المادة    
  1. الذين لا يشهدون الزور

    وصف الله عباد الرحمن المؤمنين في آخر سورة الفرقان، فقال من جملة الآيات: ((وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً))[الفرقان:72] فنقل العلماء والمفسرون كما في الدر المنثور، عن بعض التابعين- مجاهد والضحاك وعكرمة وغيرهم أن ذلك أعياد المشركين، أي: لا يحضرون أعياد المشركين , وهذا ما نصوا عليه بالنص، ولا ريب أنه لا يقتصر عليه، لكن المقصود أنه الشهود، وأصح القولين في الشهود هو الحضور، كما نقول: من شهد الجنازة، أو من شهد يوم عرفة إلى غير ذلك، فالشهود يكون هو الحضور، فالذين لا يشهدون الزور، من فسرها من العلماء جعل هذا النموذج نموذجاً للزور الواضح الذي لا شك فيه، فالمؤمن لا يشهد ويحضر أعيادهم، وأماكن لهوهم أو لعبهم، كما صرح بذلك كثير منهم.
  2. للمسلمين عيدان فقط

    أما من السنة فالأحاديث في ذلك كثيرة، منها: حديث أنس رضي الله عنه قال: {قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما -كعادة الأمم (الروم والفرس) كل أمةٍ لها أعياد، فكان للعرب في الجاهلية يومان يلعب فيهما أهل المدينة- فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما هذان اليومان؟
    فقالوا: كنا نعلب فيهما في الجاهلية، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما، يوم الأضحى ويوم الفطر
    } وهذا حديث رواه أبو داوود، وقال شَيْخ الإِسْلامِ: إن إسناده على شرط مسلم.
    ووجه الدلالة في هذا: " إن العيدين الجاهليين لم يقرهما الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة " بل نص على البديل فقال: { إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما} فهل يجتمع البديل والمبدل منه؟ لا يجتمعان أبداً.
    إذاً: فلا بد أن نضع هذا مكان هذا، ولا يمكن أن نحتفل بأي يوم يحتفل به المشركون أبداً، فوجه الدلالة في هذا واضح.
    ويعلق شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله في الاقتضاء على هذا فيقول: " أيضاً فإن ذينك اليومين الجاهليين قد ماتا في الإسلام، فلم يبق لهما أثر على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا عهد خلفائه، ولو لم يكن قد نهى الناس عن اللعب فيهما ونحوه، مما كانوا يفعلونه لكانوا قد بقوا على العادة "
    فهنا شَيْخ الإِسْلامِ يستدل بالواقع، ففي أيام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأيام أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، لا وجود لهذين العيدين بل أكثر المسلمين لم يكونوا يعلمون متى كان موعد هذين العيدين، وهذا دليل على استئصال الشرع لهما استئصالاً نهائياً، حتى لم يبق لهما ذِكَرٌ أو أثر.
    فالنهي يكون من أشد أنواع النهي وأشد أنواع التغليظ -كما ذكر رحمه الله- مع تشوق النفوس إلى العيد، وإلى الفرح وخاصة كما ذكر: من النساء والأطفال والفارغين من الناس، وهو صادق؛ فما أكثر الفارغين من الناس اليوم الذين يحبون الأعياد، ويتمنون أن يكون في كل شهر حفلات وأعياد وعطل، والنساء كذلك يردن الزينة والبهرجة والفرحة، والأطفال.
    فرغم قوة الداعي لبقاء هذين اليومين في نفوس الناس إلا أنهما استؤصلا واجتثا؛ حتى لم يبق لهما من أثر.
    فهذا دليل على قوة المعارض وقوة المانع وهو حرصه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحرص أصحابه ومعرفتهم بأن هذا لا يجوز أبداً بخلاف بعض الأمور التي بقي لها أثر كالنياحة، وغير ذلك من أمر الجاهلية التي ذكر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنها تبقى، لكن هذا ذهب واستؤصل بالكامل.
