السؤال: إن الله يخرج من النار أقواماً لم يعملوا خيراً قط؟
فكيف تردون على هذه الشبهة؟
الجواب: الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كتب أنه لن يُدخل الجنة إلا نفساً مؤمنة, كما أخبر بذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, ومن نقض الإيمان لن يدخل الجنة أبداً, ومن ذلك مثلاً: ترك الصلاة, من ترك الصلاة عامداً متعمداًَ فإنه كافر, حرم الله تعالى عليه الجنة, كما أجمع على ذلك الصحابة رضوان الله عليهم, لكن هذه الرواية: {إن الله يخرج أقواماً لم يعملوا خيراً قط} جاءت ضمن حديث طويل, هو حديث الشفاعة, وقد رواه البخاري, ومسلم, حيث يجمع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الخلائق يوم القيامة, ثم يأمر من كان يعبد شيئاً أن يتبعه, فيتبع الذين كانوا يعبدون الطواغيت الطواغيت, ويتبع عبدة الكواكب الكواكب, وكل قوم يتبعون ما يعبدون فلا يبقى إلا المؤمنون الذين يعرفون ربهم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, بالعلامة: ((يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ))[القلم:42] إلى آخر الحديث الطويل, والمهم أنه بعد أن يستقر أهل الجنة في الجنة, وأهل النار في النار, يتحنن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ويرحم خلقه, وهناك أناس لم يكتب لهم الخلود في النار, فهؤلاء يخرجون من النار, فيأمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الملائكة والنبيين والصديقين والشهداء أن يخرجوهم من النار, وفي نفس هذا الحديث يقول: فيعرفونهم بعلامة السجود, كيف يعرف النبيون والصالحون والملائكة من الشفعاء أن هذا الإنسان يستحق أن يخرج من النار, ويدخل الجنة؟
بعلامة السجود, يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {تأكل النار من ابن آدم إلا أعضاء السجود} إلا آثار السجود, لا تأكلها النار, ولذلك يعرفونهم بها.
إذاً، نفهم من هذا أن تارك الصلاة ليس من هؤلاء, وأن قوله: "لم يعملوا خيراً قط" لا يعني أنهم لم يكونوا مصلين, ولا مزكين, لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يوماً جالساً مع أصحابه, فقال لهم: {أتدرون من المفلس؟
قالوا: المفلس يا رسول الله، من لا درهم له ولا متاع، قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لكن المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وصدقة -يعني أنواع من العبادات- فيأتي وقد ظلم هذا, وشتم هذا, وأخذ مال هذا, فيؤخذ من حسناته فيعطى لهم, حتى إذا نفدت، أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه, ثم يلقى في النار} فهذا لم يعمل خيراً, وإن كان يصلي وكان عنده عبادة، لكن ما كان عنده خير, لماذا لم يعمل خيراً؟
لأن الخير ذهب بذهاب الحسنات، وبقي فيه أثر السجود.
وأيضاً الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً، ثم ذهب إلى العابد، فسأله فقال: لا توبة لك, فأكمل به المائة, وبعد موته جاءت ملائكة الرحمة وملائكة العذاب واختصمت فيه, قالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيراً قط, كيف لم يعمل خيراً قط؟
ألم يتب؟
أليست التوبة عملاً؟
بل هي من أفضل الأعمال، ومع ذلك قيل فيه: لم يعمل خيراً قط.
وأيضاً حديث الرجل الذي قال لأهله: إذا مت فأحرقوني، ثم اسحقوني، ثم ذروا نصفي في البحر, ونصفي في البر, فوالله لئن قدر الله عليّ، ليعذبني عذاباً لم يعذبه أحداً من العالمين, قال فيه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {كان رجل ممن قبلكم لم يعمل خيراً قط} كيف لم يعمل خيراً قط؟
الرواية الأخرى وضحت ذلك, أنه {أسرف على نفسه بالمعاصي } -بالزنا والخمر والفواحش- فما بقي للصلاة أي أثر على نفسه, حتى قيل عنه: { لم يعمل خيراً قط } ثم أمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى البر والبحر, فجمع كلٌ ما فيه، فيبعثه وهو القدير على كل شيء, ويقول: {عبدي لم فعلت ذلك؟ يقول: خوفك يا رب! }
فليس هو الكفر ولا إنكار البعث؛ لكن خوفك يا رب، فيغفر الله له لخوفه من الله, وإلا فإن الاعتقاد بإن الله لا يقدر أن يجمعه إذا كان رماداً -كما يفهم من كلام الرجل وفعله- لا يصح أبداً ولا يجوز أن يعتقده.
وليس هناك حالة فيها أنهم لم يعملوا خيراً قط، لا صلاة ولا صيام ولا أي عمل إلا حالة واحدة، يخرجون من النار ولم يكونوا من أهل الصلاة والإيمان، يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, كما روى ذلك حذيفة رضي الله تعالى عنه: {يدرس الإسلام -أي يضمحل- كما يدرس الثوب الخلق, حتى لا يدرى ما صلاة ولا زكاة ولا صيام ولا صدقة, فيبقى الرجل الهرم والمرأة العجوز, يقولون: أدركنا آباءنا يقولون: لا إله إلا الله, فنحن نقول هذه الكلمة, فقال أحد التابعين لحذيفة رضي الله عنه: فما تغنيهم لا إله إلا الله؟! فقال حذيفة رضي الله عنه: تنجيهم من النار} فشرار الخلق عند الله هم الذين يأتون في آخر الزمان, وهم هؤلاء, بعد أن رفع القرآن ورفع العلم, ولا يدرون عن أي شيء, ويرتكبون الموبقات والمعاصي, أهم شيء عندهم هو تكرير كلمة لا إله إلا الله, أدركنا آباءنا يقولونها، فهؤلاء تنجيهم من النار , لأنهم ما أدركوا شيئاً من الدين, لكن من يعلم أن الصلاة واجبة وكذلك الزكاة والحج وترك الخمر وترك الزنا وترك الفواحش, ثم يقول: أنا أشهد أن لا إله إلا الله, ولا يؤثر عليّ ترك الأعمال ,فنقول له: هؤلاء لم يعلموا بالواجبات حتى يعملوا بها، أما أنت فقد علمت بها فلا يشملك حكمهم، فكيف تقارن نفسك بهؤلاء وهم في حالة الجهل, وأنت في ديار العلم!!
والناس فيما يتعلق بالإيمان والعقيدة يعتمدون على أن المسلم من يشهد أن لا إله إلا الله فقط، كما هو مذهب المرجئة، أما المذهب الحق وهو ما عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصحابته، فلا بد من العمل، وقد أجمع الصحابة على أن تارك الصلاة كافر.