المادة    
نذكر الآن بعض ما ورد من آثار عن الصحابة وعن التابعين رضي الله عنهم في ذلك ولا سيما الصحابة.
  1. الشروط العمرية

    عمر رضي الله عنه، له في هذا مواقف عظيمة، أعظمها وأشهرها الشروط العمرية، التي فرضها على أهل الكتاب، فأصبحت -ولله الحمد- سنة متبعة أجمع الفقهاء عليها، وإن اختلفوا في بعض التفاصيل، لكن الأصل العام أن الفقهاء اتخذوا الشروط العمرية دليلاً ومنهاجاً لهم في معاملة أهل الذمة، وهذا من سنن الخلفاء الراشدين؛ التي أُمِرَت الأمة أن تتبعها وأن تأخذها.
    فمما اشترطه عمر رضي الله عنه عليهم: ألا يظهروا شيئاً من أعيادهم -وهذا في بلاد الشام حيث أهل الذمة، أما في جزيرة العرب فننبه مراراً أنه لا يجوز أصلاً أن يدخلوا فيها، فضلاً عن أن يعلنوا فيها شعائر دينهم أو أعيادهم- فـعمر رضي الله عنه، مع ما فرض عليهم من أمر الله، وما ألزمهم به من الذل والصغار والجزية، ومع ذلك اشترط عليهم شرطاً واضحاً صريحاً ألاَّ يعلنوا عن أعيادهم في دار الإسلام أو بين المسلمين، فهي من جملة دينهم يتخفون به في بيعهم أو كنائسهم وما أشبه ذلك.
  2. النهي عن تعليم رطانة الأعاجم

    وروى البيهقي -أيضاً- كما ذكر شَيْخ الإِسْلامِ بإسناد صحيح أن عمر رضي الله عنه، قال:[[لا تعلموا رطانة الأعاجم]] وهذا موضوع مهم، تفشي العمل بخلافه في هذا الزمن، فقد صار أصحاب الأعمال يعلنون عن أعمال في الصحف، يفضل في المتقدمين لها من لديه إلمام بسيط بلغة الأعاجم، وكذلك فقد أصبح الناس يحثون على السفر إلى بلاد الكفار رغم أنهم يُنصحون بأنها بلاد لا يجوز الذهاب إليها إلا للضرورة، لأنها بلاد كفار، فيقول أحدهم: لو لم يكن من فائدة من الذهاب! إلا تعلم اللغة لكفت، فما فائدة اللغة إن لم تكن لمصلحة شرعية؟!
    فهي من جملة المشابهة وهي تورث محبتهم بلا ريب، وهذا له تفصيل آخر.
    كن المقصود أن عمر رضي الله عنه نهى عن أمرين: عن رطانتهم، وعن الدخول في كنائسهم يوم عيدهم، فإن السخطة تنـزل عليهم -ينـزل سخط الله عليهم- في يوم عيدهم، وفي كنائسهم.
    فإذا جاء شخص، وقال: اليوم عيد النصارى، دعنا نذهب إلى الكنيسة ننظر ماذا يصنعون، فهذا هو الذي قصده عمر رضي الله عنه، أما أن يشاركهم المسلم في أعيادهم وأن يهنئهم بها، فهذا من دينهم، ولكن هذا الفرجة يقول: لا تدخلوا عليهم لأنها مكان سخط، ومكان نزول عذاب -نسأل الله العفو والعافية- وغضب من الله؛ فربما يهلكهم الله عز وجل بما يعلنون من الشرك والكفر، فيهلك معهم هذا المسلم المؤمن.
  3. النهي عن البناء والإقامة عندهم

    وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: [[من بنى ببلاد الأعاجم أو أقام، فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك، حشر معهم يوم القيامة]] ويعقب شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله فذكر: أن هذا يحتمل أنه يقصد أنه يكفر، قال: وإن لم يكن يكفر من يفعل ذلك فلا شك أنه دليل على أن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه يرى ذلك من الكبائر المحرمة وكل واحدة من هذه الأمور منكر برأسه، وليس المقصود اجتماع هذه المنكرات جميعاً حتى يكون كذلك، بل كل واحد منكر، فالإقامة عندهم من غير حاجة أو ضرورة منكر، وحضور النيروز منكر، والمشاركة في أمورهم، والتشبه بهم منكر على انفراد، نسأل الله العفو والعافية.
  4. عدم مشاركتهم في أسمائهم

    علي رضي الله، عنه وكان -كما تعلمون- قد أقام هنالك في العراق وهم مجاورون للفرس فجاءه رجل، وقال: يا أمير المؤمنين! هذه هدية، قال: ما هذه الهدية؟
    قال: هذا يوم النيروز -أظنه يوافق أول أيام الربيع- قال علي رضي الله عنه: [[فاصنعوا كل يوم فيروزاً]] فهم قالوا: نيروز -وهذا اسمه إلى الآن- قال: اصنعوا كل يوم فيروزاً، فغيَّر الاسم ولم يرضَ أن يشاركهم حتى في الاسم، وقال: اصنعوا كل يوم فيروزاً، حتى تنتفي المشابهة، فهم يتهادون الهدايا في يوم معين، ونحن كل يوم نصنع هذا الطعام، كفاكهة ورياحين معينة تقدم لتشم، ويقال: هذا عيد النيروز، قال: اصنعوا كل يوم فيروزاً، يعني تغير عليهم، ليصبح يوماً عادياً جداً، فلا يظهر أنك تحتفل بهذا العيد أو تشاركهم فيه.
    فهذا من شدة حرص الصحابة رضي الله عنهم، وما نسميه الحساسية من مشابهة المشركين في هذا.