فما هو الذي يجب أن نتمسك به أولاً، وأن نتأمله، وأن نتدبره، وأن نجعله معيار حياتنا ومنهاجها؟
إنه كتاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، هذا الذي بين أيدينا، فهل علمنا أبناءنا تعظيم كتاب الله؟!
وهل علمناهم حفظ كتاب الله بقدر الاستطاعة؟!
وهل ألزمنا أنفسنا بالوقوف حيث أمر الله في كتابه، والانتهاء عما نهى الله عنه في كتابه؟!
وهل جعلناه منهاج حياتنا في العمل، وفي البيت، وفي المدرسة، وفي المجتمع، وفي الأمة ككل؟!
إننا لا نحتاج إلى إجابة، بل إننا نقول: بقدر ما تجدون عندنا -كأفراد أو مجتمع- من الطمأنينة ومن الرخاء ومن النعمة، فهو بقدر ما لدينا من الإيمان ومن التصديق بكتاب الله، وبقدر فقدنا ذلك فاعلموا أننا نفقد التمسك بكتاب الله بقدر ذلك أيضاً، هذا هو المعيار.
والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قال حتى عن أهل الكتاب من قبلنا: ((
وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ))[المائدة:66] سبحان الله!! إذا أقمنا كتاب الله؛ فإننا سنأكل من فوقنا ومن تحت أرجلنا، أي: تأتينا النعم من السماء والأرض، ويأتينا النعيم، ويأتينا النصر، ويأتينا العلم، ويأتينا كل ما يطمح إليه الفرد وما تطمح إليه الأمة والجماعة والمجتمع، فهذا كتاب الله بين أيدينا، ما تغير منه -ولله الحمد- حرفٌ واحد، وهذا كلام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أيدينا في السنة الصحيحة، نستطيع أن نرى كيف كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعمل، وكيف كان يتعبد، وكيف كان يجاهد، وكيف كان في بيته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكيف كان في مجتمعه، وكيف كان حسن خلقه، وأين نحن من حسن خلقه؟!
ونحن المسلمين كم بيننا من العداوات، بين الزميل وزميله، وكم من المشاحنات بين الجار وجاره، إلا من وفقه الله تبارك وتعالى، وما الذي يقضي على أمراض القلوب هذه جميعاً؟!
إنه الإيمان بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، إن الإيمان بالله يجعل الإيثار والتضحية محل الأثرة ومحل المعاندة، والإيمان بالله تعالى يجعل الإنسان يقر بخطئه، ومن منا اليوم يقر بخطئه؟!
إن هذا أصعب شيء على النفوس أن يقول الإنسان منا: نعم أنا الذي أخطأت، وأنا مستعد أن أتحمل نتيجة خطئي، كم فينا من شجاع يمكن أن يقول ذلك؟!
الأمانة والصدق والوفاء بالوعد... كل هذا مما يأمرنا به ديننا، وهي من شعب الإيمان التي إذا عملنا بها تغيرت حياتنا تماماً.
وقد ذكر لنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأسئلة الأربعة التي تكون في امتحان الآخرة، وهو امتحان يختلف كثيراً في كل شيء عن امتحانات الدنيا، فامتحانات الدنيا لا تعلم أسئلتها، لكن امتحان يوم القيامة أربعة أسئلة معروفة، وكلها إجباري، ولو تأملها الإنسان منا لاستطاع أن يضع الإجابة من الآن، فما الفرق بين أنك تضعها الآن أو تضعها من بعد؟!
وكلنا قريباً سوف نُسأل هذه الأسئلة، فلنستعد للإجابة من الآن، يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {
لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره: فيما أفناه، وعن شبابه: فيما أبلاه، وعن ماله: من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وعن علمه: ماذا عمل به}.
