الله تعالى، ولا ينبغي أن يكون الداعية بهذه الحالة، ولكن لو حصل فعلاً أن أحداً هذه تصرفاته، فهذا لا يصلح أن يكون داعية، وقد يكون من الخير له أنه يبحث عن مجال آخر، وألا يثير مشكلة، ونحن نعاني من القطيع الذي لا يعمل، ونعاني من المتهور الذي لا يتأمل، والله المستعان.
  7. متى يكون الداعية مؤهلاً للدعوة

     المرفق    
    السؤال: متى يكون الداعي مؤهلاً للدعوة إلى الله بالفعل والكلام والكتابة؟
    الجواب: بعض الإخوة يفهم أن الداعي إلى الله لا بد أن يدرس وقتاً طويلاً، فيكمل فتح الباري كله، والمغني، ويسمع كل الأشرطة التي قيلت في الفتاوى والعلم والموعظة، وبعد ذلك كله إذا صار مجتهداً يدعو إلى الله! هذا خطأ، والبعض من الناس يسمع كلمة من بعض الخطباء، أو يسمع موعظة من شريط فيقوم يفتي كما سمع في الشريط، وكل هذا خطأ!
    إلى أي شيء ندعو الناس؟
    ندعو الناس إلى أساسيات واضحة، وإلى أمور شبه واضحة، وإلى أمور دقيقة غامضة، هذا هو الواقع، إذا دعونا الناس إلى الأمور الجلية الواضحة فقط فهذه يمكن أن يدعو إليها أي إنسان مستقيم، العامي وصاحب المتجر، وصاحب المخبز، والبقال، كلهم يستطيعون أن يقولوا: إن الزنا حرام، وإن الربا حرام، والاختلاط بين النساء والرجال حرام، وهذا واجب على الجميع.
    وما كان غير ذلك مما اختص به طلبة العلم، كالكلام في الطرق الصوفية فهذا لأهله، وما كان أدق من ذلك فلأهله الخاصة، وهكذا نضع كل شيء في موضعه.
    وأنت في كل مرحلة من المراحل بقدر ما تتهيأ له تدعو، ومن الدعوة إلى الله أنه إذا جاءك أمر وأشكل عليك، أو كان فوق طاقتك، أن تحيله إلى من هو أهل له، ثم تدعو الناس، وهكذا كان الصحابة رضي الله عنهم يدعون الناس، فإن أشكل عليهم أمر سألوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبعد موت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانوا يستفتون الصحابة العلماء، وهم معدودون ومعروفون، فيرجعون إليهم ويسألونهم ثم يدعون الناس، وهذا أيضاً من الدعوة، ولا يشترط أن أكون حافظاً لكل شيء لكي أقول للناس كل شيء، وهكذا التأهيل على خطوات، ومع التأهيل لكل مرحلة تكون الدعوة، وتكون الانطلاقة.
  8. التخصصات العلمية

     المرفق    
    السؤال: هناك قضية التخصص، فبعض الشباب يبرزون في النواحي العلمية، ولكن ليس لهم القدرة على التعامل مع الناس فما نصيحتكم لهم؟
    الجواب: التخصص بذاته لابد منه، ولكن لابد مع التخصص من حد أدنى معقول مقبول في بقية الأمور، فهناك من وفقه الله في الأسلوب الناجح في الدعوة والتعرف، لكن لابد أن يكون عنده حد أدنى من العلم، وهناك من يكون قد وفق في علم مثل علم الحديث -مثلاً- لكن لابد أن يكون عنده حد أدنى في اللغة، وهكذا فلابد مع التخصص من حد أدنى في بقية الأمور.
    وانظروا إلى الصحابة الكرام.. خالد بن الوليد سيف الله المسلول، ومعاذ أعلم الناس بالحلال والحرام، وأبي بن كعب أقرأ الناس، وزيد أفرضهم، فالتخصصات موجودة بين الصحابة رضوان الله عليهم لكن مع ذلك كل منهم كان لديه قدر معين مشترك، فنحن يجب أن نكون كذلك، فعندنا معرفة في العقيدة، وفي الحديث، وفي أصول العلوم الشرعية عموماً، فلابد من حد أدنى، وبعد ذلك ينبغ الإنسان في مجال تخصصه، ولا تتعارض هذه التخصصات أبداً.
  9. التأثير الوقتي يزول بزوال المؤثر

     المرفق    
    السؤال: تلقيت العلم من أهله وتأثرت، ولكن سرعان ما زال التأثير بزوال المؤثر، فما هي نصيحتكم لي ولأمثالي؟
    الجواب: هكذا طبيعة النفس، ولهذا جاء في حديث حنظلة: {لو أنكم بقيتم على ما أنتم عليه عندي لصافحتكم الملائكة، ولكن ساعة وساعة يا حنظلة} فهذه طبيعة النفس البشرية، والإيمان يزيد وينقص، ولهذا يجب عليك أن تسعى دائماً إلى تقوية إيمانك، وتقويته تكون بصلتك بالله تعالى والتزام وسائل تقوية الإيمان.
  10. حقيقة الغلو والتطرف

