المادة    
بعد ذلك يأتي بآيات النفير العام يقول: '' ويقول الله عز وجل: ((وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ))[البقرة:193] والفتنة هي: الشرك، كما قال ابن عباس والسدي، وعند نزول الكفار واستيلائهم على الديار، فالأمة مهددة في دينها ومعرضة للشك في عقيدتها؛ فيجب القتال لحماية الدين والنفس والعرض والمال '' وهذا كلام حسن.
المناقشة: إذاً: الجهاد من أجل الدين، كما قال تعالى: ((وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ))[البقرة:193]، والفتنة هي: الشرك، فيجب أن نقاتل المشركين حتى لا يكون شرك؛ لأنه لو لم نقاتلهم لاحتلوا بلادنا، ولتمكنوا فنشروا الشرك.
إذاً: الذي نحاربه نحن هو الشرك، وليس لأن فلاناً احتل بلدي، مع أن الدفاع عن البلاد مطلوب؛ لكن ليس هو القضية التي من أجلها نزلت الآية، ليس هو الجهاد الذي نقول: "إنه فرض عين"، فهو شيء آخر، الجهاد الذي هو ذورة سنام الإسلام، والذي به جاهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأصل فيه أنه من أجل أن يكون الدين كله لله، وألا يشرك بالله عز وجل.
إذاً: نحن نحارب المشرك سواء كان أخي أو ابن عمي أو أبي أو في بلدي أو من بعيد جاء بالسيف ليحتل بلدي، فلو جاءنا مشرك؛ لكن لم يأتِ بالسيف، وإنما جاءنا بكتاب أو بقبر، أفلا نحارب هذا المشرك؟ بلى. فإننا إذا لم نحاربه فقد أبطلنا مفهوم الجهاد؛ لأن الجهاد إنما يكون من أجل إزالة الشرك، فإذا وجد الشرك في أية صورة من صوره، فيجب أن يجاهد بالقلم أو بالسيف إذا لم يمكن دفعه إلا بالسيف أو بأي شكل من أشكال الجهاد.
  1. حديث: { وإذا استنفرتم فانفروا }

    ثم يقول الشيخ: '' وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا} ومدار الواجب: على حاجة المسلمين أو استنفار الإمام كما قال ابن القيم ''.
    المناقشة:
    الحديث لم يذكر حاجة المسلمين، وإنما قال: {وإذا استنفرتم...} ومن أين لنا أن مدار الواجب على شيئين: على الحاجة وعلى الاستنفار؟! نحن لا ننكر أن الحاجة توجب؛ لكن نحن نقول: إن الحديث لم ينص إلا على شيء واحد وهو الاستنفار، ولم يذكر الحاجة، والحاجة تحتاج إلى دليل خارج الحديث، فهذا التخيير ليس موجوداً في الحديث، ثم إن الوجوب شيء وفرضية العين شيء آخر، ثم فرضية العين درجات، فبعض الفروض أهم من بعض.
  2. قاعدة الضرورات الخمس

    ثم يقول: '' إن كل دين نزل من عند الله جعل لحفظ الضرورات الخمس: الدين، والنفس، والعرض، والعقل، والمال -ومن هذا يقول- يجب الجهاد ''.
    المناقشة:
    نقول: هذا الكلام لا غبار عليه؛ لكنه لا يصلح دليلاً؛ لأن الجهاد فرض مهم ولا بد منه للدين، ونحن متفقون على ذلك، ولا يخالف في ذلك إلا الرافضة أو من لا يُعتدُّ بكلامهم، أو أناس غافلون عن الدين تماماً، أما من هو مهتم بدينه فلا ينكر أبداً أن الجهاد مهم؛ لكن هل يدل على أن الجهاد فرض عين، وأنه أهم فروض الأعيان؟ لا. لا يدل على ذلك.
    مثلاً: لو رجعنا إلى كلام الشيخ يقول في (ص:41): '' والحفاظ على الدين مقدم على الحفاظ على النفوس '' ثم ذهب يفصل دليل: الحفاظ على الدين مقدم على الحفاظ على النفوس، والحفاظ على النفوس أولى من الحفاظ على المال.
    المناقشة:
    نقول: هذا صحيح، إذاً: أهم شيء هو الحفاظ على الدين، وأول شيء هو التوحيد، فهو جزاه الله خيراً يريد الحق، ولهذا تجده في مواضع كلامه الأخير يناقض كلامه الأول، فما دام أهم شيء هو الدين، وأهم شيء هو التوحيد، وأكبر هدف نسعى إليه هو إزالة الشرك، إذن نجعل القضية في موضعها الصحيح ولا نغلو في شيء من ذلك.
  3. دفع الصائل وقتال الفئة الباغية

    ثم ذكر حكم الصائل وأنه يجب أن يدفع، وذكر أيضاً قتال الفئة الباغية.
    المناقشة:
    هذا كلام ليس له علاقة بفرضية العين على جميع المسلمين، فمن صِيل عليه وجب عليه أن يدافع عن نفسه، وهذا معروف، ولا دلالة في وجوب قتال الفئة الباغية إذا لم تندفع بالإصلاح، على أن الجهاد فرض عين على كل المسلمين، وفي وقت معين، وفي مكان معين أنت تفرضه، وليس بين المسألتين أية علاقة.
    وتترسُ الكفار بالمسلمين لا يمكن أن يؤدي إلى أن يكون الجهاد فرض عين على كل المسلمين، ولا علاقة بين المسألتين، ويقول: '' هذا دليل على أن الجهاد فرض عين '' والحقيقة أنه لا يوجد دليل، وحتى هذه المسألة -مع أنه لا شاهد فيها- هي أيضاً فيها خلاف كما يفيده كلام ابن تيمية، حيث قال: '' فإن الأئمة متفقون على أن الكفار لو تترسوا بأسرى المسلمين وضيق على المسلمين إذا لم يقاتلوا، جاز رمي أولئك المسلمين على أحد قولي العلماء ''.