    قد يقول الواحد منكم: هذه أعياد الجاهلية قد استؤصلت، فأعياد أهل الكتاب أمرنا شرعاً أن نقرهم عليها، فعندما يدخلون في عقد الذمة نقرهم على دينهم، ومن جملة دينهم الاحتفال بأعيادهم، وهذه الشبهة -أيها الإخوة- سوف تسمعونها في الجرائد والتلفاز، والإذاعات وغير ذلك، عندما تأتي هذه الأعياد وتفتح الإذاعات العربية، إلا ما رحم الله فتجدها كلها تحتفل بهذه الذكرى، فمن جملة من يأتي، ويتفلسف ويبرر ويقول: إن هذه الأعياد أقرت من جملة دينهم الذي أقر، وأن الإسلام يحترم أهل الكتاب، فـشَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله يرد على هذا رداً قوياً فيقول:
    " المحذور في أعياد أهل الكتابين التي نقرهم عليها، أشد من المحذور في أعياد الجاهلية التي لا نقرهم عليها، فإن الأمة قد حُذروا من مشابهة اليهود والنصارى، وأخبروا أن سيفعل قوم منهم هذا المحذور، بخلاف دين الجاهلية، فإنه لا يعود إلا في آخر الدهر، عند اخترام أنفس المؤمنين عموماً " عندما تقرب الساعة وتدنو، يلتحق فئام من أمتى بالمشركين وتضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة -وما أشبه ذلك من الأدلة- قال: هذا عند نهاية الزمان، أما أن تعود الجاهلية تلك التي كانت قبل قدومه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة بأعيادها، فلا تعود أبداً، فالنهي عن الشيء المتكرر والواقع والفتنة به أشد بلا ريب، فقال: " ولو لم يكن أشد منه فإنه مثله " أقل ما يقال: إن أعياد أهل الكتاب هي مثل أعياد الجاهليين.
    إذاً الشر الذي له فاعل موجود، يخاف على الناس منه أكثر من شر لا مقتضى له قوي.
    فوجه الاستدلال: الشر الذي له أهل ويقومون به، هذا المقتضي والدافع له أقوى من غيره، وقد زاد في زماننا هذا دافع آخر لهذا الشر، وهو دافع عظيم من أهم الدوافع على المشاركة، وهو: أن الكفار ظاهرون غالبون وممكنون، استدراجاً من الله لهم، وإلا لا يغرنا، وأنهم، وهم متحضرون ومتطورون، فتقتدي بهم أمم العالم جميعاً، ومنها أكثر المسلمين مع الأسف الشديد، فهذه تضاف إلى تلك.
    فإذا كان شَيْخ الإِسْلامِ تحدث عنهم وهم في زمنه أهل ذلة وصغار مضروبة عليهم الجزية، وهم في بلاد الشام، أما في هذه الجزيرة فقد حماها الله وطهرها، لا يجتمع فيها دينان، ولا يجوز أن يقروا فيها أصلا، لكن هنالك من أهل الذمة مضروب عليهم الذل والصغار ويكون الداعي أشد لوجودهم.
    ويذكر أن النساء والأطفال في عدة مواضع من كتابه وفي الفتاوى: أن النساء والأطفال والجُهال والفارغين يشاركونهم ويفرحون بأعيادهم، فما بالكم في هذا الزمان الذي زاد فيه هذا الداعي وهذا الدافع؟
    إذاً يجب أن يكون الإنكار أشد وأكثر، وإلا كان من المحظور ما لا تحمد عاقبته، الذي قد يؤدي إلى الكفر نسأل الله العفو والعافية على ما سنذكر في الأدلة الأخرى.
  3. عدم الوفاء بالنذر في مكان عيد الكفار

    ومن الأدلة: حديث ثابت بن الضحاك قال: نذر رجل على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ينحر إبلاً بـبوانة- وهذا في كتاب التوحيد قد جعله الشيخ محمد بن عبد الوهاب باب "لا يذبح لله في مكان يذبح فيه لغير الله" فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له: {هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية؟
    قال: لا. قال: هل كان فيها عيد من أعيادهم؟
    قال: لا، قال: فأوفِ بنذرك، فإنه لا نذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم
    } وهذا حديث صحيح أصله في الصحيحين وهو بلفظه هذا على شرط الصحيحين كما ذكر رحمه الله.