     المرفق    
    السؤال: هل التمسك بالحق من الغلو؟
    وما هو حد الغلو والتطرف. جزاكم الله خيراً؟
    الجواب: التمسك بالحق ليس من الغلو، بل التمسك بالحق هو الحق، لكن الغلو ما جعله الشرع غلواً، لا ما جعله الناس غلواً، فالغلو ما جاء في كتاب الله، وفي سنة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما جاء عن منهج السلف الصالح وعرف على أنه غلو، هذا هو الغلو أو ما يسمى بالتطرف، أما الصراط المستقيم الذي كان عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، فليس فيه غلو بل هو الحق.
  11. الزواج وطلب العلم

     المرفق    
    السؤال: هل الزواج يتعارض مع طلب العلم؟
    الجواب: ذكر الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد عندما تعرض لمسألة العلماء العزاب الذين ضحوا في سبيل العلم ولم يتزوجوا، أن هذا ليس من سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أصحابه، ونحن ديننا دين التكامل، ودين الحنيفية السمحة، ودين الفطرة الذي يلبي كل الرغبات.
    فإذا كان المقصود من السؤال أن الإنسان لا يتزوج ويقول: أنا أطلب العلم ولا أتزوج، فنقول: لا. هذه هي رهبانية النصارى.
    أما إذا كان قصده أن يؤخر الزواج حتى يكمل الدراسة أو شيئاً من هذا، فنقول: إن هذه الأمور بحسب الأفراد، بحسب الحالة الشخصية، لكن الأصل والقاعدة في زمن الفتنة، والفساد الذي نعيش فيه، والإغراءات والمثيرات أن الزواج حصن حصين للشباب يجب أن نسعى إليه، ويجب أن ندعو ونحث عليه، ليس عند طلبة العلم فحسب؛ بل عند عامة الناس بما نستطيع، يجب أن نسعى وأن نكوِّن رأياً عاماً؛ ليضغط على الآباء وعلى الأمهات وعلى أولياء الأمور، وعلى المسئولين أن يهتموا بقضية الزواج.
    وفي مثل هذه الظروف التي تعيشها الأمة الإسلامية اليوم؛ حتى لو كان ليس لديه رغبة قوية في الزواج، أو لو كانت قدرته البدنية على المعاشرة الزوجية فيها شيء من الضعف، فأقول كما قيل عن عمر رضي الله عنه ولا أعلم صحته ولكنها حقيقة، أنه قال: [[إني لأتكاره وأمني نفسي لعل الله أن يخرج مني نسمة تعبد الله عز وجل]].
    ونحن الأمة الإسلامية الآن لو عزفنا عن الزواج، فسنصبح أقلية مع هذا الوجود الصليبي الضخم، ونحن أيضاً في هذا البلد بالذات أقلية، فنحن في الحقيقة بحاجة إلى قوة بشرية وهي رأس كله قوة، وأهل السنة بالذات بحاجة إلى أن يتكاثروا.
    صحيح أن هذا يكلف أشياء ومسؤوليات لكن نتوكل على الله، والإنسان كما يقال: هو أساس كل شيء، وهو أساس كل مُنتَج، والإنسان إذا كان في شارع يزدحم بالناس فإنه يفتح أكبر مؤسسة، لكن في قرية صغيرة لا يفتح شيئاً، لأن وجود الناس هو الذي يحرك العمل، وكثرة الناس في مكان العمل تساعد على نهوض العمل.
    والمقصود أن العوامل التي تحث على الزواج كثيرة والحمد لله، لكن أتأسف وأتألم عندما أجد بعض الإخوة يجعل الأمرين متعارضين: الزواج، وطلب العلم.
    أما ما يكون من بعض الشباب حيث جعل الزواج استغراق في المتعة وفي الشهوة، وتمشية الزوجة، وغير ذلك من هذه الأمور، وجعل شهر العسل سنة، فهذه الأمور لا تصح ولا تنبغي، ولكن أعط كل ذي حق حقه، فتزوج ولكن أيضاً قم بطلب العلم، ولا تترك الدعوة إلى الله، ولذلك اختر ذات الدين لأنها لن تعيقك عن الدعوة، بل ستعينك على أمور الدعوة إن شاء الله.
  12. ظاهرة إيثار دروس الوعظ والرقائق على دروس وحلقات العلم

