المادة    
هناك مشكلة أخرى خطيرة جداً، وإننا لا يمكن ولا يجوز أن نسكت عنها، وهي الاستدلال بأدلة غير صحيحة لا تؤدي إلى المطلوب، هذا لا نقوله دفاعاً عن أموالنا -بغض النظر عن رأينا في أي حدث من الأحداث- لكن دفاعاً عن ديننا، ولئلا يفترى على الله، ولئلا يُكْذَب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولئلا يقال على الله غير الحق، ولئلا يظن أحد أن ديننا هذا هزل، هناك من تكلم واستدل ببعض الأمور، فأخطأ الاستدلال، فيجب أن يبين خطؤه، وسوف أوجزها في الآتي:
  1. استعانة الرسول بعبد الله بن أريقط

    أولاً: الاستدلال بحديث أو بموضوع عبد الله بن أريقط وأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعان به واتخذه دليلاً إلى المدينة، نقول: إن هذا من باب استئجار الكافر، واستئجار الكافر ليس فيه شيء، والبيع والشراء مع الكفار جائز وهذا متفق عليه، لكن الشركة مع الكفار هل تجوز؟ لا تجوز على القول الصحيح؛ لأن الشركة مشاعر مشتركة بينك أنت والكافر، فمشاعرهم واحدة رأيهم واحد، تأويلاتهم واحدة، فلا تجوز الشركة، لكن الاستئجار هذا سواءً كان استئجار عين أم استئجار منفعة معينة، هذا جائز لأنه ليس على كل شيء كالشركة، والإجارة هي أقرب إلى البيع لكنها بيع مؤقت، واستئجار الكافر ما قال أحد: إنه حرام، فلا يصح أن يستشهد به على مسألة لا يدل ذلك عليها.
  2. معاهدة النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود في المدينة

    أهل المدينة أو سكان المدينة الأصليون هم اليهود من جهة، والأوس والخزرج من جهة، والبديل والطارئ على المدينة هو الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمهاجرون، فهم جاءوا ودخلوا المدينة، فكأنهم في نظر أهل المدينة محتلون، واليهود والمنافقون كانوا يقولون: "أكرمناهم وآويناهم"، "سمن كلبك يأكلك"، هكذا قال عبد الله بن أبي ثم قال: ''والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل'' فنحن آويناهم والآن ارتفعوا علينا!
    فهذا هو الشاهد: أهل المدينة الأصليون هم اليهود والأوس والخزرج، وأما المهاجرون ومعهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهم طارئون على المدينة فكأنهم جاءوا واحتلوها، ثم جاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكتب المعاهدة، ومن ضمن ما كتب: أن الأمر في المدينة كله -الأمر والنهي- مرجعه إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا شيء مهم جداً، أي: أن شرع الله هو الحاكم على الجميع، وإذا داهم المدينة عدو، فإن الدفاع -كما نسميه نحن الآن- يكون من الجميع، فهل يعقل أن يتصدى المهاجرون والأنصار للعدو، واليهود قاعدون آمنون، وهم من أهل البلد، وهم مواطنون؟!
    ولذلك فهي مسألة تختلف تماماً عن المسألة التي نحن نتحدث عنها.
  3. عدم مشاركة المشركين في المعارك مع الرسول

    النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يستعن بالمشركين في أية معركة من معاركه أبداً! ولذلك جاء في بيان هيئة كبار العلماء: أن الأمر يرجع إلى الضرورة، والضرورة لها أحكام ولها تفصيل، وليس هذا موضوعنا، لكن موضوعنا نحن فقط هو من ناحية علمية بحتة، فنقول: لم يستعن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمشرك في أي حرب من الحروب، بل في صحيح مسلم {أن رجلاً جاء فقال: أريد أن أحارب معك، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارجع فإنا لا نستعين بمشرك} وهذا حديث صحيح.
    أما ما نسب إليه مما ذكره الشافعي رحمه الله أو سعيد بن منصور، أنه استعان ببعض يهود خيبر، فهذا الحديث غير صحيح، ولم يستعن بهم وإنما استعمل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يهود خيبر، أي: استخدمهم في الأرض وجعلهم رقيقاً، أما أنه استعان بهم، أي: حارب بهم أو سهم لهم فلا.
  4. استعارة الرسول دروعاً للحرب من المشركين