المال تسأل عنه: أخذت المال من حلال, فهل أنفقته في حرام؟
ولا يمكن أن تكون النجاة ولا النجاح إذا كان كذلك.. والسؤال الرابع وعن علمه ماذا عمل به؟
فالحمد لله أنه لم يسألنا عن علم العلماء, لكن سألنا عن علمنا نحن, فيكفيك هذا العلم الذي تعلمته, تعلم أن الخيانة حرام؟
يكفيك.. تعلم أن الغناء وسماع الموسيقى حرام؟
يكفيك..تعلم أن النظر إلى المرأة الأجنبية سواء في الشارع, أو في المجلة حرام؟
يكفيك أن تعلم أنه حرام, وليس لك عذر: كان كذا وكل الناس كذا, هذه المعاذير كثيرة لكنها لا تفيد وكل نفس بشرية تأتي بالمعاذير: ((
بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ))[القيامة:15].
إذا اهتدى يقول: الحمد لله اهتديت وتركت هذه الأشياء, وهو من قبل يقول: كل الناس يفعلوا هذا، وهذا ليس فيه شيء!! بل هناك شيء عظيم جداً، إما السعادة والطمأنينة في الدنيا، والنجاة من عذاب الله في الآخرة, وإما الشقاوة والمعيشة الضنك في الدنيا، والعذاب الأليم في الآخرة!! فكل ما نعلم أنه حرام نجتنبه, وكل ما نعلم أنه واجب نحرص عليه, الصلاةُ جماعةً واجبٌ, فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يعذر حتى الأعمى! مع أنه أعمى ولا قائد له!! وفي
المدينة ليس فيها كهرباء ولا أنوار!!! ومع ذلك لم يعذره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بترك الجماعة؛ فمن الذي يعذرمنا -والحمد لله- كل شيء مهيأ، المساجد مكيفة, والطرق آمنة, والأنوار مضاءة, ولا يوجد أي عذر أبداً.
وكلنا نعلم أن صلة الأرحام واجبة, وهي من شعب الإيمان، ونحن نحتاج الإيمان فلنصل أرحامنا, ولنعلم أن الأمانة والإخلاص في العمل, وأن طاعة الرئيس أو القائد في طاعة الله عز وجل, ولا بد منها لنجاح العمل ولتحقيقه, ولنعلم أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أمرنا أن نرحم وأن نشفق على من ولانا الله أمره، وعلى من كان تحت قيادتنا, وهكذا.. أمور كثيرة جداً, ولا يوجد واحد منا إلا وهو مسئول من جهة ومرءوس من جهة أخرى, ولا يوجد أحد إلا وهو قريب للناس, وله أقرباء من ناحية أخرى, وهكذا.
فيجب علينا جميعاً أن نقف حيثما أمر الله, ونعرض أحوالنا جميعاً على كتاب الله وعلى سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((
وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ))[الشورى:10] ولو علمنا ذلك وعملنا به, فهل يعز على الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يبدل حالنا إلى ما هو أفضل منه؟ وهل يعز على الله عز وجل أن يرزقنا النصر كما رزق الصحابة الأولين؟
أبداً، نحن الآن نملك من القوة المادية ما لم يملكه الصحابة الأولون، ونعرف من أنواع الخبرات العالمية ما لم تكن لديهم, فإذا تمسكنا بكتاب الله وعرفنا حقيقة الإيمان, ونعمة الإيمان, واهتدينا بهديه, فإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد تكفل وتأذن أن يعيد لنا ذلك الملك وذلك النصر, كما قال لمن قبلنا من بني إسرائيل: ((
وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا)) [الإسراء:8]، فكذلك هذه الأمة؛ إن عادت للمعاصي؛ عاد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عليها بالعقوبة، وإن رجعت لدين الله, فإنه يرجع إليها السعادة والنصر والفلاح والقوة.
وأختم قولي بوصية الله الكبرى الخالدة: ((
وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)) [النساء:131]، فهذه وصية الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لنا جميعاً، أن نتقي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, وأن نؤمن به حق الإيمان, وأن نعلم حقيقة إيماننا؛ فنحمد الله على هذه النعمة، ونشكره على أن منّ علينا بها.