المادة    
  1. أنه خاتم النبيين

    قال الطّّحاويّ رحمه الله تعالى:
    [وأنه خاتم الأنبياء]
    قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ:
    [قال تعالى: ((وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ))[الأحزاب:40] وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {مثلي ومثل الأَنْبِيَاء كمثل قصر أُحسن بنيانه، وتُرك منه موضع لبنة، فطاف به النظار يتعجبون من حسن بنائه، إلا موضع تلك اللبنة،لا يعيبون سواها، فكنت أنا سددت موضع تلك اللبنة، ختم بي البنيان وختم بي الرسل}خرجاه في الصحيحين.
    وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إن لي أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي، يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر، الذي يحشر النَّاس عَلَى قدمي وأنا العاقب، والعاقب الذي ليس بعده نبي}.
    وفي صحيح مسلم عن ثوبان قَالَ: قال رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وإنه سيكون من أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي} الحديث.
    ولـمسلم: أن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {فضلت عَلَى الأَنْبِيَاء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأرسلت إِلَى الخلق كافة، وختم بي النبيون}] اهـ.

    الشرح:
    بعض خصائص النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
    هذا الموضوع، وهذه الجمل مهمة جداً عَلَى وضوحها ولله الحمد، وهو قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أنا خاتم النبيين فلا نبي بعدي} هذه واضحة -ولله الحمد- عند الْمُسْلِمِينَ جميعاً إلا من كفر وخرج من الإسلام، ولكن إيضاح الفرق المخالفة فيها وأسباب ضلالها هو المهم.
    هذه الأحاديث التي ذكرها المُصنِّف -رَحِمَهُ اللَّهُ- وما علم من الدين بالضرورة علماً قطعياً مجمعاً عليه، هو أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو خاتم الأَنْبِيَاء وهناك أحاديث أخرى غير الآية ((مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ))[الأحزاب:40] والأدلة كثيرة، كلها تدل عَلَى أصل قطعي مجمع عليه بين الْمُسْلِمِينَ وهو أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاتم الأنبياء.
    الحديث الأول: مثال يذكره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أن مثلي ومثل الأَنْبِيَاء من قبلي} عَلَى رواية البُخَارِيّ يقول: {كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل النَّاس يطوفون به، ويعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة قَالَ: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين}.
    فالمثال يوضح أن البناء قد اكتمل إلا موضع لبنة فجاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان هو هذه اللبنة، كما يقول ذلك الأحبار والرهبان الموحدون، فكانوا يقولون: متى يُبعث نبي آخر الزمان -كانوا يسمونه بنبي آخر الزمان أي: الذي ليس بعده نبي- فبعث صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان هو نبي آخر الزمان.
    والحديث الثاني: في أسمائه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: {إن لي أسماء أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي -ووضحه فقال:- يمحو الله بي الكفر} وقد محي به الكفر ولله الحمد والمنة {وأنا الحاشر} ووضح ذلك قَالَ: {الذي يحشر النَّاس عَلَى قدمي} فهو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي يشفع يَوْمَ القِيَامَةِ.
    والعاقب: هو الذي ليس بعده نبي.
    الحديث الثالث: يقول المصنف: في صحيح مسلم: عن ثوبان وهذه الرواية ليست في صحيح مسلم كما نبه إِلَى ذلك الشيخ الأرنؤوط، ولعل الشيخ الألباني نبه إِلَى ذلك، وفي صحيح مسلم نجد حديث ثوبان: {إن الله زوى لي الأرض وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض} إِلَى آخر حديث ثوبان المعروف وليس فيه هذه الزيادة، وإنما هي زيادة في مسند الإمام أَحْمَد. {وإنه سيكون في أمتي ثلاثون كذابون كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي}.
    وهذا الحديث، قد يستدل به عَلَى أن الذين يدعون النبوة عددهم ثلاثون، مع أن الذين ادعوا النبوة صاروا كثيراً، فكيف يكون الجمع؟
    إما أن يكون الثلاثون هم من ظهر أمرهم وعظم خطرهم وكان لهم أتباعاً كُثر.
    وإما أن يكون العدد للتكثير.
    وإما أن يكون الثلاثون هم الذين يدعون في الفترة القريبة من بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    لكن بعضهم ادعاها وهو حي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل:مسيلمة الكذاب والأسود العنسي وفي جيل الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم ادعى النبوة عدد فقد يكون هو هذا العدد والله أعلم.
    المهم أنه يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أنا خاتم النبيين ولا نبي بعدي}
    .
  2. أعطيت خمساً