    السؤال: هل استعار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دروعاً من الكفار؟
    الجواب:
    أولاً: لا! فالحديث الصحيح في سنن النسائي وغيره، وهو بسند صحيح لا شك في صحته أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعار من يعلى بن أمية، ويعلى بن أمية صحابيُّ جليلٌ مسلم والحمد لله، لكن ورد في روايات موجودة في السنن والمسند وفي بعض الكتب أنه استعار من صفوان بن أمية وهو مشرك، ولو صحت رواية صفوان كنا سنقول بذلك، لكن الصحيح أنه استعار من يعلى، وليس من صفوان.
    ثانياً: على فرض صحة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعار دروعاً، نقول: النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحكم الجزيرة العربية، وهو قائد الأمة، وولي الأمة، وجيشه اثنا عشر ألفاً، ولذلك قالوا: لن نغلب اليوم من قلة؛ كما أخبر الله عنهم بقوله: ((وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ))[التوبة:25] فكانوا جيشاً عرمرماً، والجيش المسلم قد يستعير من فاجر، أو يأخذ من فاجر أو من تجار الكفار دروعاً، وهذا ليس ممنوعاً، هذا لو صحت الرواية، مع أنها ما صحت، لكن نقول فرضاً، الدولة المسلمة يجوز لها أن تشتري من أحد الكفار أو تستعير منه وليس في ذلك شيء، لكن هل هذا يدل على أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعان بالكفار أو حارب معه الكفار الآخرون؟
    نقول هذا براءةً للذمة؛ لأنه لا يجوز مهما كانت الظروف والضغوط التي علينا أن نبرر لأنفسنا بدليل غير صحيح، لا يصح أن نستدل به في وقت الضرورة، والضرورة مثل الميتة، الميتة أكلها حرام، ولا يوجد دليل يقول: الميتة حلال، لكن في حال الضرورة يجوز أكل الميتة ولا خلاف بين العلماء في حلها عند ذاك.
    إذاً: متى تكون الضرورة؟
    أو هل هي ضرورة؟
    فهذا شيء آخر، لكن هل نستدل بدليل ضعيف أو موضوع على شيء؟
    لا، فهذه وسيلة في الاستدلال غير صحيحة.
  5. الاستدلال بحديث: ( تصالحون الروم )

