المادة    
فالواجب تجاه هذه المجالس الخيرة النافعة إخلاص النية والمقصد.
وإلى الله المشتكى من تشعب النيات، فعلينا أن نستشعر دورنا في الحياة، فلو أن الأمة أدركت تلك الأنانية التي نعيشها اليوم، لما قام لدين الله قائمة على الإطلاق!
لو أن الصحابة رضوان الله عليهم أخذوا هذا الدين وعرفوا محاسنه، ثم جلسوا إلى التجارة والأموال والمزارع، وبقوا في مساكنهم وأهلهم، لما قام لهذا الدين قائمة، بل كان الواحد منهم يستشعر منذ أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله أنه أمير على هذا الدين.. فإذا قصَّر في بلاغ هذا الدين، فهو يشعر أنه يحمل جبال الدنيا آثاماً على كتفيه يوم يلقى الله..!
فنحن اليوم قد منَّ الله علينا بهذه المجالس الطيبة، ومنَّ علينا بمن يدعونا برحابة صدر إليه وإلى دينه وشرعه، مِنْ طلبة العلم ومن العلماء الذين يبصِّرون الجاهل ويرشدون الغاوي.
فواجبنا أن نسعى إلى هذه المجالس، وأن ندعو غيرنا إليها من أقاربنا وجيراننا وأصدقائنا وأرحامنا، وأن ندل الناس على الخير؛ فإن دلالة الخير يستطيعها كل فرد في الأمة، فليست مقصورة على العلماء وطلاب العلم؛ فقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم}، فهذا القَسَمُ من أشرف مخلوق، وهو المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذه الدلالة يستطيع الأمي -فضلاً عن طالب العلم- يستطيع أن يقول: في المسجد الفلاني حلقة علم يا فلان! هيا بنا إليها.. وقد يهدي الله هذا الشخص فيصلح، ويصبح له من الأثر والتأثير الشيء العظيم، ويكون المتسبب الأول هو ذلك الرجل الأمي البسيط الذي دله على هذا الخير، فهذا أمر يجب أن نتكاتف فيه وأن ندعو الناس إليه.
وليس الواجب أن يكون هناك ندوة واحدة فقط في المسجد، بل الأصل في حياة الأمة أن نكتظ مساجدها بذكر الله وإقامة الصلاة وطلب العلم، وإن كل شيء يستغفر لطالب العلم، حتى الحيتان في جوف الماء، وإن الملائكة لتضع أجنحتها له رضاً بما يفعل...!
فالواجب علينا شَحْذُ الهمة نحو هذه المجالس الخيرة، مجالس الذكر والعلم، التي بها تنشرح الصدور، وتنغلق أبواب الشهوات، وتهرب شياطين الإنس والجن، وتنبع الاستقامة، وتصلح الذوات، ويحصل بها الأمن والأمان، ورضوان الله تبارك وتعالى.