    وبعد أن ذكر الروايات الأخرى، قال: " وجه الدلالة، أن هذا الناذر كان قد نذر أن يذبح نعماً: إما إبلاً وإما غنماً، وإما كانت قضيتين في بمكان سماه: بوانة يقال: إنها قريب من ينبع، مكان قريب معروف في أيامهم، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل كان فيها كذا أو هل كان فيها كذا؟
    فهذا يدل على أن الذبح في بمكان عيدهم ومحل أوثانهم معصية لله تعالى من وجوه:
    الوجه الأول: أنه قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { فأوفِ بنذرك } لماذا هذه الفاء؟
    هي تعقبية، وتعني أن الحكم مترتب على ذلك -أي: فتفي بنذرك- فإذا لم يوجد محظور فأوفِ بنذرك، فلو لم يكن كذلك لقال: لا تفِ به.
    الوجه الثاني: أنه عقب بقوله: {لا وفاء لنذر في معصية الله} ومعنى ذلك أنه لو كان هناك ما يوجب التحريم لما جاز.
    إذاً كأنه قال له: حيث لا يوجد مانع ولا يوجد ما يقتضي التحريم ولا يجعله معصية؛ فأوفِ بنذرك، فدل ذلك على أن هذا معصية لا يوفى بالنذر فيها، أي لو كان مكانه عيداً من أعياد الجاهلية.
    الوجه الثالث: يقول: إنه لو كان الذبح في موضع العيد جائزاً، لسوغ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للناذر الوفاء به، كما سوغ لمن نذرت أن تضرب بالدف؛ أن تضرب به، بل لأوجب الوفاء به، إذا كان الذبح بالمكان المنذور واجب "
    فنلاحظ أن وجه الدلالة -هذا- دقيق، وقد يكون واضحاً إن شاء الله.
    إذا كان الإنسان لا يجب عليه فعل من الأفعال، ولكن نذر أن يفعله وهو طاعة، فيكون حكمه الوجوب عليه، والنهي عن النذر معروف، لأنه يستخرج به من مال البخيل، لكن لو نذر وجب عليه أن يفي بنذره.
    الوجه الرابع: أنه وجب عليه أن يفي بنذره بعد أن انتفت الموانع، فإذا كان الوفاء بالنذر أشد حكماً، لأن حكمه الوجوب والآخر حكمه الإباحة من الشيء الذي أصله مباح.
    فإذاً المقتضي والداعي لأن يفعله الرجل في هذا المكان أشد، وهذا واضح وظاهر، فلما جاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمانع يمنع هذا الوجوب الواضح الظاهر القوي، دل ذلك على قوة هذا المانع، فإنه لو وُجِدَ لما جاز له أن يفعله.
    إذاً: وجود عيد من أعياد الجاهلية في هذا المكان مانع قوي، يجعلك لا تفعل، ولو نذرت، فكيف لو تطوع أحد، وذهب إلى بقعة من البقاع التي فيها أعياد المشركين، فهذا يكون بلا ريب حراماً، والحديث يدل على ذلك أشد مما يدل على دلالته في عدم الوفاء بالنذر.
    وهناك ملحوظ آخر في هذا الحديث، وهو أنه إذا كان من أجل تخصيص البقعة -وهو الظاهر -فهذا إنما نهي عن البقعة لأنها موضع عيدهم، ولهذا لما خلت من ذلك أذن في الذبح لهم، فقصد التخصيص باق، فعلم أن المحظور تخصيص بقعة عيدهم، فكيف نفس عيدهم.
    أي: إذا كانت بقعة العيد يحرم فعل الشيء فيها، حيث لم يكن في زمن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عيد؛ بل جاء أن هذا كان في آخر أيام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن الرجل سأله في حجة الوداع؛ بعد أن طمست أعياد الجاهلية جميعاً، إنما الاتفاق في الموقع فقط، ومع ذلك يسأله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولو قال: نعم يا رسول الله! كان فيها عيد، لقال: لا تفعل.
    فكيف إذا اتفق الزمان والمكان ووجود الكفار واحتفالهم وحضورهم؟!
    لا شك أن هذا يدل دلالة قطعية على تحريم ذلك والله المستعان.
    ثم أعاد رحمه الله الكرة وهذا مهم جداً في أن أعياد الكتابيين أشد، فإذا كان هذا الزجر والنهي كما في هذا الحديث عن أعياد الجاهليين، فالكتابيين اليهود والنصارى النهي في حقهم أشد.
