المادة    
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على رسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعــد:
فإن أول ما أحب أن أذكر نفسي وإخواني به في هذه القضية، أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا يقدِّر في هذا الكون إلا ما هو خير، وإن كان فيه ضررٌ أو شرٌ لأناس مؤمنين أو كافرين من وجه من الوجوه، وفي الجملة الشر ليس إليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وما يقع منه -عز وجل- فهو خير.
ولكن يجب علينا أن نعتبر ونتعظ ونستفيد من الأحداث؛ لتكون خيراً لنا، من جميع الوجوه، وإن اشتملت على ضرر، فإن الأمور بنهاياتها.
ونحن الآن في أول المشكلة، فلا تتصوروا أن ما حدث يمكن أن يحل في أسبوع أو أسبوعين أو شهر أو شهرين!
هذه مشكلة ستطول، ونهايتها لا يعلمها إلا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى!!
فلا يمكن أن تنتهي كما قد يبدو للبعض بأيامٍ معدودات؛ فالغرب بدأ يتكالب ويأتي من كل وجهة!
بعض أساطيله إلى الآن لم تتحرك، وبعضها تحرك قبل عدة أيام، ويحتاج إلى شهرين في البحر حتى يصل، ثم بعد الشهرين وبعد الوصول: ماذا سيكون...؟! الله تعالى أعلم!
إن الأمر سيطول! وليست هذه المشكلة خارجة بأي شكل من الأشكال عن مشكلتنا الأساسية الأولى في حياتنا نحن أمة الإسلام.
وهي مشكلة دائمة نعيشها، وهي: ضعف قربنا من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وضعف تمسكنا بكتابه جل وعلا؛ فقد يسلطهم الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- علينا إن عصيناه وانحرفنا، أو ينصرنا ويؤيدنا ويجعل الدولة لنا على أعدائنا إن تمسكنا واستقمنا، هذه قاعدة في جميع العصور، وفي جميع مراحل التاريخ.
جاءت موجة التتار، وجاءت موجة الصليبيين في مراحلها الأولى، ثم جاءت الصليبية في شكل استعمار، ثم جاءت الصليبية الجديدة؛ فكلها صليبية وإلى الآن فالمعركة التي نعيشها معركة صليبية؛ لأن حزب البعث صليبي، والغرب صليبي، فالقضية كلها صليبية.
وأهم شيء يجب أن نتحلى به: أن تكون لدينا القاعدة الإيمانية، التي لا يجوز أن نتناسها بأي شكل من الأشكال، لأن هناك سنَّة من سنن الله في الأمم وفي المجتمعات وهي: أنهم إذا عصوا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أو خالفوا أمره، جاءهم العذاب، ثم إنهم يتضرعون إلى الله.
  1. انصراف الأمة الإسلامية عن القرآن

    أقول: عجيبٌ أن يصدر هذا عن أمة القرآن وأمة الإيمان وأمة الإسلام، التي جعل الله لها في كل مشكلة، وفي كل أمر، وفي كل ضائقة، وفي كل نازلةٍ حلاً في كتابه وفي سنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والحل موجود، وقد تكلم عنه كثير من دعاة الحق -والحمد لله- لكن لم نجد إلى الآن أية إشارة واضحة إلى أننا فعلنا الحل الذي في كتاب الله عز وجل، وأننا امتثلنا الحل الذي أمر به الله، كما قال:- ((فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ))[الأنعام:43] قسوة القلوب كهذه التي نعاني منها.
    توزع حالياً أخبار عن المبيدات والأسلحة الكيماوية والغازات الكيماوية أثارت الرعب والهلع في نفوس الناس، وأنا لا أتكلم عنها، وأنا جازم وواثق أنها ليست رسمية، وليس عليها ختم رسمي، وهي في حقيقتها صحيحة، فما تضمنته من أثر هذه الغازات السامة صحيح وواقع، بل في الحقيقة هناك أنواع أخطر من ذلك بكثير.
    ولكن ليست هذه هي القضية؛ القضية هي: لماذا عندما لا ينسب مثل هذا الكلام الذي ليس له أصل ولا مستند رسمي، فلم يقل للناس: " خذوا أقنعة أو احتاطوا" رسمياً وإنما هذه أوراق وإشاعات، الله أعلم بمن وراءها، وما مصدره، فهو قول غير مؤكد وغير معروف، ومع ذلك ذعر الناس وهلعوا، وكل إنسان بدأ يفكر جدياً، فيما يصنعه؟
    وهل منطقته بعيدة عن الأحداث أو قريبة؟
    ويفكر ماذا سيصنع إذا جاء الغاز فعلاً.
    سبحان الله! القرآن كلام الله رب العالمين سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يحدثنا عن عذاب جهنم.. يحدثنا عن دخان جهنم، أين هذه الغازات من دخان جهنم؟!
    أين هي من ((ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ * لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ))[المرسلات:30-31] أين هي من ((لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ))[الأعراف:41].
    أين، أين، آيات كثيرة، فأين هذا من هذا؟!
    وهو كلام رب العالمين وهو حق وصدق، ولا يمكن أن يقع إلا في حق من توعده الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بذلك، وذكر الله تعالى أسبابه، وهي المعاصي والذنوب، فهل اتخذنا وقاية من هذه الذنوب؟!
    قال تعالى: ((وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً))[مريم:71] كل إنسان واردها، كل إنسان سيعبر الجسر المنصوب على متن جهنم، كما أخبر بذلك الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهل أعددنا وقاية من عذاب الله؟!
    هل أصابنا الخوف من الله؟
    كما أصابنا الخوف من البشر والهلع والذعر؟!
    وقد ضربت هذا المثال لتعلموا لماذا أصبنا بهذه النكبة، ولماذا حلت بنا هذه المصيبة؛ وذلك لأننا لم نعد نخاف من الله، ولم نعد نخاف من وعيده ولا عذابه سبحانه، لأننا لم نعد نستمع إلى آيات القرآن، وما كان فيها من وعد أو وعيد، ومن استمعوا فهم يستمعون وقلوبهم غافلة لاهية إلا من رحم ربك.
  2. منكرات لم تغيرها الأمة

