المادة    
التوحيد هو سبيل النجاة في الدنيا والآخرة، للكافر وللمؤمن، ولكن قد يقول القائل: علمنا كيف يكون التوحيد سبيل نجاة للمؤمن، لكن كيف يكون للكافر هذه الخاصية في التوحيد؟
فأقول: إن المشركين إذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين، حتى إذا جاءتهم ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان -فعندها- دعوا الله مخلصين له الدين، فينجيهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، بالتوحيد الذي هو مناط النجاة، فهو المفزع الذي يفزع إليه حتى الكافر: ((أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ))[النمل:62].
فالمضطر أيّاً كان، مسلماً كان أو يهودياً أو نصرانياً، فهو يدعو الله إذا انقطعت به كل الحيل، فيستجيب له الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ((فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ))[العنكبوت:65] أو ((إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ)) [الروم:33] لماذا؟ لأنهم نسوا الله لما نجوا إلى البر.
فالتوحيد ثمرته وفائدته تتحقق حتى في الكافر إذا أخلص في هذه الحياة الدنيا، وإن كان لا يواظب عليها، فبالله كيف نتوقع أن يكون للمؤمن؟ وكيف ينبغي لنا؟! نحن الذين نقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، هذه الكلمة العظيمة، التي نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يجعلها آخر كلمات حياتنا وأن يميتنا عليها وعلى تحقيق معناها، ويحيينا عليها إنه سميع مجيب.
  1. حقيقة الشهادة

    إن شهادة أن لا إله إلا الله ليست مجرد كلمة أو مجرد عبارات، لكن حقائق هذه الكلمة التي بعث الله تبارك وتعالى بها أنبياءه جميعاً ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)) [الأنبياء:25] ((وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)) [النحل:36]، ((فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى))[البقرة:256].
    فقد بعث الله الأنبياء جميعاً بشهادة أن لا إله إلا الله، ومعنى لا إله إلا الله: أن يكفر بالطاغوت ويعبد الله وحده، كما قال تعالى: ((فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى)) [البقرة:256]، والعروة الوثقى هي: شهادة أن لا إله إلا الله فلا تقبل الصلاة من غير لا إله إلا الله، كما قال الله تعالى: ((وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً)) [الفرقان:23] فلا يقبل الله العمل أبداً، بل هو كرمادٍ اشتدت به الريح في يوم عاصف؛ لأنه ليس مبنياً على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وعلى توحيد الله تبارك وتعالى.
    والتوحيد الذي هذا ثمرته ليس أي كلام، فالإيمان والتوحيد يتفاوت وله حقائق، فالإسلام إن كان وراثياً عن آبائنا وأجدادنا فهذا شيء حسن، ولكن هذا لا يكفي لأنه يحتاج إلى الإيمان الذي إذا جاءته شدة، وإذا جاءت الشهوة من المال الحرام ومن النساء الحرام وأعرضنا عنها ابتغاء وجه الله فهناك نكون موحدين، وإذ جاء الداعي ليدعوك بتأخير الصلاة، أو إلى التهاون بأمر الله وتركته استجابة لأمر الله فهنا اختبر توحيدك، وإن سمعت آيات الله، ووجدت خشوعاً ورّقةً في قلبك فاختبر توحيدك هنا، فإن وجدتها لا تصبر على ما حرم الله من اللهو والغناء وتتلذذ به وتعرض عن سماع القرآن، فاعلم أن توحيدك ناقص أو أنه مفقود.
  2. سحرة فرعون

    لابد أن نعلم أن السحرة الذين وحدوا الله وآمنوا بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، كيف كان توحيدهم؟ وكيف كان إيمانهم؟ لما ألقوا حبالهم وعصيهم فألقى موسى عليه السلام عصاه ((فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ))[الأعراف:117-118].
    فما كان منهم لما أن رأوا الآيات البينات الباهرات التي لا يمكن إلا أن يذعن لها القلب ويستسلم لها إلا أن ((قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَموسى))[طه:70]، آمنوا بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فأجابهم الطاغوت بالتهديد -فرعون- : ((قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى))[طه:71].
