المادة    
إننا نبين الحق في هذا الشأن، ونوضح بعض الأدلة والأحكام في هذا، وأسير في هذا على ما سار عليه شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله تعالى.
ولقد قسَّم شَيْخ الإِسْلامِ أدلة حكم الاحتفال بأعياد الكفار إلى قسمين: أدلة كلية، وأدلة تفصيلية.
  1. النهي عن الموالاة والمشابهة للكفار

    أما الأدلة الكلية في هذا فأولها: أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، نهانا عن موالاة الكفار ومشابهتهم، فالمسألة تدخل في باب الموالاة، ومن هنا فهي إذاً جزء من العقيدة.
    أي: أن الإيمان أو التصديق أو الإقرار بها، إقرار لعقيدتهم، وأن الكفر مطلوب، كالكفر بما لديهم من عقائد أخرى، فهذا يدخل في الموالاة والمشابهة، وفي هذا من الأدلة الكثيرة ما لا يحصى، كما بيَّنا في الآيات، قال تعالى: ((إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوّاً مُبِيناً))[النساء:101] وقال: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ))[الممتحنة:1] وقال: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ))[المائدة:51] وغير ذلك، فمن موالاتهم أن تحضر أعيادهم وأن تكون أعيادً للمسلمين، فتكون أعياداً حزب الشيطان وأوليائه أعياداً لأولياء الرحمن وحزب الله تبارك وتعالى، وهذا أمر يتنافى مع هذه الأدلة، بل يتنافى مع ما طبع الله عليه النفوس من النفور من المخالف، ولا أحد يخالفك أشد ممن يخالفك في دينك.
    وأضرب لكم مثلاً من الواقع: انظروا إلى لاعبي الكرة! هل يمكن أن ينزل إلى الميدان فريقان من لاعبي الكرة، ويكون لباسهما واحد، وشعارهما واحد؟ لا يمكن. لماذا؟
    لأنهما فريقان متقابلان متنافسان، متصارعان متباريان، فهل في الدنيا عداوة أشد من عداوة المؤمنين والكافرين؟
    وهل من عدوين يجب أن يتباغضا ويتهاجرا ويتباعدا أشد من المؤمنين والكافرين؟
    وهل هناك نسبة أو تقارب بين أصحاب الصراط المستقيم وأصحاب المغضوب عليهم والضالين؟
    وهل هناك تقارب أو تسوية بين من يهدي إلى الجنة ومن يهدي إلى النار؟
    وبين المتقين والفجار؟
    لا يمكن أبداً.
    إذاً: حتى في نفوس الناس ركز الله هذا وجعله في طباعهم.
    ولو أن رجلاً في دولة تحارب الشيوعية، ارتدى رداء الشيوعيين أو أي شعار، لضُرب وأوذي! ولا يستطيع أحد الآن في أوروبا أو أمريكا أن يحتفل بعيد من أعياد النازية، ولا أن يرتدي شعار النازية ويضعه على صدره ويمشي في الشارع لأن النازية في نظرهم عدو لهم، فيا سبحان الله!! كيف بالعداوة التي هي في الدين؟!
    وهي التي أمر الله تبارك وتعالى بها، وهي أعظم فُرقان يجب أن يكون بين المؤمنين وبين الكافرين.
  2. بدعية الأعياد

    المأخذ الثاني من الأدلة الكلية: هي أن هذه الأعياد من البدع، والمشاركة فيها من البدع، فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه من بعده والمسلمون جميعاً في العصور المفضلة لم يحضروا أبداً، ولم يشاركوا بأي شكل من الأشكال في هذه البدع المحدثة، بل قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} فهذه بدع عُظمى، وفيها مع المشابهة والموالاة أنها محدثه.
    فلو أحدث بعض المنتسبين إلى الإسلام، كـشيعة أو خوارج أو صوفية عيداً، فهل الواجب علينا أن نحضره؟ لا يجوز لنا حضوره، ولو كان الذين ابتدعوه من أهل الإسلام، فما بالكم بحضور أعياد الكفار، فهو أشد بدعة، والنهي فيه أشد وأغلظ.
    إذاً هذان المأخذان هما المأخذان الكليان الأساسيان، وكل واحد منهما له من الأدلة التفصيلية الشيء الكثير الذي لا يتسع له المقام أن نذكره؛ وإنما نقتصر على التنبيه إليه.
  3. الأصل في المسلمين مخالفة المشركين

    وقد ذكر شَيْخ الإِسْلامِ من الأدلة الكلية -أيضاً- ما جاء في الشرع من المخالفة، ولو كان في أمور نفعلها نحن في ديننا.
    فمثلاً: نحن في ديننا نصلي لله تبارك وتعالى، ولا نصلي ولا نسجد لغيره أبداً، ومع ذلك فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى كما في الحديث الصحيح من حديث عمرو بن عبسة: {نهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها} وعلل ذلك بعلتين:
    الأولى: أنها تطلع بين قرني شيطان.
    الثانية: أنه يسجد لها الكفار حينئذٍ.
    انظروا! إنه لما كان الكفار يسجدون لها حينئذٍ، ونحن نسجد لله تبارك وتعالى، لكن لما كان الزمن قد يتوافق، فنوافقهم في زمن عبادتهم، مع أن معبودنا غير معبودهم، نهينا أن نعبد ربنا في هذا الظرف، وهذا دليل على أن ما عدا ذلك هو أشد مخالفة ونهياً وزجراً.
    وأدلة هناك كثيرة في المخالفة، فقد أمرنا مثلاً: أن نعجل الإفطار في رمضان لأن تأخيره من شأن وديدن أهل الكتاب، وقد يقول قائل: أنا مسلم، وصمت لله تعالى، فما لي ولمن صام لغير الله، فإنه لا حرج عليَّ أن أؤخر الإفطار، فنقول له: لا.
    حتى هذا نهانا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه، منعاً للتشبه بهم.
    إذاً: فكيف بمن يشاركهم في شعيرة من شعائر دينهم، وفي عمل من أعمالهم؟ لا ريب أن ذلك حرام.
    وكذلك الأدلة العامة في مخالفة المجوس، كما في الأمر بإعفاء اللحية وإحفاء الشارب، وغير ذلك مما علله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو صدره بقوله: { خالفوا المشركين } { خالفوا المجوس } أو { خالفوا اليهود } فهذه الأدلة كلها تدل على أنه حتى في الأمور التي هي من جنس ديننا وعبادتنا أو من جنس العادات التي قد يفعلها بعض الناس، حرَّم علينا ديننا أن نشابههم فيها، بل جعلت مخالفتهم أصلاً من أصول ديننا، فيتصدر الأمر بقوله: {خالفوا}.
    إذاً تكون القاعدة، إن الأصل فيك أن تخالف، وفي ذلك أيضاً أدلة كثيرة لا يتسع المقام لها.