  4. حديث: (لكل قوم عيداً وهذا عيدنا )

    ومن الأدلة أيضاً على ذلك الحديث الذي في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: {أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل عليه أبو بكر الصديق، وعنده جاريتان تغنيان من جواري الأنصار، وما هما بمغنيتان -أي: إنما جاريتان صغيرتان تغنيان عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال أبو بكر رضي الله عنه: أبمزمور الشيطان بين يدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا بكر دعهما فإن لكل قوم عيد وهذا عيدنا} فماذا نأخذ من هذا الحديث؟
    أولاً: أن قوله: { إن لكل قوم عيد وهذا عيدنا } يوجب اختصاص كل قوم بعيدهم، يختصون به عن سواهم، وإلا كانت الأيام مشتركة والأعياد مشتركة، وهذا كما في قوله تعالى: ((لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً))[المائدة:48]، فشريعتنا غير شريعتهم، وقبلتنا غير قبلتهم، وعبادتنا غير عبادتهم، وصلاتنا غير صلاتهم، وصيامنا غير صيامهم، فكذلك عيدنا غير عيدهم، فلا هم يتبعون قبلتنا وعبادتنا وصيامنا ولا نحن نتبع قبلتهم وصيامهم ولا كذلك أعيادهم.
    إذاً: لكل قوم وأمة ونحلة عيد ونحن هذا عيدنا، فلا يشاركوننا فيه ولا نحن نشاركهم في أعيادهم.
    ثانيا: قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وهذا عيدنا } يدل على الاختصاص، أي: لا عيد لنا سواه، وليس المقصود فقط ذلك اليوم، وإنما هما يومان، وهذا من الجنس: أي لا عيد لنا إلا هذا العيد المشروع، فدل على أنهما اليومان فقط، ودل على أنه لا عيد لنا سوى ذلك، فحتى لو أردنا أن نجعل لنا عيداً -كالعيد الوطني أو عيد التحرير أو عيد الاستقلال، أو أي عيد نجعله لنا- ولا نشابه فيه أحداً من الكفار، لما جاز ذلك لنا أبداً.
    فكيف إذا كنا نفعل عيداً هو من أعياد الكفار، ونقيم شعائر هي من شعائر الكفار؟! لا شك أن ذلك يكون أشد وأعظم حرمة.
    يقول شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله: إن تعليل الإباحة للجواري بأن ذلك في يوم عيدنا، فيه دلالة على أن الإذن باللعب لأن هذا اليوم خاص بنا، فهذا اللهو وهذا اللعب خاص بنا، ولا يتعدى إلى أعياد الكفار.
    فإذاً لا يرخص باللعب في أعياد الكفار، فهما تلعبان أو تضربان لأنهما في عيدنا، فلو كان في عيد غيرنا لما أذن لهما.
  5. عدم مشاركة المسلمين لأعياد الكفار من أول الإسلام

    ومن الأدلة على ذلك -وهذا يمكن أن نسميه دليل الواقع- أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما بعثه الله كان اليهود في جزيرة العرب في أماكن كثيرة، في المدينة، وخيبر، والنصارى كانوا في نجران، واليمن -في صنعاء وغيرها- فكان اليهود والنصارى موجودين في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أول ما جاء الإسلام، وكذلك كان الفرس وديانة المجوس في البحرين -في شرق جزيرة العرب- ونحو ذلك.
    ومع ذلك من تأمل ونظر في سيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، علم علماً يقينياً قطعياً، أنه لم يكن المسلمون يشاركونهم في أي عيد من أعيادهم أبداً، ولم يقع ذلك من أحد من الصحابة أو التابعين، حتى لو تتبعنا السير لا نجد أن نساء المؤمنين أو أطفالهم شاركوا أولئك في أعيادهم، وذلك لأنهم أمة عرفوا الله، ومعنى لا إله إلا الله، وعزة الإيمان، وعرفوا أنهم على طريق الجنة والصراط المستقيم، وأن أولئك على طريق الكفر والضلال واللعنة والغضب، فلا نسبة بيننا وبينهم، ولا يمكن أن نقاربهم أو ندانيهم في شيء من شعائر دينهم.