    ننتظر متى نكف عن الغناء واللهو والطرب في وسائل الإعلام أو في خارجها، وما كففننا! ننتظر هل سيمنع الربا، هل سيخفف الربا، هل سيتقلص...، فما تغير شيء من هذا! قلنا: لعل التبرج ينتهي من الأسواق ومن الشواطئ ومن المنتزهات، فلم يتغير شيء! سبحان الله العظيم...! محلات يسمونها التخسيس وصوالين التجميل، ومشاغل الخياطة، وما فيها من فساد، هل أوقفت؟ هل منعت؟ هل انقطعت؟ هل ضعفت؟ والله ما صار شيء من هذا...! هل أعيدت صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ وهل وضع لها اعتبار وقوة؟ والآن هذا وقت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لعل الله أن يرحمنا ويرفع عنا العذاب، لم نصنع شيئاً من هذا! هل أعدنا وضع مدارس تحفيظ القرآن إلى وضعها الطبيعي؟ نقول: علينا أن نستغفر الله؛ لعل الله سلطهم علينا بذنوبنا، إذاً وجب أن نعيد لها اعتبارها، وتأخذ من الطلاب ما تشاء، وتكون كما كانت، لكننا ما فعلنا شيئاً من هذا! الرقابة الإعلامية: كل ما حدث في السوق، هو أننا سلمنا من شرور المجلات والصحف الكويتية، وهذا من عند الله ليس من عند أنفسنا، هل قلنا ما دامت أن هذه الصحف عوقبت على فسادها وإلحادها وكفرها الذي كنا نتحدث عنه، إذاً فلنمنع الصحف الباقية، هل مُنع منها شيء؟! وأنا لا أدري، ولكن أنا أقول فيما أرى. وضعنا هو مثل الذي لا يصلي قبل الأحداث ولا يصلي بعدها! سبحان الله! الذي لا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر لا يزال على ما كان عليه إلا من رحم الله! لا اعتبار! لا اتعاظ! لا ضراعة! لا رجوع إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى! لم لا نحاسب أنفسنا ونقول: كان هذا حراماً واستبحناه! فلنتجنبه، كان هذا واجباً وتركناه! إذاً فلنفعله... لكن ما حدث شيء من هذا! إذاً ماذا نتوقع؟! كيف ندفع العذاب؟!
  3. الغفلة عن أسباب دفع العذاب

    لقد بين الله لنا كيف ندفع العذاب، وبين لنا أن التضرع سبب من أسباب دفع العذاب كما في آية المؤمنون والأنعام والأعراف وغيرها، يقول تعالى: ((وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ))[المؤمنون:76] ويقول تعالى: ((فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ))[الأنعام:43] وفي سورة الأعراف يقول تعالى: ((وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ))[الأعراف:74] إلى أن يقول: ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ))[الأعراف:96-97] وهذا ما حدث في الكويت!
    ثم يقول تعالى: ((أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ))[الأعراف:98-99].
    أين الضراعة التي ذكرها الله في القرآن؟
    أم أننا لسنا في حاجة إليها؟!
    لا ضراعة! لا استكانة! لا توبة! لا إنابة؟
    حالنا كأنه لم يحدث شيء.
    من أين جاءنا الأمان والارتياح؟
    من أين؟!
    لما قيل: إن الغربيين الكفار سيدفعون عنا عذاب الله، فارتحنا واطمئننا!!
    أهكذا أمة الإيمان؟!
    أهذه أمة التوحيد التي في كل ركعة تقول: ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ))[الفاتحة:5]؟!
    أهذا حالها؟!
    أهذا شأنها؟!