    فأخذ يتوعدهم ويهددهم كما ورد في آيات كثيرة من كتاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فماذا قال السحرة؟ وانظروا إلى حقيقة التوحيد من أول لحظة: ((قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى))[طه:72-73].
    فهذا هو التوحيد، وهذه هي حقيقته، فهناك القتل وهناك الصلب، من جبار طاغوت يملك ذلك، ويتوعد عليه، وأول الأمر كانوا يقولون له: ((أَإِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ))[الشعراء:41-42] إن انتصرتم على موسى فلكم الأجر ولكم الجوائز وإنكم من المقربين، ثم لحظات وإذا به يقول: أقتل وأفعل وأفعل، وهم يقولون: ((قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ))[طه:72] فهو لن يخوفنا أبداً؛ فمن عرف حقيقة الإيمان وحقيقة التوحيد، فلا يخاف إلا الله عز وجل ولا يبالي في دينه ((فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا)) [طه:72].
    فكانت نهاية فرعون الغرق، ومنذ أن وضع رجله في البحر انتهى فرعون ((إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا))[طه:72] فإنك إن ملكت الجسد لتقطعه فممكن، لكن هل تملك القلب؟ وهل تملك الإيمان؟ وهل تملك أن تنتزع التوحيد؟ لا، فهذه قلوبنا قد وجدت الله، وآمنت، وتعلقت بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الذي سوف يطهرها ويغفر لها الخطأ الذي كنت تكرهها عليه من السحر، ومما حرم الله تبارك وتعالى.
    فخوفهم من عذاب الآخرة، جعلهم ينسون عذاب فرعون وصلبه وأمره كله ((فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا)) [طه:72].
  3. الترقي في درجات التوحيد

    كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه من الذين ضربوا المثل الأعلى في تحقيق التوحيد لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وما جاهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قريشاً ثلاث عشرة سنة إلا ليحقق شهادة أن لا إله إلا الله، فهذا أمر ليس هيناً، فما نزلت الصلاة إلا لتكمل ولتزيد شعبة من شعب لا إله إلا الله.
    وأما في المدينة فنزلت الزكاة والصيام وهما شعبتان من شعب لا إله إلا الله، ومن شعب الإيمان أيضاً لتكون كل حركات، وسكناته المرء لله ((قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ))[الأنعام:162-163].
    فهكذا يجب أن يكون المؤمن، ولهذا يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {الإيمان بضع وستون شعبة فأعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان}.
    فكل أعمال البر وكل أعمال الخير كما هو في مذهب أهل السنة والجماعة- شعب من شعب الإيمان، فإذا حققت ما أمر الله في توحيده سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فيما بينك وبينه، وفيما بينك وبين الناس، وفيما بينك وبين نفسك في كل أمر، فأنت في ذلك تحقق التوحيد وترتقي في درجات الإيمان والتوحيد.
    وهكذا أوصانا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: {اتق الله حيثما كنت} فهذا هو جانب المعاملة مع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فضع هذا في حسبانك، واتق الله حيثما كنت، وأينما كنت في سرك وعلنك في بيتك وفي المسجد أو في أي مكان {اتق الله حيثما، كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها}.
    فكلما راودتك نفسك وعملت المعصية -وهي أمارة بالسوء وهي لا بد فاعلة- فأتبع السيئة حسنة تمحو لك تلك السيئة، وأما مع الناس فعاملهم بخلق حسن، فإذا أصلحت سريرتك، وإذا حققت هذا فأنت ترتقي في درجات الإيمان والتوحيد، حتى تصبح من المحسنين الذين قال فيهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يبين درجة الإحسان حين قال له جبريل عليه السلام: { فاخبرني عن الإحسان، قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك}.
    أي: أن تعبد الله كأنك تراه، فحين تصلي ولا أحد من الناس يتهمك في شيء لأنك تصلي ولكن أن شيئاً من هذه الصلاة -ولو قل- لغير الله فتحاسب نفسك، لماذا كان شيء من هذه الصلاة في غير ما أمر الله ولم يكن لله؟ وأيضاً حين تنفق المال وأخرجت منه درهماً أو ديناراً لغير الله، فتذكر أن هذا لغير الله، وحين تطلب العلم تعلماً أو تعليماً فعليك أن تنظر وأن تتفكر في نفسك هل هذا الشيء لله أو لغير الله؟ نسأل الله أن يجعل أعمالنا جميعاً خالصةً لوجهه الكريم فهذا هو تحقيق التوحيد.