    هذا كله مع أنه قد ثبت وجود التعامل معهم في أمور الدنيا الاعتيادية كالمبايعة، والمخالطة في الأسواق، وفي البلاد، وفي السكنى والمجاورة، وكثير من الأحكام، بل حتى رد السلام والتعارف كان موجوداً بينهم، والتعارف، وكثير من الأمور كانت موجودة؛ بعضها نسخ وبعضها لم ينسخ.
    والمقصود أن وجودهم كان حاضراً بين المسلمين ولم يثبت أبداً أي مشاركة لهم في أعيادهم، فهذا دليل على أن الصحابة رضي الله عنهم علموا وأيقنوا أن أعيادهم جزء من عقيدتهم، فكما لا نوافقهم على عبادة المسيح عليه السلام أو عزير أو تحريفهم للتوراة أو إنكارهم لنبوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا مثل ذلك، فكذلك لا نوافقهم في أعيادهم، لأنها من دينهم.
    فهذا كان حالهم رضي الله عنهم، ومن بعدهم، وهذا ما نسميه دليل الواقع.
  6. تمييزنا بعيد الجمعة

    ومن الأدلة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في الحديث الذي في الصحيحين { نحن الآخرون السابقون يوم القيامة} فنحن الآخرون في الأمم، زماناً، السابقون يوم القيامة، قال: { بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم، ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم، فاختلفوا فيه فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع، اليهود يوم السبت والنصارى يوم الأحد، ونحن -أي: يوم عيدنا- يوم الجمعة} وهذا في العيد الأسبوعي.
    فانظروا وقيسوا العيد الحولي على العيد الأسبوعي، فالعيد الأسبوعي الذي يتكرر كثيراً وهو قريب من أيامهم، ومع ذلك اختصنا الله تبارك وتعالى بعيد أسبوعي نخالفهم به، وفضلنا به، وجعل ذلك أحد العلامات التي تدل على أننا نخالفهم، وأن الله تعالى هدانا وأضلهم، وأرانا الصراط المستقيم وأغواهم عنه، فنحن لنا الجمعة وهم لهم اليومان المعروفان للجميع.
    إذاً هذا دليل كما يقول شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله: " وإذا كان هذا في العيد الأسبوعي فكذلك في العيد الحولي إذ لا فرق، بل إذا كان هذا في عيد يعرف بالحساب العربي، فكيف بأعياد الكافرين العجمية التي لا تعرف إلا بالحساب الرومي القبطي أو الفارسي أو العبري ونحو ذلك ".
  7. الأنبياء يستخدمون التقويم العربي أو الهجري

    وهنا ملحوظ آخر وهو أن ما كان من الأعياد كان بالتقويم العربي أو الهجري.
    وهكذا كانت العرب يحسبون على منازل الهلال، بل كان كما يقول شَيْخ الإِسْلامِ: " أن الرسل والأنبياء كانوا يشرعون لأممهم وكانت شرائعهم كلها على الهلال " سبحان الله! هذه كلمة لما قرأتها تعجبت من سعة علمه رضي الله عنه، يقول: أي نبي من الأنبياء يقول: شهر أو يقول: سنة فإنما يقصد الشهور الهلالية، أما الفلاسفة ومن تبعهم وهذا مأخوذ عن قدماء الفلكيين من الصابئين، فإنهم يوقتون بالشهور الشمسية، فيقول: نحن منهيون أن نتخذ هذا التقويم، وما كان من شهورهم فهو أشد حرمة مما كان من شهورنا، لأن فيه زيادة اختصاص لهم، لأنه ليس من شرائع الأنبياء أبداً أن يوقتوا بهذا.
    فهي -كما ذكرها- أوقات معروفة في أيام الأشهر الرومية، وإلى الآن تستخدم في بلاد الشام والعراق وهي: حزيران، ونيسان، وآذار إلى آخره، بينما الغربيين يستخدمون، يناير، فبراير، مارس إلى آخره.
  8. إجماع السلف على عدم حضور أعيادهم

    وهناك دليل آخر عظيم جداً على مسألة عدم حضور أعيادهم وهو دليل الإجماع، فالإجماع فلم يعهد أو يؤثر عن أحد من الصحابة أو التابعين أو من سلف الأمة وفقهائهم أنه حضر عيداً من أعيادهم أو أقره على الإطلاق.