     المرفق    
    السؤال: نجد أن كثيراً من الشباب الملتزم المتمسك، لا يحضرون الدروس العلمية ولا المحاضرات العلمية المركزة، وإنما يحضرون المحاضرات التي تعتمد على الرقائق غالباً، كما يحضرون المحاضرات للمشهورين من العلماء، فما نصيحتكم لهؤلاء؟
    الجواب: قد يترك العالم الجليل المشهور الذي نتمنى أن يتاح لنا أن نجلس معه ساعة، ويترك حضور حلقة علم، ويحضر عند وعاظ أو أصحاب رقائق، هذه ليست ظاهرة جديدة بل هي ظاهرة قديمة؛ فقد كان بعض الوعاظ يجلس عنده عشرون ألفاً، وإن كان ليس في روايته ذكر صحيح وضعيف وربما اختلطت مواعظه بالأحاديث الموضوعة حتى هجرت أحاديث القصاص؛ لأن القاص غالباً مع العاطفة والتذكير ربما يأتي بحديث وليس بصحيح، ويقول: قال الله ولم يقل الله ذلك، همه العبرة أكثر من الصحة أو الضعف.
    فالمقصود أن هذه المشكلة قديمة، وإقبال الناس على المواعظ والرقائق قديم، بل حتى على الأشعار، فـالصوفية عندها ذكر الأشعار أو سماع الأناشيد، أفضل من سماع القرآن؛ لأن الأشعار والنغمات تحرك القلوب والعاطفة، فمن الممكن أن تزيد العاطفة بغناء من يغني شوقاً إلى ليلى ولبنى.. الخ، لأن الفاصل بين العاطفة والنفس دقيق جداً؛ لكن الفاصل الواضح الكبير هو ما يتعلق بالعلم وبالعقل الذي يعتبر الجانب الواعي في الإنسان، فهذا الذي تكون فيه الأمور دائماً واضحة، والقصد أن العاطفة تتأثر وتستجيب للمؤثرات العاطفية، وخاصة أنها لا تكلف شيئاً.
    أما حضور حلقات العلم المشهورة، كما يحصل في شهر رمضان يأتي الرجل إلى الحلقة، ويبدأ الشيخ في اليوم الأول في الصيام وأحكامه وأنواعه، ويدخل في الكفارة، وكيف اختلف العلماء، فيخرج من المحاضرة وهو ما استفاد أي شيء؛ لأن مشكلتنا أنه ليس عندنا صبر ولا جلد على العلم، وكأنه يكلفنا ما لا نطيق.
    وإذا لم تضبط لديه المسألة يأتي إلى الشيخ فيقول: ارجع إلى كتاب كذا رقم كذا؛ فيقول الشاب: مراجع! كتب! وأذهب لأشتري الكتاب وأقرأه! هذه مشكلة! فيبدأ يحب الأشرطة؛ لأنها سهلة، ويستطيع أن يضعها في السيارة، ويستمع لها إذا ركب السيارة وذهب إلى عمله، لكن الكتاب يحتاج إلى فهم وتركيز وتعليق فيكرهه.
    ولا أعني ترك ذلك على الإطلاق بل بالعكس، أنا أقول: إن المواعظ يجب أن تنشر بأكبر وأقصى حد عند العامة، لكن الموعظة الحقة، لا خيالات، ولا منامات، ولا أقاصيص كاذبة فيها، بل المواعظ السليمة، والرقائق الصحيحة وهي كثيرة -والحمد لله- والله إن فيها الفائدة، فالقصص النبوي والقصص القرآني كثيرة وفيها الدروس والعبر، فنريد أن نعرضها على العامة، ونريد أن يكون فينا من يجيد أن يعرضها على العامة بأجمل أسلوب من حيث الأداء ومن حيث الإثارة الخطابية.
    أما طالب العلم، فينبغي أن يُصبِّر نفسه ليتعلم -مثلاً- مسألة من مسائل العقيدة، أو من مسائل العلم، ثم يفهمها ويعيدها، ثم يوصلها إلى غيره فإن لم يحصل هذا فربما بعد فترة من الزمن نتحول كلنا إلى عوام، ويبرز فينا مجموعة من الوعاظ يعظون والباقي عوام يسمعون، وهذه مشكلة فالأمة لا تقاد إلا بالعلماء، ولا يحركها إلا العلماء.
    شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية رحمه الله لما غزا التتار الشام، وقف فأفتى بفتواه المشهورة فتحركت الأمة للجهاد بها، تحركت على علم وجُمعت قلوب الناس على علم، لأنها مبنية على قال الله وقال رسول الله، فهذا هو الذي نريده وإن كان شاقاً.
    فأنا مع الأخ في كونه قد يُترك العلماء المشهورون، فيكون الحضور عندهم أقل من العشر مما يحضر للوعاظ والقصاص، فهذه ظاهرة سيئة وخطيرة، ويجب أن نقاومها؛ مع أني قلت أن لكل إنسان فائدته في مجاله، لكن لسنا أنفع من العلماء، ولا أنفع من أن نقول: قال الله وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويأتيك بالأدلة التفصيلية التي تعطيك حجة علمية، كما بعث الله الرسل -رضوان الله عليهم- بالحجة، فأقول: إقامة الحجة العلمية لا تكون إلا بذلك.
    أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يكتب لي ولكم أجر هذا اللقاء، وأن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، وأن لا يجعل فينا شقياً ولا محروماً، وأن يأجر خيراً القائمين عليه، وأن يثيبنا ويثيبهم جميعاً بحسن الثواب، والحمد لله رب العالمين، وصلِ اللهم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.