  4. توحيد الرعيل الأول

    التوحيد من شدة صفائه ونقائه أن أدنى شيء يؤثر فيه ويخدشه، لأنه أنقى وأعظم الأشياء، والناس كثيراً ما يرتكبون المعاصي اغتراراً منهم بأنهم محققون للإيمان والتوحيد، أو أن هذه المعاصي لا يبرح منها أحد، أو لأنها قد وقعت فيمن قبلنا، وهذا من غرور الشيطان ومن تزيينه.
    فالصحابة رضوان الله تعالى عليهم لو وقع في زمانهم شيء من هذه المعاصي مع أن إيمانهم وتوحيدهم كان كالبحر العظيم، الذي مهما تلقي فيه بنجاسة من بول أو غائط فلا يؤثر فيه؛ لأنه بحر خضم كبير، ولديهم من قوة الإيمان ومن أعمال الخير والبر الشيء الكثير، فوقع في زمانهم أن فلاناً زنا وأن فلانة زنت، وأن فلاناً شرب الخمر، ولكن أين نحن منهم؟ إنما نحن كبركة صغيرة إن وقع فيها شيء من النجاسة تنجست.
    فهذه الأمور تؤثر في القلب بقدر ما في القلب من إيمان من حقائق الإيمان والتوحيد، ولذلك الزاني الذي يزني في هذا الزمان هل فيه -وهو أعلم- من الإيمان مثل المرأة التي زنت في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ تأتي إليه فيردها وهي حامل، ثم يردها ثم تأتي إليه بالولد وبيده كسرة خبز لتُبِرهن له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أنه يأكل وأنه مستغنٍ عنها، لأنها تريد أن يطهرها ثم يرجمها، ويقول: {لقد تابت توبة لو وزعت على أهل المدينة أو أهل الأرض لوسعتهم}.
    فهذه التوبة وهذا الصدق مع الله سبحانه تعالى إذا وقع معه الزنى فعلاً، فنقول: إنما هو مثل ما لو ألقيت النجاسة في البحر فلا يضره، فهذا إيمان قوي في هذا العمق، ولم يكن حالهم كحال الذين يزنون ويعصون، ويقولون: عندنا توحيد، فأين التوحيد وأين الإيمان مع الانهماك في المعاصي، ومع مجاهرة الله تعالى؟!
  5. الحياء من التوحيد

    ولقد أمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى المؤمن بالحياء كما في الحديث: { والحياء شعبة من الإيمان } فأين نحن من الإيمان بهذه الشعبة -شعبة الحياء- التي نص عليها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فهل عندنا حياء من الله؟! الإنسان منا يأكل والمزمار يُغني أين هذا من حياة السلف الصالح؟
    هذا نافع يُحدِّث عن ابن عمر أنه كان ماشياً فسمع مزماراً فوضع ابن عمر يديه على أذنيه، فقال له نافع: لم فعلت هذا؟ قال له ابن عمر: { مرَّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإذا براع وبيده قصبة فوضع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده هكذا } فوضع نافع يده -وهو لا يدري بالحكم وكان صغيراً.
    فهذا جيل يبلغ الحياء من الله بالرجل منهم أنه لا يسمع، ويعتزل المعازف حتى المرء الصغير منهم، ونحن نسمع المعازف والأغاني ونحن نأكل نعم الله، وننام في صحة وعافية، فماذا يقول الإنسان في هذه الحالة؟!
    أيقرأ الأذكار الواردة؟!
    أيحمد الله، وينام على السرير؟!
    وفي السجون وغيرها، فهل يقول: الحمد لله؟
    وهل يدعو بالأدعية الواردة أو بدلاً من ذلك يسمع الغناء؟
    فأين إيمانه وأين حياؤه؟ ينظر الإنسان إلى امرأة لا تحل له في تلفاز أو مجلة أو في الشارع وهي تعمل وتقوم بما تقوم به من حركات، وتقول: هذا مؤمن، فأين الحياء من الله؟ هذا التعري وهذا التبرج يتنافى مع الحياء تمام المنافاة، وهو الذي حرص عليه إبليس منذ أن أخرج أبوينا من الجنة ووسوس إليهما ((لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا))[الأعراف:20] فهذه هي الخطة الشيطانية القديمة، فإذا نزع الحياء انتهى كل شيء {إن من مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى، إذا لم تستح فاصنع ما شئت}.