    قد ذكرنا هذا الحديث من قبل، وهو حديث: {الروم وتقاتلون معهم عدواً من ورائهم، فتسلمون وتغنمون، ثم ينقضون} وليس في هذا دليل؛ لأن هذا إخبار عن حال وعن واقع يخبر به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه أمر سيقع، فيقول: أنتم ستفعلون، فهذا لا يدل على أنه حق، وقد يكون هذا بدعة أو يخرج عن الأدلة الشرعية، لكننا سنفعله، وفي النهاية سينقض الروم العهد فيكون القتال.
    على كل حال العلماء ذكروا أنه إذا كنا في عهد مع عدو، وكنا نأمن غائلتهم، وبشرط أن يمكننا أن نغلب كل منهم على حِدَةٍ، ففي هذه الحالة يجوز، وهي حالات لا أريد أن أدخل في تفاصيلها.
    مثلاً: أتينا نحارب الفرس، فأتى الروم بيننا وبين الفرس، الروم أيضاً يكرهون الفرس، قالوا: ما رأيكم في أن نحارب معكم، فنقول لهم: أنتم تعالوا من الغرب، ونحن نأتي من الشرق، ونحن نعلم أننا نستطيع أن نغلب الفرس لو حاربناهم وأن نغلب الروم، وأنهم لو اجتمعوا علينا الاثنين أيضاً لغلبناهم، وهذه الحالة أصبحت حالة تكتيكية -والجرائد اليوم علمونا عبارات استراتيجية أو تكتيكية، والتكتيكية تعني: عملاً لا يدخل في صميم الأسس، فهذان عدوان أمامنا، أنا أستعين بهذه، أقول: تحرك أنت من هنا، وأنا من هنا، ونقضي على هذا العدو، لكن نحن لو حاربناهما جميعاً نستطيع أن نغلبهم، فهذه حالة ذكر الفقهاء أنه يمكن أن تستعين فيها بكافر أو يعينك كافر في القضاء على عدو آخر.
    والمقصود: أننا حتى مهما كانت الضغوط يجب أن نتقي الله، إذا قلنا قال الله، أو قال رسول الله، أو هذا من الدين، أو هذا يجوز وهذا لا يجوز.
    ويكفي أن نقف عند كلام هيئة كبار العلماء، فقد قالوا: إنها ضرورة، والضرورة لها أحكامها، وأنا لا أتكلم في هذا الآن، لكن نقول: إن أي دليل آخر فإنه غير صحيح.
  6. السخرية من المتدينين وتخويفهم

    قالوا: إن الكمامات الواقية لا يمكن استخدامها مع اللحية! بمعنى أنها لن تنزع، وهذا قد نشره اليهود، وهذا الكلام تكلم به مسئول في الحاخامية اليهودية -المقر الديني لليهود في إسرائيل- فقال: يجب أن تصحبوا ومعكم مقصات؛ لأنه في حالة كشف الكمامات الواقية، قد يحدث هجوم كيماوي ويختنق كل الناس.
    ومع الأسف إسرائيل التي سكانها يمكن أن يكونوا خمسة ملايين أو أربعة يمكن أن تجند مليون جندي في خلال أربع وعشرين ساعة!
    الجيش جاهز، والاحتياط جاهز، والكمامات جاهزة، وكل شيء جاهز!
    أمة تعيش الحرب، وتعيش حالة الحرب؛ مع أن الانتفاضة تؤرقها من الداخل، ومع أن اقتصادها منهك ومنهار من الداخل، مع أن مجتمعها متفكك ومكون من عدة تجمعات... وبها مشاكل كثيرة، لكنها مستعدة في خلال أربع وعشرين ساعة أن يكون بينهم ما يقارب المليون جندي لديهم الجاهزية لأي حرب؛ لذلك وُجِدت إسرائيل، لا لأن اليهود كرماء على الله وأورثهم الله الأرض، لا، فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قال: ((وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ))[الأنبياء:105] فهل أمريكا صالحة واليهود صالحين؛ ولذا أورثهم الله الأرض؟!
    لا والله، ولكنهم اتخذوا الأسباب المادية، وغيرهم تركوا الأسباب المادية والمعنوية، وتركوا أعظم الأسباب وهو الإيمان، فلذلك كان هذا حالهم، فكل إنسان في إسرائيل مدرب وقابل للتجنيد.
    فهذا الحاخام اليهودي يسخر من المسلمين ويقول: '' أنتم يا أهل الدين حتى تتجندوا لابد أن يكون معكم مقصات حتى تلبسوا الكمامات'' وعلى كل حال هذا من الإرجاف الذي استغله المنافقون، وبدءوا يتكلمون.. وانظروا في هذا الإرجاف كيف ينشر في الصحافة الإسلامية، ويتكلم الناس به في المجالس، وقد يقولونه على طريق المزح، وبعضهم يقولها على سبيل الاستهتار، فوصل بهم الاستهزاء بالدين إلى هذا الحد، وأقول: إن هذا يدلكم على أن مشكلتنا فعلاً هي مع الله، وليست مع الغرب ولا مع الشرق، نسأل الله العفو والعافية..!