المادة    
نبدأ باستعرض تاريخ الحكم بغير ما أنزل الله، ونشأته في الجماعة الإنسانية منذ أن خلقها الله تبارك وتعالى إلى اليوم.
  1. عشرة قرون يتحاكمون إلى شرع الله

    فنقول: إن آدم وذريته من بعده كانوا على التوحيد عشرة قرون، كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه، فكانوا يتحاكمون إلى شرع الله، وهذه أول قضية نخالف فيها من يكتبون في تاريخ التشريع في العالم، لأنهم يزعمون أن الإنسانية تطورت وبدأت أولاً بالأعراف وأحكام شيخ القبيلة، ثم القوانين غير المكتوبة، ثم لما اكتمل التطور الذي ظهر في العصر الحديث وما قبله في العصر الروماني، ظهرت القوانين المكتوبة المدونة الآن بما يسمى الدساتير، ثم القوانين بفروعها المدني والتجاري والإداري إلى آخره، ثم اللوائح التنفيذية لها، وهذا هو الفرق بين قولنا نحن المسلمين وبين قولهم.
  2. بداية الشرك والخلاف

    والقصد أنه لما وقع الاختلاف ووقعت الأمة في الشرك، بعث الله النبيين، وأرسل الرسل،وأنزل الكتاب، والكتاب هنا اسم جنس، والمقصود به جنس الكتب، وأنزل الله تعالى الكتب لتحكم بين الناس فيما يختلفون فيه، فلم يترك الله تبارك وتعالى الإنسانية هملاً، ولم يترك الجماعة البشرية بلا كتاب ولا شريعة تنظم حياتهم، فلا يزعم زاعم أن الكتب السماوية إنما نزلت لتنظيم ما يسمونه بالجانب الروحي فقط، وتركت للناس الاحتكام إلى الطواغيت أو الأهواء أو الشرائع الوضعية عامة.
  3. انقسام تاريخ الإنسانية إلى خطين

    انقسم تاريخ الإنسانية إلى خطين:
    الأول: أصحاب اليمين: وهؤلاء موجودون على مدار التاريخ وهم يحتكمون إلى شرع الله.
    الثاني: المنحرفون المشركون التاركون لدين الله ولشرعه، الذين يحتكمون إلى الطواغيت على اختلاف أنواعها كما سنذكر.
    أما أصحاب اليمين فهؤلاء كانوا كما في القرآن والسنة على نوعين:
    النوع الأول: الأنبياء والرسل، وهذا واضح جداً ولا تخفى الأمثلة على ذلك، مثل: داود وسليمان: ((وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً))[الأنبياء:78-79] وهكذا بقية الرسل، ولهذا قال الله تعالى عن التوراة: ((يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا))[المائدة:44].
    فكان النبيون يحكمون -عموماً- في جميع مراحل التاريخ، حيثما وجد النبي فإنه يحكم بين المؤمنين وبين أتباعه فيما يشجر بينهم، ثم منهم من تقام له دولة كبيرة كما كان لسليمان عليه السلام، ومنهم من يكون أقل، فالمقصود أن أتباع الرسل صلوات الله وسلامه عليهم يحتكمون إلى الرسل، وكما صح أيضاً عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: {إن بني إسرائيل كانت تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي}.
    النوع الثاني: الملوك العادلون الذين يحكمون بين الناس بما أنزل الله ويتبعون شرعه، وإن لم يكونوا أنبياء، وهذا كثير في التاريخ أن ملوكاً آمنوا بدين الله، واتبعوا هديه، وورثوا شريعة من شرائعه، أو بعث فيهم نبي من أنبيائه فآمنوا به أمثال طالوت فقد كان ملكاً، وكان الأنبياء في عهده يخبرونه بحكم الله، وكذلك ذي القرنين من أعظم ملوك الدنيا الذي ذكره الله تبارك وتعالى في القرآن -وهو غير ذي القرنين الذين يسمونه المقدوني الوثني اليوناني، فذاك على الإيمان والتوحيد كما ذكر الله تبارك وتعالى، وهذا مشرك ملحد- ثم جاء من بعدهم الكثير.