    وإذا لم يوقفنا إيماننا في هذه الشعبة، فأين حياؤنا من الله عز وجل، إذا وجدنا صاحب منكر ولم ننكر عليه، ونمر بأصحاب المنكرات كأن يكون فاتحاً للمتجر والناس يصلون ولا نقول له: صلِّ، فأين حياؤنا من الله؟ وليكن تغييره بالأسلوب الحسن، فالمهم أن تدخل الإيمان في قلبه، ولا نريد تخويفاً ولا ترهيباً، وإنما نريد أن ندخل الإيمان في قلبه، فهل فعلنا ذلك؟ بل ذهب بنا ضعف الحياء إلى أن نؤيد صاحب المنكر على منكره.
    فهذا غاية الجرأة على الله وغاية التجاوز لحدود الله أن نتعاون على الإثم والعدوان ولا نتعاون على البر والتقوى، فلو اختبرنا إيماننا، وتوحيدنا عند شهوة أو فتنة لسقط فيه إلا من رحم الله.
    فهذا كتاب الله بين أيدينا، هل فيه آية واحدة علَّق الله فيها دخول الجنة على الإسلام، أو جعل الإسلام شرطاً في دخول الجنة، أو وعد المسلمين أنهم من أهل الجنة؟ لا تجدونه يقول: ((إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا))[الشعراء:227] إيمان وليس مجرد الإسلام، والإيمان درجة أعلى والحياء شعبة منه، فهل نحن فعلاً مؤمنون؟ هل نطمع بجنة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟ وهل طَمَعُنَا ورجاؤنا فيها وهم وخيال، أم هو على شيء؟
    فيجب أن نراجع أنفسنا، ويجب أن نحاسبها على كل صغيرة وكبيرة، ونحن قادمون على موسم عظيم وهو موسم الحج، وهذه العبادة كغيرها من العبادات إنما بنيت وركّبت وأسست على التوحيد، وهذا البيت أول من جدده إبراهيم عليه السلام، فإبراهيم إمام الموحدين، فقام هذا البيت على التوحيد.
    وكان هذا البيت قبلة المسلمين جميعاً للتوحد، مبدأ واحد، وغاية واحدة، ومقصد واحد إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ((وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً))[الحج:26] فأول شيء لا تشرك بي ((وَطَهِّرْ بَيْتِيَ))[الحج:26] ثم ابنِ البيت، فبني البيت على أساس التوحيد الخالص لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
    فيجب علينا أن نكون في أعمالنا جميعاً منطلقين من منطلق تحقيق التوحيد، وتحقيق متابعة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا يتحقق هذا إلا بهذا، فنصلي كما صلّى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونحج كما حج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونذكر الله كما ذكره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وندعو إلى الله كما دعا إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي كل أمر من الأمور نتمثل نهج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هذا تحقيق التوحيد والشطر الأول أشهد أن لا إله إلا الله.
    والشطر الثاني من تحقيق التوحيد هو: أشهد أن محمداً رسول الله، فإذا اتخذنا غيره قدوة، فصلينا على غير طريقته ومنهجه، وذكرنا الله على غير طريقته صلى الله عليه وسلم ومنهجه، فما حققنا شهادة أن محمداً رسول الله، وكأننا نشهد أن الشيخ فلان أو علان هو الذي يتبع، وهو الذي يُقتدى به، وهو الأسوة، وإن كنا نقول باللسان: أشهد أن محمداً رسول الله.
    فتحقيق التوحيد هو أعظم مطلب، وهو الذي به تنال رحمة الله، وتنال النجاة والفوز في الدنيا والآخرة، ولا يكون هذا الفوز إلا بأن يُعبد الله وحده لا شريك له، وأن يُعبد الله بما شرع، وبما عمله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو القدوة، والأسوة، الذي نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يحيينا ويميتنا على سنته والاهتداء بهديه والاقتداء به، إنه سميع مجيب.