    من الخصائص التي خُص بها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماجاء في حديث الخمس التي أعطيها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يعطها أحد قبله، وفي رواية أنها ست، كهذه الرواية التي رواها مسلم يقول: {أعطيت جوامع الكلم} ومعنى {أعطيت جوامع الكلم} قد سبق معنا.
    وقلنا: إن جوامع الكلم هي: العبارة القليلة الألفاظ، الجامعة لمعان كثيرة وقواعد عظيمة في أمور الدين، مثل قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لا ضرر ولا ضرار} ومثل قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {الدين النصيحة}ومثل قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد}.
    فهذه أقوال وألفاظ موجزة؛ لكنها تشمل أموراً عظيمة جداً يُستدلُ بها في أبواب كثيرة، وتُستخرجُ منها مسائلُ كثيرةٌ جداً، مع أنها ألفاظ موجزة.
    وكما مرَّ معنا في حديث القدر {كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة فنكس فجعل ينكت بمخصرته ثم قال: ما منكم من أحد ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة والنار، وإلا وقد كتبت شقية أو سعيدة، قال: فقال رجل: يا رسول الله! أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل؟
    فقال: من كان من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة، فقال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له
    } بهذه العبارة الموجزة، انحلت كل الإشكالات التي تتعلق بالقدر، من كَانَ من أهل النَّار فهو ميسر لعمل أهل النَّار والعياذ بالله، ومن كَانَ من أهل الجنة فهو ميسر لعمل أهل الجنة.
    وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {ونصرت بالرعب} وفي رواية أخرى {مسيرة شهر} ومعنى ذلك: أنه إذا عقد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لواء جيش من الجيوش قذف الله تَعَالَى في قلوب أعدائه الرعب قبل أن يحاربهم، ولو كَانَ عَلَى مسيرة شهر منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وأحلت لي الغنائم} {وكان الأَنْبِيَاء قبل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قاتلوا عدواً لهم فغنموا منه، فإنهم يجمعون الغنائم فيضعونها في مكان فتنـزل نار من السماء فتحرقها، ومن غل منها شيئاً، فإنه يعاقب}.
    فجاء الحكم بالتخفيف لهذه الأمة أن الغنائم حلال له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولأمته عَلَى القسمة المعروفة إن كانت فيئاً أو إن كانت غنائم، فأحلت له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصبح كل مقاتل يأخذ ما كتب الله تَعَالَى له وشرع من الغنائم، هذه من خصائصه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ ولهذا يقول: {بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده، وجعل رزقي تحت ظل رمحي} فكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسترزق مما يقبضه من الغنائم التي أحلها الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- له من قتال الكفار.
    ويقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً} هذه نعمة عظيمة أيضاً، كانت الأمم قبلنا -وما يزالون إِلَى اليوم- لا يصلون إلا في الكنائس وفي المعابد، لكن هذا الدين رحمة للعالمين وهو دين عام للعالمين وعام لجميع الأزمان إِلَى أن تقوم الساعة.
    فالله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- خفَّف عن هذه الأمة، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رواية: {فحيث ما أدركت الصلاة أحداً من أمتي فعنده مسجده وطهوره} فإذا لم تجد الماء أو المسجد فتقول: بسم الله، وتتيمم، وتكبر، وتصلي، ليس هناك تخفيف مثل هذا، ولم يكن في أي ملة من الملل تخفيف من الله عَزَّ وَجَلَّ مثله، وهذا دليل من الأدلة الكثيرة عَلَى أن هذا الدين دين رحمة للعالمين، وأنه دين العالم، وأنه دين الإِنسَانية جمعاء، فلا تتعطل أمور الحياة ولا تتوقف في أي مكان كنت، فحولك الأرض تتيمم وتصلي في أي مكان لا يشترط المسجد، ولا يشترط الماء إلا في حال كونهما موجودان فيجب أن تتوضأ وإذا كَانَ المسجد أيضاً موجوداً فيجب عليك صلاة الجماعة.
    وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وأرسلت إِلَى الخلق كافة، وإنما كَانَ النبي يبعث إِلَى قومه خاصة} كما وضحت ذلك الروايات الأخرى فكان الأَنْبِيَاء يبعثون إِلَى أقوامهم، فموسى بعث إِلَى قومه، وزعيمهم فرعون وإلى بني إسرائيل خاصة ليخرجهم من طاغوت فرعون، ونوح، وهود، وصالح، وشعيب كذلك، ولكن مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى جميع الأَنْبِيَاء والمرسلين أزكى الصلاة والتسليم بُعث إِلَى الخلق عامة، فدعوته للثقلين الإنس والجن.
    ولهذا يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {والذي نفسي بيده لا يَسْمَعُ بي يَهُّودِيٌّ ولا نَصرَانيٌّ ثُمَّ لا يُؤمِنُ بي إلا دَخَلَ النَّار} مجرد أنه سمع بهذا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأن دعوته عامة لجميع العالمين.
    قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وختم بي النبيون}هذه الجملة السادسة التي زادت في هذه الرواية.
    وهذه حقيقة قطعية لا يخالف فيها أحد من الْمُسْلِمِينَ وأعداء الله لم يخالفوا فيها من أول أمرهم بوضوح.